أجمل قصائد أحمد زكي أبو شادي مكتوبة كاملة
قصيدة في الشتاء العويل والأشجان
قصيدة سيدي الفارس المجلى أتأذن
قصيدة اضحكي يا شمس وابكي يا سماء
قصيدة الأربعون صدى فؤادي الدامي
قصيدة لم يحصر الفن فن ذهن وأنان
أحمد زكي أبو شادي، هو طبيب مصري وشاعر ومن أبرز الأدباء في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، ويعد أحد الرواد والمجددين في الشعر العربي الحديث، وهو مؤسس جماعة أبولو الشعرية التي ضمت شعراء الرومانسية في العصر الحديث.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وفي هذا المقال نستعرض أجمل قصائد أحمد زكي أبو شادي مكتوبة كاملة.
قصيدة أين ابتسامتك يا حبيبي
قصيدة أين ابتسامتك يا حبيبي، من قصائد أحمد زكي أبو شادي، ويقول فيها:
أين ابتسامُكَ يا حبيبي فالثلج أقسى من مَشيبي
في غُربتي لهفانُ أسألُ عنك كل هوىً غريبِ
هيمانُ أنظر للسماءِ فلا ترد على وجيبي
ماتت أشعتها كموت الثلج في كَفنٍ رهيبِ
وغدت مناحتها مناحةَ كلُ مغتربٍ كئيبِ
ما لي وقد خُلقَ التفاؤل من حناني كالمريبِ
ما لي أُرجِّعُ آهتي سهمانَ كالروض الجديبِ
ما لي ظمئتُ وكُّل ما حولي مناهلُ للقلوبِ
من كلّ فنٍ عبقريٍ للمحِّب وللحبيبِ
خلقته آلهةُ الجمالِ لكلّ ذي وترٍ عجيبِ
وَحَبت فؤادي فوقَ مرجِّو المؤصَّل والجنيبِ
مالي أُعُّب ولا أَبُل ظَماءَ روحي يا حبيبي
وَعَلامَ تسالي وحولي في الطبيعةِ من نحيبي
ومنَ الأَسى لَفراقِ آياتِ الربيع المستجيبِ
ومنَ العذابِ بكل جارحةِ لصمت العندليب
ومن التجهم للغيوم بَدَت كأسرارِ الغيوبِ
رضوانُ ناداني لجنتك الزكيةِ يا حبيبي
حاشاهُ أن يَنسى عَذابي من عنائِكَ أو لهيبي
وَدَمي على شعري الجريحِ دميِ على الشَّفق الخضيبِ
ما قيمةُ الجنَّاتِ في داجٍ من البطِش العصيبِ
ليست وإن نُسبت إليك بها لسحرك غيرُ طيبِ
ذكى بقايا من جلالٍ غابَ في المجدِ السليبِ
يا قلما ألقى المدَافِع عنه في وجه الخطوب
يا قلما يَأسَى وذاكَ أساي جبَّاراً مُذيبي
يا قلما ضَحَّى وقد حملت من رُزئي صليبي
كمَ من تَمسَّح في الوفاءِ ممثلاً زُهد الخطيب
ووفاؤهم هو للحطام الدّونِ والصَّلفِ الخلوبِ
وطنيةٌ ملءُ اللسانِ تُشامُ أو ملءُ الجيوب
غَلبت منافعهم عليهم والنِّفاقُ على ضروبِ
متهالكينَ على التظاهُرِ وهو كالفجرِ الكذُوبِ
متآمرينَ على المواهبِ عُوقبت مِثلَ الذنوب
فاستهزوَؤا بالشعرِ والأدب اللبُّابِ واللبيبِ
وتفننوا في كلّ تزويرٍ على حق الأريب
وكأنمَّا التاريخُ والأحداثُ نَدَّت عن حسيبِ
وكأنّما الوطنُ الغبينُ مراتعُ العبث الجليبش
وكأنّما الَّدخلاءُ أهلُ البيتِ من كلّ الشعوبِ
عابوا علىَّ تغربّي وأنا ببعدي كالتريب
لكن غناي غنىً لروحي لا تُفاخِرُ بالعيوبِ
صَلواتُها للموطنِ العانيً بأنواع الكروبِ
ما كنتُ ناسيه ولا المقدامُ بالثَّلبِ المعيبِ
مَن لا يضحي بالمبادئ وهو في بؤسِ الحريب
بل يَحسبُ الخسرانَ إجلالاً على رغمِ الحسيبِ
يا ليتني ذاكَ الخبيرُ بكلِّ آياتِ الطبيب
يا ليتني من يستطيعُ إعادة المجدِ المهيبِ
قد ضاعَ بين الهازلين من الحسيب إلى النسيبِ
قد ذاقَ من نفيي وشاخَ ودبَّ في نفىٍ دبيبي
أكرم بنبلكَ يا أديبٌ تاقَ للحرِّ الأديبِ
وَأبى لمثلي الاغترابَ فباتُ يشغلهُ أبيبي
هَون عليكَ فكُّل أرضٍ أو سماءٍ من نَصيبي
هيهاتَ يسجنني نطاقٌ للغريب أو القريبِ
ولقد أعيشُ بعالَمٍ هو من خيالي أو نسيبي
مُستصغراً ذاك التناحُرَ للزَّعيمِ وللنقيبِ
فَرضاَ على الأدباءِ إذلال المبايِعِ والمنيب
وتمرَّغا في حمأةٍ مفضوحةٍ للمستريبِ
مالي وهذا الخبثَ شُغلاً لابن آوى أوِ لذِيبِ
مالي وساعاتي أَجلٌ من التطاحُن والحروبِ
ومنَ الحياةِ وإن بَدت حيناً كفاتنةٍ لعوبِ
رُوحي بإيحائي وما عُمرِي سوى لحني وطيبي
إن سَاءَني قومي فُهم قومي تعالوا عن ضريبِ
نقدي لعَّزِتهم كَصونِ التُبرِ من شَوبِ الغريب
أَخلصتهم جهدي فَصُّوني بإرهاقٍ رتيبِ
وكأنّما سُخفُ الدعي أَجلِ من فكرِ المصيبِ
وطني حبيبي هل تَظُّن تَعمُّى هَجرِ حبيبي
حاشاكَ يَا من شعرُهُ مَجنىً من الشَّهد الصبيب
أنا ما نَزَحتُ لغيره ما دامت في البؤسِ الرتيبِ
وكأنَّ مَدحَ الحاكمينَ لصبره جودُ المثيبِ
وكأنّما عهدُ الفراعينِ استطالَ بلا رقيبِ
يَرضَى الفتاتَ جوائزاً والموتَ كالعيشِ القشيبِ
وأظلُ عمري مَن يناِفحُ دون عونٍ أو مُجيبِ
حَسبيِ ندائي للشبابِ إذا تَثاقَلَ خطوُ شيبِ
سيصونُه سمعُ الزمانِ وجائلُ النسَّمِ الرَّطيبِ
وَلئن يُزفَّ لي الجحود فليس بالحظِّ العجيبِ
ولئن توسَّدتُ الترابَ فليس موتى كالمغيبِ
ستظل أحلامي تُطوفُ كالأشعة والطيوبِ
ويظلِ شعري بعد أن فاسيِ كإلهامِ الغروب
قصيدة في الشتاء العويل والأشجان
في الشتاءِ العويلُ والأشجانُ للألى هان حظهم منذ هانوا
بل فصولُ الحياةِ موتٌ معادٌ تتساوى فكلُّها حِرمانُ
رُوِّيت من دموعهم زهراتٌ ثم ماتت وضِّرج البستان
والعطورُ التي حباها ربيعٌ أنكرتها الحياةُ والأكفان
بدِّدت في المحيطِ لغو أوضاعت وأباهَا زمانها والمكان
كل ما حولهم وإن لجَّ بالمعنىَ هراءٌ وكله بُهتان
لا مقاييسَ غيرُ ما يفرضُ الذل وما يستبيحه الطغيانُ
عقهم كل ما رأوهُ ملاذاً وانتهى في عقوقه الإنسان
عَجبوا من وجودهم ومناهُم بينما البؤسُ حَولهم طُوفانُ
خَجلت في النَّدى طيورٌ تغنَّت فتغنت بحزنها الغدران
لم يُميَّز ربيعهم من شتاءٍ في قلوبٍ إجدابُها ألوان
لم يخافوا موتاً وقد وَهَموا الموتَ حياةً لمثلهم قد تُصانُ
وتناسوا لهم مقالاً وأذهاناً بعهد تُعاقَبُ الأذهانُ
واستراحوا إلى التدهور واليأسِ كأنَّ الرجاءَ لصُّ يدَانُ
وأتى الفارسُ البشيرُ فلم يَحفل بأنبائِهِ فتىً أو مكانَ
غَير فردٍ منهم هو الشاعرُ الثائرُ في سجنه هو الفَّنان
هو من يعرف انطواءَ على النفسِ إذا شاع في الهواء الدُّخانُ
وهو من يعرف الزئيرَ من القبرِ إذا هَدَّمَ القبورَ الجبانُ
وهو في سجنه الأبي على السجنِ فمنه السَّجينُ والسجان
وهو منهم في البؤسِ إن لم يكن منهم إذا ما استعبدَ النُّهىَ الإذعانُ
قيل أبشر سيحضر المهراجا عن قريبٍ ويضحك المهرَجَان
إنَّ تشريفهَ لنعمىَ عزيزٌ أن تَرَاهَا وُكلُّها إحسانُ
وأَعدَّ الحَّكامُ للسيدِ القادم ما يفرضُ الرياءُ المزَان
من ضروبِ اللهَّوِ الغريبِ ولو أنَّ الُمجِّلى من بينهم بهلوان
كلُّ إتقانهم نفاقٌ وبهتان ومنهم ليخجل البهتان
لم يبالوا كم مُرِّغَ الشعبُ في الضيمِ إذا داسَ رأَسه السلطان
هيأوا الخمرَ والقيانَ وَشَتَّى من مخازٍ وُخوِدعَ الإيوان
يشمئُّز الجمادُ سراً من الرجس إذا سَرَّ غيرهَ الإعلان
حينما الناسُ لم يبالوا من الزينات شيئاً كأنهم عُميان
فإذا الشاعرُ المرَّجبُ فيهم يتلظى كأنه البركان
قال يا قوم ما القنوطِ بمجدٍ للعزيزِ النهُّىَ ولا النسيانُ
اصفعوا الغاشمَ الأنَاني واقضوا في دَعَاوى يُقيمها الشيطانُ
وأتى الموكب المفَّخمُ والرَّاجا فخورٌ كأنه الديانُ
وانتفاخُ الأوداجِ والصدر والبطنِ جبال خلالها القيعانُ
وائتلاف الحلِّى غَطَّينَ قَزماً شرق للنفوسِ لا طيلسان
وإذا الناسُ بالمصابيح مُوفُونَ كأنَّ النهارَ لا يُستبان
وإذا الشاعر المقَّدمُ حُكمٌ ساخرٌ فوق ما عَناهُ العيان
قال ذاك الطاغوتُ من أنتض ما معنى مصابيحكم أهذا جَنانُ
أم جُننتم أينَ الحفاوة منكم أيلاقى التَّفضُّل النُّكرانُ
فأجابَ الفنانُ إنيّ أنا الشاعرُ فيهم وإنني التَّرجمان
كيفما كانت الخطوب الدَّواهي أنا قلبٌ ومسمعٌ ولسان
هم دَمىِ من بهم أعُّز ومنهم يُستُّمد الإلهام والإيمان
إن يكن ذلك القنوط احتواهم فهو بي حُرقةٌ وبي نيرانُ
وهو من بَدَّل البكامَة إفصاحاً فعافت قيودَها الأوزان
لم نجئ أيها المؤمَّرُ فينا كالضحايا تنالها الأوثانُ
إنما هذه المصابيحُ أدَّت غايةَ السُّخرِ إن يُغلَّ اللسانُ
للذي لا يرى رعاياه في البؤسِ فماتوا به مِراراً وعانوا
ثم دوَّى المكانُ من غضبهِ الرَّاجا وكادت تُهدَّمُ الأركان
وقضى الشاعرُ الوفي غريباً يصحب النفي ما له شُطآنُ
ثُمَّ وَلِّى جيلٌ وجيلٌ فسادت ثورةُ الشعبِ وانقضى الصولجانُ
قصيدة سيدي الفارس المجلى أتأذن
قصيدة سيدي الفارس، من قصائد أحمد زكي أبو شادي، ويقول فيها:
سيدي الفارس المجلىّ أتأذَن
بعد ترحيب شاعر لا يُمارِي
بحديثٍ أو قصةٍ لم تلقَّن
دون نُبل الحياةِ للأدهارِ
لم تُؤَّلف أحداثها أو تُدوَّن
في القراطيس أو على الأحجارِ
أو حكاها مُحِّدثٌ يتفنن
بل حكاها دمٌ ودمعٌ جاري
منك إلهامُها ومنى نشيدٌ
في ثناياهُ مُنتهى إكباري
وسعيدٌ من يصطفيك سعيدٌ
كاغتباط الأعشابِ بالأزهار
واهتزازِ الجديبِ وهو شهيدٌ
لوفودِ الحياةِ في الأمطار
وازدهاءِ الخيالِ وهو شريدٌ
باقترانِ اللُّحونِ والأشعار
زعموا أنَّ مُرسَلاً بين قومٍ
يحصدون الرؤوس للناس عُجباَ
لم يبالوا ربّاً ولم يعرفوا يو
ماً تجاه الأنامِ حُباً وقُربى
كم رؤوساً كريمةٍ طوّحوها
ثمّ صارت لهم متاحف تُربى
فدعاهم إلى الهداية لكن
صدفوا عنه كلما ازداد قُربا
وأخيراً من بعد لأي مديدٍ
وعدوه بأنه سيلبي
سائلينَ السماحَ منه بصيدٍ
واحدٍ قبل أن يَعافوا الحربا
قال هل تقسمون ذلك عهدٌ
فأجابوا أجل لساناً وقلبا
قال سمعاً إذن سيأتي غريبٌ
في غدٍ فاقتلوه نحراً وصلبا
ثم جاء الغد المؤّملُ سحراً
مُفصحاً عن عجائبِ الأسرارِ
وتجَّلت فيه الطبيعةُ نوراً
كعروسٍ تختال بين الَّدراري
كُّل شيءٍ يوحي حُبوراً وشعراً
للهدُاةِ التُّقاةِ والكفارِ
وإذا بالغريبِ يطفحُ بشراً
قادماً دون خشيةٍ أو عثار
فتهاووا عليه ضرباً ونحراً
وتغنوا غناء أهلِ الفخارِ
ثم ثابوا فأدركوا بَعدُ نُكراً
لا يُجارَى ولم تُبحهُ الضواري
أي إثمٍ فكراً وصخراً
مثلُ قتلِ الصديق ثم افتخاري
قتلوه وقد تنكر سراً
ليفدي الورى من الأشرار
يا صديقي هذي حكايةُ دُنيا
شقيت بالطَّغاةِ والفجَّارِ
هي دُنيا لأهلنا لو ثوها
باقتناصِ الرؤوس دون اعتذار
يقتلون النوابغ الصُّفو قتلاً
ويُبارون في أذى الأحرار
كم رؤوساً عزيزةٍ دوخوها
ثم أحيوا الفوضى بعارٍ وغارٍ
ورأيناك من يكافح دهراً
ككفاح المبشرِ المغوار
صائحاً نادباً تُقرِّعُ حيناً
وتُربِّى بعقلك الجبار
ويظل الأشرار في الإِثم غادي
نَ مضِّحينَ صفوةَ الأخيار
أي صديقي كفاكَ وعظاً ووعظاً
وحذارِ الفداءَ يوماً حذارِ
إنما الناسُ بالشعور الأبي
وبروحِ الإخاءِ فرداً وشعبا
ما عرفنا التاريخَ في وصف حي
مَجَّدَ العابثينَ قتلاً ونهبا
أو شهدنا الإعجازَ وافى نبي
بين قوم آذوهُ ركلاً وضرباً
أو رأينا التحَّرر الذهبي
لعبيدٍ تأبونَ للفكرِ رَبَّا
أو سمعنا عن ضيعةِ العبقري
في بلادٍ تَرى الجهالةَ ذنبا
أو ذكرنا تفُّوقاً للدعى
في شعوبٍ علت جواءً وُسحبا
أو عرفنا حقَّاً طواهُ الرُّقى
أو دعاوى تصونُ زوراً وسلبا
ذاك تعليمك الشريفُ الزكي
ليس يَنساهُ أي حُرٍ تأبَّى
مرحبا بالكما عادَ إلينا
نحنث أولى بذهنهِ البتَّارِ
مرحباً بالوقار فكراً وعينا
نتملاه باسماً كالنهارِ
مرحباً بالشموخ لا يتدنَّى
مرحباً بالملاذ في الإعصار
مرحباً بالجلال لا يتسنَّى
مُذ تَمنَّى لحاكمٍ جبَّار
مرحباً بالأديب ينصر حقَّا
ملءَ آياتِ حكمةٍ واقتدارِ
مرحباً بالخطيبِ يَرقىَ ويَرقَىَ
بفنون للسمعِ والأبصارِ
مرحباً بالأبي يرفض رِقَّا
حين رَسفِ العتاةِ في الأغوار
مرحباً بالإمام غرباً وشرقاً
يا فؤادي ومرحباً يا شِعارِي
قصيدة اضحكي يا شمس وابكي يا سماء
قصيدة اضحكي يا شمس وابكي يا سماء، من قصائد أحمد زكي أبو شادي، ويقول فيها:
اضحكي يا شمسُ وأبكي يا سماء
إنَّ هذا العيدَ عيدُ الشَّهداء
لا أبالي أيَّ قُطرٍ حازهُم
إنّهم ملءُ أناشيدِ الرجاء
لا أُبالي أيَّ تاريخٍ حوى
ذِكرهُم فالَّذكرُ عنوانُ البقاء
لم تميزهمُ سوى أعمالِهم
أو يعِّرفهم سوى لون الفدَاء
ربَّ منهم مَن تردي بالأسى
كم ذبيحٍ لم يُضرَّج بالدماء
كم شجاع عاينَ الموت وقد
هابهَ الموتُ وشُّر الأشقياء
ليس من يحملُ قلباً كفُّه
مثلَ من يحملُ ذُلَّ الجبناء
وفتاة في رُبَى شيلي حَمت
بطلاً بل بطلينِ من فناء
لجأ واستعصما في قبوها
كدنانِ الخمرِ تزكو في الخفاء
والدٌ حُّر وطفلٌ رَضعا
في اختلافِ السنِّ تقدَيس الآباء
كافحا في طردهم إسبانيا
حينَ سادَ الليلُ واغتيلَ الضياء
حين صار العيشُ والموتُ معاً
عَدَماً لليائسين الضعفاء
فأتى الجندُ لبحثٍ عنهما
وهما في القبو رهنٌ للقضاء
لحظةٌ إن شاءَ ماتا إثرَها
أو أبىَ مَرَّت مُجوناً أو هُراء
قالت الحسناءُ هذا منزلي
لا ألبي فيه حُكمَ الغربَاء
أي زادْ شئتم حُّل لكم
إن يكن عندي وليس الاعتداء
ما مفاتيحي سوى رمزي فما
أرتضي ذُلاًّ لمن بالسيف جاء
ان يكن معناي هذا ضائعاً
بينكم فهو بنفسي والوفاء
قُبِّحتَ أعمالكم من ظَنِّكم
إن عُذر الحرب عذر اللؤماء
تستبيحون بيوتاً لم تكن
غير أقداس عفافِ ونقاء
وتدوسون رضىَ أصحابها
هل هم رجسٌ وأنتم أتقياء
فاستشاط الضابطُ العاتي وأرغى
حانقاً كالذئبِ دوَّى بالعواء
استعُّدوا فاستعُّدوا زُمرةَ
عُوِّدت لذةَ قتل الأبرياء
صوبوا النار إليها في رضىَ
يرقبونَ الأمرَ كالرَّاجي العطاء
والفتاةُ الحرةُ الهيفاءُ تأبى
أي عفوٍ أو خضوعِ أو رياء
نظرت نظرةَ جبارٍ عنيدٍ
تطعنُ البغي بسهمِ الكبرياء
فإذا بالضابطِ المغرورِ يبدو
عاجزاً عن أن يُثنِّى بالنِّداء
وأخيراً بعد لأي قال بل
سوف تغدونَ أمامي كالشِّواء
سأحيلُ البيتَ ناراً ملؤها
ضحكاتٌ من رؤوس الأغبياء
لا تظني والآلي تحمينهم
إنكم إلاّ هباءً في هَباء
سأريكم في حجيمٍ حولكم
غاية الغدرِ وعقبى السفهاء
فأبت إلاّ شموخا زاده
ثورةً واستضحكت مما أفاء
وأشارت نحو جمرٍ لاعبٍ
باللَّظى في الموقدِ الجمّ الذَكاء
ثم قالت لك هذا كلُّهُ
فاغتنمه محرِقاً أنَّى تشاء
إنّ حرقَ الجسمِ أمرٌ هينٌ
حين تنجو الروحُ من هذا البلاء
فتهاوى ذلك القاسي كمن
ناله العي وإن فات الحياء
ومضى والجندُ ما مدوا يداً
نحوها أو لفظوا لفظا أساء
بل مضوا كالخرسٍ لم يُعرف لهم
غرضٌ أو نكصوا كالبلهاء
دامت الحربُ طويلا وانتهت
كانتهاءِ الشهُّبِ في القفر العراء
ما درى الناسُ لماذا نشبت
واستمرت في دموعٍ ودماء
ولماذا فجأةً قد انتهت
فتساوت في ابتداءٍ وانتهاء
أيدومُ الناس في ضلاّتهم
وأَضُّل الناسِ كان الزعماء
ما عادوا مرةً عن سببٍ
لم يوفَّق فيه حُكمُ الحكماء
ما حقوقُ الشعبِ مهما أنكرَت
بالتي تُمحى إذا ما الشعب شاء
شَّب ذاك الطفلُ في أمتَّه
قائداً أنضجهُ طولُ البلاءَ
مرَّت الأحداثُ في سيرته
مِثلَ عصفِ الريحِ في أعلى الجوَاء
لم تُهَّدمهُ ولكن أشبعت
عَقلهُ فهماً وحزماً ومضاء
صار قُطباً تهتدي أمَّتهٌ
بهدَاه وصديقَ العلماء
وَبَنىَ تحديدَها من روحه
قبل صُلبٍ راسخٍ أو كهرباء
شَّع في تاريخها إشعاعه
في نهي جامعةٍ فيها أضاء
كان من أَسَّسها إيمانُهُ
برسالاتِ الهدَاةِ الأمُناء
هكذا الأبطال يحيا ذكرهم
في سبيل الحقِّ مثلَ الأنبياء
قصيدة الأربعون صدى فؤادي الدامي
الأربعونَ صَدىَ فؤادي الدامي
تمضي ولا تمضي بها آلامي
فِيمَ التجُّلدُ كالخُضابِ للمَّةٍ
نصلت وفيم السَّلم دون سلامِ
نفسي على حربٍ وبُعدُكَ كارثي
وعواطفي ثكلى عليك دوامي
ليست حروبُ الدهر في إجرامه
أقسى وأفظعَ من عميقِ كلامي
في كل يوم بل بكل هنيهةٍ
هذا خيالك ما يزال أمامي
قلبي يحادُثه وأسمعُ صوَته
أدباً تَّنزهَ عن أذىً وخصام
مستغرقا فيما يقول كراهبٍ
مستغرقٍ بنوافح الإلهام
وجرت بلاغتهُ بحلو تسلسلٍ
كتسلسلِ الغدَران بالأنغامِ
وَحَوت وداعتهُ الترفع مثلما
حوت المرؤة عزّةَ المتسامي
يدلي برائعة المعاني للنهي
وكأنَّها نَخبُ الشرابِ لظامى
إلاّ نهاي فما يُبُّل ظَماؤه
وتردني الأحزانُ عن أوهامي
قد كنتَ لي مثلَ الجمال بما وَعَى
من فطنةٍ وعواطفٍ ومرامي
وُسمِّو أخلاقٍ وصحةِ بنيةٍ
عَّزت على الأرواح والأجسام
قد كنتَ لي الأملَ الجديد بحاضري
وبمقبلي فتبددت أعوامي
وحسبتُ في كف القضاء سعادي
فإذا الشقاء لديه فضلُ زمامي
يا للمصاب وقد تقَّنعَ ساخرا
بالحب والأمل العريض النامي
متظاهراً في الأصدقاء فَغَّرنا
هذا الشمولُ لبسمةِ الأّيام
حتى دُهِينا ذاهلينَ بخطبنا
في كل ما صُنَّاه من أحلام
وكأنّما تلك المواهبُ لم تكن
وكأنما الإنصاف جِدُّ حرِام
هذا طوافي حول قبركَ خاشعاً
أبكي كأنَّ الدمعَ من إحرامي
وأسيرُ فوق ثَرَاكَ لا مترفقاً
ورعاً فحسبُ بل الشهيدَ الدامي
أمشي كأنَّ جواهراً مبثوثةً
هذا الثرى فيردّني إقدامي
يا عقلُ لا تفكر فذاك ضلالةٌ
واخسأ ويا عين الحبيب تَعامى
هذى عدالة عاَلمٍ مُتبجحٍ
بالشرّ بل عدل الإله السامي
هذا مآلُ الألمعية والهدَى
والنبلِ تحت جنادلٍ ورغام
هذي هي العقبىَ لأحلام الصبي
ونهايةُ الإيمان والأحلام
كنا نُهيئُ كيف شئتَ معالماً
للعرس فانقلبت شهودَ حِمامِ
فلمت تركت الفاقديك تفجعوا
وهم الرجالُ عليك كالأيتامِ
لهفي بني وأنتَ بين نوابتٍ
نجمت عواطفَ لوعةٍ وغرام
رفَّت على ريح الغروب حزينةً
وتلهفت بمرارةٍ وأوام
ما كان أجدرَ منك بين جُموعنا
حّياً وأبعد منك عن نُّوامِ
غَدرَت بك الدنيا كأنَّك لم تكن
كنزاً لها بشبابهِ المقدام
أو أن لُطفك ما أمدَّ جمالها
بجماله وحنانه البسَّامِ
يا تاركي في لَوعةٍ لم يشفها
جلدي ولم يذهب بها إسلامي
دعني أزورك شاكياً ومُسائلاً
بل لاجئاص من لوعتي وضراميِ
على وعلك في التحادثِ نرتضي
بعضَ العزاءِ وأستقيه مُدامي
أي الحوادث جندلتك بِختلهَا
فُقتلتَ قتلَ الزهرِ في الأكمام
أي المظالم فرّقتك عن التي
قَدستَ للآباد لا الأعوام
أي الفواجع جُمِّعت في ليلةٍ
ظلماءَ قادتنا لدهر ظلام
حتى تنفستَ السموم مُسالما
ففقدتَ حين فقدُت كَّل سلامي
سأعيش ذكراك الحَّب وكلُّنا
ذاك المحُّب على مدى أيامي
وأجيء زائركَ الوفي كأنني
لم أفتقدك ولم يكن إلمامي
على بحبي واندماجي أشتفي
بعضَ الشفاءِ ويهتدي لوامي
وأنالُ ثأري من زمانٍ فاجرٍ
فَلذَاك أكرمُ لي من استسلامي
قصيدة لم يحصر الفن فن ذهن وأنان
لم يُحصر الفن فن ذهن وأنان
حتى يمجد شعري فوق حسباني
لكن هو النبل صنو الحب مذ خلق
وكم يجسَّم إحسانا بإحسان
ومن أكون لأحظى من محبتكم
بما يجدد وجداني وإيماني
وما يضاعف في عمري ويسعفه
بكل حلم يغذي روح فنان
دنيا من الشعر نحيا في قصائدها
وما تحدب منها غير عنوان
جازت روائعها الأكوان وازدحمت
في كل شيء وجازت كل إمكان
من شاء مُتعتها لم يَثنه تعبٌ
ومن تبرّم عاش الأسف العاني
كأنني من نداكم صرت مالكها
وصرت كأنها في طي وجداني
نوابغَ الأدب الوَّضاء في وطنٍ
أغلى معانيه تحريرُ لإنسان
وافي الربيع بكم عطرا وأغنيةً
وساحرا ينتشي منه الجديدان
يُسدي الأيادي لا من ولا عددٌ
مثل الملَّك في جاهٍ وسلطان
لم يسأم الخلقُ جدواه مُرَّددة
أو عيده وهو عند اليوم عيدان
أقصى أمانيَّ أن أحيا شذَى وسنىً
بعد الحياة إذا التذكار أحياني
والآن جُدُتم على نفسي بما عشقت
كأن عمري بعد اليوم عمران
من أي نبعٍ رحيقُ الشكر أنهله
نخباً لكم حين أسقيه بألحاني
وكيف أجزِي شعوراً لا كفاء له
واستقُّل بتعبيري وميزاني
من يبذلُ الحب لا يُجزي عوارفه
إلاّ صدىً في حنايا قلبه ألحاني
أكرم بكم من أساةٍ في عواطفهم
ومن حماةٍ لآداب وعرفان
خَفُّوا سراعاً لتكريمي كأنَّ بهم
يوم المرؤةِ ثأراً عند أحزاني
تركت مصر وقلبي لوعةٌ ولظىً
لِجنَّةٍ ضُيِّعت في نومَ جنَّان
عاث اليرابيعُ فيها وهو في شغل
عنها بأضغاث أحلام وبهتان
إذا أفاق تعالت صيحةٌ كذبت
فلم تُعقَّب بمجهودٍ ليقظان
بذلت عمري لأرعاها واوقظه
فكان سُقمي وتعذيبي وحرماني
فدىً لها لو أباحت كل ما ملكت
نفسي وما وهبت في حبها الجاني
تركتها وبودّي غير ما حكمت
به المقاديرَ في أشجانِ لهفان
وقلت عَّلى على بُعدٍ أشارفها
وأنفخُ الصورَ إن فاتته نيراني
في بيئةٍ تُنزل الأحياء منزلهم
ولا تحاول تخليدا لأكفان
فلم يخيب رجائي في نوازعها
ولم تكن هجرتي من مصر هجراني
هل يعلم الهدسن المحبوبُ ما شغفي
بُحسنه وكأن النيل نيلان
وما غرامي بُشعطان يغازلها
تصَّوفت فوق أحلام لشطآن
وكيف يجتمع الشوقان في وطنٍ
أَسلاَ العديدين أشواقا لأوطان
وفي محبتكم غنيان ذي أدب
وفي مآثركم أضعاف غُنياني
قد أدرك الخلق حين الغيثُ جانبهم
وبَّر بي حين أصفى الأهل جافاني
شفت مرائيه أوصابي كرؤيتكم
وحين ناجيته عن مصر نجاني
لم أحي في قُربه روحاً ولا بدنا
بل فكرةً فوق أرواحٍ وأبدان
اثنانُ خلَّدت الدنيا لأجلهما
الحب والنبُّل مذ كانا بإنسان
قد طوّقاني بدينٍ من فضائلكم
وإن توارت وان باهت بديواني
وليس فيه سوى أصداء عاطفة
ذبيحةٍ بين آلام وأشجان
أنسيتُ مُوجعّ أتراحي وقد غمرت
تلك الألوف الضحايا نارُ شيطان
يا ليت لي حَظَّ حكام فأنقذهم
فالموتُ والذل للأحرار سيان
واهاً لهم في الصحارى لا غذاء لهم
ولا كساء سوى ألفاظ مَنَّان
كأنهم في الضنى والسقم بحصدهم
مُحاصرين زرافاتٍ لجرذان
أين البساتين كانوا زَينَ نضرتَها
أين الضياع بكت في دمع غُدران
ضاعت وضاعوا بلا ذنبٍ لأمَّتهم
وأصبحوا عبراً تُروى لأزمان
فإن بخلنا ببعض البرّ يسعفهم
فأي معنىً وعيناهُ لأديان
وما التشُّدقُ بالأوطان نخذلها
وما الوفاء تجَّلى شرَّ كفران
شكرا لكم سادتي شكراً فقدوتكم
كالشمس تطلع إلهاما لحيران
إن تكرموني فقد أنصفتمو أمماً
عانت وضَّحت وما زالت بأرسان
فُكُّوا القيود وأحيوها بحكمتكم
وجنبوها عباداتٍ لأوثان
لا خير في الشعر تطريب وتطريةً
ومحضَ زهوٍ بألحانٍ وألوان
وما الخلود لفن لا تسُود به
روحُ الجمال دنايا العالم الفاني
قصيدة يا منطق الموتى إليك هدية
يا مُنطقَ الموتى إليك هدية
من شاعرٍ عملوا على إخراسه
عدَّت مواهبه جنايةَ عصرِه
فتآمروا للحدِّ من أنفاسهِ
وتفننوا في وأدِ كل كريمةٍ
ويتيمةٍ وقفت على إحساسه
وتعقبوه وطاردوه ففاتهم
ودموعه طفحت بثورةِ كاسه
وأتى إلى المنفى فما رحموا له
فكراً ولا قلباً يُدق بيأسه
حتى هَرعت إليه تنقذُ وشلةً
بقيت وُترجعه إلى قِرطاسه
وُتعِّنفُ الزمنَ الغشومَ مهذِّباً
لقياسِه بل ضارباً بقياسِه
ومقدّراً غُرر المآثرِ وحدَها
لا حاسداً يختالُ في أدنِاسه
ومُخلصا مثلي الذي يا طالما
أَسدى من الموتى ومن وَسواسِه
جحدت عوارَفهُ وليس لمثله
مهما أُسيء سوى الوفاءِ لناسِه
قصيدة قالوا تصبر قد يتوب الغادر
قالوا تصبر قد يتوب الغادرُ قبل الحسابِ وقد يحجّ الفاجرُ
عجباً أينسىِ الغافلينَ هو أنهمُ عما جَنتهُ ضغائنٌ وصغائرُ
أيقامر المتسامحون بفكرهم ان جاز أن يهب الثراءَ مقامر
أيخادعون مخادعاً إحسانُه عبثٌ وأسخفُ ما حكاه مهاتُر
من مَّرغ الأدب اللبابَ جنونُه وعلى يديه غدا الخرابُ العامرُ
وتحجرَ الشعرُ الكريم بنظمه فشكت أذاهُ مَقاولٌ ومشاعر
سَرقَ الروائعَ من مفاخرِ غيره وأماتهَّن ولا يزال يفاخر
ما خفَّفَ الإثمَ الكبير سوابق حاكى مقابحها وراح يكابر
رُزءٌ تكَّررَ فالسفاهُة ملكها إرثٌ على السفهاء وَقفٌ دائر
شقيت بهم مصرُ الأسيفة حقبةً طالت وكلُ بالغرور يجاهر
من كل أرعن مالهُ أو كيدهُ سيفٌ على الأحرار صَلتٌ باتر
حتى أتى البطل الأشمّ كأنّه تُّل الخرائبِ جَفَّ فيه النَّاضرُ
فَرضَ الضريبةَ للسلامة من أذَّى سُوَرَ التملق والتملقُ آسرُ
فتكاثر الغلمان حول سريره مترنمين كما يشاء الساحر
ومرتلين له الخشوع كأنّه في كل شعوذةِ إمامٌ نادر
وهو الممثل كم يسئ ويشتكي أنَّ المساء هو النبيلُ الطَّاهر
جيلٌ من الأدباء ضُحىَ نَفعهُ كيما تُعبَّقَ بالنفاق مجامر
تَخذَ السفيهُ من التبجح حُجَّةَ للعبقريةِ وهو لاهٍ ساخر
وَجنىَ كما يجني الوباءُ على الحجى وعلى التفوّقِ سمة المتطايرُ
سَدَّ الطريقَ على مدى أبداهم فالفُّن قبلهمو الفقيرُ الخاسرُ
جَعلَ السياسةَ سُلَّماً لصعوده ولكم تصاعد بالسياسة عاثر
مَن ذا يعوّضهم وماذا يَرتَجىِ إن غُيبوا يومَ الرثاءِ الشاعر
بل أي تكفير لجانٍ كافر إن راحَ يبكي أو تباكى الكافر
أسفي على وطني المذَال عَظيمة يَشقىَ وينعمُ بالنفاق الصاغر
والمخلص الحر الغيور مآله نفىٌ تنوع أو مماتٌ جائر
الظلم مهما زُينت ألوانه ظلمٌ وظلمُ الفكر عاتٍ عاهر
وإذا تنكر للمواهب مُدَّعٍ سفهاً وصفق للدعىِ القادرُ
وغدا التصُّنعُ فوقَ كل أصالةٍ واِلغُّر دان له الأبي الثائر
وَتخاذَل الأدباءُ يوم تعاونٍ ومشى عليهم فاجرٌ وُمغامر
فالعدل ظلمٌ والمهانةُ ربُمَّا هينت بهم ولقد تُهان مقابِر