أجمل قصائد أبو العتاهية مكتوبة كاملة

  • تاريخ النشر: السبت، 23 مارس 2024
مقالات ذات صلة
أجمل قصائد كامل الشناوي مكتوبة كاملة
أجمل قصائد البحتري مكتوبة كاملة
أجمل قصائد أبو نواس مكتوبة كاملة

أبو العتاهية هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العنزي أبو إسحاق، وهو شاعر غزير الإنتاج وقيل أنه كان ينظم نحو 150 بيتاً في اليوم الواحد، كما أنه سريع الخاطر واشتهر بقول الشعر في الزهد والمديح وولد أبو العتاهية في عين التمر، ونشأ في الكوفة، وسكن بغداد. إليك أجمل قصائد أبو العتاهية مكتوبة كاملة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

قصيدة لبيك رسول الله ما كان باكياً

قصيدة لبيك رسول الله ما كان باكياً، من أجمل قصائد أبو العتاهية وتقول:

لبيك رَسولَ اللَهِ مَن كانَ باكِيا وَلا تَنسَ قَبراً بِالمَدينَةِ ثاوِيا، جَزى اللَهُ عَنّا كُلَّ خَيرٍ مُحَمَّداً
فَقَد كانَ مَهديّاً دَليلاً وَهادِيا وَلَن تَسرِيَ الذِكرى بِما هُوهَ أَهلُهُ، إِذا كُنتَ لِلبِرِّ المُطَهِّرِ ناسيّا
أَتَنسى رَسولَ اللَهِ أَفضَلَ مَن مَشى وَآثارُهُ بِالمَسجِدَينِ كَما هِيا وَكانَ أَبَرَّ الناسِ بِالناسِ كُلِّهِم
وَأَكرَمَهُم بَيتاً وَشِعباً وَوادِيا، تَكَدَّرَ مِن بَعدِ النَبيِّ مُحَمَّدٍ، عَلَيهِ سَلامُ اللَهِ ما كانَ صافِيا
فَكَم مِن مَنارٍ كانَ أَوضَحَهُ لَنا وَمِن عَلَمٍ أَمسى وَأَصبَحَ عافِيا، رَكَنّا إِلى الدُنيا الدَنيَّةِ بَعدَهُ
وَكَشَّفَتِ الأَطماعُ مِنّا المَساوِيا، وَإِنّا لَنُرمى كُلَّ يَومٍ بِعِبرَةٍ، نَراها فَما تَزدَدُ إِلّا تَمادِيا
نُسَرُّ بِدارٍ أَورَثَتنا تَضاغُناً، عَلَيها وَدارٍ أَورَثَتنا تَعادِيا، إِذا المَرءُ لَم يَلبَس ثِياباً مِنَ التُقى
تَقَلَّبَ عُرياناً وَإِن كانَ كاسِيا، أَخي كُن عَلى يَأسٍ مِنَ الناسِ كُلِّهُم، جَميعاً وَكُن ما عِشتَ لِلَّهِ راجِيا
أَلَم تَرَ أَنَّ اللَهَ يَكفي عِبادَهُ، فَحَسبُ عِبادِ اللَهِ بِاللَهِ كافِيا وَكَم مِن هَناتٍ ما عَلَيكَ لَمَستَها
مِنَ الناسِ يَوماً أَو لَمَستَ الأَفاعِيا، أَخي قَد أَبى بُخلي وَبُخلُكَ أَن يُرى، لِذي فاقَةٍ مِنّي وَمِنكَ مُؤاسِيا
كِلانا بَطينٌ جَنبُهُ ظاهِرُ الكُسى وَفي الناسِ مَن يُمسي وَيُصبِحُ طاوِيا، كَأَنّا خُلِقنا لِلبَقاءِ وَأَيُّنا
وَإِن مُدَّتِ الدُنيا لَهُ لَيسَ فانِيا، أَبى المَوتُ إِلّا أَن يَكونَ لِمَن ثَوى، مِنَ الخَلقِ طُرّاً حَيثُما كانَ لاقِا
حَسَمتَ المُنى يا مَوتُ حَسماً مُبَرِّحاً، وَعَلَّتَ يا مَوتُ البُكاءَ البَواكِيا وَمَزَّقتَنا يا مَوتُ كُلَّ مُمَزَّقٍ
وَعَرَّفتَنا يا مَوتُ مِنكَ الدَواهِيا، أَلا يا طَويلَ السَهوِ أَصبَحتَ ساهِيا وَأَصبَحتَ مُغتَرّاً وَأَصبَحتَ لاهيا
أَفي كُلِّ يَومٍ نَحنُ نَلقى جَنازَةً وَفي كُلِّ يَومٍ نَحنُ نَسمَعُ ناعِيا وَفي كُلِّ يَومٍ مِنكَ نَرثي لِمُعوِلٍ
وَفي كُلِّ يَومٍ نَحنُ نُسعِدُ باكِيا، أَلا أَيُّها الباني لِغَيرِ بَلاغِهِ، أَلا لِخَرابِ الدَهرِ أَصبَحتَ بانِيا
أَلا لِزَوالِ العُمرِ أَصبَحتَ جامِعاً، وَأَصبَحتَ مُختالاً فَخوراً مُباهِيا
كَأَنَّكَ قَد وَلَّيتَ عَن كُلِّ ما تَرى وَخَلَّفتَ مَن خَلَّفتَهُ عَنكَ سالِيا

قصيدة أين القرون الماضية

أَينَ القُرونُ الماضِيَة، تَرَكوا المَنازِلَ خالِيَة، فَاستَبدَلَت بِهِمُ دِيارُهُمُ الرِياحَ الهاوِيَة
وَتَشَتَّتَت عَنها الجُموعُ وَفارَقَتها الغاشِيَة، فَإِذا مَحَلٌّ لِلوُحوشِ وَلِلكِلابِ العاوِيَة
دَرَجوا فَما أَبقَت صُروفُ الدَهرِ مِنهُم باقِيَة، فَلَئِن عَقَلتُ لَأَبكِيَننَهُمُ بِعَينٍ باكِيَة
لَم يَبقَ مِنهُم بَعدَهُم، إِلّا العِظامُ الباقِيَة، لِلَّهِ دَرُّ جَماجِمٍ، تَحتَ الجَنادِلِ ثاوِيَة
وَلَقَد عَتَوا زَمَناً كَأَنَهُمُ السِباعُ العاوِيَة، في نِعمَةٍ وَغَضارَةٍ وَسَلامَةٍ وَرَفاهِية
قَد أَصبَحوا في بَرزَخٍ وَمَحَلَّةٍ مُتَراخِيَة، ما بَينَهُم مُتَفاوِتٌ وَقُبورُهُم مُتدانِيَة
وَالدَهرُ لا تَبقى عَلَيهِ الشامِخاتُ الراسِيَة وَلَرُبَّ مُغتَرٍّ بِهِ، حَتّى رَماهُ بِداهِيَة
يا عاشِقَ الدارِ الَّتي لَيسَت لَهُ بمواتية، أَحبَبتَ داراً لَم تَزَل عَن نَفسِها لَكَ ناهِيَة
أَأُخَيَّ فَاِرمِ مَحاسِنَ الدُنيا بِعَينٍ قالِيَة وَاعصِ الهَوى فيما دَعاكَ لَهُ فَبِئسَ الداعِيَة
أَتُرى شَبابَكَ عائِداً، مِن بَعدِ شَيبِكَ ثانِيَة، أَودى بِجَدَّتِكَ البِلى وَأَرى مُناكَ كَما هِيَ
يا دارُ ما لِعُقولِنا، مَسرورَةً بِكِ راضِيَة، إِنّا لَنَعمُرُ مِنكِ ناحِيَةً وَنُخرِبُ ناحِيَة
ما نَرعَوي لِلحادِثاتِ وَلا الخُطوبِ الجارِيَة وَاللَهُ لا يَخفى عَلَيهِ مِنَ الخَلائِقِ خافِيَة
عَجَباً لَنا وَلِجَهلِنا إِنَّ العُقولَ لَواهِيَة، إِنَّ العُقولَ لَذاهِلاتٌ غافِلاتٌ لاهِيَة
إِنَّ العُقولَ عَنِ الجِنانِ وَحورِهِنَّ لَساهِيَة، أَفَلا نَبيعُ مَحَلَّةً، تَفنى بِأُخرى باقِيَة
نَصبو إِلى دارِ الغُرورِ وَنَحنُ نَعلَمُ ما هِيَ، فَكَأَنَّ أَنفُسَنا لَنا، فيما فَعَلنَ مُعادِيَة
مَن مُبلِغٌ عَنّي الإِمامَ نَصائِحاً مُتَوالِيَة، إِنّي أَرى الأَسعارَ أَسعارَ الرَعِيَّةِ غالِيَة
وَأَرى المَكاسِبَ نَزرَةً، وَأَرى الضَرورَةَ فاشِيَة وَأَرى غُمومَ الدَهرَ رائِحَةً تَمُرُّ وَغادِيَة
وَأَرى المَراضِعَ فيهِ عَن أَولادِها مُتَجافِيَة وَأَرى اليَتامى وَالأَرامِلَ في البُيوتِ الخالِيَة
مِن بَينِ راجٍ لَم يَزَل، يَسمو إِلَيكَ وَراجِيَة يَشكونَ مَجهَدَةً بِأَصواتٍ ضِعافٍ عالِيَة
يَرجونَ رِفدَكَ كَي يَرَوا مِمّا لَقوهُ العافِيَة، مَن يُرتَجى في الناسِ غَيرُكَ لِلعُيونِ الباكِيَة
مِن مُصبِياتِ جُوَّعٍ، تُمسي وَتُصبِحُ طاوِيَة، مَن يُرتَجى لِدِفاعِ كَربِ مُلِمَّةٍ هِيَ ما هِيَ
مَن لِلبُطونِ الجائِعاتِ وَلِلجُسومِ العارِيَة، مَن لِارتِياعِ المُسلِمينَ إِذا سَمِعنا الواعِيَة
يا ابنَ الخَلائِفِ لا فُقِدتَ وَلا عَدَمتَ العافِيَة، إِنَّ الأُصولَ الطَيِّباتِ لَها فُروعٌ زاكِيَة
أَلقَيتُ أَخباراً إِلَيكَ مِنَ الرَعِيَّةِ شافِيَة وَنَصيحَتي لَكَ مَحضَةٌ وَمَوَدَّتي لَكَ صافِيَة

قصيدة ما لي رأيتك راكباً لهواك

ما لي رَأَيتُكَ راكِباً لِهَواكا، أَظَنَنتَ أَنَّ اللَهَ لَيسَ يَراكا، اِنظُر لِنَفسِكَ فَالمَنِيَّةُ حَيثُ ما وَجَّهتَ واقِفَةٌ هُناكَ حِذاك
خُذ مِن حَراكِكَ لِلسُكونِ بِحَظِّهِ، مِن قَبلِ أَن لا تَستَطيعَ حَراكا، لِلمَوتِ داعٍ مُزعِجٌ وَكَأَنَّهُ قَد قامَ بَينَ يَدَيكَ ثُمَّ دَعاك
وَلِيَومِ فَقرِكَ عُدَّةٌ ضَيَّعتَها، وَالمَرءُ أَفقَرُ ما يَكونُ هُناك، لَتُجهَزَنَّ جِهازَ مُنقَطِعِ القُوى، وَلَتَشحِطَنَّ عَنِ القَريبِ نَواك
وَلَيُسلِمَنَّكَ كُلُّ ذي ثِقَةٍ وَإِن ناداكَ بِاِسمِكَ ساعَةً وَبَكاك، وَإِلى مَدىً تَجري وَتِلكَ هِيَ الَّتي لا تُستَقالُ إِذا بَلَغتَ مَداك
يا لَيتَني أَدري بِأَيِّ وَثيقَةٍ، تَرجو الخُلودَ وَما خُلِقتَ لذاك، يا جاهِلاً بِالمَوتِ مُرتَهَناً بِهِ، أَحَسِبتَ أَنَّ لِمَن يَموتُ فَكاكا
لا تَكذِبَنَّ فَلَو قَدِ اِحتُفِرَ الحَشا، بَطَلَ اِحتِيالُكَ عِندَهُ وَرُقاكا، حاوَلتَ رِزقَكَ دونَ دينِكَ مُلحِفاً وَالرِزقُ لَو لَم تَبغِهِ لَبَغاكا
وَجَعَلتَ عِرضَكَ لِلمَطامِعِ بِذلَةً وَكَفى بِذَلِكَ فِتنَةً وَهَلاكا وَأَراكَ تَلتَمِسُ الغِنى لِتَنالَهُ وَإِذا قَنِعتَ فَقَد بَلَغتَ غِناكا
وَلَقَد مَضى أَبَواكَ عَمّا خَلَّفا وَلَتَمضِيَنَّ كَما مَضى أَبَواكا، لَو كُنتَ مُعتَبِراً بِعُظمِ مُصيبَةٍ، لَجَعَلتَ أُمَّكَ عِبرَةً وَأَباكا
ما زِلتَ توعَظُ كَي تُفيقَ مِنَ الصِبا وَكَأَنَّما يُعنى بِذاكَ سِواكا، قَد نِلتَ مِن شَرخِ الشَبابِ وَسُكرِهِ وَلَقَد رَأَيتَ الشَيبَ كَيفَ نَعاكا
لَن تَستَريحَ مِنَ التَعَبُّدِ لِلمُنى، حَتّى تُقَطِّعَ بِالعَزاءِ مُناكا وَبَّختَ عَبدَكَ بِالعَمى فَأَفَدتَهُ، بَصَراً وَأَنتَ مُحَسَّنٌ لِعَماك
كَفَتيلَةِ المِصباحِ تَحرُقُ نَفسَها، وَتُنيرُ واقِدَها وَأَنتَ كَذاكا وَمِنَ السَعادَةِ أَن تَعِفَّ عَنِ الخَنا وَتُنيلَ خَيرَكَ أَو تَكُفَّ أَذاك
دَهرٌ يُؤَمِّنُنا الخُطوبَ وَقَد نَرى في كُلِّ ناحِيَةٍ لَهُنَّ شِباكا، يا دَهرُ قَد أَعظَمتَ عِبرَتَنا بِمَن، دارَت عَلَيهِ مِنَ القُرونِ رَحاك

اقرأ أيضاً: أجمل قصائد أبو العلا المعري مكتوبة

قصيدة حيل البلى تأتي على المحتال

حِيَلُ البَلى تَأتي عَلى المُحتالِ وَمساكِنُ الدُنيا فَهُنَّ بَوالِ، شُغِلَ الأُلى كَنَزوا الكُنوزَ عَنِ التُقى وَسَهوا بِباطِلِهِم عَنِ الآجالِ
سَلِّم عَلى الدُنيا سَلامَ مُوَدِّعٍ وَاِرحَل فَقَد نوديتَ بِالتَرحالِ، ما أَنتِ يا دُنيا بِدارِ إِقامَةٍ، ما زِلتِ يا دُنيا كَفيءِ ظِلالِ
وَحُفِفتِ يا دُنيا بِكُلِّ بَلِيَّةٍ، وَمُزِجتِ يا دُنيا بِكُلِّ وَبالِ، قَد كُنتِ يا دُنيا مَلَكتِ مَقادَتي، فَقَرَيتِني بِوَساوِسٍ وَخَبالِ
حَوَّلتِ يا دُنيا جَمالَ شَبيبَتي، قُبحاً فَماتَ بِذاكَ نورُ جَمالي، غَرَسَ التَخَلُّصُ مِنكِ بَينَ جَوانِحي، شَجَرَ القَناعَةِ وَالقَناعَةُ مالي
الآنَ أَبصَرتُ الضَلالَةَ وَالهُدى، وَالآنَ فيكِ قَبِلتُ مِن عُذّالي وَطَويتُ عَنكَ ذُيولَ بُردَي صَبوَتي وَقَطَعتُ حَبلَكِ مِن وِصالِ حِبالي
وَفَهِمتُ مِن نُوَبِ الزَمانِ عِظاتِها، وَفَطِنتُ لِلأَيّامِ وَالأَحوالِ وَمَلَكتُ قَودَ عِنانِ نَفسي بِالهُدى وَطَوَيتُ عَن تَبَعِ الهَوى أَذيالي
وَتَناوَلَت فِكَري عَجائِبُ جَمَّةٌ، بِتَصَرُّفي في الحالِ بَعدَ الحالِ، لَمّا حَصَلتُ عَلى القَناعَةِ لَم أَزَل، مَلِكاً يَرى الإِكثارَ كَالإِقلالِ
إِنَّ القَناعَةَ بِالكَفافِ هِيَ الغِنى وَالفَقرُ عَينُ الفَقرِ في الأَموالِ، مَن لَم يَكُن في اللَهِ يَمنَحُكَ الهَوى، مَزَجَ الهَوى بِمَلالَةٍ وَثِقالِ
وَإِذا اِبنُ آدَمَ نالَ رِفعَةَ مَنزِلٍ، قُرِنَ اِبنُ آدَمَ عِندَها بِسِفالِ وَإِذا الفَتى حَجَبَ الهَوى عَن عَقلِهِ، رَشُدَ الفَتى وَصَفا مِنَ الأَوجالِ
وَإِذا الفَتى خَبَطَ الأُمورَ تَعَسُّفاً، حَمِدَ الهَرامَ وَذَمَّ كُلَّ حَلالِ وَإِذا الفَتى لَزِمَ التَلَوُّنَ لَم تَجِد، أَبَداً لَهُ في الوَصلِ طَعمَ وِصالِ
وَإِذا تَوازَنَتِ الأُمورُ لِفَضلِها، فَالدينُ مِنها أَرجَحُ المِثقالِ، أَمسَت رِياضُ هُداكَ مِنكَ خَوالِياً وَرِياضُ غَيِّكَ مِنكَ غَيرُ خَوالِ
قَيِّد عَنِ الدُنيا هَواكَ بِسَلوَةٍ وَاِقمَع نَشاطَكَ في الهَوى بِنَكالِ وَبِحَسبِ عَقلِكَ بِالزَمانِ مُؤَدَّباً وَبِحَسبِهِ بِتَقَلُّبِ الأَحوالِ
بَرِّد بِيَأسِكَ عَنكَ حَرَّ مَطامِعٍ، قَدَحَت بِعَقلِكَ أَثقَبَ الأَشعالِ، قاتِل هَواكَ إِذا دَعاكَ لِفِتنَةٍ، قاتِل هَواكَ هُناكَ كُلَّ قِتالِ
إِن لَم تَكُن بَطَلاً إِذا حَمِيَ الوَغى، فَاِحذَر عَلَيكَ مَواقِفَ الأَبطالِ، أحزن لِسانَكَ بِالسُكوتِ عَنِ الخَنا
وَاِحذَر عَلَيكَ عَواقِبَ الأَقوالِ، وَإِذا عَقَلتَ هَواكَ عَن هَفَواتِهِ، أَطلَقتَهُ مِن بين كُلِّ عِقالِ
وَإِذا سَكَنتَ إِلى الهُدى وَأَطَعتَهُ، أُلبِستَ حُلَّةَ صالِحِ الأَعمالِ وَإِذا طَمِعتَ لَبِستَ ثَوبَ مَذَلَّةٍ
إِنَّ المَطامِعَ مَعدَنُ الإِذلالِ وَإِذا سَبَحتَ إِلى الهَوى أَذيالَهُ، أَلقاكَ في قيلٍ عَلَيكَ وَقالِ
وَإِذا حَلَلتَ عَنِ اللِسانِ عِقالَهُ، أَلقاكَ في قيلٍ عَلَيكَ وَقالِ وَإِذا ظَمِئتَ إِلى اِلتَقى أُسقيتَهُ
مِن مَشرَبٍ عَذبِ المَذاقِ زُلالِ وَإِذا اِبتُليتَ بِبَذلِ وَجهِكَ سائِلاً، فَاِبذُلهُ لِلمُتَكَرِّمِ المِفضالِ
إِنَّ الكَريمَ إِذا حَباكَ بِوَعدِهِ، أَعطاكَهُ سَلِساً بَغَيرِ مِطالِ، ما اِعتاضَ باذِلُ وَجهِهِ بِلِسانِهِ
عِوَضاً وَلَو نالَ الغِنى بِسُؤالِ وَإِذا السُؤالُ مَعَ النَوالِ قَرَنتَهُ، رَجَحَ السُؤالُ وَخَفَّ كُلُّ نَوالِ
عَجَباً عَجِبتُ لِموقِنٍ بِوَفاتِهِ، يَمشي التَبَختُرَ مِشيَةَ المُختالِ، رَجِّ العُقولَ الصافِياتِ فَإِنَّها
كَنزُ الكُنوزِ وَمَعدَنُ الأفضال، صافِ الكِرامِ فَإِنَّهُم أَهلُ النُهى وَاِحذَر عَلَيكَ مَوَدَّةَ الأَنذالِ
صِل قاطِعيكَ وَحارِميكَ وَأَعطِهِم وَإِذا فَعَلتَ فَدُم بِذاكَ وَوالِ وَالمَرءُ لَيسَ بِكامِلٍ في قَولِهِ
حَتّى يُزَيِّنَ قَولَهُ بِفِعالِ وَلَرُبَّما ارتَفَعَ الوَضيعُ بِفِعلِهِ وَلَرُبَّما سَفَلَ الرَفيعُ العالي
كَم عِبرَةٍ لِذَوي التَفَكُّرِ وَالنُهى، في ذا الزَمانِ وَذا الزَمانِ الخالي، كَم مِن ضَعيفِ العَقلِ زَيَّنَ عَقلَهُ
ما قَد رَعى وَوَعى مِنَ الأَمثالِ، كَم مِن رِجالٍ في العُيونِ وَما هُم في العَقلِ إِن كَشَّفتَهُم بِرِجالِ

قصيدة الدهر ذو دول والموت ذو علل

الدَهرُ ذو دُوَلٍ وَالمَوتُ ذو عِلَلٍ وَالمَرءُ ذو أَمَلٍ وَالناسُ أَشباهُ وَلَم تَزَل عِبَرٌ فيهِنَّ مُعتَبَرٌ، يَجري بِها قَدَرٌ وَاللَهُ أَجراهُ
يَبكي وَيَضحَكُ ذو نَفسٍ مُصَرَّفَةٍ وَاللَهُ أَضحَكَهُ وَاللَهُ أَبكاهُ وَالمُبتَلى فَهُوَ المَهجورُ جانِبُهُ وَالناسُ حَيثُ يَكونُ المالُ وَالجاهُ
وَالخَلقُ مِن خَلقِ رَبّي قَد يُدَبِّرُهُ، كُلٌّ فَمُستَعبَدٌ وَاللَهُ مَولاهُ، طوبى لِعَبدٍ لِمَولاهُ إِنابَتُهُ، قَد فازَ عَبدٌ مُنيبُ القَلبِ أَوّاهُ
يا بائِعَ الدينِ بِالدُنيا وَباطِلِها، تَرضى بِدينِكَ شَيئاً لَيسَ يَسواهُ، حَتّى مَتى أَنتَ في لَهوٍ وَفي لَعِبٍ
وَالمَوتُ نَحوَكَ يَهوي فاغِراً فاهُ، ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ، رُبَّ اِمرِئٍ حَتفُهُ فيما تَمَنّاهُ، إِنَّ المُنى لَغُرورٌ ضِلَّةً وَهَوىً
لَعَلَّ حَتفَ اِمرِئٍ في الشَيءِ يَهواهُ، تَغتَرُّ لِلجَهلِ بِالدُنيا وَزُخرُفِها، إِنَّ الشَقِيَّ لَمَن غَرَّتهُ دُنياهُ، كَأَنَّ حَيّاً وَقَد طالَت سَلامَتُهُ
قَد صارَ في سَكَراتِ المَوتِ تَغشاهُ وَالناسُ في رَقدَةٍ عَمّا يُرادُ بِهِم وَلِلحَوادِثِ تَحريكٌ وَإِنباهُ، أَنصِف هُديتَ إِذا ما كُنتَ مُنتَصِفاً
لا تَرضَ لِلناسِ شَيئاً لَستَ تَرضاهُ، يا رُبَّ يَومٍ أَتَت بُشراهُ مُقبِلَةً، ثُمَّ اِستَحالَت بِصَوتِ النَعيِ بُشراهُ
لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ أَصغَرَهُ، أَحسِن فَعاقِبَةُ الإِحسانِ حُسناهُ وَكُلُّ أَمرٍ لَهُ لا بُدَّ عاقِبَةٌ وَخَيرُ أَمرِكَ ما أَحمَدتَ عُقباهُ
تَلهو وَلِلمَوتِ مُمسانا وَمُصبِحُنا، مَن لَم يُصَبِّحهُ وَجهُ المَوتِ مَسّاهُ، كَم مِن فَتىً قَد دَنَت لِلمَوتِ رِحلَتَهُ
وَخَيرُ زادِ الفَتى لِلمَوتِ تَقواهُ، ما أَقرَبَ المَوتَ في الدُنيا وَأَفظَعَهُ وَما أَمَرَّ جَنى الدُنيا وَأَحلاهُ
كَم نافَسَ المَرءُ في شَيءٍ وَكايَدَ فيهِ الناسَ ثُمَّ مَضى عَنهُ وَخَلّاهُ، بَينا الشَفيقُ عَلى إِلفٍ يُسَرُّ بِهِ
إِذ صارَ أَغمَضَهُ يَوماً وَسَجّاهُ، يَبكي عَلَيهِ قَليلاً ثُمَّ يُخرِجُهُ، فَيُمكِنُ الأَرضَ مِنهُ ثُمَّ يَنساهُ
وَكُلُّ ذي أَجَلٍ يَوماً سَيَبلُغُهُ، وَكُلُّ ذي عَمَلٍ يَوماً سَيَلقاهُ

قصيدة لمن طلل أسائله

لِمَن طَلَلٌ أُسائِلُهُ مُعَطَّلَةٌ مَنازِلُهُ، غَداةَ رَأَيتُهُ تَنعى، أَعاليهُ أَسافِلُهُ وَكُنتُ أَراهُ مَأهولاً وَلَكِن بادَ آهِلُهُ
وَكُلٌّ لِاعتِسافِ الدَهرِ مُعرِضَةٌ مَقاتِلُهُ، وَما مِن مَسلَكٍ إِلّا وَرَيبُ الدَهرِ شاملة، فَيَصرَعُ مَن يُصارِعُهُ
وَيَنضُلُ مَن يُناضِلُهُ، يُنازِلُ مَن يَهُمُّ بِهِ وَأَحياناً يُخاتِلُهُ وَأَحياناً يُؤَخِّرُهُوَتاراتٍ يُعاجِلُهُ، كَفاكَ بِهِ إِذا نَزَلَت
عَلى قَومٍ كَلاكِلُهُ وَكَم قَد عَزَّ مِن مَلِكٍ، يَحُفُّ بِهِ قَنابِلُهُ، يَخافُ الناسُ صَولَتَهُ وَيُرجى مِنهُ نائِلُهُ
وَيَثني عِطفَهُ مَرَحاً وَتُعجِبُهُ شَمائِلُهُ، فَلَمّا أَن أَتاهُ الحَقُ ولي عَنهُ باطِلُهُ، فَغَمَّضَ عَينَهُ لِلمَوتِ وَاستَرخَت مَفاصِلُهُ
فَما لَبِثَ السِياقُ بِهِ، إِلى أَن جاءَ غاسِلُهُ، فَجَهَّزَهُ إِلى جَدَثٍ، سَيَكثُرُ فيهِ خاذِلُهُ وَيُصبِحُ شاحِطَ المَثوى مُفَجَّعَةً ثَواكِلُهُ
مُخَمَّشَةً نَوادِبُهُ، مُسَلَّبَةً غَلائِلُهُ وَكَم قَد طالَ مِن أَمَلٍ، فَلَم يُدرِكهُ أمله، رَأَيتُ الحَقَّ لا يَخفى وَلا تَخفى شَواكِلُهُ
أَلا فَانظُر لِنَفسِكَ أَيَ زادٍ أَنتَ حامِلُهُ، لِمَنزِلِ وَحدَةٍ بَينَ المَقابِرِ أَنتَ نازلة، قَصيرِ السَمكِ قَد رُصَّت
عَلَيكَ بِهِ جَنادِلُهُ، بَعيدِ تَزاوُرِ الجيرانِ ضَيِّقَةٍ مَداخِلُهُ، أَأَيَّتُها المَقابِرُ فيكِ مَن كُنّا نُنازِلُهُ وَمَن كُنّا نُتاجِرُهُ
وَمَن كُنّا نُعامِلُهُ وَمَن كُنّا نُعاشِرُهُ وَمَن كُنّا نُداخِلُهُ وَمَن كُنّا نُفاخِرُهُ وَمَن كُنّا نُطاوِلُهُ وَمَن كُنّا نُشارِبُهُ
وَمَن كُنّا نُؤاكِلُهُ، وَمَن كُنّا نُرافِقُهُ وَمَن كُنّا نُنازِلُهُ وَمَن كُنّا نُكارِمُهُ وَمَن كُنّا نُجامِلُهُ وَمَن كُنّا لَهُ إِلفاً
قَليلاً ما نُزايِلُهُ وَمَن كُنّا بِلا مَينٍ، أَحايِيناً نُواصِلُهُ فَحَلَّ محله مَن حَلَّها صُرِمَت حَبائِلُهُ
أَلا إِنَّ المَنِيَّةَ مَنهَلٌ وَالخَلقُ ناهِلُهُ، أَواخِرُ مَن تَرى تَفنى، كَما فَنِيَت أَوائِلُهُ
لَعَمرُكَ ما استَوى في الأَمرِ عالِمُهُ وجاهلة، لِيَعلَم كُلُّ ذي عَمَلٍ، بِأَنَّ اللَهَ سائِلُهُ
فَأَسرَعُ فائِزٍ بِالخَيرِ قائِلُهُ وَفاعِلُهُ

قصيدة سل القصر أودى أهله أين أهله

قصيدة سل القصر أودى أهله أين أهله، من أشهر قصائد أبو العتاهية وتقول:

سَلِ القَصرَ أَودى أَهلُهُ أَينَ أَهلُهُ، أَكُلُّهُمُ عَنهُ تَبَدَّدَ شَملُهُ، أَكُلُّهُمُ حالَت بِهِ الحالُ وَانقَضَت وَزَلَّت بِهِ عَن حَومَةِ العِزِّ نَعلُهُ
أَكُلُّهُمُ فَضَّت يَدُ الدَهرِ جَمعَهُ وَأَفناهُ نَقضُ الدَهرِ يَوماً وَفَتلُهُ، أَكُلُّهُمُ مُستَبدَلٌ بَعدَهُ بِهِ، سِواهُ وَمَبتوتٌ مِنَ الناسِ حَبلُهُ
أَكُلُّهُمُ لا وَصلَ بَيني وَبَينَهُ، إِذا ماتَ أَو ولي امرُؤٌ بانَ وَصلُهُ، خَليلَيَّ ما الدُنيا بِدارِ فُكاهَةٍ وَلا دارِ لَذّاتٍ لِمَن صَحَّ عَقلُهُ
تَزَوَّدتُ تَشميرَ المَشيبِ وَجِدَّهُ، وَفارَقَني زَهوُ الشَبابِ وَهَزلُهُ وَكَم مِن هَواً لي طالَ ما قَد رَكِبتُهُ وَمِن عاذِلٍ لي رُبَّما طالَ عَذلُهُ
وَعَذلُ الفَتى ما فيهِ فَضلٌ لِغَيرِهِ، إِذا ما الفَتى عَن نَفسِهِ ضاقَ عَذلُهُ، لَعَمرُكَ إِنَّ الحَقَّ لِلناسِ واسِعٌ وَلَكِن رَأَيتُ الحَقَّ يُكرَهُ ثِقلُهُ
وَلِلحَقِّ أَهلٌ لَيسَ تَخفى وُجوهُهُم، يَخِفُّ عَلَيهِم حَيثُ ما كانَ حَملُهُ وَما صَحَّ فَرعٌ أَصلُهُ الدَهرَ فاسِدٌ وَلَكِن يَصِحُّ الفَرعُ ما صَحَّ أَصلُهُ
وَما لِامرِئٍ مِن نَفسِهِ وَتَليدِهِ وَطارِفِهِ إِلّا تُقاهُ وَبَذلُهُ وَما نالَ عَبدٌ قَطُّ فَضلاً بِقُوَّةٍ وَلَكِنَّهُ مَنُّ الإِلَهُ وَفَضلُهُ، لَنا خالِقٌ يُعطي الَّذي هُوَ أَهلُهُ
وَيَعفو وَلا يَجزي بِما نَحنُ أَهلُهُ، أَلا كُلُّ شَيءٍ زالَ فَاللَهُ بَعدَهُ، كَما كُلُّ شَيءٍ كانَ فَاللَهُ قَبلُهُ، أَلا كُلُّ شَيءٍ ما سِوى اللَهِ زائِلٌ
أَلا كُلُّ ذي نَسلٍ يَموتُ وَنَسلُهُ، أَلا كُلُّ مَخلوقٍ يَصيرُ إِلى البِلى، أَلا إِنَّ يَومَ المَيتِ لِلحَيِّ مِثلُهُ، أَلا ما عَلاماتُ البِلى بِخَفِيَّةٍ
وَلَكِنَّما غَرَّ ابنَ آدَمَ جَهلُهُ، أُخَيَّ أَرى لِلدَهرِ نَبلاً مُصيبَةً، إِذا ما رَمانا الدَهرُ لَم تَخطُ نَبلُهُ، فَلَم أَرَ مِثلَ المَرءِ في طولِ سَهوِهِ
وَلا مِثلَ رَيبِ الدَهرِ يُؤمَنُ خَتلُهُ، وَحَسبُكَ مِمَّن إِن نَوى الخَيرَ قالَهُ، وَإِن قالَ خَيراً لَم يُكَذِّبهُ فِعلُهُ

قصيدة أذل الحرص والطمع الرقابا

قصيدة أذل الحرص والطمع الرقابا من أجمل وأشهر قصائد أبو العتاهية وتقول:

أَذَلَّ الحِرصُ وَالطَمَعُ الرِقابا وَقَد يَعفو الكَريمُ إِذا اِستَرابا، إِذا اِتَّضَحَ الصَوابُ فَلا تَدَعهُ، فَإِنَّكَ كُلَّما ذُقتَ الصَوابا
وَجَدتَ لَهُ عَلى اللَهَواتِ بَرداً، كَبَردِ الماءِ حينَ صَفا وَطابا وَلَيسَ بِحاكِمٍ مَن لا يُبالي، أَأَخطَأَ في الحُكومَةِ أَم أَصابا
وَإِنَّ لِكُلِّ تَلخيصٍ لَوَجهاً وَإِنَّ لِكُلِّ مَسأَلَةٍ جَوابا وَإِنَّ لِكُلِّ حادِثَةٍ لَوَقتاً وَإِنَّ لِكُلِّ ذي عَمَلٍ حِسابا وَإِنَّ لِكُلِّ مُطَّلَعٍ لَحَدّاً
وَإِنَّ لِكُلِّ ذي عَمَلٍ حِسابا وَكُلُّ سَلامَةٍ تَعِدُ المَنايا وَكُلُّ عِمارَةٍ تَعِدُ الخَرابا وَكُلُّ مُمَلَّكٍ سَيَصيرُ يَوماً وَما مَلَكَت يَداهُ مَعاً تَبابا
أَبَت طَرَفاتُ كُلِّ قَريرِ عَينٍ، بِها إِلّا اِضطِراباً وَاِنقِلابا، كَأَنَّ مَحاسِنَ الدُنيا سَرابٌ وَأَيُّ يَدٍ تَناوَلتِ السَرابا وَإِن تَكُ مُنيَةٌ عَجِلَت بِشَيءٍ
تُسَرُّ بِهِ فَإِنَّ لَها ذَهابا، فَيا عَجَباً تَموتُ وَأَنتَ تَبني وَتَتَّخِذُ المَصانِعَ وَالقِبابا، أَراكَ وَكُلَّما أَغلَقتَ باباً، مِنَ الدُنيا فَتَحتَ عَلَيكَ بابا
أَلَم تَرَ أَنَّ كُلَّ صَباحِ يَومٍ، يَزيدُكَ مِن مَنِيَّتِكَ اِقتِرابا وَحَقَّ لِموقِنٍ بِالمَوتِ أَلّا يُسَوِّغَهُ الطَعامَ وَلا الشَرابا
يُدَبِّرُ ما نَرى مَلِكٌ عَزيزٌ، بِهِ شَهِدَت هَوادِثُهُ وَغابا، أَلَيسَ اللَهُ مِن كُلِّ قَريباً، بَلى مِن حَيثُ ما نودي أَجابا
وَلَم تَرَ سائِلاً لِلَّهِ أَكدى وَلَم تَرَ راجِياً لِلَّهِ خابا، رَأَيتُ الروحَ جَدبَ العَيشِ لَمّا عَرَفتُ العَيشَ مَخضاً وَاِحتِلابا
وَلَستَ بِغالِبِ الشَهَواتِ حَتّى تُعِدَّ لَهُنَّ صَبراً وَاِحتِسابا، فَكُلُّ مُصيبَةٍ عَظُمَت وَجَلَّت، تَخِفُّ إِذا رَجَوتَ لَها ثَوابا
كَبِرنا أَيُّها الأَترابُ حَتّى كَأَنّا لَم نَكُن حيناً شَبابا وكُنّا كَالغُصونِ إِذا تَثَنَّت مِنَ الرَيحانِ مونِقَةً رِطابا
إِلى كَم طولُ صَبوَتِنا بِدارٍ، رَأَيتُ لَها اِغتِصاباً وَاِستِلابا، أَلا ما لِلكُهولِ وَلِلتَصابي، إِذا ما اِغتَرَّ مُكتَهِلُ تَصابى
فَزِعتُ إِلى خِضابِ الشَيبِ مِنهُ وَإِنَّ نُصولَهُ فَضَحَ الخِضابا، مَضى عَنّي الشَبابُ بِغَيرِ وُدّي فَعِندَ اللَهِ احتسب الشَبابا
وَما مِن غايَةٍ إِلّا المَنايا، لِمَن خَلِقَت شَبيبَتُهُ وَشابا، وَما مِنكَ الشَبابُ وَلَستَ مِنهُ إِذا سَأَلَتكَ لِحيَتُكَ الخِضابا

اقرأ أيضاً: أجمل قصائد ابن زيدون مكتوبة

قصيدة كأنك قد جاورت أهل المقابر

كَأَنَّكَ قَد جاوَرتَ أَهلَ المَقابِرِ، هُوَ المَوتُ يا ابنَ المَوتِ إِن لَم تُبادِرِ، تَسَمَّع مِنَ الأَيامِ إِن كُنتَ سامِعاً
فَإِنَّكَ فيها بَينَ ناهٍ وَآمِرِ، وَلا تَرمِ بِالأَخبارِ مِن غَيرِ خِبرَةٍ وَلا تَحمِلِ الأَخبارَ عَن كُلِّ خابِرِ
فَكَم مِن عَزيزٍ قَد رَأَينا امتِناعَهُ، فَدارَت عَلَيهِ بَعدُ إِحدى الدَوائِرِ وَكَم مَلِكٍ قَد رُكِّمَ التُربُ فَوقَهُ
وَعَهدي بِهِ في الأَمسِ فَوقَ المَنابِرِ، وَكَم دائِبٍ يُعنى بِما لَيسَ مُدرِكاً وَكَم وارِدٍ ما لَيسَ عَنهُ بِصادِرِ
وَلَم أَرَ كَالأَمواتِ أَبعَدَ شُقَّةً، عَلى قُربِها مِن دارِ جارٍ مُجاوِرِ، لَقَد دَبَّرَ الدُنيا حَكيمٌ مُدَبِّرٌ
لَطيفٌ خَبيرٌ عالِمٌ بِالسَرائِرِ، إِذا أَبقَتِ الدُنيا عَلى المَرءِ دينَهُ، فَما فاتَهُ مِنها فَلَيسَ بِضائِرِ
إِذا أَنتَ لَم تَزدَد عَلى كُلِّ نِعمَةٍ، خُصِصتَ بِها شُكراً فَلَستَ بِشاكِرِ، إِذا أَنتَ لَم تُؤثِر رِضى اللَهِ وَحدَهُ
عَلى كُلِّ ما تَهوى فَلَستَ بِصابِرِ، إِذا أَنتَ لَم تَطهُر مِنَ الجَهلِ وَالخَنا، فَلَستَ عَلى عَومِ الفُراتِ بِطاهِرِ
إِذا لَم تَكُن لِلمَرءِ عِندَكَ رَغبَةٌ، فَلَستَ عَلى ما في يَدَيهِ بِقادِرِ، إِذا كُنتَ بِالدُنيا بَصيراً فَإِنَّما
بَلاغُكَ مِنها مِثلُ زادِ المُسافِرِ وَما الحُكمُ إِلّا ما عَلَيهِ ذَوُ النُهى وَما الناسُ إِلّا بَينَ بَرٍّ وَفاجِرِ
وَما مِن صَباحٍ مَرَّ إِلّا مُؤَدِّباً، لِأَهلِ العُقولِ الثابِتاتِ البَصائِرِ، أَراكَ تُساوى بِالأَصاغِرِ في الصَبايا
وَأَنتَ كَبيرٌ مِن كِبارِ الكَبائِرِ، كَأَنَّكَ لَم تَدفِن حَميماً وَلَم تَكُن لَهُ في حِياضِ المَوتِ يَوماً بِحاصِرِ
وَلَم أَرَ مِثلَ المَوتِ أَكثَرَ ناسِياً، تَراهُ وَلا أَولى بِتَذكارِ ذاكِرِ وَإِنَّ امرَأً يَبتاعُ ضُنيا بِدينِهِ
لَمُنقَلِبٌ مِنها بِصَفقَةِ خاسِرِ وَكُلُّ امرِئٍ لَم يَرتَحِل بِتِجارَةٍ، إِلى دارِهِ الأُخرى فَلَيسَ بِتاجِرِ
رَضيتُ بِذي الدُنيا لِكُلِّ مُكابِرِ، مُلِحٍّ عَلى الدُنيا وَكُلِّ مُفاخِرِ، أَلَم تَرَها تَرقيهِ حَتّى إِذا صَبا
فَرَت حَلقَهُ مِنها بِمُديَةِ جازِرِ، وَما تَعدِلُ الدُنيا جَناحَ بَعوضَةٍ، لَدى اللَهِ أَو مِقدارَ زَغبَةِ طائِرِ
فَلَم يَرضَ بِالدُنيا ثَواباً لِمُؤمِنٍ، وَلَم يَرضَ بِالدُنيا عِقاباً لِكافِرِ

قصيدة المرء آفته هوى الدنيا

قصيدة المرء آفته هوى الدنيا من أجمل قصائد أبو العتاهية وتقول:

المَرءُ آفَتُهُ هَوى الدُنيا وَالمَرءُ يَطغى كُلَّما اِستَغنى، إِنّي رَأَيتُ عَواقِبَ الدُنيا، فَتَرَكتُ ما أَهوى لِما أَخشى
فَكَّرتُ في الدُنيا وَجِدَّتِها، فَإِذا جَميعُ جَديدِها يَبلى، وَإِذا جَميعُ أُمورِها عُقَبٌ، بَينَ البَرِيَّةِ قَلَّما تَبقى
وَبَلَوتُ أَكثَرَ أَهلِها فَإِذا، كُلُّ امرِئٍ في شَأنِهِ يَسعى، وَلَقَد بَلَوتُ فَلَم أَجِد سَبَباً بِأَعَزَّ مِن قَنَعٍ وَلا أَعلى
وَلَقَد طَلَبتُ فَلَم أَجِد كَرَماً، أَعلى بِصاحِبِهِ مِنَ التَقوى، وَلَقَد مَرَرتُ عَلى القُبورِ فَما مَيَّزتُ بَينَ العَبدِ وَالمَولى
ما زالَتِ الدُنيا مُنَغَّصَةً، لَم يَخلُ صاحِبُها مِنَ البَلوى، دارُ الفَجائِعِ وَالهُمومِ وَدارُ البَثِّ وَالأَحزانِ وَالشَكوى
بَينا الفَتى فيها بِمَنزِلَةٍ، إِذ صارَ تَحتَ تُرابِها مُلقى، تَقفو مَساويها مَحاسِنَها، لا شَيءَ بَينَ النَعيِ وَالبُشرى
وَلَقَلَّ يَومٌ ذَرَّ شارِقُهُ، إِلّا سَمِعتَ بِهالِكٍ يُنعى، لا تَعتَبَنَّ عَلى الزَمانِ فَما عِندَ الزَمانِ لِعاتِبٍ عُتبى
وَلَئِن عَتَبتَ عَلى الزَمانِ لِما يَأتي بِهِ فَلَقَلَّ ما تَرضى، المَرءُ يوقِنُ بِالقَضاءِ وَما يَنفَكُّ أَن يُعنى بِما يُكفى
لِلمَرءِ رِزقٌ لا يَموتُ وَإِن جَهَدَ الخَلائِقُ دونَ أَن يَفنى، يا بانِيَ الدارِ المُعِدِّ لَها ماذا عَمِلتَ لِدارِكَ الأُخرى
وَمُمَهِّدَ الفُرشِ الوَثيرَةِ لا تُغفِل فِراشَ الرَقدَةِ الكُبرى، لَو قَد دُعيتَ لَما أَجَبتَ لِما تُدعى لَهُ فَانظُر لِما تُدعى
أَتُراكَ تَحصي مَن رَأَيتَ مِنَ الأَحياءِ ثُمَّ رَأَيتَهُم مَوتى، فَلتَلحَقَنَّ بِعَرصَةِ المَوتى وَلَتَنزِلَنَّ مَحَلَّةَ الهَلكى
مَن أَصبَحَت دُنياهُ غايَتَهُ، فَمَتى يَنالُ الغايَةَ القُصوى، بِيَدِ الفَناءِ جَميعُ أَنفُسِنا وَيَدُ البِلى فَلَها الَّذي يُبنى
لا تَغتَرِر بِالحادِثاتِ فَما لِلحادِثاتِ عَلى امرِئٍ بُقيا، لا تَغبِطَنَّ أَخاً بِمَعصِيَةٍ لا تَغبِطَن إِلّا أَخا التَقوى
سُبحانَ مَن لا شَيءَ يَعدِلُهُ، كَم مِن بَصيرٍ قَلبُهُ أَعمى، سُبحانَ مَن أَعطاكَ مِن سَعَةٍ، سُبحانَ مَن أَعطاكَ ما أَعطى
فَلَئِن عَقَلتَ لَتَشكُرَنَّ وَإِن تَشكُر فَقَد أَغنى وَقَد أَقنى وَلَئِن بَكَيتَ لِرِحلَةٍ عَجِلاً، نَحوَ القُبورِ فَمِثلُها أَبكى
وَلَئِن قَنِعتَ لَتَظفَرَنَّ بِما فيهِ الغِنى وَالراحَةُ الكُبرى وَلَئِن رَضيتَ عَلى الزَمانِ فَقَد أَرضى وَأَغضَبَ قَبلَكَ النَوكى
وَلَقَلَّ مَن تَصفو خَلائِقُهُ، وَلَقَلَّ مَن يَصفو لَهُ المَحيا وَلَرُبَّ مَزحَةِ صادِقٍ بَرَزَت في لَفظَةٍ وَكَأَنَّها أَفعى
وَالحَقُّ أَبلَجُ لا خَفاءَ بِهِ، مُذ كانَ يُبصِرُ نورَهُ الأَعمى، وَالمَرءُ مُستَرعىً أَمانَتَهُ، فَليَرعَها بِأَصَحِّ ما يُرعى
وَالرِزقُ قَد فَرَضَ الإِلَهُ لَنا مِنهُ وَنَحنُ بِجَمعِهِ نُعنى، عَجَباً عَجِبتُ لِطالِبٍ ذَهَباً، يَفنى وَيَرفُضُ كُلَّ ما يَبقى
حَقّاً لَقَد سَعِدَت وَما شَقِيَت، نَفسُ امرِئٍ يَرضى بِما يُعطى