أجمل ما قيل من أشعار في مدينة القدس
This browser does not support the video element.
"مدينة الزيتون"، "مدينة السلام"، "أورشليم" و"يبوس"، هنا الأسماء وحدها تبَدّل إيقاع القصيدة، وهنا المجاز ضيقٌ في حضرة المعراج، فيكون أن تحمل القدس كل الأسماء السابقة، وأن تشغل مخيلة الشعراء.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ثم يكون أن تُفتح أبوابها على بيارات الليمون، ليمون فلسطين المشبع برائحة الأرض وليمون الشعراء المشبع بريح الأمل.
ويكون أن ينطق سور المدينة القديم، وقبة الصخرة، وأن تضيء الأحجار سماء القصيدة، وإن بدلت القبعات السود ميلادها، ذلك هو فتح الكلمة والقصيدة لا السلاح والدماء.
فكيف قرأ الشعراء تاريخ القدس ومعاناتها وصمودها في أشعارهم؟
القدس وجع القصيدة ووهجها
شكلت مدينة القدس جوهر العديد من القصائد العربية، فمن الشعراء من تغنى بتاريخها فعاد إلى ما قبل الميلاد، ليذكر بأنها كانت حاضرة بني كنعان.
ومن الشعراء من تغنى بقدسيتها، فهي مهد الأديان ومنها عرج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء.
وبعد عام 1967 واحتلال الكيان الصهيوني للجزء الشرقي من المدينة، بدأ الشعراء يحاربون طمس الهوية والتاريخ، ويصورون ما حل في المدينة من ظلامٍ بعد السلام، فكيف صور الشعراء كل ذلك؟
القدس في أشعار نزار قباني
كان للقدس مكانتها في قلب الشاعر السوري نزار قباني، وهي مكانةٌ تشاطر مكانة دمشق في قلب نزار، وفي قصيدة القدس يبكي نزار ويسترجع تاريخ الأنبياء.
ليذكر بقداسة المدينة وعمقها التاريخي، كما يبحث عن السلام الذي قتلته يد الاحتلال، ثم يجدد أمله بما تبقى من بيارات الليمون، فقال:
بكيت حتى انتهت الدموع ... صليت حتى ذابت الشموع
ركعت حتى ملني الركوع ... سألت عن محمد فيك وعن يسوع
يا قدس، يا مدينةً تفوح أنبياء ... يا أقصر الدروب بين الأرض والسماء
يا قدس، يا منارة الشرائع ... يا طفلةً جميلةً محروقة الأصابع
حزينةٌ عيناك، يا مدينة البتول ... يا واحةً ظليلةً مر بها الرسول
حزينةٌ حجارة الشوارع ... حزينةٌ مآذن الجوامع
يا قدس، يا جميلةً تلتف بالسواد
من يقرع الأجراس في كنيسة القيامة؟
صبيحة الآحاد .. من يحمل الألعاب للأولاد؟
في ليلة الميلاد .. يا قدس، يا مدينة الأحزان
يا دمعةً كبيرةً تجول في الأجفان
من يوقف العدوان؟
يا قدس.. يا مدينتي
يا قدس.. يا حبيبتي
غداً.. غداً.. سيزهر الليمون
وتفرح السنابل الخضراء والزيتون... وتضحك العيون
يا بلدي .. يا بلد السلام والزيتون
محمود درويش يتجاوز الأزمنة في القدس
ينتقل محمود درويش عبر المجاز والصورة بين سطور التاريخ فيعود إلى سور المدينة القديم، فيجد نفسه ينتقل بين الأزمنة ويحاكي القتلة ويحاكي تفاصيل السلام في المدينة، فقال:
في القدس، أَعني داخلَ السُّور القديمِ
أَسيرُ من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ بلا ذكرى
تُصوِّبُني فإن الأنبياءَ هناك يقتسمون تاريخَ المقدَّس
يصعدون إلى السماء ويرجعون أَقلَّ إحباطاً وحزناً، فالمحبَّةُ
والسلام مُقَدَّسَان وقادمان إلى المدينة
كنت أَمشي فوق مُنْحَدَرٍ وأَهْجِسُ: كيف
يختلف الرُّواةُ على كلام الضوء في حَجَرٍ؟
أَمِنْ حَجَر شحيحِ الضوء تندلعُ الحروبُ؟
أسير في نومي، أَحملق في منامي، لا
أرى أحداً ورائي، لا أرى أَحداً أمامي
كُلُّ هذا الضوءِ لي، أَمشي أخفُّ، أطيرُ
ثم أَصير غيري في التَّجَلِّي
أَمشي كأنِّي واحدٌ غيْري وجُرْحي وَرْدَةٌ
بيضاءُ إنجيليَّةٌ ويدايَ مثل حمامتَيْنِ
على الصليب تُحلِّقان وتحملان الأرضَ
لا أمشي، أَطيرُ، أَصيرُ غَيْري في
التجلِّي، لا مكانَ و لا زمان فمن أَنا؟
أَنا لا أنا في حضرة المعراج
ماذا بعد؟ صاحت فجأة جنديّةٌ:
هُوَ أَنتَ ثانيةً؟ أَلم أَقتلْكَ؟
قلت: قَتَلْتني ونسيتُ مثلك أن أَموت.
زهرة المدائن.. الأخوان رحباني
وهي القصيدة التي كتبها الأخوان رحباني وغنتها فيروز، وفيها تقول:
لأجلك يا مدينة الصلاة أصلّي ... لأجلك يا بهيّة المساكن يا زهرة المدائن
يا قدس يا مدينة الصلاة أصلّي ... عيوننا إليك ترحل كل يوم
تدور في أروقة المعابد ... تعانق الكنائس القديمة
وتمسح الحزن عن المساجد ... يا ليلة الإسراء يا درب من مرّوا إلى السماء
عيوننا إليك ترحل كلّ يوم وإنّني أصلّي
كما غنت فيروز قصيدة القدس العتيقة للأخوين رحباني، وذلك بعد النكسة عام 1967، وفيها تقول:
مريت بالشوارع ... شوارع القدس العتيقة
قدام الدكاكين... الـ بقيت من فلسطين
حكينا سوى الخبرية ... وعطيوني مزهرية
قالوا لي هيدي هدية ... من الناس الناطرين
ومشيت بالشوارع ... شوارع القدس العتيقة
أوقف عباب بواب ... صارت وصرنا صحاب
وعينيهن الحزينة... من طاقة المدينة
تاخدني وتوديني ... بغربة العذاب
تميم البرغوثي يشتاق القدس مصوراً اغترابه
وصف الشاعر تميم البرغوثي توقد أشواقه بعد أن منُع من الصلاة في المسجد الأقصى، وعاد خائباً يلاحقه طيف المدينة، فقال بقصيدته "في القدس" (التي أكسبته شهرةً كبيرةً في العالم العربي بعد عام 2007):
مررنا على دار الحبيب فردنا ... عن الدار قانون الأعادي وسورها
فقلت لنفسي ربما هي نعمة ... فماذا ترى في القدس حين تزورها
ترى كل ما لا تستطيع احتماله ... إذا ما بدت من جانب الدرب دورها
وما كل نفس حين تلقى حبيبها تسر ... ولا كل الغياب يضيرها
فإن سرها قبل الفراق لقاؤه ... فليس بمأمون عليها سرورها
متى تبصر القدس العتيقة مرة ... فسوف تراها العين حيث تديرها
في القدس بائع خضرة من جورجيا برمٌ بزوجته ... يفكر في قضاء إجازة ..أو في طلاء البيت
في القدس توراة وكهل جاء من ... منهاتن العليا يفقه فتية البولون في أحكامها
في القدس شرطي من الأحباش يغلق شارعاً في السوق.. رشاشٌ على مستوطن لم يبلغ العشرين قبعة تحيي حائط المبكى
وسياح من الإفرنج شقر لا يرون القدس إطلاقاً .. تراهم يأخذون لبعضهم صوراً مع امرأة تبيع الفجل في الساحات طول اليوم..
في القدس دب الجند منتعلين فوق الغيم ... في القدس صلينا على الإسفلت
في القدس من في القدس إلا أنت..
سليم زعنون يحث على تحرير القدس
يرى الشاعر سليم زعنون (شاعر فلسطيني من مواليد مدينة غزة عام 1933) أن تحرير القدس يعيد نورها وإشراقها المسلوب، وذلك بعزم أهلها ونور ربها، فقال:
فقد آن للقدس تحررٌ ... يضيء ديار القدس والساحات
يعيد إلى الأقصى بهاءً وروعةً ... وأمناً وإشراقاً بكل صلاة
وسبحان من أسرى كفيلٌ بعودةٍ ... إذا صح منا صادق العزمات
الشعراء يقرعون الصمت العربي
أغاض الشعراء الصمت العربي على ما يمس المدينة القديمة، كيف وهي تاريخ العرب وإرثهم، فغضب الشعراء من الصمت العربي.
فبات الكثير منهم يقرع بغضب هذا الصمت، فعذلوا، وحثوا وحاولوا إيقاظ الضمائر، ومن ذلك ما قاله الشاعر الفلسطيني فوزي بكري:
ماذا يفعل بيت المقدس
يا عرب النحس
وقد نزل الجند عن الأسوارا
وقوله أيضا:
هل يسقط بيت المقدس ... يا عار العرب
ويا خزي الإسلام ... ويا حزن التاريخ المسموع
سميح القاسم يستنهض سور القدس والأحجار
أنا هنا ... تنفس يا حجري المقدس
يا السور يا الأبراج ... لا بأس يا أسرارنا الحميمة
كم فاتحٍ حاول أن يزحزح الرتاج ... ليستبيح روحنا القديمة
فعاد بالهزيمة
حب القدس يسري في الدماء
التمسك بحب القدس بقي الأساس لدى الشعراء الذين حملوا على كاهلهم ما تقاسيه المدينة، فغالوا بحبها وغرسوها في قلوبهم، ومنه ما قاله الشاعر الفلسطيني لطفي زغلول:
يا قدس قد شاء الإله فأنت لي ... بهواك يجمعني دمٌ وتراب
أنا ما سلوتك ساعة وعلى ولا ... ئي تشهد الأزمان والأحقاب
لم تثني روحي عن هواك مدائن ... أوغالها يوماً أسى وعذاباً
خالد سعيد لا يرويه سوى حب القدس
وأيضاً الشاعر خالد سعيد (شاعر فلسطيني من مواليد محافظة جنين عام 1959) لم يجد في بلاد الدنيا ما يغنيه عن حب القدس، فهو لا يرتوي إلا بحبها، إذ أنه الوحيد الكفيل بأن يأسر فؤاده، فقال:
يا قدس أنت ملاذنا ومراحنا ... هذه البلاد لا تكفينا
نحن العطاش ونبع حبك ماؤنا ... كل المياه سواكِ لا تروينا
من رام صرف شعورنا عن قدسنا ... هو كارهٌ للمسك يطلب طيناً
فدوى طوقان تغالي بانتمائها إلى القدس
ترفض الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان أن تنكر هويتها وانتماءها إلى القدس، فتقول:
طقسي كئيبٌ وسماؤنا أبداً ضبابية
من أين؟ إسبانيا؟ ... كلا
أنا من...من الأردن
عفواً من الأردن؟ لا أفهم
أنا من روابي القدس
يا يا..عرفت، إذن يهودية
يا طعنةً اهوت على كبدي صماء وحشية
محي الدين بن عبد الرحمن مفتخراً
يفتخر الشاعر الفلسطيني محي الدين بن عبد الرحمن بانتمائه إلى القدس، وأن اسمه محفورٌ في كل تفاصيل المدينة، فقال:
في القدس ولدت ... كتبت اسمي في الصخر
وأغصان الأشجار ... من كل الأديان عشقت
وبكل المعابد طفت ... في الأقصى والصخرة صليت
وببيت النور تجليت
قصائد للقدس بتسمياتها الأخرى
أطلق على مدينة القدس عدة تسميات، وكانت أقدم تلك التسميات التسمية الكنعانية وهي "أورشليم"، وهي بالإساس اسم مكون من جزأين (أور) و (شالم)، أما أور؛ فتعني المدينة بالكنعانية، وشالم؛ تعني السلام.
واسم أورشليم عليه جدلٌ كون اليهود يعتبرون أن أورشليم لهم والتسمية يهودية وليست كنعانية عربية، كما أطلق عليها اسم "يبوس" وذلك نسبةً لليبوسيين الذين هم فرعٌ من الكنعانيين.
بالإضافة إلى تسميات أخرى أطلقها الشعراء مجازاً، مثل مدينة الزيتون أو ربة الزيتون، كذلك مدينة السلام.
يوسف المحمود وصيته دمعٌ وقمح لأورشليم
يوصي يوسف محمود كل من يذهب إلى القدس، بأن ينقل دموع حزنه وشوقه ليروي حمام ساحات الأقصى، وهنا ذكر أورشليم، ليذكر ويؤكد عراقة القدس وعروبتها، وأن الاسم كنعاني، فقال:
يا ذاهبين إلى أورشليم ... خذوا دمعي
بللوا عطش اليمام
بساحة الأقصى خذوا حبي وقمحي وانثروه
أورشليم مجبولة بدماء العرب
لم تختلف رؤية درويش عن رؤية الشاعر يوسف محمود، فأورشليم مكتوبٌ اسمها في دم الشاعر ودم العرب، وإن رفض ذلك اليهود وحاربوه، فقال:
أورشليم التي عصرت كل أسمائها بدمي
خدعتني الأسماء التي خدعتني
إني أذوب وإن المسافات أقرب
وإمام المغنين صك سلاحاً ليقتلني
في زمن الحنين المعلب
والمزامير صارت حجارة
رجموني بها
وأعادوا اغتيالي
قرب بيارة البرتقال
تفاصيل أورشليم قطعةٌ من القلب
وفي ذلك يصف الشاعر عز الدين المناصرة (شاعر وناقد ومفكر فلسطيني) تمسكه وتعلقه بتفاصيل المدينة، ليثبت عمق حبه وعلاقته بالقدس أو أورشليم، فقال:
وأنت تعرفين أن قلبي عندكم
في قاع أورشليم
وأنت تعرفين أني أحب أخضر الشفاه
في سورها القديم
وأشرب المياه من بئر ميريام العتيق
يبوس بنت التاريخ وعروس العرب
وفي ذلك يقول الشاعر عبد القادر عزة (شاعر فلسطيني من الخليل):
أنا يبوس أنا العروس وبنت أول من خط الحضارة
أنا بنت أول الفلسطيني راشد كنت داره
أنا أم كل المؤمنين وقد تلقيت الإشارة
القدس مدينة الزيتون
يطلق الشاعر الفلسطيني راشد حسني على القدس اسم مدينة الزيتون، وفي ذلك يقول:
مدينة الزيتون، زيتون الهوى أثمر
لما بسطت على فؤادي زندك الأخضر
وعصبته بلظى محبة فارسٍ أسمر
وزرعتي في قلبي عينين للحب
من قسوة الرومان في لحظيها أثأر
القدس مدينة السلام
يصفها الشاعر أديب رفيق محمود (شاعر فلسطيني وعضو في اتحاد الكتاب الفلسطيني) بمدينة السلام، إذ قال:
أواه يا مدينة السلام
أين روعة الصهيل، كبوة الخيول
تعبر الأبواب في وضح النهار؟!
هذا صلاح الدين أين سيفه، أمغمد؟
يا ليتني أستله للحظة
من ذا يداوي هذه الحضارة المحنطة؟!
الرصاص يغتال وجه المدينة
يصف الشاعر عبد اللطيف عقل الوحشية التي تقع على مدينة القدس وأهلها، فلا يوجد حجرٌ في سورها إلا وطاله رصاص الموت، فقال:
أنا في القدس ومن في القدس
يلتف به السور وما من حجر في السور
إلا وله صدر موشى
بالرصاص الطائش العمد وأعشاش حمام
المسجد الأقصى وآلاف المصلين
آخ يا هذا الرصاص الطائش العمد
أنا في القدس وتغريد التي يعرفها الجند
ولا تعرف الصبح وأمها والدفتر
أخيراً... ربما اختلفت مجازات الشعراء وصورهم، وكيفية قراءة تفاصيل المدينة ومعاناتها، بيد أن النسغ الذي يجري في القصائد هو نسغٌ أوحدٌ لا تبدله الكلمات واللغة.
وهو الحب والعمق التاريخي، ومن ثم الصمود ورفض الطمس والابتلاع الثقافي والحضاري، فالقدس التي فجرت الكلمات في أوراق الشعراء، شكلت أساساً لقصائد الشعراء الفلسطينيين، والعديد من الشعراء الكبار في الوطن العربي.