أسطورة تأسيس مدينة روما الإيطالية
يمثل تأسيس مدينة روما علامة تاريخية فارقة، حيث تحولت هذه المدينة إلى مركز قيادة العالم كلِّه لبضع قرون، وأخذت الإمبراطورية الرومانية اسمها من اسم المدينة، قبل أن تنتقل عاصمة الإمبراطورية إلى بيزنطة، فأصبحت روما مدينة مهملة بعد أن كانت سيدة العالم، لكن لتأسيس هذه المدينة قصة مثيرة، سنتعرف على تفاصيلها معاً.
تشكل قصة تأسيس روما امتداداً للملحمة الشعرية اليونانية (الإلياذة)
يعتقد أن الرومان القدماء الذين صاغوا ملحمة تأسيس روما الأسطورية، عبر عدة مراحل زمنية؛ وجدوا أن الارتباط بين مؤسسي مدينة روما وأمراء طروادة، من شأنه أن يساهم في إغناء تاريخ المدينة، حيث ترجع القصة بنسب مؤسسي روما إلى ملحمة فيرجل، التي تروي قصة الأمير الطروادي إينيس (Prince Aeneas)، الذي فرَّ من طروادة إلى شبه الجزيرة الإيطالية، فبقي في البحر مع أمير آخر وبعض الجنود سنين طويلة، إلى أن وصل جزيرة صقلية، وهناك تحالف مع ملكها لاتينوس (Latinos)، بعد أن تحاربا أول الأمر، وقيل كانا على وشك أن يخوضا الحرب، إلا أنَّهما عقدا معاهدة صلح، تتوجت بزواج الأمير الطروادي إينيس من ابنة الملك لاتينوس (Lavinie)، ثم أسس الطروادي مدينة باسم زوجته، وخاض حرباً مع أحد الملوك الذي كان يريدها زوجة له، فأقام الأمير الطروادي وحدة بين السكان المحليين والطرواديين تحت اسم اللاتين، بعد أنَّ قُتل الملك لاتينوس في الحرب.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
بعد موت الأمير إينيس، خلفه ابنه، الذي أسس مدينة ألبا لونجا (Alba Longa) القريبة من موقع تأسيس مدينة روما، ثم تعاقب الملوك على حكم المدينة من نسل الأمير الطروادي الهارب من طروادة.
لطالما كان الصراع بين الأخوة مادةً أسطورية غنية
كان الصراع الأول على السلطة في مدينة ألبا لونجا، بين الملك نوميتور (King Numitor) وشقيقه الأصغر إميليوس (Amulius)، وهما أبناء الملك الثاني عشر من نسل إينيس الطروادي، وكانا توأماً، اقتسما مملكة اللاتين، لكن إيميلوس تمكن من خلع أخيه بالقوة، ونفاه خارج المملكة، فسيطر إيميلوس على كل المدينة وحده، ويقال أنَّه أعدم أبناء أخيه الذكور كي لا ينافسه أحد على العرش، أو أنَّ نوميتور لم يكن له إلا ابنة واحدة، هي الأميرة (Rhea Silvia)، فأجبرها عمُّها على الالتحاق بمعبد مارس إله الحرب، والتبتل، ليضمن عدم وجود منافسين من نسل أخيه يطالبون بثأره، لكن الراهبة ريا سيلفيا حملت بتوأم من الذكور، هما رومولوس وريموس (Romulus and Remus)، ومعهما تبدأ حكاية تأسيس روما.
أصبحت ذئبة الكابيتول رمزاً لمدينة روما بناءً على هذه القصة
وضعت الأميرة العذراء ابنيها في معبد مارس، وهناك جدل من يكون والد الطفلين، أغلب الروايات تشير إلى مارس إله الحرب، وبعضها تشير إلى هرقل ابن زيوس كبير البانثيون اليوناني، مهما يكن، فقد أمر الملك إميليوس بإعدام الطفلين، وسجن والدتهما، فأوكل المهمة لأحد رجاله أن يأخذ الطفلين ويدفنهما أحياء، لكن عامل الملك لم يستطع قتل الطفلين، فوضعهما في سرير من القصب على ضفة نهر التيبر (Tiber)، حيث توكل إله النهر (Tibernus) حماية الطفلين، حتى علق السرير بفروع شجرة تين تطل على النهر، وهناك كانت بالقرب منهما ذئبة تشرب، سمعت بكاءهما، فحملتهما إلى كهفها وأرضعتهما، وهنا توجد روايتين:
- إما أنَّ الذئبة حملتهما إلى كهفها وبقيا عندها، إلى أن أخذهما أحد الرعاة إلى منزله وربَّاهما.
- وإما أنَّ الراعي هو من أخذ الطفلين من النهر، وكانت زوجته عاهرة، وهي التي أرضعتهما، حيث تأتي كلمة (lupa) اللاتينية بمعنى الذئبة أو معنى العاهرة، لكن على العموم، ما زال الإيطاليون إلى الآن يصورون تمثال الذئبة التي ترضع الطفلين، ويعتبر رمز مدينة روما التاريخي.
عودة ريموس ورومولوس إلى عائلتهما
تروي القصة أن الراعي فاوستيولوس (Faustulus) أخذ الطفلين إلى منزله، وقام على رعايتهما مع زوجته، حتى اشتد عودهما، فأصبح الشابان يساعدان مربيهما في أعماله، كما ظهرت لهما أعمال شجاعة ونبيلة، حيث اتجها معاً إلى الغابات، فاعترضا قطاع الطرق، وأعادوا المسروقات إلى أصحابها، فانتشرت أخبارهم في الأنحاء المجاورة، وسنجد هنا أيضاً عدة روايات عن اكتشافهما نسبهما، فإما أن يكون جدهما الملك نوميتور هو من تعرف عليهما، وإما أن يكون الراعي فاوستيولوس أخبرهما حقيقة أمرهما، لكن الرواية الأكثر تداولاً، أن ريموس ورمولوس خاضا معركة مع رعاة الملك إيميليوس، انتهت بوقوع ريموس أسيراً، فجمع رومولوس مجموعة من الرجال، وهاجم الملك إميليوس، حيث تمكن من القضاء عليه وتحرير شقيقه، كما عرفوا الحقيقة في مرحة ما من هذا الغزو، ثم أعادوا جدَّهما نوميتور إلى عرشه، وحرَّرا والدتهما من أسرها.
تأسيس مدينة روما
قرر الشقيقان أنَّ يؤسسا مدينة خاصة بهما، في المكان الذي شهد على محنتهما عند ضفة نهر التيبر، وأرادا أن تكون أعظم من المدن التي بناها أجدادهما، لكن كل واحد منهما حدد مكاناً مختلفاً لإنشاء المدينة، ودار بينهما شجار عنيف، ثم قررا أن يستشيرا الآلهة، من خلال البشارة أو الإشارات، فصعد رومولوس إلى هضبة بلاتين (Palatine Hill) حيث أراد أن يبني المدينة، فيما صعد ريموس إلى هضبة آفينتين (Aventine hill)، وكانت الإشارة التي ينتظرها الشقيقان ستأتي من الآلهة من خلال مرور الطيور في السماء، فكان أن أخبر ريموس بمرور ستة نسور من فوق تلته، ثم أخبر رومولوس بمرور ضعف ذلك فوق تلته، فكانت البشارة لصالح رومولوس (الذي قاد الحرب قبل ذلك لتحرير أخيه).
احتج ريموس ومن معه على هذه الإشارة، حيث حاول ريموس أن يثبت أحقيته في بناء المدينة على تلته، لأنَّه هو من رأى الطيور أولاً، لكن هذا الخلاف تحول إلى معركة بين الأشقاء، انتهت بقتل ريموس، فبنى رومولوس المدينة حيث أراد، وكان أول ملكٍ لروما، التي أخذت اسمها منه، وكان ذلك في الواحد والعشرين من نيسان/أبريل سنة 753 قبل الميلاد، حيث بدأ رومولوس بوضع القوانين والأنظمة، كما بنى أسوار المدينة وجيشها، حيث خاض عدة حروب، أما عن وفاته، فيحكى أنَّ الآلهة رفعته إليها، أو أنَّه اختفى فجأة عن عمر يناهز الثالثة و الخمسين أو أكثر، وما زال الإيطاليون يحتفلون بذكرى تأسيس روما سنوياً، في الواحد والعشرين من نيسان/أبريل.
ختاماً... لا يمكن اعتبار هذه القصة مستقلةً أو فريدةً بشكل كامل، فالعديد من أحداثها متداخلة مع أحداث متشابهة في الأساطير، والملاحم الشعرية الإغريقية وملاحم بلاد الرافدين، لكن على الرغم من ذلك، لا يملك الباحثون التاريخيون قصةً بديلة عن تأسيس روما، أو عن الشعوب التي أسستها بشكل قاطع، لذلك تأخذ هذه الملحمة قيمة مضاعفة لدى الإيطاليين.