أجمل قصائد أبوالعلا المعري مكتوبة

  • تاريخ النشر: الخميس، 16 يونيو 2022
مقالات ذات صلة
أجمل قصائد البحتري مكتوبة كاملة
أجمل قصائد هشام الجخ مكتوبة
أجمل قصائد الزير سالم مكتوبة

يعتبر أبوالعلا المعري أحد أشهر الشعراء الذين شاركوا في تقديم العديد من القصائد وأبيات الشعر المختلفة، وخلال السطور القادمة أشهر  5 قصائد قدمها ابوالعلا المعري.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

قصائد أبوالعلا المعري مكتوبة

1

أرى العَـنْـقاءَ تَكْبُرُ أن تُصادا

فـعـانِـدْ مَـنْ تُـطـيـقُ لهُ عِـنادا

ومــا نَهْــنَهَــتُ عــن طَـلَبٍ ولكِـنْ

هـيَ الأيّـامُ لا تُـعْـطـي قِـيادا

فـلا تَـلُمِ السّـوابِـقَ والمَطايا

إذا غَــرَضٌ مــن الأغـراضِ حـادا

لعَــلّكَ أنْ تَــشُــنّ بـهـا مَـغـاراً

فــتُـنْـجِـحَ أو تُـجَـشّـمَهـا طِـرادا

مُــقــارِعَــةً أحِـجّـتَهـا العَـوالي

مُــجَــنّـبَـةً نَـواظِـرَهـا الرّقـادا

نَــلومُ عــلى تَــبـلّدِهـا قُـلوبـاً

تُـكـابِـدُ مـن مَـعـيـشَـتِها جِهادا

إذا ما النّارُ لم تُطْعَمْ ضِراماً

فــأوْشِـكْ أنْ تَـمُـرَّ بـهـا رَمـادا

فــظُــنّ بــســائِرِ الإخْـوانِ شَـرّاً

ولا تــأمَــنْ عــلى سِــرٍّ فُــؤادا

فـلو خَـبَـرَتْهُـمُ الجَـوزاءُ خُـبْري

لَمـا طَـلَعَـتْ مَـخـافَـةَ أن تُكادا

تَــجَـنّـبْـتُ الأنـامَ فـلا أُواخـي

وزِدْتُ عــن العـدُوّ فـمـا أُعـادى

ولمّــا أنْ تَــجَهّــمَــنــي مُــرادي

جَـرَيْـتُ مـعَ الزّمـانِ كما أرادا

وهَــوَّنْــتُ الخُــطــوبَ عــليّ حـتـى

كـأنـي صِـرتُ أمْـنـحُهـا الوِدادا

أَأُنْــكِــرُهـا ومَـنْـبِـتُهـا فـؤادي

وكـيـفَ تُـنـاكِرُ الأرضُ القَتادا

فــأيّ النّــاسِ أجْــعَـلُهُ صَـديـقـا

وأيّ الأرضِ أسْــلُكُهُ ارْتِــيــادا

ولو أنّ النّــــجـــومَ لديّ مـــالٌ

نَـفَـتْ كَـفّـايَ أكْـثـرَها انْتِقادا

كــأنــي فـي لِسـانِ الدهْـرِ لَفْـظٌ

تَــضَـمّـنَ مـنـه أغْـراضـاً بِـعـادا

يُــكَــرّرُنــي ليَــفَهَــمَــنـي رِجـالٌ

كـمـا كَـرّرْتَ مَـعْـنـىً مُـسْـتَـعـادا

ولو أنّـي حُـبِـيـتُ الخُـلْدَ فَـرْداً

لمَـا أحـبَـبْـتُ بالخُلْدِ انفِرادا

فــلا هَــطَـلَتْ عَـلَيّ ولا بـأرْضـي

سَـحـائبُ ليـسَ تـنْـتَـظِمُ البِلادا

وكــم مِـن طـالِبٍ أمَـدي سـيَـلْقـى

دُوَيْـنَ مَـكـانـيَ السبْعَ الشّدادا

يُـؤجِّجـُ فـي شُـعـاعِ الشـمسِ ناراً

ويَــقْــدَحُ فــي تَـلَهّـبِهـا زِنـادا

ويَـطْـعَـنُ فـي عُـلايَ وإنّ شِـسْـعـي

لَيَــأنَــفُ أن يـكـونَ له نِـجـادا

ويُـــظْهِـــرُ لي مَــوَدّتَهُ مَــقــالا

ويُـبْـغِـضُـنـي ضَـمـيـراً واعْتِقادا

فـلا وأبـيكَ ما أخْشَى انتِقاضاً

ولا وأبـيـكَ ما أرْجو ازْديادا

ليَ الشّـرَفُ الّذي يَـطَـأُ الثُـريّا

مـعَ الفَـضْلِ الذي بَهَرَ العِبادا

وكــم عَــيْــنٍ تُـؤَمّـلُ أن تَـرانـي

وتَـفْـقِـدُ عـنـدَ رؤيَـتِيَ السّوادا

ولو مَـلأ السُّهـى عَـيْـنَـيْهِ مِـنّي

أَبَـــرَّ عـــلى مَــدَى زُحَــلٍ وزادا

أفُـــلّ نَـــوائبَ الأيــامِ وحْــدي

إذا جَـمَـعَـتْ كَـتائِبَها احْتِشادا

وقــدْ أَثْــبَــتُّ رِجْــلي فـي رِكـابٍ

جَــعَـلْتُ مـن الزَّمـاعِ له بَـدَادا

إذا أوْطَــأتُهــا قَــدَمَــيْ سُهَـيْـلٍ

فـلا سُـقِـيَـتْ خُـنـاصِرَةُ العِهادا

كــأنّ ظِــمــاءَهُــنّ بــنــاتُ نَـعْـشٍ

يَرِدْنَ إذا وَرَدنا بِنا الثِّمادا

سـتَـعْـجَـبُ مـن تَـغَـشْـمُـرِهـا لَيالٍ

تُــبــارِيـنـا كـواكـبُهـا سُهـادا

كـأنّ فِـجـاجَهـا فَـقَـدَتْ حَـبـيـبـاً

فــصَــيّـرَتِ الظّـلامَ لهـا حِـدادا

وقـد كـتَـبَ الضّـريبُ بها سُطوراً

فــخِــلْتَ الأرضَ لابِـسَـةً بِـجـادا

كــأنّ الزِّبْــرِقــانَ بـهـا أسـيـرٌ

تُــجُــنِّبــَ لا يُـفَـكُّ ولا يُـفـادى

وبـعـضُ الظـاعِـنـيـنَ كـقَـرْنِ شَمْسٍ

يَـغـيـبُ فـإنْ أضاء الفَجْرُ عادا

ولكِــنّــي الشّــبــابُ إذا تَــوَلّى

فــجَهْــلٌ أنْ تَـرومَ له ارْتِـدادا

وأحْــسَـبُ أنّ قَـلْبـي لو عَـصـانـي

فَـعـاوَدَ مـا وَجَـدْتُ له افْتِقادا

تـــذكَّرْتُ البِـــداوَةَ فــي أُنــاسٍ

تَــخـالُ رَبـيـعَهُـمْ سَـنَـةً جَـمـادا

يَــصــيــدونَ الفَــوَارِسَ كـلَّ يـومٍ

كـمـا تَـتَـصَـيّـدُ الأُسْدُ النِّقادا

طــلَعْــتُ عـليـهِـمْ واليـوْمُ طِـفْـلٌ

كــأنّ عــلى مَــشــارِقِهِ جِــســادا

إذا نَـزَلَ الضّـيوفُ ولم يُريحُوا

كـرامَ سَـوامِهمْ عَقَروا الجِيادا

بُـنـاةُ الشِّعـْرِ مـا أكْفَوْا رَوِيّاً

ولا عَرَفوا الإجازَةَ والسِّنادا

عَهِــدْتُ لأحْـسَـنِ الحَـيّـيْـنِ وَجْهـاً

وأوْهَــبِهِــمْ طـريـفـاً أو تِـلادا

وأطْــوَلِهِــمْ إذا ركِـبـوا قَـنـاةً

وأرْفَــعِهِـمْ إذا نـزَلوا عِـمـادا

فـتـىً يَهَبُ اللُّجَيْنَ المَحضَ جوداً

ويَــدَّخِــرُ الحــديــدَ له عَـتـادا

ويَـلْبَـسُ مـن جُـلودِ عِـداهُ سِـبْتاً

ويَــرْفَـعُ مـن رُؤوسِهِـمُ النِّضـَادا

أبَــنَّ الغَــزْوَ مُـكْـتَهِـلاً وبَـدْرا

وعُــوّدَ أنْ يَــســودَ ولا يُـسـادا

جَهــولٌ بـالمَـنـاسِـكِ ليـس يَـدري

أغَــيّـاً بـاتَ يَـفْـعَـلُ أم رَشـادا

طَـمـوحُ السّـيـفِ لا يـخْـشَى إلهاً

ولا يَـرجـو القِيامَةَ والمَعادا

ويَـغْـبِـقُ أهْـلَهُ لبَـنَ الصّـفـايـا

ويَـمْـنَـحُ قَـوْتَ مُهْـجَـتِهِ الجَوادا

يَــذودُ سَــخــاؤُهَ الأذْوادَ عـنـه

ويُـحْـسِـنُ عـن حـرائِبِهِ الذِّيـادا

يَــرُدّ بــتُـرْسِهِ النّـكْـبـاءَ عـنّـي

ويــجْــعَــلُ دِرْعَهُ تـحْـتـي مِهـادا

فــبِــتُّ وإنّــمــا ألْقَــى خَـيَـالاً

كـمَـنْ يَـلْقَـى الأسِنّةَ والصِّعادا

وأطْـلَسَ مُـخْـلِقِ السِّرْبـالِ يَـبْـغي

نَــوافِـلَنـا صَـلاحـاً أو فَـسـادا

كــأنّــي إذْ نَــبَـذْتُ له عِـصـامـاً

وَهَـبْـتُ له المَـطِـيّـةَ والمَـزَادا

وبَالي الجِسْمِ كالذّكَرِ اليَماني

أفُـلّ بـه اليَـمـانِـيَـةَ الحِدادا

طَـرَحْـتُ له الوَضِـيـنَ فـخِـلْتُ أني

طـرَحْـتُ له الحَـشِـيّـةَ والوِسـادا

وَلي نَــفْــسٌ تَـحُـلّ بـيَ الرّوابـي

وتـأبَـى أنْ تَـحُـلّ بـيَ الوِهـادا

تَـمُـدّ لتَـقْـبِـضَ القَـمَـرَيـنِ كَـفّـا

وتَـحْـمِـلُ كـيْ تَـبُـذّ النجْمَ زادا

2

ألا في سبيلِ المَجْدِ ما أنا فاعل

عَفافٌ وإقْدامٌ وحَزْمٌ ونائِل

أعندي وقد مارسْتُ كلَّ خَفِيّةٍ

يُصَدّقُ واشٍ أو يُخَيّبُ سائِل

أقَلُّ صُدودي أنّني لكَ مُبْغِضٌ

وأيْسَرُ هَجْري أنني عنكَ راحل

إذا هَبّتِ النكْباءُ بيْني وبينَكُمْ

فأهْوَنُ شيْءٍ ما تَقولُ العَواذِل

تُعَدّ ذُنوبي عندَ قَوْمٍ كثيرَةً

ولا ذَنْبَ لي إلاّ العُلى والفواضِل

كأنّي إذا طُلْتُ الزمانَ وأهْلَهُ

رَجَعْتُ وعِنْدي للأنامِ طَوائل

وقد سارَ ذكْري في البلادِ فمَن لهمْ

بإِخفاءِ شمسٍ ضَوْؤها مُتكامل

يُهِمّ الليالي بعضُ ما أنا مُضْمِرٌ

ويُثْقِلُ رَضْوَى دونَ ما أنا حامِل

وإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانُهُ

لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْهُ الأوائل

وأغدو ولو أنّ الصّباحَ صوارِمٌ

وأسْرِي ولو أنّ الظّلامَ جَحافل

وإني جَوادٌ لم يُحَلّ لِجامُهُ

ونِضْوٌ يَمانٍ أغْفَلتْهُ الصّياقل

وإنْ كان في لُبسِ الفتى شرَفٌ له

فما السّيفُ إلاّ غِمْدُه والحمائل

ولي مَنطقٌ لم يرْضَ لي كُنْهَ مَنزلي

على أنّني بين السّماكينِ نازِل

لَدى موْطِنٍ يَشتاقُه كلُّ سيّدٍ

ويَقْصُرُ عن إدراكه المُتناوِل

ولما رأيتُ الجهلَ في الناسِ فاشياً

تجاهلْتُ حتى ظُنَّ أنّيَ جاهل

فوا عَجَبا كم يدّعي الفضْل ناقصٌ

ووا أسَفا كم يُظْهِرُ النّقصَ فاضل

وكيف تَنامُ الطيرُ في وُكُناتِها

وقد نُصِبَتْ للفَرْقَدَيْنِ الحَبائل

يُنافسُ يوْمي فيّ أمسي تَشرّفاً

وتَحسدُ أسْحاري عليّ الأصائل

وطال اعتِرافي بالزمانِ وصَرفِه

فلَستُ أُبالي مًنْ تَغُولُ الغَوائل

فلو بانَ عَضْدي ما تأسّفَ مَنْكِبي

ولو ماتَ زَنْدي ما بَكَتْه الأنامل

إذا وَصَفَ الطائيَّ بالبُخْلِ مادِرٌ

وعَيّرَ قُسّاًً بالفَهاهةِ باقِل

وقال السُّهى للشمس أنْتِ خَفِيّةٌ

وقال الدّجى يا صُبْحُ لونُكَ حائل

وطاوَلَتِ الأرضُ السّماءَ سَفاهَةً

وفاخَرَتِ الشُّهْبُ الحَصَى والجَنادل

فيا موْتُ زُرْ إنّ الحياةَ ذَميمَةٌ

ويا نَفْسُ جِدّي إنّ دهرَكِ هازِل

وقد أغْتَدي والليلُ يَبكي تأسُّفاً

على نفْسِهِ والنَّجْمُ في الغرْبِ مائل

بِريحٍ أُعيرَتْ حافِراً من زَبَرْجَدٍ

لها التّبرُ جِسْمٌ واللُّجَيْنُ خَلاخل

كأنّ الصَّبا ألقَتْ إليَّ عِنانَها

تَخُبّ بسَرْجي مَرّةً وتُناقِل

إذا اشتاقَتِ الخيلُ المَناهلَ أعرَضَتْ

عنِ الماء فاشتاقتْ إليها المناهل

وليْلان حالٍ بالكواكبِ جَوْزُهُ

وآخرُ من حَلْيِ الكواكبِ عاطل

كأنَّ دُجاهُ الهجْرُ والصّبْحُ موْعِدٌ

بوَصْلٍ وضَوْءُ الفجرِ حِبٌّ مُماطل

قَطَعْتُ به بحْراً يَعُبّ عُبابُه

وليس له إلا التَبَلّجَ ساحل

ويُؤنِسُني في قلْبِ كلّ مَخوفَةٍ

حلِيفُ سُرىً لم تَصْحُ منه الشمائل

من الزّنْجِ كَهلٌ شابَ مفرِقُ رأسِه

وأُوثِقَ حتى نَهْضُهُ مُتثاقِل

كأنّ الثرَيّا والصّباحُ يرُوعُها

أخُو سَقْطَةٍ أو ظالعٌ مُتحامل

إذا أنْتَ أُعْطِيتَ السعادة لم تُبَلْ

وإنْ نظرَتْ شَزْراً إليكَ القبائل

تَقَتْكَ على أكتافِ أبطالها القَنا

وهابَتْكَ في أغمادهِنَّ المَناصِل

وإنْ سدّدَ الأعداءُ نحوَكَ أسْهُماً

نكَصْنَ على أفْواقِهِنَّ المَعابل

تَحامى الرّزايا كلَّ خُفّ ومَنْسِم

وتَلْقى رَداهُنَّ الذُّرَى والكواهِل

وتَرْجِعُ أعقابُ الرّماحِ سَليمَةً

وقد حُطِمتْ في الدارعينَ العَوامل

فإن كنْتَ تَبْغي العِزّ فابْغِ تَوَسّطاً

فعندَ التّناهي يَقْصُرُ المُتطاوِل

تَوَقّى البُدورٌ النقصَ وهْيَ أهِلَّةٌ

ويُدْرِكُها النّقْصانُ وهْيَ كوامل

أجمل قصائد أبوالعلا المعري مكتوبة

3

تخَيّرْتُ جُهْدي لو وَجدْت خِيارَا

وطِرْتَ بعَزْمي لو أصَبْتُ مَطارا

جَهِلْتُ فلمّا لم أرَ الجهْلَ مُغْنِياً

حَلُمْتُ فأوْسَعْتُ الزّمانَ وَقارا

إلى كم تَشكّاني إليّ رَكائبي

وتُكْثِرُ عَتْبي خُفْيةً وجِهارا

أسِيرُ بها تحتَ المَنايا وفوْقَها

فيَسْقُطُ بي شَخْصُ الحِمامِ عِثارا

وكُنّ إذا لاقَيْنَني ليَرِدْنَني

رَجَعْنَ كما شاءَ الصّديقُ حِرارا

فللّهِ طَعْمي ما أمَرّ مَذاقَهُ

وللهِ عِيسي ما أقَلّ نِفارا

وأسْوَدَ لم تَعْرِفْ له الإنْسُ والِداً

كَسانيَ منه حُلّةً وخِمارا

سَرَتْ بيَ فيه ناجِياتٌ مِياهُها

تَجِمّ إذا ماءُ الرّكائِبِ غارا

فخَرّقْنَ ثوْبَ اللّيْلِ حتى كأنّني

أَطَرْتُ بها في جانبيْه شَرارا

وباتَتْ تُراعي البدرَ وهْوَ كأنّه

من الخَوْفِ لاقى بالكَمالِ سِرارا

تأخّرَ عن جيْشِ الصّباحِ لضُعْفِه

فأوْثَقَهُ جيشُ الظّلامِ إسارا

ووافَتْ رِعاناً للرِّعانِ كأنّما

تُحادِثُها الشّعْرى العَبُورُ سِرَارا

وباتَ غَوِيُّ القوْمِ يَحْسَبُ أنّهُ

أجَدَّ إلى أهلِ السّماءِ مَزارا

إذا ضَنّ زَنْدٌمَدّ بالشّخْتِ كفَّه

ليَقْبِسَ من بعضِ الكواكبِ نارا

إذا قُيّدَتْ في مَنْزِلي بتَنُوفَةٍ

حَسِبْتَ مُناخاً أو طِنَتْه مُثارا

تظُنّ غَطيطَ النوْمِ نَهْمَةَ زاجِرٍ

فتَقْطَعُ قَيْداً أو تَبُتّ هِجارا

أطَلّتْ على أرجاء أزرَقَ مُتْرَعٍ

تَنُوشُ بَريراً حوْلَه وبَهارا

يَمِدْنَ إذا أُسْقِينَ منه كأنما

شَرِبنَ به قَبْلَ الضّياء عُقارا

إذا خفقَ البرْقُ الحِجازِيُّ أعْرَضَتْ

وتَرْنو إذا برْقُ العِراقِ أنارا

وتأرَنُ مِن بَعدِ اللُّغوبِ كأنّه

إليها بجَدّ في النّجاءِ أشارا

وليْستْ تُحِسّ الأرضُ منها بوطْأةٍ

فتُفْزِعُ سِرْباً أو تَروعُ صِوارا

تَدوسُ أفاحيصَ القطا وَهْوَ هاجِدٌ

فتَمْضي ولم تَقْطَعْ عليه غِرارا

وتَقْنِصُ أُمَّ الخِشْفِ ما أبَهَتْ لها

فتُحْدِثَ عنها نَبْوَةً وفِرارا

كأنّكَ أصْغَرْتَ الزمانَ وأهْلَهُ

عَبيداً ولم تَرْضَ البسيطةَ دارا

تَظَلّ المَنايا في سُيوفِكَ شُرّعاً

إذا النّقْعُ مِن تحتِ السّنابِكِ ثارا

فإنْ عُدّ ضَحضاح الحِمامِ صَوارِمٌ

عُدِدْنَ بُحُوراً للرّدى وغِمارا

كأنّ تُرابَ الأرضِ لم يَرْضَ عِزَّها

فأصْعَدَ يَبْغي في السماء جِوارا

بكلّ كُميْتٍ ما رَعتْ خبَطَ الحِمى

ولا شَرِبَتْ رِسْلَ اللّقاحِ سَمارا

إذا ما عَلاهَا فارسٌ ظَنّ أنّه

تَبَوّأ ما بين النّجومِ قَرارا

ولم أرَ خَيْلاً مِثْلَها عَرَبيّةً

تُذِيلُ عَدُوّاً أو تصُونُ ذِمارا

أشَدَّ على مَن حارَبَتْه تسلّطاً

وأبْعَدَ منها في البلادِ مُغارا

يُكَلّفُها الأرضَ البعيدةَ ماجِدٌ

يُشَيّدُ مَجْداً لا يُكشِّفُ عارا

غَذاهُنّ مُحْمَرَّ النّجيعِ قَوارِحاً

كما كُنّ يُغْذَيْنَ الضّريبَ مِهارا

سمعْنَ الوَغى قبلَ الصّهيلِ وما انْسَرَتْ

مَشَايِمُها حتى اكتَسَينَ غُبارا

إذا أفرعَتْ من ذاتِ نِيقٍ حَسِبْتَها

تُفيضُ على أهلِ الوُهودِ بِحارا

وإن نَهَضَتْ من مطمَئنّ ظنَنْتَه

يَجيشُ جِبالاً أو يَمُجّ حِرارا

يَغُولُ سِباعَ الطّيرِ ضَنْكُ غُبارِها

فيُسْقِطُ مَوْتَى أعْقُباً ونِسارا

ويَجْشِمُ فيه السِّيدُ رُعْباً فكُلما

أضاءتْ لعينيه القَواضِبُ سارا

هَداهُ إلى ما شاء كلّ مهَنّدٍ

يَكونُ لأسبابِ الحُتوفِ نِجارا

كأنّ المَنايا جيشُ ذَرّ عَرَمْرَمٌ

تَخِذْنَ إلى الأرْوَاحِ فيهِ مَسارا

4

يا ساهِرَ البَرْقِ أيقِظْ راقِدَ السَّمُرِ

لعَلّ بالجِزْعِ أعواناً على السّهَرِ

وإنْ بخِلْتَ عن الأحياء كلّهمِ

فاسْقِ المَواطِرَ حَيّاً من بَني مَطَرِ

ويا أسيرةَ حِجْلَيْها أرى سَفَهاً

حَمْلَ الحُلِيّ لمَنْ أعْيا عن النّظَرِ

ما سِرْتُ إلا وطَيْفٌ منكِ يصْحَبُني

سُرىً أمامي وتأوِيباً على أثري

لو حَطّ رَحْليَ فَوْقَ النجْمِ رافِعُه

وجَدتُ ثَمّ خَيالاً منكِ مُنتظِري

يَوَدّ أنّ ظَلامَ اللّيْلِ دامَ له

وزِيدَ فيهِ سَوَادُ القَلْبِ والبَصَرِ

لو اخْتَصَرْتم من الإحسانِ زُرْتُكمُ

والعَذْبُ يُهْجَرُ للإفراطِ في الخَصَرِ

أبَعْدَ حَوْلٍ تُناجي الشّوْق نَاجيةٌ

هَلاّ ونحنُ على عَشْرٍ من العُشَرِ

كم باتَ حوْلَكِ من ريمٍ وجازِيَةٍ

يَستَجدِيانِكِ حُسْنَ الدّلّ والحَوَرِ

فما وَهبْتِ الذي يَعرِفنَ مِن خِلَقٍ

لكن سمَحتِ بما يُنْكِرْنَ من دُرَرِ

وما تَركْتِ بذاتِ الضّالِ عاطِلَةً

من الظّباء ولا عَارٍ من البَقَرِ

قَلّدْتِ كلّ مَهاةٍ عِقْدَ غانيَةٍ

وفُزْتِ بالشّكْرِ في الآرامِ والعُفُرِ

ورُبّ ساحِبِ وَشْيٍ مِنْ جآذِرِهَا

وكان يَرْفُلُ في ثَوْبٍ من الوَبَرِ

حسّنْتِ نَظْمَ كلامٍ تُوصَفينَ به

ومَنْزِلاً بكِ مَعْموراً من الخَفَرِ

فالحُسنُ يَظهرُ في شيئين رَوْنقُه

بيتٍ من الشِّعْرِ أو بيْتٍ من الشّعَرِ

أقولُ والوحْشُ تَرْميني بأعْيُنِها

والطّيرُ تَعجَبُ منّي كيفَ لم أطِرِ

لمُشْمَعِلّيْنِ كالسّيْفَين تحتَهما

مثلُ القَناتَين من أينٍ ومِن ضُمُرِ

في بَلدةٍ مثْلِ ظَهْرِ الظّبْيِ بِتُّ بها

كأنّني فوقَ رَوْقِ الظّبْي مِن حَذَرِ

لا تَطْوِيا السّرّ عنّي يَومَ نائبةٍ

فإنّ ذلك ذَنْبٌ غيرُ مُغْتَفَرِ

والخِلُّ كالماء يُبْدي لي ضمائرَه

مع الصّفاء ويُخْفيها مع الكَدَرِ

يا رَوّعَ الله سَوْطي كم أرُوعُ به

فُؤادَ وجْنَاءَ مثلَ الطائرِ الحَذِرِ

باهَتْ بمَهْرَةَ عدناناً فقلتُ لها

لولا الفُصَيْصِيّ كان المجدُ في مُضَرِ

وقد تَبَيّنَ قَدْري أن معرِفَتي

مَن تَعلَمينَ ستُرْضيني عن القَدَرِ

القاتِلُ المحْل إذ تبْدو السماءُ لنا

كأنها من نَجيعِ الجَدْبِ في أُزُرِ

وقاسِمُ الجُودِ في عالٍ ومنخفِضٍ

كقِسْمةِ الغيثِ بين النّجم والشَجَرِ

ولو تَقَدّمَ في عَصر مضى نزلَتْ

في وَصْفِهِ مُعْجِزاتُ الآيِ والسَوَرِ

يُبينُ بالبِشْر عن إحْسان مصطنع

كالسّيْفِ دَلّ على التّأثيرِ بالأثَرِ

فلا يَغُرّنْكَ بِشْرٌ مِن سِواه بَدا

ولو أنار فكمْ نَوْرٍ بلا ثَمَرِ

يا ابن الأولى غيرَ زَجْرِ الخيلِ ما عرَفوا

إذ تَعرِفُ العُرْبُ زَجرَ الشاء والعَكَرِ

والقائِديهَا مع الأضيافِ تتْبعُها

أُلاّفُها وأُلوفُ اللأمِ والبِدَرِ

جَمالَ ذي الأرض كانوا في الحياة وهُم

بعدَ المماتِ جَمالُ الكُتْبِ والسِّيَرِ

وافَقْتَهُمْ في اختلافٍ من زَمانكمُ

والبَدرُ في الوهْنِ مثلُ البدرِ في السّحرِ

المُوقِدُونَ بنجْدٍ نارَ باديَةٍ

لا يَحضُرونَ وفَقْدُ العِزّ في الحَضَرِ

إذا هَمَى القَطْرُ شَبَتْها عَبيدُهمُ

تحتَ الغَمائم للسّارين بالقُطُرِ

مِن كُلّ أزْهَرَ لم تَأشَرْ ضَمائِرُهُ

لِلَثْمِ خدّ ولا تقْبِيلِ ذي أُشُرِ

لكنْ يُقْبّلُ فُوهُ سامعَيْ فَرَسٍ

مقابلَ الخَلْقِ بينَ الشمْسِ والقَمَرِ

كأنّ أُذْنَيْه أعطَتْ قلبَه خبَراً

عنِ السماءِ بما يلقى من الغِيَرِ

يُحِسّ وطءَ الرّزايا وهْيَ نازلةٌ

فيُنْهِبُ الجرْيَ نفْسَ الحادثِ المَكِرِ

مِن الجِيادِ اللّواتي كان عَوّدَها

بنُو الفُصَيصِ لقاء الطعن بالثُّغَرِ

تغْنى عن الوِرْدِ إنْ سلّوا صَوارِمَهُمْ

أمامَها لاشْتِباهِ البِيضِ بالغُدُرِ

أعاذَ مجْدَكَ عبْدَ اللهِ خالقُه

من أعْينِ الشّهْبِ لا من أعْينِ البَشَرِ

فالعَيْنُ يَسْلَمُ منها ما رأتْ فنبَتْ

عنه وتَلْحَقُ ما تَهْوَى من الصّورِ

فكم فريسةِ ضِرْغامٍ ظفِرْتَ بها

فحُزْتَها وهْيَ بيْنَ النّابِ والظُّفُرِ

ماجَتْ نُمَيرٌ فهاجَتْ منكَ ذا لِبَدٍ

واللّيْثُ أفْتَكُ أفعالاً من النّمِرِ

همّوا فأمّوا فلمّا شارفوا وقَفوا

كوِقْفَةِ العَيْرِ بين الوِرْدِ والصّدَرِ

وأضعفَ الرّعْبُ أيدِيهِم فطعْنُهُمُ

بالسّمهرِيّةِ دُونَ الوَخْزِ بالإبَرِ

تُلقي الغواني حفيظَ الدُّر من جَزَعٍ

عنها وتُلْقي الرّجالُ السَّرْدَ من خَوَرِ

فكم دِلاصٍ على البطحاء ساقطةٍ

وكم جُمانٍ مع الحَصْباءِ مُنْتَثِرِ

دعِ اليَرَاعَ لِقَوْمٍ يَفخرونَ به

وبالطّوَالِ الرّديْنيّات فافتَخرِ

فهُنّ أقلامُكَ اللاتي إذا كتبَتْ

مجْداً أتَتْ بمِدادٍ من دمٍ هَدَرِ

وكُلِّ أبيضَ هنديٍّ به شُطَبٌ

مثْلُ التّكسّرِ في جارٍ بمنْحَدرِ

تَغَايَرَتْ فيه أرواحٌ تمُوتُ به

من الضَرَاغِمِ والفُرْسانِ والجُزُرِ

رَوْضُ المَنايا على أنّ الدّماءَ به

وإنْ تَخَالَفْنَ أبْدالٌ من الزّهرِ

ما كنْتُ أحسَبُ جَفْناً قبل مسْكنِه

في الجفْنِ يُطْوَى على نارٍ ولا نَهَرِ

ولا ظَنَنْتُ صِغارَ النّمْلِ يُمكِنُها

مَشْيٌ على اللُّجّ أو سَعْيٌ على السُّعُرِ

قالت عُداتُك ليس المجدُ مُكتسَباً

مقالةَ الهُجن ليس السّبْقُ بالحُضُرِ

رأوْك بالعَينِ فاسْتَغْوَتْهُمُ ظِنَنٌ

ولم يَرَوْكَ بفِكْرٍ صادِقِ الخَبَرِ

والنّجْمُ تستصْغِرُ الأبصارُ صورتَه

والذنْبُ للطَّرْفِ لا للنجمِ في الصّغَرِ

يا غيْثَ فَهْمِ ذَوي الأفهام إِن سَدِرَتْ

إبْلي فمرْآك يَشْفِيها من السَّدَرِ

والمَرْءُ ما لم تُفِدْ نَفْعاً إقامتُه

غَيْمٌ حَمَى الشمسَ لم يُمْطِرْ ولم يَسِرِ

فزانَها اللهُ أن لاقتْكَ زِينتَه

بَناتِ أَعْوَجَ بالأحْجالِ والغُرَرِ

أفْنَى قُواها قليلُ السّيرِ تُدْمِنُهُ

والغَمْرُ يُفنِيه طولُ الغَرْفِ بالغُمَرِ

حتى سطَرْنا بها البَيْداءَ عن عُرُضٍ

وكلُّ وَجْناءَ مثْلُ النّونِ في السَّطَرِ

علُوْتُمُ فتواضَعْتُمْ على ثِقَةٍ

لمّا تَوَاضَعَ أقْوامٌ على غَرَرِ

والكِبْرُ والحمْدُ ضِدّانِ اتّفاقُهما

مثْلُ اتّفاقِ فَتَاءِ السّنّ والكِبَرِ

يُجْنَى تَزَايُدُ هذا من تَناقُضِ ذا

والليلُ إنْ طالَ غالَ اليومَ بالقِصَرِ

خَفّ الوَرى وأقرّتْكمْ حُلُومُكُمُ

والجَمْرُ تُعْدَمُ فيه خِفّةُ الشّرَرِ

وأنْتَ مَنْ لو رأى الإنسانُ طَلْعَتَه

في النّوْم لم يُمْسِ من خَطْبٍ على خَطَرِ

وعَبْدُ غيْرِكَ مضْرُورٌ بخِدْمَتِهِ

كالغِمْدِ يُبْليه صَوْنُ الصّارِمِ الذّكَرِ

لولا قُدومُكَ قبْلَ النّحْرِ أخّرَهُ

إلى قدومِك أهْلُ النفْعِ والضّرَرِ

سافَرْتَ عنّا فظَلّ النّاسُ كلّهُمُ

يُراقبونَ إيابَ العِيدِ مِن سَفَرِ

لوْ غِبْتَ شَهْرَكَ موْصُولاً بتابِعِه

وأبْتَ لانْتقلَ الأضْحَى إلى صَفَرِ

فاسْعَدْ بمَجْدٍ ويوْمٍ إذ سَلِمتَ لنا

فما يَزيدُ على أيّامِنا الأُخَرِ

ولا تَزَلْ لكَ أَزمانٌ ممَتِّعَةٌ

بالآلِ والحالِ والعَلياءِ والعُمُرِ

5

أَلَيسَ أَبوكُم آدَم إِن عُزيتُمُ

يَكونُ سَليلاً لِلتُرابِ إِذا عُزي

يُوَدُّ الفَتى لَو عاشَ آخِرَ دَهرِهِ

سَليماً مُؤَتّى لا أُميتَ وَلا رُزي

أَنامٌ لَعَمري لَيسَ فيهِ مُوَفَّقٌ

لِرُشدٍ وَلا يَحظى بِخَيرٍ إِذا جُزي

وَبازٍ يُغادي الطَيرَ مُهتَضِماً لَها

فَهَل يَرتَجي النَصفَ الضَعيفُ إِذا بُزي

وَجَدتُ سَفيهَ القَومِ مِن سوءِ رَأيِهِ

إِذا قيلَ خَف مِن قادِرٍ فَوقَنا هَزي

وَرَدنا إِلى الدُنيا بِإِذنٍ مَليكِنا

لِمَغزىً وَلَسنا عالِمينَ بِما غُزي

ذَوُ النُسكِ خَيرُ الناسِ في كُلِّ مَوطِنٍ

وَزِيُّهُم بَينَ المَعاشِرِ خَيرُ زي

وَهَل يَنفَعُ الوَشيُ السَحيبُ مُضَلَّلاً

وَإِن ذُكِرَت في القَومِ شيمَتُهُ خُزي

وَمِن عَجبٍ دَعواكَ عِلماً وَحِكمَةً

وَعِلمُكَ شَيءٌ قيلَ بِالظَنِّ أَو حُزي

وَجِئتَ بِنَمِيٍّ إِلى مُتَعَصِّبٍ

فَناداكَ دينارٌ بِكَفِّكَ هِبرِزي

  1. "قصائد أبوالعلا المعري" ،