التعريب (Arabization)
تعد كلمة التعريب من الكلمات الشائعة التي يكثر استخدامها في الحياة، وفي التاريخ كثيراً ما سمعنا بتعريب المناهج، تعريب الكتب والمؤلفات العالمية، تعريب البلدان.. سنتعرف في هذه المقالة على معنى التعريب ومسيرته التاريخية.
تعريف التعريب
- عرف قاموس إكسفورد (Oxford Dictionaries) البريطاني التعريب بأنه: "إعطاء (شخص أو شيء) الطابع العربي".
- عرّف قاموس ماريم ويبستر (Webster Merriam) البريطاني التعريب بأنه: "إضفاء الطابع العربي على السكان غير العرب من خلال نشر اللغة والعادات العربية والتزاوج بين العرب وغير العرب".
- عرف القاموس البريطاني التعريب بأنه: "التأثير الثقافي المتنامي للغة العربية على منطقة غير عربية بهدف نشر الثقافة العربية والهوية العربية فيها".
- عرفت موسوعة لا روس (La Rousse) الفرنسية التعريب بأنه: "إعطاء الطابع العربي لبلد ما أو مؤسسة ما".
بدأ التعريب مع الفتوحات الإسلامية
ظهر التعريب مع الفتوحات الإسلامية التي بدأت في عهد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، والتي امتدت إلى بلاد الشام (سورية ولبنان والأردن وفلسطين)، بلاد ما بين النهرين (العراق حالياً)، شمال أفريقيا، ووصلت إلى إسبانيا (الأندلس).
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
حيث كانت تنتشر في تلك المناطق لغات وثقافات مختلفة من بينها على سبيل المثال الحضارة الآرامية في بلاد الشام، الآشورية في بلاد ما بين النهرين، القبطية في مصر.
حيث بقيت سلالة هذه الحضارات إلى يومنا هذا وباتت تلك السلالات جزءاً من التنوع الثقافي والحضاري في العالم العربي كالآشوريين في العراق والأقباط في مصر والبرابرة (الأمازيغ) في المغرب العربي.
كما بقيت اللغة العربية والحضارة العربية منتشرة في المناطق التي وصلت إليها حتى الآن لتأتي بعدها مرحلتا الاحتلال العثماني والاستعمار الأوروبي.
حيث حاول كل منهما القضاء على تلك الحضارة من خلال نشر اللغة والحضارة الغربية كالتتريك (فرض اللغة التركية) والفرنسة (فرض اللغة الفرنسية) ونشر اللغة الإنجليزية.
التعريب في العصر الحديث
انتشر التعريب كما رأينا في الفقرة السابقة من خلال الفتوحات العربية، لكن بعد خضوع العالم العربي الممتد من الخليج العربي في الشرق إلى المحيط الأطلسي في الغرب لموجات الاستعمار.
كان لا بد من مواجهة آثار ذلك الاستعمار الذي حاول كما ذكرنا سابقاً فرض لغته وثقافته على العرب وكانت هذه المواجهة من خلال التعريب، الذي أخذ معنىً جديداً فحواه إدخال التعليم العربي وزيادة استخدام اللغة العربية.
وقد شجعت الحكومات في بلدان شمال أفريقيا منذ فترة طويلة التعريب بهدف العودة إلى الحضارة العربية وترسيخها.
الجزائر تطبق سياسة التعريب لتحل محل الفرنسة
بعد استقلال الجزائر في عام 1962 بدأت الحكومة الجزائرية تحت حكم الرئيس أحمد بن بلة سياسة "التعريب"، وبالفعل، وبسبب الاستعمار الدائم والعميق؛ كانت اللغة الفرنسية هي اللغة الإدارية والأكاديمية الرئيسية في الجزائر.
بل أكثر من البلدان المجاورة، وقد تبنى دستور الجزائر لعام 1963 اللغة العربية باعتبارها هي اللغة الرسمية للدولة، وكان أول تدبير عملي هو تعريب التعليم الابتدائي وإدخال التعليم الديني.
حيث اعتمدت الدولة على المعلمين المصريين والسوريين بسبب افتقار الجزائر إلى الناطقين باللغة العربية الفصحى، وفي عام 1968 وسَّع الرئيس الجزائري هواري بومدين نطاق التعريب، حيث فرض على الموظفين استخدام اللغة العربية.
لكن مرة أخرى كان الدور الرئيسي الذي لعبته الفرنسية قد انخفض فقط ولم يختفِ، وتابعت العديد من القوانين محاولةَ حظر اللغة الفرنسية والبربرية (وذلك بهدف التركيز على اللغة العربية باعتبارها لغة رسمية وحيدة للدولة) في المدارس والأعمال الإدارية وعلامات وأسماء الشوارع حيث أصبحت كلها باللغة العربية.
التعريب والبرابرة
لم يحظَ التعريب الذي طبقته الجزائر بتأييد البرابرة لأنها ليست لغتهم بالدرجة الأولى، ولأنهم كانوا يفضلون اللغة الفرنسية باعتبارها لغة النخب على اللغة العربية، إضافةً لذلك كان ينظر البرابرة للتعريب على أنه تهديد للغتهم وثقافتهم وثقافة أسلافهم.
وأن اللغة العربية باتت محور اهتمام الحكومة وتنتشر بشكل كبير على حساب اللغة البربرية، وقد أدت معارضة البرابرة إلى أعمال شغب وقعت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1988.
الجزائر تعترف باللغة البربرية كلغة ثانية
بعد الحرب الأهلية الجزائرية حاولت الحكومة الجزائرية فرض المزيد من استخدام اللغة العربية، لكن المعارضة البربرية دفعت رؤساء الجزائر لتقديم تنازلات للبرابرة، واعترفت الجزائر في عام 2002 باللغة البربرية كلغة وطنية ثانية بموجب تعديل دستوري وافق عليه البرلمان.
إسبانيا تحد من تأثير الثقافة الإسلامية العربية في الأندلس
تعتبر إسبانيا نموذجاً للحركات المناهضة للتعريب، حيث سعت السلطات الإسبانية بعد خروج الأمويين من الأندلس في عام 1492 إلى الحد من اللغة العربية وإعادة نشر الثقافة الغربية في هذه المنطقة.
لكنها في الوقت الحالي لا تزال تحتفظ بمعالم الحضارة العربية كقصر الحمراء في قرطبة حيث أصبحت جزء من التراث الإسباني.
تحديات التعريب في العصر الحديث
في العصر الحديث كانت هناك تطورات سياسية مختلفة لعكس مسار التعريب (مكافحة التعريب)، ومن أبرزها:
- أدخل مصطفى كمال أتاتورك الأبجدية اللاتينية بدلاً من "الأبجدية" العربية في تركيا كجزء من الإصلاحات الكمالية، وذلك في عام 1929.
- تأسيس كيان إسرائيل غير العربي عام 1948 في فلسطين المحتلة.
- انفصال جنوب السودان في عام 2011.
تعريب النصوص تعني الترجمة إلى اللغة العربية
تعريب النصوص؛ العملية التي تقوم بتوطين النص الأجنبي أو المصطلح وإعادة تشكيله ليتناسب مع العقلية (طريقة التفكير) العربية، وتستخدم العناصر الأصلية للغة العربية بدلاً من الترجمات الحرفية.
مثل المئات من المصطلحات الإنجليزية التي تستخدم في اللغة العربية والآلاف من الكلمات العربية التي تستخدم في اللغة الإنجليزية.
وفي بعض الأحيان يمكن للمرء أن يجد تعبيراً كاملاً أو جملةً تعمل في نفس المعنى في اللغة مثل المصطلح الإنجليزي "كش ملك" في لعبة الشطرنج، والذي تتبع جذوره إلى "حصيرة الشاه" (كش ملك) العربية.
ويتحمل المترجمون مسؤولية كبيرة في صحة نقل وترجمة النصوص الأجنبية إلى اللغة العربية، لأن ترجماتهم تؤدي إلى نشر المعارف بين الشعوب المختلفة وتجاوز حاجز اختلاف اللغة الذي يمنع الكثير من العرب من الاضطلاع بها.
لذلك على سبيل المثال أعطى الخليفة العباسي هارون الرشيد المترجمين ذهباً بوزن يعادل وزن الكتب التي يترجمونها.
في الختام.. شكل التعريب وسيلة لنقل الحضارة والثقافة الغربية إلى العرب، ففي البداية نشر العرب اللغة العربية في المناطق التي توسعوا إليها في مرحلة الفتح الإسلامي.
ثم نقلوا وترجموا الكتب من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية، وبعد الاحتلال العثماني والاستعمار الأوروبي نشطت حركة التعريب لإحلال اللغة العربية مكان اللغات الأوروبية في البلدان العربية.
ليصبح التعريب حالياً مقتصراً على ترجمة الكتب الغربية إلى اللغة العربية، وفي الوقت الحالي أصبح سعي الناس لإتقان أكثر من لغة هو الهدف باعتباره وسيلة لتعميق التواصل مع الحضارات المختلفة في زمن الإنترنت والانفتاح التكنولوجي.