فرقة العاشقين الفلسطينية
لم ينسَ الفلسطينيون والعرب يوماً أصوات فرقة العاشقين التي حملت القضية الفلسطينية وتنقلت بها من دولة إلى أخرى، ومن قارة إلى قارة، حيث ما زالت أغنياتهم حاضرة في نضال الشعب الفلسطيني المستمر، تلك الأغنيات التي واكبت مسيرة القضية الفلسطينية منذ تأسيس الفرقة عام 1977، بل وعادت إلى جذور الصراع مع العدو الإسرائيلي حتَّى ما قبل نكبة عام 1948.
في هذه المادة؛ سنتعرف معاً على نضال فرقة العاشقين منذ تأسيسها وحتَّى توقفها في بداية التسعينات من القرن الماضي، كما سنسلط الضوء على أعضاء الفرقة وإعادة بعثها مجدداً في السنوات الأخيرة.
قصة تأسيس فرقة أغاني العاشقين كما يرويها الشاعر أحمد دحبور
كانت الانطلاقة الأولى لفرقة أغاني العاشقين من مخيمات الفلسطينيين في سوريا عام 1977، وكانت نواة الفكرة مع تقديم مسرحية (المؤسسة الوطنية للجنون) التي ألَّفها الشاعر الفلسطيني سميح القاسم وأخرجها السوري فواز الساجر، حيث رأى القائمون على العمل أن يقوموا بإعداد بعض الأغاني لترافق المسرحية، فتم تكليف الشاعر أحمد دحبور بكتابة الكلمات، كما قام بتلحينها الملحن حسين نازك؛ فكانت أغنية (اللوز الأخضر) هي النواة الأولى لفرقة أغاني العاشقين كما يروي الشاعر أحمد دحبور في مقالة له نشرت عام 2013 في صحيفة الحياة الجديدة.
كما يذكر دحبور أن الملحن حسين نازك هو من أطلق على الفرقة اسم (أغاني العاشقين) وكان له الفضل بتجميع أعضاء الفرقة، أمَّا كلمات الأغنية الأولى (اللوز الأخضر):
والله لازرعك بالدار يا عود اللوز الأخضر
واروي هالأرض بدمي تتنور فيها وتكبر
يا لوز الأخضر نادي فلسطين الخضرا بلادي
مدوا لي هالأيادي لحتى بلادي تتحرر
والكرمل جبلي الموصول... بالشمس الحرة على طول
من عرق اجدادي مجبول... بتراب الوطن الأطهر
عالجرمق غنى الصفدي... غزَّة والبيرة بلدي
والقدس بتهتف ولدي... أوعك عني تتأخَّر
أعضاء فرقة العاشقين
قام الملحن حسين نازك بجمع الفنانين والفنيين لفرقة أغاني العاشقين الوليدة، وكانوا بمعظمهم من الفلسطينيين المقيمين في سوريا إضافة إلى مشاركة فعالة من مجموعة من الفنانين السوريين، ومن أبرز الأعضاء الذين شكَّلوا الفرقة:
- حسين منذر (أبو علي) المغني الرئيسي للفرقة، ويذكر دحبور أنَّهم اعتقدوا حتَّى فترة طويلة أنَّ المنذر سوري الجنسية وفقاً للهجته، ليعلموا فيما بعد أنَّه لبناني، أمَّا المنذر فيقول: "أنا عربي، لبناني، فلسطيني، عراقي، أردني، مغربي، جزائري.. كل المكونات العربية داخلي".
- أسرة الهبَّاش، وهم خمسة أشقاء من سكان مخيم اليرموك، ثلاثة شباب هم خليل وخالد عازفين، ومحمد الذي كان يقدم الأغاني بإلقاء القصائد الشعرية، معهم الشقيقتين آمنة وفاطمة.
- مها دغمان، مغنية.
- أحمد الناجي ومحمد الرفاعي، غناء منفرد وكورال.
- الشقيقتان مها وميساء أبو الشامات، وهناء منصور، كورال.
- ميزر مارديني، الراقص الأول ومصمم الرقصات للفرقة.
- بثينة منصور، الراقصة الأولى.
- وهناك الكثير من الأعضاء الذين انضموا إلى الفرقة خلال تأسيسها ومسيرتها الطويلة.
ومن الجدير بالذكر أن فرقة العاشقين كانت تلتزم بالزي العسكري الذي يرتديه الفدائيون إلَّا في حفلات معينة مثل حفلة عام 1988 في الولايات المتحدة الأمريكية، كما كانت الإناث من أعضاء الفرقة يرتدين الثياب التقليدية الفلسطينية، ومن بين تقاليد الفرقة أيضاً إلقاء الشعر كتمهيد للأغنيات وهذه كانت مهمة محمد هبَّاش الذي عرف بالطفل المعجزة آنذاك.
بدأت فرقة العاشقين مع الأغاني التصويرية
سطع نجم فرقة أغاني العاشقين سريعاً، وتبدل اسمها إلى (فرقة العاشقين) كونها ضمَّت العديد من الفنون الأخرى غير الغناء، كما كانت الانطلاقة الكبيرة للفرقة من خلال تسجيل أغاني المسلسلات التي أنتجتها دائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية أواخر السبعينات، حيث قدمت فرقة العاشقين أغاني مسلسل (بأم عيني) كذلك أغاني مسلسل (عز الدين القسام)، وقد كتب كلمات الأغاني الشاعر صلاح الدين الحسيني ولحنها حسين نازك.
ألبوم الكلام المباح
كان ألبوم الكلام المباح أول ما قدمته فرقة العاشقين بعد اجتياح العدو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وكانت الأغنيات من كلمات الشاعر أحمد دحبور ومن ألحان حسين نازك، وقد كانت هذه المجموعة من الأغنيات بمثابة انطلاقة ثانية لفرقة العاشقين، كما يذكر أن الفرقة تألقت في حفلة عدن عام 1983 عندما قدمت الكلام المباح، ومن بين الأغنيات كانت أغنية (وردة لجريح الثورة):
وردة لجريح الثورة وردة للجرح الساطع
لجريح الثورة وردة وللجرح الساطع وردة
ياشجرة وردة حمرا
ماشي والجبهه مرفوعة تارك رجله في الميدان
تارك رجله في الميدان قطّعها لغم الطغيان
ياصحاب الضحكة المسموعة يا غفلة وما بدها توعى
يا نسيان ويا غفيان سبقتكوا الرجل المقطوعـة
وثَّقت فرقة العاشقين مراحل مختلفة من نضال الشعب الفلسطيني
تميزت فرقة العاشقين بمواكبتها لتطورات القضية الفلسطينية، إضافة إلى استخدام الألحان ذات الخلفية التراثية التي ساهمت في انتشار أغانيهم وثباتها في الذاكرة، كما قدمت الفرقة مجموعة من الأغنيات ضمن مسرحية (مغناة دلعونا وظريف الطول) التي قدمها الشاعر صلاح الدين الحسيني، فيما كانت أغنية (من سجن عكا) واحدة من أبرز أغاني فرقة العاشقين على الرغم من أنَّ أحداث الأغنية متعلقة بثورة البراق عام 1929.
من سجن عكا
كتبت هذه الأغنية عن حادثة اعتقال الشباب الفلسطينيين في ثورة البراق عام 1929 وإعدام ثلاثة منهم في السابع عشر من حزيران/يونيو عام 1930 في سجن عكا، والشهداء هم؛ محمد خليل جمجوم، فؤاد حجازي، عطا الزير، فكتب الشاعر نوح إبراهيم هذه القصيدة وغنَّتها (فرقة العاشقين) على لحن تراثي أعاد توزيعه ملحن الفرقة ومؤسسها حسين نازك:
مِن سجن عكا وطلعت جَنازه، محمد جمجوم وفؤاد حجازي
وجَازي عليهم يا شعبي جَازي، المندوب السامي وربعو عموما
محمد جمجوم ومع عطا الزيرِ، فؤاد حجازي عز الذخيرهِ(ي)
انظر المقدَّر والتقاديرِ، بأحكام الظالم تا يعدمونا
ويقول محمد أنا أولكم، خوفي يا عطا أشرب حَسرِتكم
ويقول حجازي أنا أولكم، ما نهاب الردا ولا المنونا
اشهد يا عالم علينا وع بيروت
هذه الأغنية أيضاً من العلامات البارزة في تاريخ فرقة العاشقين، حيث وثَّقت مقاومة الفلسطينيين لاجتياح العدو الإسرائيلي لبيروت عام 1982، وقد تناولت الأغنية صمود المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة جيش الاحتلال، كما تناولت تخاذل العرب وتخليهم عن المقاومة:
سدوا المنافذ علينا يا بيروت وحرقوا المعونة الطبّية
سور الأشبال مع زهرات يا بيروت منه ما مرّت آلية
والطيارات غطوا السما يا بيروت والبحر جبهة حربية
كانوا غربان المنية يا بيروت واحنا تحدينا المنيّة
واشهد يا عالم علينا وعَ بيروت عَ صبرا والميّة وميّة
شاتيلا وبرج البراجنة يا بيروت بالمتحف شافوا المنيّة
ثمانين يوم ما سمعناش يا بيروت غير الهمة الاذاعية
بالصوت كانوا معانا يا بيروت والصورة ذابت بالميّة
ولما طلعنا ودَّعناكِ يا بيروت وسلاحنا شارة حريّة
لا راية بيضا رفعنا يا بيروت ولا طلعنا بهامة محنية
والدرب صعبة وطويلة يا بيروت عليها عقدنا النيّة
واللي ما شاف من الغربال يا بيروت اعمى بعيون أمريكية
يا ليل خلي الأسير ت يكمل نواحه
يا ليل خلي الأسير تَ يكمل نواحـه
رايح يفيق الفجر ويرفرف جناحه
تَ يمرجح المشنوق من هبة رياحه
وعيون بالزنازين بالسر ما باحوا
يا ليل وقّف أفضّي كل حسراتي
يمكن نسيت مين أنا ونسيت آهاتي
يا حيف كيف انقضت بايديك ساعاتي
شمل الحبايب ضاع واتكسروا قداحـه
يا مهيرتي خلف الجبل
يا مهيرتي فوق الجبل خيل العدا ما تنالها
تسلم وراعيها البطل تسلم وأنا خيالهـا ..
يا ميمتي لا تحزني حيفا السما وهلالها
ويافا عروسة مزينه ومزينة برجالهـا ..
والشمس طلعت عَ صفد من خلفها وقبالها
وشعبي صبر، شعبي صمد خيل العدا تصدى لهـا
عودة فرقة العاشقين
يقول محمد هبَّاش في لقاء مع (دنيا الوطن) أن فرقة العاشقين توقفت فعلياً عام 1993 دون أن يصرح بشكل مباشر عن سبب توقف الفرقة، لكن الأغلب أن الموضوع متعلق بالتطورات السياسية على الساحة الفلسطينية بعد توقيع اتفاق أوسلو وما نتج عنه من مشكلات تنظيمية، كما يذكر هبَّاش وهو الذي كان (الطفل المعجزة) في السبعينات أنَّه أسس فرقة جذور ليحاكي بها فرقة العاشقين وواكب من خلالها الانتفاضة الثانية.
أمَّا عن إعادة إطلاق فرقة العاشقين مجدداً فذلك كان عام 2010 حيث أحيت فرقة العاشقين حفلتها الأولى في رام الله، لكن بسبب ظروف الحرب في سوريا اضطر معظم أعضاء الفرقة إلى مغادرتها إلى دول أجنبية حيث يقيم هبَّاش حالياً في السويد، فيما يقيم باقي أعضاء فرقة العاشقين في دول مختلفة عربية وأجنبية، والجدير بالذكر أن رجل الأعمال الفلسطيني مالك الملحم هو من قام بإعادة تمويل الفرقة، حيث يذكر الملحم لصحيفة (قاب قوسين) أنَّ الفرقة تحولت إلى مؤسسة وسيتم إنشاء استثمارات خاصة بالفرقة لضمان استمراريتها.
ختاماً.... لم تكن فرقة العاشقين مجرد مجموعة من الهواة يرغبون بحصاد التصفيق أو تحقيق الشهرة، ولم يكن أعضاؤها من المتسلقين على آلام شعبهم، بل نذروا حياتهم كلَّها في خدمة قضيتهم الوطنية حتَّى أنَّهم رفضوا التخلي عن الفرقة أمام عروض مغرية، حيث رفض حسين المنذر عرضاً من الأخوين رحباني للغناء مع فيروز في الثمانينات لأنَّه آمن بفرقة العاشقين ووهبها حياته، كذلك ضحت أسرة الهبَّاش بفرقتها الخاصة لتذوب بفرقة أغاني العاشقين عند تأسيسها.