قصائد محمود درويش عن الوطن مكتوبة كاملة

  • تاريخ النشر: الخميس، 07 مارس 2024
مقالات ذات صلة
قصائد وشعر محمود درويش مكتوبة
أجمل قصائد محمود غنيم مكتوبة كاملة
أجمل قصائد حيدر محمود مكتوبة كاملة

قصائد محمود درويش عن الوطن هي مجموعة من أجمل الأشعار التي كتبها الشاعر الفلسطيني محمود درويش وهو أحد أهم شعراء فلسطين والوطن العربي ومن أكثرهم شهرة، كما أنه أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

في هذا المقال ننقل لك مجموعة من أجمل وأشهر قصائد محمود درويش عن الوطن، مكتوبة كاملة.

قصيدة كتابة بالفحم المحترق

مدينتُنا.. حوصرتْ في الظهيرة، مدينتنا اكتشفتْ وجهها في الحصارْ

لقد كذب اللونُ، لا شأن لي يا أسيرة بشمسٍ تُلمِّعُ أوسمة الفاتحين وأحذية الراقصين

ولا شأن لي يا شوارع إلاّ بأرقام موتاكِ فاحترقي كالظهيرة

كأنكِ طالعةٌ من كتاب المراثي ثقوبٌ من الضوء في وجهك الساحليّ

تُعيد جبيني إليَّ وتملأني بالحماس القديم إلى أبويَّ

وما كنتُ أؤمنُ إلاّ بما يجعل القلب مقهى وسوقْ

ولكنني خارج من مسامير هذا الصليب لأبحث عن مصدر آخر للبروق

وشكل جديد لوجه الحبيب. رأيتُ الشوارع تقل أسماءها وترتيبها

وأنتِ تظلّين في الشرفة النازلة إلى القاع عينين من دون وجه

ولكنَّ صوتك يخترق اللوحة الذابلة، مدينتُنا حوصرت في الظهيرة

مدينتُنا اكتشف وجهها في الحصار

قصيدة أغنيات إلى الوطن

قصيدة أغنيات إلى الوطن من أجمل قصائد محمود درويش عن الوطن، وتقول:

جبين وغضب وطني! يا أيها النسرُ الذي يغمد منقار اللهبْ في عيوني

أين تاريخ العرب؟ كل ما أملكه في حضرة الموت: جبين وغضب

وأنا أوصيت أن يزرع قلبي شجرةْ وجبيني منزلاً للقُبَّرهْ

وطني، إنا ولدنا وكبرنا بجراحك وأكلنا شجر البلّوط

كي نشهد ميلاد صباحك أيها النسر الذي يرسف في الأغلال من دون سببْ

أيها الموت الخرافيُّ الذي كان يحب لم يزل منقارك الأحمر في عينيَّ سيفاً من لهب

وأنا لست جديراً بجناحك كل ما أملكه في حضرة الموت: جبين وغضب

وطن علِّقوني على جدائل نخلهْ واشنقوني، فلن أخون النخلة! هذه الأرض لي

وكنت قديماً أحلبُ النوق راضياً ومولَّهْ وطني ليس حزمة من حكايا ليس ذكرى

وليس قصةً أو نشيداً ليس ضوءاً على سوالف فُلّهْ وطني غضبة الغريب على الحزن

وطفلٌ يريد عيداً وقبلهْ ورياح ضاقت بحجرة سجن وعجوز يبكي بنيه

وحلقة هذه الأرض جلد عظمي وقلبي فوق أعشابها يطير كنحلة

علِّقوني على جدائل نخلهْ واشنقوني فلن أخون النخلة!

لا مفر مطر على أشجاره ويدي على أحجاره والملح فوق شفاهي

من لي بشبّاك يقي جمر الهوى من نسمة فوق الرصيف اللاهي؟

وطني! عيونك أم غيومٌ ذوَّبت أوتار قلبي في جراح إلهِ! هل تأخذنَّ يدي؟

فسبحان الذي يحمي غريبا من مذلِّة، آهِ ظلُّ الغريب على الغريب

عباءةٌ تحميه من لسع الأسى التيّاهِ هل تُلْقِيَنَّ على عراء تسولي

أستار قبر صار بعض ملاهي لأشمَّ رائحة الذين تنفَّسوا مهدي

وعطر البرتقال الساهي وطني! أُفتِّش عنك فيك فلا أرى إلاّ شقوق يديك

فوق جباهِ وطني أتفتحُ في الخرائب كوة؟ فالملح ذاب على يدي وشفاهي مطر على الإسفلت

يجرفني إلى ميناءِ موتانا وجرحُك ناهِ

رد الفعل وطني! يعلمني حديدُ سلاسلي عنف النسور، ورقة المتفائلِ ما كنت أعرف

أن تحت جلودنا ميلادَ عاصفة وعرس جداولِ سَدُّوا عليَّ النور في زنزانةٍ فتوهَّجتْ في القلب

شمسُ مشاعلِ كتبوا على الجدار، مرج سنابلِ رسموا على الجدار صورَ قاتلي فمحتْ ملامحَها ظلالُ جدائلِ

وحفرتُ بالأسنان رسمك دامياً وكتبتُ أُغنية العذاب الراحلِ أغمدت في لحم الظلام هزيمتي وغرزت

في شعر الشموس أناملي والفاتحون على سطوح منازلي لم يفتحوا إلاّ وعود زلازلي!

لن يبصروا إلاّ توهُّج جبهتي لن يسمعوا إلاّ صرير سلاسلي فإذا احترقت

على صليب عبادتي أصبحت قديساً بِزَيّ مُقاتلِ

الموعد لم تزل شرفةٌ، هناك في بلادي ملوحة ويدٌ تمنحُ الملاك أغنيات

وأجنحة العصافير أم صداك أم مواعيدُ مفرحة قتلتني.. لكي أراك؟!

وطني! حبنا هلاك والأغاني مجرحة كلما جاءني نداك هجر القلب مطرحه

وتلاقي على رباك بالجروح المفتحة لا تلمني ففي ثراك أصبح الحب، مذبحة!

أحبك أكثر تَكَبَّرْ…تَكَبَّر! فمهما يكن من جفاك ستبقى، بعيني ولحمي، ملاك وتبقى

كما شاء لي حبنا أن أراك نسيمك عنبر وأرضك سكَّر وإني أحبك أكثر

يداك خمائلْ ولكنني لا أغني ككل البلابلْ فإن السلاسلْ تعلمني أن أقاتل، أقاتل

أقاتل لأني أحبك أكثر! غنائي خناجر وردْ وصمتي طفولة رعد وزنبقة من دماء فؤادي

وأنت الثرى والسماء وقلبك أخضر! وَجَزْرُ الهوى، فيك، مَدّ فكيف،

إذن، لا أحبك أكثر وأنت، كما شاء لي حبنا أن أراك: نسيمك عنبر وأرضك سكَّر

وقلبك أخضر! وإنِّي طفل هواك على حضنك الحلو أنمو وأكبر!

قصيدة عابر سبيل

بلادي بعيدة تبخَّر مني ثراها إلى داخلي، لا أراها وأنت بعيدة أراك كومضة ورد مفاجئ

وفي جسدي رغبةٌ في الغناء لكلِّ الموانئ وإني أُحبُّكِ لكنني لا أُحبُّ الأغاني السريعة

ولا القُبَلَ الخاطفة وأنت تحبّينها كبحّارة يائسين، أرى عبر زنبقة المائدة وعبر أناملك الشاردْ

أرى البرق يخطف وجهي القديم إلى شرفة ضائعة وأنت تحبّينني، قلت: من أجل هذا المساء لنرقصْ إذن

أنا الماء والظلّ والظل والماء لا يعرفان الخيانة ولا الانكسارْ ولا يذكران ولا ينسيان ولكن

لماذا؟ لماذا توقفتِ الأسطوانة؟ ومن خَدَشَ الأسطوانة لماذا تدور على نفسها  بلادي بعيدة بلادي، بلادي، بلادي

قصيدة أنا من هناك

قصيدة أنا من هناك، واحدة من أشهر قصائد محمود درويش عن الوطن، وتقول:

أَنَا مِنْ هُنَاكَ. وَلِي ذِكْريَاتٌ. وُلِدْتُ كَمَا تُولَدُ النَّاسُ. لِي وَالِدَهْ وبيتٌ كثيرُ النَّوافِذِ

لِي إِخْوَةٌ. أَصْدِقَاءُ. وَسِجْنٌ بِنَافِذَةٍ بَارِدَهْ. وَلِي مَوْجَةٌ خَطَفتْهَا النَّوارِسُ

لِي مَشْهَدِي الخَاصُّ. لِي عُشْبَةٌ زَائِدَهْ وَلِي قَمَرٌ فِي أقَاصِي الكَلاَم، وَرِزْقُ الطُّيُور

وَزَيْتُونَةٌ خالدة مَرَرْتُ عَلَى الأَرْضِ قَبْلَ مُرُور السُّيُوفِ عَلَى جَسَدٍ حَوَّلُوه إِلَى مائدة

أَنَا مِنْ هُنَاكَ. أُعِيدُ السَّمَاءَ إِلَى أُمِّهَا حِينَ تَبْكي السَّمَاءُ عَلَى أمَّهَا، وَأَبْكِيِ لِتَعْرفَنِي غَيمَةٌ عَائِدَهْ

تَعَلّمْتُ كُلِّ كَلامٍ يَلِيقُ بمَحكَمَةِ الدِّم كَيْ أُكْسِرَ القاعدة

تَعَلّمتُ كُلِّ الكَلاَمِ ، وَفَكَّكْتُهُ كَيْ أُرَكِّبَ مُفْرَدَةً واحدة هِيَ: الوَطَنُ

قصيدة موت آخر وأحبك

أجدّدُ يوماً مضى، لأحبّكِ يوماً وأمضي وما كان حباً لأن ذراعيّ أقصر من جبل لا أراهْ

وأكمل هذا العناق البدائيّ، أصعد هذا الإله الصغير وما كان يوماً لأن فَراش الحقول البعيدة

ساعةُ حائطْ وأكمل هذا الرحيل البدائيّ، أصعد هذا الإلهَ الصغير وما كنتِ سيدة الأرض يوماً

لأن الحروب تلامس خصرك سرب حمامْ وتنتشرين على موتنا أُفقا من سلامْ يسد طريقي إلى شفتيك

فأصعد هذا الإلهَ الصغير وما كنتُ ألعب في الرمل لهواً لأن الرذاذ يكسِّرني حين تعلن عيناكِ أن الدروب

إلى شهداء المدينة مقفرةٌ من يديكِ فأصعد هذا الإله الصغير وما كان حباً وما كان يوماً وما كنتُ وما كنتِ

إني أجدد يوماً مضى لأحبك يوماً وأمضي

سألتُكِ أن تريديني خريفاً ونهراً سألتك أن تعبري النهر وحدي وتنتشري في الحقول معاً

سألتك ألا أكون وألا تكوني سألتك أن ترتديني خريفاً لأذبل فيك، وننمو معاً سألتك ألا أكون وألا تكوني

سألتك أن تريديني نهراً لأفقد ذاكرتي في الخريف ونمشي معاً وفي كل شيء نكون يوحدّنا ما يُشتّتنا

ليس هذا هو الحبُّ في كل شيء نكون يجددنا ما يفتّتنا ليس هذا هو الحبُّ

هذا أنا.. أجيئك منك، فكيف أحبك؟ كيف تكونين دهشة عمري؟ وأعرف: أن النساء

تخون جميع المحبين إلا المرايا وأعرف: أن التراب يخون جميع المحبين إلاّ البقايا

أجيئك منك انتظاراً وأغرق فيك انتحاراً أجيئك منك انفجاراً وأسقط فيك شظايا وكيف أقول أحبك؟

كيف تحاول خمس حواسّ مقابلة المعجزة وعيناك معجزتان؟ تكونين نائمة حين يخطفني الموجُ عند نهاية صدرك

يبتدئ البحرُ ينقسم الكون هذا المساء إلى اثنين: أنتِ ومركبة الأرض

من أين أجمع صوت الجهات لأصرخ: إني أحبك

تكونين حريتي بعد موت جديد، أحبّ أجدِّد موتي أودِّع هذا الزمان وأصعد عيناك نافذتان

على حلم لا يجيء وفي كل حلم أرمِّم حلماً وأحلمُ، قالت مريّا: سأهديك غرفة نومي

فقلتُ: سأهديكِ زنزانتي يا مريّا، لماذا أحبكَ؟ من أجل طفل يؤجل هجرتنا يا مريّا

سأهديكَ خاتم عرسي سأهديكِ قيدي وأمسي، لماذا تحاربُ؟ من أجل يوم بلا أنبياء

تكونين جندية، تغلقين طريقي، تقولين: ما اسمك؟ أعلن أني أمشط موج البحار بأغنيتي

ودمي كي تكوني مريّا إلى أين تذهب؟ أذهب في أول السطر، لا شيء يكتمل الآن

هل يلعب الشهداء بأضلاعهم كي تعود مريّا؟ تعود وهم لا يعودون

هل كنتَ فيهم وعدت لأني نصف شهيد لأني رأيت مريّا

سأهديكَ غرفة نومي سأهديكِ زنزانتي يا مريّا

غربيان إن القبائل تحت ثيابي تهاجرُ والطفل يملأ ثنية ركبتكِ الآن أعلن أن ثيابك ليست

كفن غريبان إن الجبال، الجبال، الجبال.. غريبان ما بين يومين يولد يوم جديد لنا وماذا نسميه قلنا:

وطن غريبان إن الرمال، الرمال، الرمال... غريبان والأرض تعلن زينتها، أنت زينُتها

والسماء تهاجر تحت يدين غريبان إن الشمال، الشمال، الشمال غريبان شعرك سقفي

وكفاك صوتان أقبّل صوتاً وأسمع صوتاً وحبك سيفي وعيناك نهران والآن أشهد أن

حضورك موت وأن غيابك موتان والآن أمشي على خنجر وأغني فقد عرف الموت أني أحبك

أني أجدد يوماً مضى لأحبك يوماً وأمضي

سمعتُ دمي، فاستمعتُ إليكِ ولم تَصلي بعدُ كان البنفسج لون الرحيل وكنت أميل مع الشمس

يا أيّها الممكن المستحيل وكانت ظلال النخيل تغطي خطانا التي تتكونُ منذ الصباح وأمسِ

وكنا نميل مع الشمس، كنتُ القتيل الذي لا يعود نسيتُ الجنازة خلف حدود يديكِ

سمعت دمي فاستمعت إليك، إلى أينَ أذهب؟ ليست مفاتيح بيتي معي ليس بيتي أمامي

وليس الوراء ورائي وليس الأمام أمامي إلى أين أذهب؟ إن دمائي تطاردني والحروب تحاربني

والجهات تفتشني عن جهاتي فأذهب في جهة لا تكون كأنّ يديك على جبهتي لحظتانِ أدور

أدور ولا تذهبان أسيرُ، أسيرُ ولا تأتيانِ كأن يديك أبد آه، من زمن في جسد!

يعرف الموت أني أحبُّك يعرف وقتي فيحمل صوتي ويأتيك مثل سعاة البريد ومثل جباه الضرائب

يفتح نافذة لا تطل على شجرٍ (قد ذهبتُ ولم أعرف)، يعرف الموت أني أحبك، يستجوب القبلة النصفَ

تستقبلين اعترافي وتبكين زنبقةً ذبلت في الرسالةِ ثم تنامين وحدكِ، وحدكِ، وحدكِ يشهق موت بعيد

ويبقى بعيد إلى أين أذهب؟ إنَّ الجداول باقية في عروقي وإن السنابل تنضج تحت ثيابي وإنّ المنازل مهجورة

في تجاعيد كفي وإن السلاسل تلتفُّ حول دمي وليس الأمام أمامي وليس الوراء ورائي كأن يديك المكان الوحيد

كأن يديك بلد آه من وطن في جسد! وصلتُ إلى الوقت مبتعدا لم يكون بلدا كي أقول وصلتُ وما كان، حين وصلتُ

سدى كي أقول تعبتُ وما كان وقتاً لأمضي إليه، وصلت إلى الوقت مبتعدا لم أجد أحدا غير صورتها في إطار من الماءِ

مثل جبيني الذي ضاع بيني وبين رؤايَ سدى! سمعتُ دمي فاستمعتُ إليك مشيتُ لأمشي إليك وكانت عصافيرُ ملء الهواء

تسير ورائي وتأكلني، كنتُ سنبلةً، كنت أحمل ضلعاً وأسأل أين بقيتُهُ آخرُ الشهداء يحاول ثانيةً كيف أحمل نهراً بقبضة كفي

وأحمل سيفي ولا يسقطان، أنا آخر الشهداء أسجل أنك قدسيةٌ في الزمان وضائعة في المكان أريد بقية ضلعي

أريد بقية ضلعي أريد بقية ضلعي

قصيدة حالة حصار

هنا، عند مُنْحَدَرات التلال، أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت، قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ، نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ

وما يفعل العاطلون عن العمل: نُرَبِّي الأملْ, بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر, صرنا أَقلَّ ذكاءً، لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر:

لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة. أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ في حلكة الأَقبية

هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحدا، هنا، لا (أَنا) هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ سيمتدُّ هذا الحصارُ إلى أن نعلِّم

أعداؤنا نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ. السماء رصاصيّةٌ في الضحى بُرْتقاليَّةٌ في الليالي وأَمَّا القلوبُ فظلَّتْ حياديَّةً

مثلَ ورد السياجْ، في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ بين تذكُّرِ أَوَّلها ونسيانِ آخرِها، الحياة. الحياة بكاملها

الحياة بنقصانها، تستضيف نجوماً مجاورة لا زمان لها وغيومها مهاجرة لا مكان لها والحياة هنا تتساءل:

كيف نعيد إليها الحياة يقولُ علي حافَّة الموت: لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ: حُرٌّ أَنا قرب حريتي وغدي في يدي

سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن، وأختارُ لاسمي حروفاً من اللازوردْ، هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان

علي دَرَج البيت لا وَقْتَ للوقت نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلى الله: ننسي الأَلمْ. الألمْ هُوَ: أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت

حَبْلَ الغسيل صباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ. لا صدى هوميريّ لشيءٍ هنا. فالأساطيرُ تطرق أبوابنا حين نحتاجها

لا صديً هوميريّ لشيء، هنا جنرالٌ يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود

وبين العَدَمْ بمنظار دبّابة، نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ. أَيُّها الواقفون علي العَتَبات ادخُلُوا

واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ قد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا أَيها الواقفون على عتبات البيوت اُخرجوا من صباحاتنا

نطمئنَّ إلى أَننا بَشَرٌ مثلكُمْ! نَجِدُ الوقتَ للتسليةْ: نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنا في جرائدِ أَمسِ الجريحِ، ونقرأ زاويةَ الحظِّ:

في عامِ أَلفينِ واثنينِ تبتسم الكاميرا لمواليد بُرْجِ الحصار. كُلَّما جاءني الأمسُ، قلت له: ليس موعدُنا اليومَ، فلتبتعدْ وتعالَ غداً!

قال لي كاتب ساخر: لو عرفت النهاية، منذ البداية، لم يبق لي عمل في اللغة كل موت، وإن كان منتظراً، هو أول موت

فكيف أرى قمراً نائماً تحت كل حجر؟ أفكر من دون جدوى: بماذا يفكر من هو مثلي، هناك على قمة التل

منذ ثلاثة آلاف عام، وفي هذه اللحظة العابرة؟ فتوجعني الخاطرة وتنتعش الذاكرة، عندما تختفي الطائرات تطير الحمامات

بيضاء، بيضاء. تغسل خدّ السماء بأجنحة حرّة، تستعيد البهاء وملكية الجو واللهو. أعلى وأعلى تطير الحمامات، بيضاء، بيضاء

ليت السماء حقيقة [قال لي رجل عابر بين قنبلتين] الوميض، البصيرة، والبرق قيد التشابه، عما قليل سأعرف إن كان هذا هو الوحي

أو يعرف الأصدقاء الحميمون أن القصيدة مرت وأودت بشاعرها. إلى ناقد: لا تفسر كلامي بملعقة الشاي أو بفخاخ الطيور!

يحاصرني في المنام كلامي، كلامي الذي لم أقله، ويكتبني ثم يتركني باحثاً عن بقايا منامي

شجر السرو، خلف الجنود، مآذن تحمي السماء من الانحدار وخلف سياج الحديد جنود يبولون، تحت حراسة دبابة

والنهار خريفي يكمل نزهته الذهبية في شارع واسع كالكنيسة بعد صلاة الأحد، بلاد على أهبة الفجر

لن نختلف على حصة الشهداء من الأرض، ها هم سواسية يفرشون لنا العشب كي نأتلف! نحب الحياة غداً

عندما يصل الغد سوف نحب الحياة كما هي، عادية ماكرة رمادية أو ملونة، لا قيامة فيها ولا آخرة

وإن كان لا بد من فرح فليكن خفيفاً على القلب والخاصرة ! فلا يلدغ المؤمن المتمرن من فرح مرتين!

( إلى قاتل): لو تأملت وجه الضحية وفكرت، كنت تذكرت أمك في غرفة الغاز، كنت تحررت من حكمة البندقية

وغيّرت رأيك: ما هكذا تستعاد الهوية،( إلى قاتل آخر): لو تركت الجنين ثلاثين يوماً، إذاً لغيرت الاحتمالات:

قد ينتهي الاحتلال ولا يتذكر ذاك الرضيع زمان الحصار، فيكبر طفلاً معافى، ويصبح شاباً ويدرس في معهد واحد

مع إحدى بناتك تاريخ آسيا القديم وقد يقعان معاً في شباك الغرام وقد ينجبان ابنةً ( وتكون يهودية بالولادة) ماذا فعلت إذاً؟

صارت ابنتك الآن أرملة والحفيدة صارت يتيمة؟ فماذا فعلت بأسرتك الشاردة وكيف أصبت ثلاث حمائم بالطلقة الواحدة؟

لم تكن هذه القافية ضرورية، لا لضبط النغم ولا، لاقتصاد الألم إنها زائدة كذباب على المائدة الضباب ظلام

ظلام كثيف البياض تقشره البرتقالة والمرأة الواعدة وحيدون، نحن وحيدون حتى الثمالة، لولا زيارات قوس قزح

هل نسيء إلى أحد؟ هل نسيء إلى بلدٍ، لو أصبنا، ولو من بعيد، ولو مرة، برذاذ الفرح؟

الحصار هو الانتظار، هو الانتظار على سلم مائل وسط العاصفة لنا أخوة خلف هذا المدى أخوة طيبون، يحبوننا

ينظرون إلينا ويبكون، ثم يقولون في سرهم: "ليت هذا الحصار هنا، علنيّ" ولا يكملون العبارة: "لا تتركونا وحيدين، لا تتركونا"

قصيدة بطاقة هوية

سجِّل أنا عربي ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ وأطفالي ثمانيةٌ وتاسعهُم، سيأتي بعدَ صيفْ! فهلْ تغضبْ؟

سجِّلْ أنا عربي وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ وأطفالي ثمانيةٌ أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ، والأثوابَ

والدفترْ من الصخرِ ولا أتوسَّلُ الصدقاتِ من بابِكْ ولا أصغرْ أمامَ بلاطِ أعتابكْ فهل تغضب؟

سجل أنا عربي أنا اسم بلا لقبِ صَبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها يعيشُ بفَوْرةِ الغضبِ جذوري قبلَ ميلادِ الزمانِ

رستْ وقبلَ تفتّحِ الحقبِ وقبلَ السّروِ والزيتونِ .. وقبلَ ترعرعِ العشبِ أبي.. من أسرةِ المحراثِ

لا من سادةٍ نُجُبِ وجدّي كانَ فلاحاً بلا حسبٍ.. ولا نسبِ! يُعَلّمني شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتبِ

وبيتي كوخُ ناطورٍ منَ الأعوادِ والقصبِ فهل تُرضيكَ منزلتي؟ أنا اسم بلا لقبِ! سجلْ أنا عربي

ولونُ الشعرِ.. فحميٌّ ولونُ العينِ.. بنيٌّ وميزاتي: على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه وكفّي صلبةٌ كالصخرِ

تخمشُ من يلامسَها وعنواني: أنا من قريةٍ عزلاءَ منسيّهْ شوارعُها بلا أسماء وكلُّ رجالها في الحقلِ

والمحجرْ فهل تغضبْ؟ سجِّل! أنا عربي سلبتُ كرومَ أجدادي وأرضاً كنتُ أفلحُها أنا وجميعُ أولادي

ولم تتركْ لنا.. ولكلِّ أحفادي سوى هذي الصخورِ... فهل ستأخذُها حكومتكمْ.. كما قيلا!؟

إذنْ سجِّل.. برأسِ الصفحةِ الأولى أنا لا أكرهُ الناسَ ولا أسطو على أحدٍ

ولكنّي، إذا ما جعتُ آكلُ لحمَ مغتصبي حذارِ.. حذارِ.. من جوعي ومن غضبي!!

قصيدة على هذه الأرض

قصيدة على هذه الأرض واحدة من أجمل وأشهر قصائد محمود درويش عن الوطن، وتقول:

علَى هَذِهِ الأَرْض مَا يَسْتَحِقُّ الحَياةْ: تَرَدُّدُ إبريلَ، رَائِحَةُ الخُبْزِ فِي الفجْرِ، آراءُ امْرأَةٍ فِي الرِّجالِ

كِتَابَاتُ أَسْخِيْلِيوس، أوَّلُ الحُبِّ، عشبٌ عَلَى حجرٍ، أُمَّهاتٌ تَقِفْنَ عَلَى خَيْطِ نايٍ وخوفُ الغُزَاةِ مِنَ الذِّكْرياتْ

عَلَى هَذِهِ الأرْض ما يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ: نِهَايَةُ أَيلُولَ، سَيِّدَةٌ تترُكُ الأَرْبَعِينَ بِكَامِلِ مشْمِشِهَا، ساعَةُ الشَّمْسِ فِي السَّجْنِ

غَيْمٌ يُقَلِّدُ سِرْباً مِنَ الكَائِنَاتِ، هُتَافَاتُ شَعْبٍ لِمَنْ يَصْعَدُونَ إلى حَتْفِهِمْ بَاسِمينَ وَخَوْفُ الطُّغَاةِ مِنَ الأُغْنِيَاتْ

عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ: عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ الأُرْضِ، أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ

كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى فلسْطِين. سَيِّدَتي: أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي، أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ