مصطلح علم الإنسان الأنثروبولوجيا (Anthropology)
لطالما كانت الكلمات الحديثة الداخلة في العلم مهمة، وتثير انتباه القارئ وتدفعه للبحث عن معناها، لكن غالباً ما يكون لهذه الكلمات معنىً معروف.
لكن يبقى على القارئ الربط بين هذا المعنى وذاك المصطلح.. هذا الأمر ينطبق على مصطلح الأنثروبولوجيا.. فما هو هذا المصطلح؟ وما هي أنواعه؟
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
تعريف الأنثروبولوجيا (Anthropology)
يعود أصل كلمة الأنثروبولوجيا إلى اللغة اليونانية، وهي عبارة عن كلمتين تم نحتهما من كلمتين يونانيتين هما:
- (Anthropo) التي تعني (الإنسان).
- و (Logy) التي تعني (العلم).
بالتالي يكون المعنى اللفظي لكلمة الأنثروبولوجيا (anthropology) هو علم الإنسان.
تعريف الأنثروبولوجيا
تعرف الأنثروبولوجيا باللغة الإنكليزية (Anthropology) وتعني علمُ الإنسان، أي:
بمعنى الدراسة العلمية للإنسان، في الماضي والحاضر، يدرس الطقوس والمعتقدات، العادات والتقاليد التي تحكم الإنسان، كما تسعى الأنثروبولوجيا لفهم الإنسان وطريقة تفكيره من خلال دراسة مختلف الثقافات.
الأمر الذي يتطلب إلماماً بالعديد من العلوم (العلوم الاجتماعية، علوم الحياة، العلوم الإنسانية)، فعلى سبيل المثال:
اهتمت الأنثروبولوجيا الأمريكية بالجوانب الثقافية للغة، أساليب التفكير والعمل لدى الإنسان، وذلك لمساعدة السلطات الاتحادية في علاقاتها مع الدول الأجنبية والاتصال بين الثقافات.
عرفت موسوعة لاروس الفرنسية الأنثروبولوجيا بأنها:
"الدراسة العلمية للإنسان والجماعات البشرية من جميع الجوانب، إضافة لدراسة التاريخ المادي للإنسان".
هنالك أربعة أنواع للأنثروبولوجيا أو علم الإنسان
كلمة الأنثروبولوجيا وإن كانت تعني كتعريف عام علم الإنسان، لكنها تنطوي على أربعة أنواع، هي:
1-الأنثروبولوجيا الطبيعية
تتناول دراسة ظهور الإنسان على الأرض كسلالةٍ مُتميزة، واكتسابه صفات خاصة؛ كالسير منتصباً، القدرة على استعمال اليدين، القدرة على الكلام، حجم الدماغ، ثم تدرس تطوره حياتياً وانتشاره على الأرض.
كما تدرس السلالات البشرية القديمة وصفاتها، كذلك العناصر البشرية المُعاصرة وصفاتها وأوصافها الجسمّية المُختلفة.
وتوزيع تلكَ العناصر على القارات الخمس (آسيا، إفريقيا، أوروبا، أمريكا الشمالية، أمريكا الوسطى والجنوبية، أوقيانوسيا).
حيث توضع مقاييس لتلكَ العناصر، مثل: (طول القامة، شكل الجمجمة، لون الشعر وكثافته، لون العين وأشكالها، لون البشرة، أشكال الأنف)، كما تدرس الوراثة، كذلك انتقال ميزات الجنس البشري من جيلٍ لآخر.
يرتبط هذا النوع من الأنثروبولوجيا بالعلوم الطبيعية، مثل:
(علم التشريح، علم وظائف الأعضاء (physiology)، علم الأحياء (Biology)، ومن أهم تخصصاته: (علم العظام (Osteology)، علم البناء الإنساني (Human Morphology)، مقاييس جسم الإنسان (anthropometry).
ودراسة مقاييس الأجسام الحية (Biometrics)، علم الجراحة الإنساني (Human serology)، من جهة أخرى يُدرّس هذا النوع من الأنثروبولوجيا في كلياتِ الطب والعلوم.
ومعظم المتخصصينَ فيهِ من الأطباء وعُلماءَ الحياة، كما يدرّس أيضاً في كلياتِ العلوم الاجتماعية في أقسام الأنثروبولوجيا.
2- الأنثروبولوجيا الاجتماعية
يهتم هذا النوع من الأنثروبولوجيا بتحليل البناء الاجتماعي للمجتمعات الإنسانية، وخاصة المُجتمعات البدائية التي يظهر فيها بوضوح تكامل ووحدة البناء الاجتماعي.
كما يتركز اهتمام هذا النوع بالناحية الاجتماعية للحضارات، كما يتمّيز هذا النوع من الأنثروبولوجيا بالدراسة العميقة التفصيلية للبناء الاجتماعي، وتوضيح الترابط والتأثير المتبادل بين النظم الاجتماعية.
ولا تهتم الأنثروبولوجيا الاجتماعية المُعاصرة بتأريخ النظم الاجتماعية، على اعتبار أن تأريخ النظام الاجتماعي لا يفسر طبيعتهُ، إنما تفسر تلكَ الطبيعة عن طريق تحديد وظيفة النظام الاجتماعي الواحد في البناء الاجتماعي للمجتمع.
تتركز الدراساتُ في الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة على المُجتمعات البدائية، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، أخذت الأنثروبولوجيا تدرس المجتمعات الريفية والحضرية في الدول النامية والمُتقدمِة.
حيث تدرس كلاً من البناء الاجتماعي، العلاقات الاجتماعية، النظم الاجتماعية مثل:
(العائلة، الفخذ، العشيرة، القرابة، الزواج، الطبقات والطوائف الاجتماعية)، النظم الاقتصادية مثل: (الإنتاج، التوزيع، الاستهلاك، المقايضة، النقود).
والنظم السياسية مثل: (القوانين، العقوبات، السلطة والحكومة)، النظم العقائدية مثل: (السحر، الدين)، كما تدرس النسق الإيكولوجي.
3- الأنثروبولوجيا الحضارية (الثقافية)
يدرس هذا النوع من الأنثروبولوجيا كافة نتاجات الشعوب البدائية المادية والروحية من حيث (اختراعاتها، أدواتها، أجهزتها، أسلحتها، طبيعة المساكن، أنواع الألبسة، وسائل الزينة، الفنون، الآداب، القصص، الخرافات).
كما يركز هذا النوع من الأنثروبولوجيا على الاتصال الحضاري بين الشعوب، وما يقتبسهُ بعضهم من بعض، كذلك يركز على التطور الحضاري، التغير الاجتماعي.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 بدأت الأنثروبولوجيا الحضارية تدرس المجتمعات الريفية والحضرية في الدول المتقدمة والنامية.
4- الأنثروبولوجيا التطبيقية
ظهر هذا النوع من الأنثروبولوجيا عندما تواصل الأوروبيون مباشرة مع الشعوب الأخرى من خلال (التجارة، البعثات التبشيرية، الاستعمار).
حيث برزت الحاجة إلى فهم هذه الشعوب، فنشأ هذا النوع من الأنثروبولوجيا يدرس مشاكل الاتصال بتلك الشعوب من خلال (معضلات إدارتها، تصريف شؤونها، طرق تحسينها).
تطورَ هذا النوع من الأنثروبولوجيا التطبيقية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، وتنوّعت مجالاتهُ بتطور أقسام الأنثروبولوجيا وفروعها.
حيث شملت الأنثروبولوجيا التطبيقية مجالات كثيرة أهمها:
(التربية والتعليم، التحضّر والسُكان، التنمية الاجتماعية والاقتصادية، تنمية المُجتمعات المحلية، المجالات الطبية والصحة العامّة والنفسية، الإعلام، الاتصال وبرامج الإذاعة والتلفزيون، التأليف الروائي والمسرحي.
والفن، الفلكلور "التراث الشعبي"، المتاحف)، إضافةً إلى المجالات (الصناعيّة، العسكرية، الحرب النفسية، السياسة ومُشكلات الإدارة والحكم، الجريمة والسجون).
علاقة الانثروبولوجيا ببعض العلوم الاجتماعية
على اعتبار أن الأنثروبولوجيا علم فمن الطبيعي أن تكون لها علاقة وثيقة ببعض العلوم الاجتماعية، ومن هذه العلوم:
- الأنطولوجيا: علم تأريخ الحضارات والعلاقات الحضارية بين الشعوب، كم يهتم بتصنيف الحضارات، إضافة إلى توزيعها وانتشارها في العالم.
- الأثنوجرافيا: علم يهتم بالدراسة الوصفية للمجتمعات وحضاراتها.
- الإيكولوجيا (علم الآثار): يهتم بدراسة الشعوب القديمة من خلال الآثار التي يجدها العلماء خلال الحفريات التي يقومون بها لهذه الغاية.
- علم الاجتماع: يهتم بدراسة الظواهر الاجتماعية التي تنتج عن العلاقات بين المجموعات البشرية، كما يهتم بدراسة العلاقة بين الإنسان وبيئته البشرية.
ظهور الأنثروبولوجيا وتطورها
ظهرت الأنثروبولوجيا كمعنى قبل ظهورها كمصطلح يستخدم كغيره من العلوم، بدأت مع تأمّلات الإنسان القديم حول المواضيع التي تتعلق بالإنسان، حيث وُصِف المؤرّخ الإغريقي (هيرودوتس) بأنه (أبو الأنثروبولوجيا).
كما أطلق عليه لقب (أبو التاريخ)، لأنهُ وصفَ لنا بالتفصيل التكوين الجسماني للشعوب القديمة مثل: (الفراعنة، السومريين، الكلدانيين).
كما تحدث عن أخلاقهم، عاداتهم وتقاليدهم، في حين كتب المؤرخ الروماني تاكيتس أيضاً دراسة عن القبائل الجرمانية.
البذور الأولى لمصطلح الأنثروبولوجيا
ظهرت البذور الأولى لعلم الأنثروبولوجيا كعلم في القرن الثامن عشر، مع أفكار العديد من المفكرين والعلماء، منهم الفيلسوف الفرنسي شارل لوي دي سيكوندا (المعروف باسم مونتيسكيو).
الذي تحدث في كتابهِ (روح القوانين) عن المجتمع، أسسه، طبيعته، كذلك الفيلسوف الفرنسي سان سيمون، الذي تحدث عن علم المجتمع.
إضافة إلى الفيلسوفان البريطانيان ديفيد هيوم وآدم سميث، اللذين اعتبرا أن المجتمعات البشرية تتكون من أنساق طبيعية، تتطور بشكل غير محدود.
علماء أنثروبولوجيون
- الفيلسوف البريطاني هنري مين، صاحب كتابي (القانون القديم) (المجتمعات القروية في الشرق والغرب) في عام 1861، أكد في كتاباته على وجود قانون في المجتمعات القديمة، وقال لا يوجد علاقة بين التقدم والديمقراطية.
- المؤرخ السويسري يوهان ياكوب باخوفن، صاحب كتاب (حق الأم) في عام 1861، درس الأسرة كمؤسسة اجتماعية، رأى أن مرحلة الأمومة (التبعية للأم) سبقت مرحلة الأبوة (التبعية للأب).
- الفيلسوف الفرنسي فوستل دو كولانج، صاحب كتاب (المدينة القديمة) الصادر في عام 1864، رأى أن الدين هو العامل الوحيد في تطور اليونان القديمة وروما، حيث كان الدين هو الرابط بين الأسرة والدولة والعمل، ثم حصلت أزمة أخلاقية ناجمة عن انتشار الثروة الرومانية وتوسع الإمبراطورية، مما أدى لانتصار المسيحية وانتهاء الدولة المدينة القديمة.
- الفيلسوف البريطاني إدوارد تايلور، صاحب كتابي (أبحاث في التأريخ القديم للجنس البشري) الصادر في عام 1865 ، (الحضارة البدائية) الصادر في عام 1871، درس عادات ومعتقدات الشعوب البدائية على اساس الاكتشافات الأثرية.
- الفيلسوف الأمريكي لويس هنري مورغان، صاحب كتاب (أنساق روابط الدم والمصاهرة في العائلة الإنسانية) الصادر في عام 1870، قال: إن مرحلة الأمومة سبقت مرحلة الأبوة.
تطور دراسة الأنثروبولوجيا
الأنثروبولوجيا تدخل الجامعات
دخل علم الأنثروبولوجيا كمادة دراسية في الجامعات الأوروبية، بدايةً إلى الجامعات البريطانية في عام 1884، حيث أصبح إدوارد تايلور أول مدرس لهذه المادة في جامعة أكسفورد.
وهو صاحب كتاب (الأنثروبولوجيا) الصادر في عام 1881، كما درّس هادن الأنثروبولوجيا في جامعة كمبرج في عام 1900، ثم درّس جيمس فريزر هذه المادة في جامعة لفربول في عام 1907.
كما عين أستاذاً لهذه المادة في جامعة لندن في عام 1908.، ثم انتقلت هذه المادة إلى الجامعات الأمريكية في عام 1886.
الأنثروبولوجيا في القرن العشرين
ظهر العديد من العلماء الذين اهتموا بالأنثروبولوجيا مثل: (جيمس فريزر، إميل دوركهايم، راد كلف براون، مالينوفسكي، كما ظهرت مدارس إنثروبولوجية هامّة مثل:
(مدرسة الانتشار الحضاري التي اهتمت بالإنسان باعتباره حاملاً للثقافة عبر العصور، المدرسة الوظيفية التي اهتمت بالإنسان باعتباره كائن يقوم بوظائفه المختلفة).
وكلاهما هاجمتا ودحضتا (المدرسة التطورية التي تقول أن الإنسان مر بمراحل عديدة قبل أن يصبح على الشكل الذي هو عليه الآن).
الأنثروبولوجيا في المتاحف
تعد المتاحف بمثابة مخزن تتجمع فيه كل الأشياء والمعلومات التي جمعها العلماء من خلال دراساتهم، التي أجروها للحصول على معلومات عن الشعوب القديمة.
كذلك الأدوات التي استخدمتها الشعوب في الحروب منذ الأزل، ولعبت المتاحف دوراً رئيسياً في انتشار الأنثروبولوجيا في القرن التاسع عشر.
حيث تم إنشاء أقسام للأنثروبولوجيا في المتاحف، مثل: قسم الأنثروبولوجيا في متحف للآثار في برلين في عام 1856، وفي عام 1866 ظهر أول متحف للأنثروبولوجيا.
هو متحف بيبودي للآثار والأنطولوجيا في جامعة هارفارد، كما افتتح في فرنسا متحف تروكاديرو للأنطولوجيا في عام 1878.
الفرق بين علم الاجتماع وعلم الأنثروبولوجيا
هاك فروق بين علم الاجتماع وعلم الأنثروبولوجيا.
علم الاجتماع: يدرس العلاقات الاجتماعية بين المجموعات البشرية، ويركز في دراساتهِ على موضوعاتٍ مختارة مثل (الدين أو البطالة أو الزواج).
علم الأنثروبولوجيا: يدرس المجتمعات البشرية دراسة شاملة لطل الجوانب وليس فقط ظواهر محددة (مثال: يدرس علم الأنثروبولوجيا المجتمع الإسلامي بكافة تفاصيله، أما علم الاجتماع فقد يدرس ظاهرة من ظواهر هذا المجتمع).
في الختام.. يعد مصطلح الأنثروبولوجيا من أهم المصطلحات التي ظهرت في العلوم الحديثة، حيث انضم للكم الكبير من العلوم المتنوعة في هذا العالم.
وقدّمت الأنثروبولوجيا باعتبارها علماً الإجابة عن العديد من التساؤلات التي كانت وربما ما تزال تشغل بال كل واحد منا (ما أصل الإنسان، كيف كان يفكر الإنسان البدائي، ما صفات الكلدانيين...إلخ).