أشهر الصراعات بين الخير والشر في أفلام الكرتون
الظلام والنور، الخير والشر، الملائكة والشياطين، كلها عبارات تطلق على مفهوم الصراع الأزلي بين الخير والشر، هذا الصراع الذي أخذ الحصة الكبيرة من الإنتاج الإبداعي المبكِّر للإنسان، كما استمر حاضراً في كل الأعمال الإبداعية التي يقدمها الإنسان حتَّى يومنا هذا، فما زالت أفلام السينما تدور بمعظمها حول الصراع بين الخير والشر بشكل رئيسي أو بصورة عامة.
حتَّى أن بعض الأفلام التي تتناول الصراع بين طرفين كلاهما شرير تحاول أن تبرز أحدهما بصفات الأمانة والشهامة ليكون هو الأكثر خيراً بين الأشرار، وهو الشرير الذي نتعاطف معه، فلا بد أنَّ معظمنا يتذكر الأنماط الشريرة والخيِّرة التي عرضت في أفلام الكرتون، والتي لعبت دوراً في تكوين وجهة نظرنا الأوليَّة على الأقل تجاه الخير والشر.
أشهر الصراعات الكرتونية بين الخير والشر
يشكل موضوع الصراع بين الخير والشر مادَّة دسمة تحتمل الكثير من التكرار والإعادة دون أن تكون مملة، فقام كتَّاب الإنمي الياباني ومخرجوه بتقديم أعمال مختلفة ومتفاوتة في عمقها حول هذا الصراع، كذلك فعل كتَّاب ديزني، حيث اعتمدت بعض هذه الأعمال على صراعٍ بسيط بين الخير والشر، بينما اعتمدت أعمالٌ أخرى على أشكالٍ أكثر تعقيداً وواقعية لهذا الصراع، وهذا ما سنراه من خلال الأمثلة التي سنتذكرها معاً عن أشكال الخير والشر في الرسوم المتحركة.
سلسلة الماسة الزرقاء من نمط قصص الصراع للسيطرة على العالم
تم إنتاج مسلسل الكرتون المعروف باسم الماسة الزرقاء أو سر المياه الزرقاء Nadia: The Secret of Blue Water)) عام 1990، وتم نقله إلى العربية عام 1994، حيث لا تخلو سلسلة الماسة الزرقاء هذه من التوجه العام لدى كتَّاب الأنيمي اليابانيين فيما يتعلق بالصراع بين قوتين عظيمتين للسيطرة على العالم، وفي هذا العمل كانت الماسة الزرقاء هي محور الصراع.
حيث تمتلك هذه القطعة الثمينة من الألماس القدرة على بعث قوة هائلة إذا ما اتحدت مع الماسة الأخرى (توأمها)، والماستين مملوكتين لسلالة الأسرة الحاكمة لحضارة أطلنتس القديمة.
في هذا العمل يكون القبطان عامر وابنته رولا هما محور الخير، حيث يمتلك كلٌّ منهما قطعة من الألماس السحري، بينما يحاول مهيب الحصول على قطعتي الألماس لتفعيل الطاقة التي ستنتج عن اتحادهما للسيطرة على العالم، وكان انتصار الخير هو النتيجة الطبيعية في كل قصص أفلام الكرتون تقريباً.
لم تكن قصة الماسة الزرقاء هي القصة الوحيدة التي تناولت محاولة الأشرار السيطرة على العالم ودفاع قوة الخير عن البشرية، حيث سنجد أن هناك عائلة كاملة من أفلام الكرتون تناولت هذا الصراع بطرق مختلفة، منها مغامرات عدنان ولينا مثلاً، أو مسلسل بينكي وبرين (Pinky and the Brain) الذي تناول الأمر بطريقة أكثر كوميدية من خلال محاولة الفأرين بنكي وبرين السيطرة على العالم والفشل المستمر في هذه المحاولات.
من الصعب تتبع بداية ظهور فكرة الخير المقنَّع أو المتخفِّي
من أكثر أنماط الخير شهرةً هو ذاك الخير المتخفي والمقنَّع، حيث تم استخدام هذا القالب بصيغ مختلفة إلى درجة يصعب معها تقفي أثر ظهوره وتطوره كنمط من أنماط الخير الدرامية، نحن نتحدث هنا عن الأميرة ياقوت التي تتخفى بزي الفارس الشبح في سلسلة الأميرة ياقوت، وعن سوبرمان وباتمان، وأسطورة زورو... إلخ، إضافة إلى النمر المقنع (سلسلة كرتونية عن المصارعة الحرة)، وغيرها من الشخصيات التي تعيش حياتها الطبيعية إلى جانب تقمصها لشخصية سريَّة تقوم بأفعال الخير لصالح الفقراء أو تحارب الأشرار.
ومن الأنماط المشهورة أيضاً وضع الإنسان الشرير في مواجهة الكائنات المسالمة
في هذا النمط سنجد أن الإنسان (الجنس البشري) هو القوة الشريرة التي تدمر حياة كائنات أخرى لتحقيق أمجاد شخصية، ربما يتجلى هذا النوع من الصراع في سلسلة السنافر (The Smurfs)، وسلسلة ماوكلي فتى الأدغال.
شرشبيل والسنافر
تم عرض سلسلة السنافر الأمريكية البلجيكية بين عامي1981 و 1989، والقصة تتحدث عن قرية مخفية في أعماق الغابة تعيش فيها مخلوقاتٌ صغيرة الحجم وزرقاء اللون تسمَّى السنافر (The Smurfs)، هذه المخلوقات المسالمة تواجه خطر الإنسان الشرير شرشبيل، الذي يقوم بمطاردة تلك الكائنات الزرقاء الوديعة ويرغب دائماً في الوصول إليها والقضاء على قريتها، كما يريد استخدامها في تعويذة سحرية للحصول على الذهب، لكن شرشبيل يفشل دائماً في الوصول إلى السنافر وقريتهم.
ماوكلي فتى الأدغال
هنا نقف أمام قصة مختلفة من صراع الخير مع الشر، يتم تجسيد الخير والشر فيها بواسطة الحيوانات، حيث يمثل النمر شيريخان العنصر الشرير بمواجهة مجموعة من الحيوانات الأخرى ( الدب بالو، الفهد الأسود باغيرا)، فيما يكون ماوكلي طفلاً رضيعاً تمت تربيته من قبل الذئاب فأصبح واحداً من قطيع الذئاب التي تمثل الخير، حيث ينخرط في معركتهم مع الشرير شريخان ويتمكن من الانتصار عليه في نهاية السلسلة.
من الملفت أن معيار الخير والشر في سلسلة ماوكلي هو مدى تآلف الحيوانات مع الإنسان، فشيريخان الذي يلاحق الإنسان هو الشرير، أمَّا باغيرا الذي ينقذ ماوكلي الطفل ويودعه لدى الذئاب لتربيته هو الخيِّر!
من جهة أخرى، تم تقديم روايات مختلفة لقصة ماوكلي في العديد من الانتاجات السينمائية وأفلام الرسوم المتحركة الطويلة، من بينها أن ماوكلي يقع ضحية ملاحقة الصيادين من البشر الذين يحاولون استغلال حالته في أبحاث علمية أو لأهداف تجارياً.
بعض الأعمال استخدمت التعاطف مع الخير في الترويج لشخصية معينة
ربما يحاول البعض أن يتذكر بعض الأعمال الكرتونية التي لم تتناول الخير والشر، ومن المؤكد أنَّه سيجد صعوبة بالغة، ونزعم أنَّه سيكون أمام مهمة معقدة وشبه مستحيلة، فحتَّى القصص التي لا تتطلب وجود هذين القطبين موضوعياً، تم تحويرها باتجاه فرز الشخصيات بين الخير والشر من خلال الحوار أو الرسم، هذا ما استطاعت السينما والدراما التلفزيونية تجنبه أحياناً من خلال إظهار الطبيعة المزدوجة للإنسان ومدى نسبية مفهوم الخير والشر.
نتحدث هنا عن أفلام الكرتون التي تناولت لعبة كرة القدم، مثلاً: الكابتن ماجد، الكابتن رابح، سلام دانك وغيرها، فعلى الرغم من وجود منافسة عادية بين فريقين رياضيين، لكن كان لا بد من استثارة عواطف المشاهد ناحية أحد اللاعبين الأبطال وفريقه من خلال الحوار والرسومات، حيث نرى الكابتن ماجد بتلك الملامح المحببة والعيون الواسعة، فيما نرى ملامح "عدوه" الكابتن بسام أكثر حدَّة وشرّاً.
تطور مفهوم الخير والشر
بعد أن استرجعنا ذكرياتنا عن الشخصيات الكرتونية التي مثَّلت الشر والخير، لا بد لنا أن نقف عند تطور مفهوم الخير والشر بشكل مستمر منذ تفتح وعي الإنسان، وقد كان هذا الصراع حاضراً بقوة في الأساطير والملاحم الشعرية في بلاد الرافدين واليونان وروما.
كما أخذ هذا الصراع يتوضح أكثر وأكثر، ويأخذ سمة محورية في الأعمال الإبداعية على مرِّ العصور، وصولاً إلى العصر الحديث الذي لم يتخلى حتَّى الآن عن هذا الصراع كمادة دسمة لصناعة الأفلام والمسرحيات، وحتَّى العروض التي قدمها المهرجون في السيرك، لكن ليس هذا ما يهم فعلياً لأن هذا التطور لم يغير في طبيعة المفهوم، بل في كثافة استخدامه.
الأمر الأكثر أهمية، هو ما يتعلق بنظرة الفلاسفة وعلماء الأخلاق إلى الخير والشر! فهناك العديد من المحاولات المستمرة لتفسير حقيقة الخير ومصدره (بالتالي حقيقة الشر ومصدره) منذ عهد الفلاسفة الأوائل وحتى يومنا هذا مروراً بالتفسيرات الدينية والأخلاقية لطبيعة كلٍّ من الشر والخير.
وكي لا ندخل في تعقيدات كثيرة، لنقل أنَّ نقطة الخلاف الرئيسية بين النظريات المختلفة بهذا الخصوص هي إن كان الشرُّ مطلقاً أم نسبياً، وهذا ما ينطبق على الخير، وإن كان الخير مكتسباً أم فطرياً، وهذا ما ينطبق على الشر، هذا الخلاف أدى إلى تباينٍ كبير في وجهات النظر حول العديد من المواضيع التي ارتبط وجودها بوجود كل من الخير والشر.
من بين أشهر هذه المفاهيم، مفهوم نشوء الدولة والحكومات والسُّلطة، حيث يرى جان جاك روسو أن الإنسان ذو فطرة خيِّرة لكنَّه تعرض للفساد ما جعل وجود السلطة ضرورة لتنظم حياة الإنسان الفاسد، بينما يرى معارضوه أن الإنسان مفطور على الشرِّ، وهذا هو سبب وجود السلطة لتنظم حياة الإنسان الشرير.
ختاماً... لا يمكن القبض على الشرِّ بهذه البساطة، كما لا يمكن الوصول إلى الخير الكامل، لكن الإنسان غالباً ما يميل للتعاطف مع الشخصيات التي تكون قوية وقادرة على الدفاع عن نفسها، وهي غالباً ما تكون صفات الشخصيات التي تتسم بالخير في أفلام الكرتون أو حتَّى الأعمال الدرامية، لكن هل حقاً ينتصر الخير في الحياة؟ ربما هذا ما يحمل الكثيرين على الإقلاع عن مشاهدة الرسوم المتحركة عندما يغادرون طفولتهم الحالمة إلى العالم الواقعي.