أجمل قصائد أبو حيان الأندلسي مكتوبة كاملة
قصيدة لزمت انفرادي إذ قطعت العلائق
قصيدة على مثل هذا الرزء تفنى المدامع
قصيدة نزجي دماء النفس من بعد إمضاض
قصيدة أهاجك ربع حائل الرسم دارسه
أبو حيان الأندلسي، واسمه بالكامل محمد بن يوسف بن علي بن حيان أثير الدين أبو حيان الغرناطي الأندلسي الجياني النفزي وهو من علماء اللغة العربية والتفسير والحديث واللغات وله من الشعر مجموعة من الدواوين الشهيرة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
في هذا المقال، نستعرض أجمل وأشهر قصائد أبو حيان الأندلسي مكتوبة كاملة.
قصيدة لزمت انفرادي إذ قطعت العلائق
لَزِمتُ اِنفِرادي إِذ قَطَعتُ العَلائِقا وَجالَستُ مِن ذاتي الصَديقَ الموافقا
وَآنَسني فكري لِبُعدي عَن الوَرى فَلَست إِلى شَيءٍ سِوى العلمِ تائِقا
أَرى يَقظَتي تُبدي لَطائفَ حكمةٍ وَفي هجعتي وَهناً أشيم البَوارِقا
بَوارقَ في صُحفٍ مِن العلمِ اجتلي مُشاهَدةً مِنها المَعاني الدَقائِقا
فأختالُ مِنها في رِياضٍ أَنيقَةٍ وَأَقطفُ مِنها الزهرَ أَنورَ فائِقا
إِذا أَحجمَت أَذهانُ قَومٍ عَن الَّذي يُعاطَونَ كانَ الذّهن لي فيهِ سابِقا
وَإِن يَشرَبوا طَرقاً لتكدير ذهنِهِم شَرِبتُ أَنا صَفواً إِلى العينِ رائِقا
وَأَنقُدُ ما قَد بَهرَجُوا مِن كَلامهم كَأنَّ بِذهني عِندَ ذاكُم مَيالِقا
وَمَن يُؤتَ فَهماً في القُرآنِ فَإِنَّهُ يَفتحُ مِنهُ بِالذَكاءِ المَغالِقا
وَيَنشَقُ مِن ريّاه عَرفَ أَزاهرٍ تَرى الجوَّ مِنها حينَ تَأرج عابِقا
وَيُدرِك بِالفكرِ المُصيبِ لَطائِفاً تَرى اللَفظَ لِلمَعنى بِهِنَّ مُطابِقا
وَيَزدادُ بِالتَكرارِ فيهِ لَذاذةً كَما لُكتَ مَعسولاً مِن الحُلوِ صادِقا
مُجيري كِتابُ اللَه يَومِي وَإِنَّهُ هَجيري إِذا ما اللَيلُ أظلَم غاسِقا
كِتابٌ بِلِسنِ العُربِ أَوحاه جارياً عَلى نَهجِهم لَم يَعدُ عَنهُم طَرائِقا
وَمَن يَجعل القُرآنَ نَصباً لِعينهِ يَنَل خَيرَ مَأمولٍ وَيَأمن بَوائِقا
أَرى الناسَ أَشتاتاً فَبَعضٌ مُعارِضٌ لِبَعض يخالُ الحَقَّ في فيهِ ناطِقا
وَما اِفتَرَقوا إِلا لعجزِ فُهومِهم وَلَو أَدرَكوا لَم يُبصِروا فيهِ فارِقا
وَإقليدُه حَقاً هُوَ النَحوُ فاقصِدن لتَحصيلِهِ إِن كُنتَ للعلمِ عاشِقا
عَلى قدرِ تَحصيلِ الفَتى فيهِ فَهمُه فَأَقلِل وَأَكثِر وَاصِلاً أَو مُفارِقا
وَدَع عَنكَ تَقليدَ الرِجالِ فَإِنَّما يُقَلِّدُهم مَن كانَ أَنوكَ مائِقا
وَلا تعدُ عَن كَشّافِ شَيخ زَمَخشَرٍ وَكاشِف بِهِ باغي الكراماتِ خارِقا
فَكَم بكر مَعنىً عَزَّ مِنها اِفتِراعُها لَها ذهنُهُ الوقّادُ أَصبَحَ فاتِقا
كَساها مِن اللَفظِ البَديعِ مَلابِساً فَجرَّت ذُيولاً للفَخارِ سَوامِقا
لَقَد غاصَ في بَحرٍ فَأَبدى جَواهِراً وَلَولا اعتيادُ السبحِ قَد كانَ غارِقا
وَراضَ لَهُ في العلمِ نَفساً نَفيسَةً فَقادَت لَهُ آبي المَقادَةِ آبِقا
وَكَشَّفَ بِالكَشّافِ لا خابَ سَعيُهُ مُغَطّى خَبيّاتٍ تَبَدَّت حَقائِقا
وَلَكنَّهُ فيهِ مَجالٌ لِناقِدٍ وَزَلاتُ سَوءٍ قَد أَخَذنَ المَخانِقا
فَيثبِتُ مَوضوعَ الأَحاديثِ جاهِلاً وَيَعزُو إِلى المَعصومِ ما لَيسَ لائِقا
وَيَشتِم أَعلامَ الأَئِمَةِ ضَلَّةً وَلا سِيما أَن أَولَجُوه المَضايِقا
وَيُسهِبُ في المَعنى الوَجيزِ دَلالَةً بِتَكثير أَلفاظٍ تُسمّى الشَقاشِقا
يقَوِّل فيها اللَه ما لَيسَ قائِلاً وَكانَ مُحِبّاً في الخَطابَةِ وَامِقا
وَيُخطئ في تَركيبهِ لكلامِهِ فلَيسَ لما قَد رَكَّبوه مُوافِقا
وَيَنسُب إِبداءَ المَعاني لِنَفسِهِ لِيُوهِمَ أَغماراً وَإِن كانَ سارِقا
وَيُخطئ في فَهمِ القرآن لأَنَّهُ يُجَوِّزُ إِعرابا أَبى أَن يُطابِقا
وَكَم بَينَ مَن يُؤتى البيان سَليقَةً وَآخرَ عاناهُ فَما هُوَ لاحِقا
وَيَحتال لِلأَلفاظِ حَتّى يُديرَها لِمذهبِ سوءٍ فيهِ أَصبَحَ مارِقا
فَيا خُسرَهُ شَيخاً تَخرَّقَ صِيتُهُ مَغاربَ تَخريق الصَبا وَمشارِقا
لَئِن لَم تَدارَكه مِن اللَهِ رَحمَةٌ لَسَوفَ يُرى للكافِرينَ مَرافِقا
قصيدة على مثل هذا الرزء تفنى المدامع
قصيدة على مثل هذا الرزء تفنى المدامع من أجمل قصائد أبو حيان الأندلسي وتقول:
عَلى مِثلِ هَذا الرُزءِ تَفنى المَدامِعُ وَتَقنى الهُمومُ الفادِحاتِ الفَواجِعُ
وَتُجنى ثِمارُ اليَأسِ مِن دَوحَةِ الرَدى وَتُحنى عَلى الوَجدِ الطَويلِ الأَضالِعُ
مُصابٌ عَرانا لا مُصاب شَبيههُ فِراقٌ بِلا رُجعى وَذِكرى تَتابعُ
وَتَقوى مَبانٍ كُنَّ بِالعلمِ آهَلَت وَبالذكرِ وَالقُرآنِ فَهي بلاقِعُ
فُجِعنا بِما لَو صُوِّر العَقلُ كَانَّها فَكامِلُهُ فَيضٌ عَلى الخَلقِ شائِعُ
فَلَم يُر إِلا ثاقِبُ الذهِنِ ذو حِجىً صَبور عَلى بَلواه لِلّهِ خاشِعُ
فَتاةٌ غَدَت لِلشَمسِ أُختاً وَلَم تَكُن لصون أَوجَبَتهُ الطَبائِعُ
منعمةٌ مَخدومَةٌ حفَّ حَولها وَلا بُدَّ كُلٌّ حينَ تَأمُرُ طائِعُ
يَرِفُّ عَلَيها الحسنُ يَندى غَضارَةً كَما اِخضَلَّ غُصنٌ في الخَميلَةِ يانِعُ
ملازمةٌ للحِجلِ تَتلو قُرآنَها بِقَلبٍ يَعِي وَالطَرف بِالدَمعِ هامِعُ
وَيَبدو سَناها مِن خَصاصِ حِجالها كَما لاحَ نورُ البَدرِ وَالنورُ ساطِعُ
فَما لَقِيت بُؤساً وَلا فُقدت غِنىً وَلا راعَها يَوماً مِن الدَهرِ رائِع
وَتَلعبُ طوراً بِالنُضار وَتارَةً بِدُرٍّ طَريٍّ لَم يُثَقِّبهُ صانِعُ
وَما أَعمَلَت يَوماً إِلى شُغُلٍ يَداً سِوى قَلمٍ تَثنى عَلَيهِ الأَصابِعُ
تَخُطُّ بِهِ القُرآنَ وَالسِنَن الَّتي أَتَت عَن رَسولِ اللَهِ وَالخَطُّ بارعُ
وَقَد نَشَأت ما بَين تَقوى وَمُصحَفٍ فَلا الذكرُ مَقطوع وَلا الدين ضائعُ
وَما هَمُّها فيما النساءُ يَرَونَهُ لِباس وَتَزيين وَخلّ يَباضِعُ
أَجَل هَمُّها تَحصيلُ أَجرٍ تُعِدُّهُ لِيَوم معادٍ أَو كِتابٍ تُطالِعُ
تطالعُ تَفسيراً وَنَحواً مُلطفاً وَفِقهاً وَتَأريخاً وَطبّاً تُراجِعُ
وَقَد قَصَدت إِكمالَ أَركانِ دينِها بحجٍّ لِبَيتِ اللَهِ وَالقَصد نافِعُ
فَحجَّت وَزارَت خَيرَ مِن وطِئ الثَرى نَبيٌّ كَريمٌ في ذوي الحَرم شافِعُ
وَلَمّا قَضى الرَحمَنُ إِنفاذ حُكمِهِ وَكُلُّ الَّذي قَد حُمَّ لا شَكَّ واقِعُ
قَضَت نَحبَها شَرخَ الشَبابِ شَهيدَةً وَلَم تَكُ مِمّن في الحِمامِ تُنازِعُ
وَلَكن بذهنٍ ثابِت قَد تَشهَّدَت ثَلاثاً وَفاضَت وَهيَ فيهِ تُراجِعُ
وَلَم تَقضِ حَتّى قَد رَأَت مُستَقَرَّها مِن العالمِ العُلوِيِّ وَالروح طالِعُ
وَكانَ لَها يَومٌ عَظيمٌ لِمَوتِها فَأعولَ نِسوانٌ وَشُقَّت مَدارِعُ
وَكانَت قَد أَوصَت لا يُناعُ إِذا قَضَت فَما قَبلت تِلكَ الوصاةَ السَوامِعُ
تَمشّى سَراةُ الناسِ ظُهراً أَمامَها وَصلّوا عَلَيها وَالدُعاءُ مُتابَعُ
وَسارُوا أَمامَ النَعشِ حَتّى أَتَوا بِها لِمنزِلِها وَالقَبرُ أَقبَح واسِعُ
وَلَما أَثارُوا بالمساحي بَدا لَهُم تُرابٌ كَمثلِ الوَرسِ أَصفَرُ فاقِعُ
وَفاحَ أَريجُ المسكِ مِن جَنباتِهِ كَأَنَّ بِهِ تجرَ اللطائِمِ واضِعُ
أَيا تُربَةً حلَّت نُضارُ قَرارها سَقاكِ مِن الغَيثِ الهَوادي الهَوامِعُ
قصيدة نزجي دماء النفس من بعد إمضاض
نُزَجي دِماء النَفسِ مِن بَعدِ إِمضاضٍ وَيَجذِبُنا يَومٌ فَيَومٌ بأَمراض
وَكانَ لَنا فَضلٌ مِن العُمرِ سابِقٌ قَطَعناهُ في لَهوٍ وَفي نَيلِ أَغراضِ
مَلِلنا وَمَلَّتنا الحَياةُ فَلو أَتَت شعوبُ استَرحنا مِن مُقاساةِ أَعراضِ
تقارب خَطو وَاِنحِناء وَشَيبَة وَضَعف لحاظٍ وَاِنتِهاض كمنهاضِ
وَكُنتُ اِمرَأً لي بِالعُلومِ عَلاقَةٌ سَراتي مِن تَكليفِها ذات اِنقاضِ
عُنيتُ بِها إِحدى وَسَبعينَ حِجَّةً نَهاراً وَلَيلاً في اِجتِهادٍ وَتنهاضِ
فَأكتب في التَفسيرِ أَشعارَ حِكمَةٍ أَقَرَّ لَها الحُسّادُ قَسراً بِأَنغاضِ
نَضَوا هِمماً في نَيلِ دُنيا عَريضَةٍ فَنالوا وَإِنّي للذي نُوِّلُوا ناضِ
أَحَبُّوا دَناياها فَصارُوا عَبيدَها وَإِنّي حُرٌّ في اِتِّراكٍ وَإِبغاضِ
إِذا وَرَدوا قَلتاً مِن العلمِ آجِناً وَرَدت نِطافا غربةً ملءَ أَحواضِ
ثَلَلتُ بعَضبِ الحَزمِ عَرشَ فَضائِلٍ وَهُم ثَلمُوا فيها يَسيراً بِمِقراضِ
وَلَما تَناضَلنا لِنَقنِص شارِداً أَصَبتُ بِحَدٍّ إِذ أَصابُوا بِمِعراضِ
فَصارَ لَنا حَظٌ مِن العلمِ وافِرٌ وَهُم قَد رَضُوا مِنهُ بِإدراكِ أَبعاضِ
وَما الفَضلُ إِلا أَن يرى المَرءُ أُمةً فَريداً تَهادى ذكرَهُ كُلُّ رَكّاضِ
يَطوفُ عَلى الآفاقِ ينشُرُ فَضلَهُ ثَناءً كَمثلِ المِسكِ فُتَّ بِمِرضاضِ
وَإِنَّ اِمرأً قَد حازَ علماً وَلَم يَكُن يَجودُ بِهِ كَالفَأرِ عاشَ بِمِرحاضِ
تَرى الشَيخَ مِنهُم شاتِماً لِذَوي النُهى تَسَلُّطَ كَلبٍ كاشِرِ النابِ مِعضاضِ
وَأَقرَضَهُم قَرضاً قَبيحاً حَياتَهُ فإذا ماتَ جازَوهُ بِأَقبح إِقراضِ
فَذَلِك إِن يَهلَك فَلا ذاكِرٌ لَهُ بِخَيرٍ وَلا ناسيهِ مِن شَرِّ قَرّاضِ
وَقالوا أَبو حَيان كانَ معلِّما بِخَلقٍ رَضِيٍّ لِلتَلاميذِ مُرتاضِ
فَما كانَ نَجاهاً وَلا شاتِماً لِمَن يَعلِّمُه بَل خُلقُه طيِّبٌ راضِ
لَقَد فُجِعَ الأَصحابُ مِنهُ بِأَوحَدٍ بِبَحرٍ زَخورٍ بِالفَضائلِ فيّاضِ
أَليفٍ لِقُرآنٍ حَليفٍ لسُنةٍ عَن الشَرِّ مِبطاءٍ إِلى الخَيرِ نَهّاضِ
عليمٍ بِتَنقادِ الكَلامِ وَصوغِهِ إِلى كُلِّ مُعتاصٍ عَن الفَهمِ خَوّاضِ
فَسَل فسر كَشّافٍ وَفسرَ وَجيزِهم لَقَد أَدجَيا مِن نَقدِه بَعدَ إِيماضِ
وَتَسهيلُهُم قَد راضَهُ ناقِداً لَهُ فَيا حِذقَ نقّادٍ وَيا رِفقَ روّاضِ
وَمَن يَعنَ بِالتَسهيلِ يَرأس بِفَهمِهِ وَقاري سِواهُ في عَناءٍ وَإِحراضِ
كِتابٌ نَفيسٌ لَم يُؤلَّف نَظيرُهُ غَدا زُبدةً في النَحوِ مِن بعدِ تَمخاضِ
بِهِ نُسِخت كُتبُ النَحاةِ وَمُزِّقَت فَصارَت هَباءً طارَ في كُلِّ أَراضِ
وَما النَحوُ إِلا ما جَمَعنا بِشَرحِهِ لحازَ الَّذي قالوهُ في العصر الماضي
وَفاقَ بِتَنقيحٍ وَتَفصيلِ مُجمَلٍ وَتَرتيبِ تَخليطٍ وَتَصحيحِ مِمراضِ
وَإِيجادِ مَعدومٍ وَإِيجازِ مُسهَب وَتَعيينِ إِبهامٍ وَتَوضيحِ إِغماضِ
وَإِن كِتابَ الارتشافِ لَزائِدٌ عَلَيهِ بِأَحكامٍ غَدَت طَوعَ نَفّاضِ
نَفَضتُ عَلَيهِ لُبَّ ما قَد كَتَبتُهُ بِتذكِرَتي فَاختالَ زَهواً بِتَنفاضي
وَرتَّبتُهُ بِالعَقلِ وَاختَرتُ لَفظهُ وَمَثَّلتُهُ كَي يُستفادَ بِإِيقاضِ
وَزادَ عَلى التَسهيلِ مثليهِ فَازدَهى عَلى كُلِّ تَأليفٍ طوالٍ وَعرّاضِ
فَجاءَ غَريبَ الوَضعِ لَم يَأتِ عالمٌ لَهُ بِنَظيرٍ بلهَ عَصريَ أَو ماضِ
وَمَن لَم يَكُن في العلمِ مُنتَمياً لَنا فَذاكَ دَعِيٌّ فيهِ حُكماً مِن القاضي
وَيا عَجَباً مِن مُدَّعِينَ فَضيلَةً بِنزرٍ مِن الأَوراقِ ذاتِ إِنقاضِ
رَأَوا سيبويهِ تِلكَ الأَوراقَ فَاِكتَفَوا بِها كَظِماءٍ حينَ بلّةَ أَبراضِ
فَما رَوِيَت مِنها وَأَلقَت أَجِنَّةً لِغَيرِ تَمامٍ قَد رَغَونَ لإِجهاضِ
وَكانوا كَتُرّاكٍ لَذيذ حلاوَةٍ وَقَد آثَروا مَضغاً لِدِفلى وَحُمّاضِ
وَلَما غَنُوا عَن سيبويهِ تَعوَّضوا بكُنّاشَةٍ جَدّاءَ مِن شَرِّ أَعواضِ
وَما وارِدُ البَحرِ المُحيطِ كَلاجئٍ إِلى ثَمَدٍ نَزرِ البَلالَةِ غَيّاضِ
لَسَهَّلتُ هَذا العلمَ حَتّى لَقَد غَدا كَشَربَةِ ماءٍ قَد جَرى علوَ رَضراضِ
مَشُوبا بشَهدٍ فَهوَ يَنساغ في اللُهى وَللقلبِ يَسري في صَفاءٍ وَتَمحاضِ
فَإِن أُمسِ قَد أَقوَت مِن العلم حَضرَتي وَأَصبَحتُ نَفضاً هامِداً بَينَ أَنقاضِ
فَما ماتَ مَن أَبقى تَآليفَ زانَها تَلاميذُ كُلٌّ في مباحيثِهِ ماضِ
ليهنأ بَنو الأَعرابِ أَن كُنتُ شَيخَهُم وَأنهضتُهم في عِلمِهِ أَيّ إِنهاضِ
فَصارُوا رُؤوساً يُقتَدى بِأَتباعِهِم كُسُوا مِن دُروعِ الفَضلِ أَكمَل فَضفاضِ
حَوَوا قَصَباتِ السَبقِ علماً وَسُؤدداً فَما فَاضِلٌ عَما حَوَوهُ بِمعتاضِ
إِذا باحِثٌ وَافى يخبِّطُ قابَلُوا تَخابيطَهُ صَفحاً بِتَركٍ وَإعراضِ
وَإِن كانَ ذا فهمٍ وَعِلمٍ وَإِن هَفا فَيُغضُونَ عَنهُ في وِدادٍ وَإحماضِ
وَإِن لجَّ في بَحثٍ لَهُ فاسِدٍ غَدا كَعُروة دمّى رَأسَه فَتكُ برّاضِ
جَهابِذُ نَقّادُونَ يَجرحُ نَقدُهُم كَحيَّة لِصبٍ هامزِ النابِ نَضناضِ
يَفوقُونَ نَحوي الوجود بِفطنَةٍ لِسُرعَةِ إِدراك وَسُرعَةِ إِنباضِ
فَلا مَغرِبٌ كلا وَلا مَشرِقٌ حَوى كَأَمثالِهِم في عَصرِنا ذا وَلا الماضي
قصيدة أهاجك ربع حائل الرسم دارسه
أَهاجَكَ ربعٌ حائِلُ الرَسمِ دارسُه كَوَحيِ كِتابٍ أَضعفَ الخَطَّ دارِسُه
غَدا موحِشاً بَعدَ الأَنيسِ وَلَم يَكُن لِيوحش إِلا وَهوَ قَد بانَ آنسُه
تَبدَّل مِن لَمياءَ ريماً وَقَلَّما يُجانِسُها ظَبيُ الفَلا أَو تُجانِسُه
وَهَب أَنَّهُ يُحكى بجيدٍ وَمُقلَة فَأينَ لَهُ لَدنُ الأَراكِ وَمايِسُه
غنينا زَماناً آمِنينَ بِغِبطَةٍ فَفَرَّقَنا صَرفٌ مِن الدَهرِ بائِسُه
زَمان يُلَبّي القَلبُ داعِيَ صَبوَةٍ وَيَسبي حِجاهُ ناغِش الطَّرفِ ناعِسُه
مِن الترك لَم يُربَع بِنَجدٍ وَإِنَّما رَبا في عَرينِ اللَيثِ وَاللَيثُ حارِسُه
فَلا وَصلَ إِلا مِن تَلَفُّتِ نَظرَةٍ تجاهِرُهُ حيناً وَحيناً تُخالِسُه
غَرَستُ بِلَحظي الوردَ في وَجَناتِهِ وَلَكنَّهُ لا يَجتَني مِنهُ غارِسُه
جَميلٌ كَأَنَّ الحسنَ خُيِّرَ فَاغتَدى خصيصاً بِهِ إِذ لا نَظيرَ يُنافِسُه
فَلِلشَمسِ ما تُبديه غُرَّةُ وَجهِهِ وَللكثبِ ما تُخفيهِ مِنهُ ملابِسُه
جَرى فَجرى الضرغامُ في أَجَماتِهِ غَدا وَهوَ جَهمُ الوَجهِ أَربد عابِسُه
بَراهُ الطَوى حَتّى كَأَنَّ زَئيرَهُ بُغامٌ وَشَبحاً مِنهُ واراهُ رامِسُه
فَمرَّ بِهِ خيطٌ مِن الوَحشِ آنَسَت سَنا مُقلَةٍ تَدنُو وَصَوتاً يُهامِسُه
فَفَرَّت هَوادِيها وَأفردَ قَرهَبٌ مُذلَّق مَدرىً مُهلِكٌ مَن يُراعِسُه
أَقاما زَماناً وَهوَ قَد ضَبَئَت بِهِ بَراثنُ فيهِ فَهوَ لا شَكَّ فارِسُه
بِأَفتكَ مِنهُ حينَ يَرنُو بِمُقلَةٍ تُريكَ الرِضى وَالمَوتُ فيهِ مُلابِسُه
وَدَويَّةٍ تَيهاءَ غُفلٍ سَلَكتُها وَجنحُ ظَلامِ اللَيلِ تَسطو حَنادِسُه
قَصِيّةُ أَرجاءٍ قَريبَةُ متلَفٍ يَظَلُّ بِها الخَرِّيتُ يَحتارُ هاجِسُه
وَقَد سَلَكت فيها السَعالى مُلاوَةً فَخافَت بِها إِذ لَم تَجِد مَن تُلابِسُه
إِذا عَزَفت لَيلاً أَجابَ لَها الصَدى يَطِنُّ بِهِ طامٍ مِن القُفِّ طامِسُه
وَمنهلُ قَلتٍ وَسطَ قُنَّةِ شامِخٍ تُلَطِّفُهُ في كُلِّ حين رَوامِسُه
وَتُنقِصُهُ يُوحٌ بِحَرِّ سُمومِها فَيُربيه مُنهَلُّ الغَمامِ وَباجِسُه
تَظَلُّ سِراعُ الفَتخ يسقطنَ دونَهُ فَلَيسَ لَها وردٌ وَقَد عَزَّ لامِسُه
وَرَدَّت وَقَد مَجَّت ذُكاءُ لُعابها بِنحرِ فَتىً حرُّ الهَجيرِ يؤانسه
بِقَلبٍ تَكادُ النارُ مِن نَفَيانِهِ تُشَبُّ وَيُوري شُعلَةً مِنهُ قابِسُه
وَبحرٍ كَثيفِ الجانِبَينِ عَرَمرَمٍ تضيءُ لَنا مثلُ الشُموسِ فَوانِسُه
وَقَد مَلأَ الأَرضَ الفَضاءَ كَأَنَّما تُمَدُّ بِأَملاكِ السَماءِ فَوارِسُه
إِذا ماجَ بِالأَرضِ ابذَعَرّت وُحوشُه وَضاقَت بِهِ أَنجادُهُ وَأَواعِسُه
مَطوتُ بِهِ في السَيرِ في طَلَبِ العِدا عدا الدين حَتّى عادَ للدينِ شامِسُه
عَلى رَبذٍ سامي التَليلِ كَأَنَّهُ يُعارضُهُ مِن أَشهبِ البَرقِ ناخِسُه
عَبوثٍ بِأَشلاءِ اللجامِ كَأَنَّما بِهِ أَولَقٌ حَتّى لَقَد ضَجَّ سايِسُه
وَغَيث وَليّ في قَرارةِ وَهدةٍ أَقامَ بِهِ رَطبُ النَباتِ وَيابِسُه
بعيدٌ عَن الروّادِ لَيسَ بِمَعلَمٍ مَخُوفٍ بِهِ الآسادُ تَسطو عَنابِسُه
مَلاعِبُ ضِرغامٍ مَزاحِفُ ضَرزَمٍ قَتولٌ بِنَفثِ السُمِّ من هُوَ دايِسُه
إِذا انسابَ في يَبسٍ يَمُرُّ كَأَنه حَريقٌ تَلظّى أَو خَريقٌ نُلامِسُه
فَما يَأتِ مِن وَحشٍ لوردٍ فَإِنَّهُ يُناهِشُهُ هَذا وَذاكَ يُناهِسُه
فَكائن بِهِ مِن آهبٍ قَد تَمَزَّقَت وَشِلوِ لجام ماتَ مَن هُوَ ناهِسُه
هَبَطتُ وَفي كَفّي رَسُوبٌ كَأَنَّهُ سَنا البَرقِ وَهناً لاحَ وَاللَيلُ دامِسُه
وَراحَ أَبُوها ابنُ الغَمامِ وَأمُها اِبنَةُ الكَرمِ عَرشاً طابَ مِنهُ مَغارِسُه
صَفَت فَأَرَتنا ذاتَها مِن إِنائِها وَلاحَت لَنا لَونينِ قانٍ وَوارِسُه
جَلوبٌ لأَنواعِ السُرورِ تهونُ في صِيانَتِها نَفسُ الفَتى وَنَفائِسُه
وَتُكسِبُ عَقلَ المَرءِ بَأساً وَنائِلاً فَتُخشى عَواليهِ وَتُغشى مَجالِسُه
تَمَزَّزتُها صِرفا فَعاثَت بِنهيتي تُريني مُليكاً كِسرَوِيّاً أفاعِسُه
وَرَوض يَفاع نادَمَتهُ لطائِف مِن المُزنِ تَندى وَهوَ وَطفٌ نَواعِسُه
فَتُشرِقُ فيهِ الشَمسُ تُلقي شُعاعَها عَلَيهِ فَيَبدو وَهوَ تُجلى عَرائِسُه
أَقَمتُ بِهِ يَوماً أُغازِلُ جُؤذَراً مِن التُركِ أَخطا من بِشَمسٍ يُقايِسُه
وَيَوماً أُعاطِي قَهوَةً ذَهَبيَةً أَخا ثِقَةٍ خِلاً قَليلاً وَساوِسُه
وَيَوماً أُغادي للسماعِ لِغادَةٍ لَطيفة جسِّ العودِ يُطرِبُ نامِسُه
وَيَوماً أجيلُ العَينَ في زَهَراتِهِ أُشاهِدُ مَخلوقاً غَريباً مَقايِسُه
فَمِن أَحمرٍ في أَخضَرٍ مَعَ أَصفَرٍ وَأَبيضَ مَع مسودِّ لَونٍ يُجانِسُه
وَيَوماً لهوناهُ بغَرثانَ أَدرَعٍ لَهُ أنيبٌ عُصلٌ وَلَحظٌ يُشاوِسُه
يسُوف ترابَ الوَحشِ أَينَ مَقَرُّهُ فَيُغنيهِ عَن لَمحِ العُيونِ مَعاطِسُه
فَكَم إجَّلٍ أَردى وَكَم قَرهَبٍ فَرى فَلا خُزَزٌ ناجٍ وَلا هِقل يائِسُه
إِذا نَحنُ أَشليناهُ أطلقتُ تابِعاً لَهُ أَسفَعَ الخَدينِ ذُلقا نَواهِسُه
فَحلَّقَ صُعداً ثُم أَبصَرَ بِالصُوى ثعالةَ يردى وَهوَ بَهرٌ مَنافِسُه
فَسامَتهُ وَانقَضَّ يلطُمُ وَجهَهُ جَناحاهُ وَالغرثانُ وافى يُمارِسُه
وَلم يَبرَحا حَتّى أَفاتاهُ نَفسَهُ فَمِن دَمِهِ يَروى لغوبٌ وَلاحِسُه
فَيا حَبَّذا يَومٌ وَثانٍ وَثالِثٌ وَرابعُ يَومٍ طابَ وَاليَوم خامِسُه
لَقَضَّيتُ أَيّامي بِأُنسٍ وَلَذَّةٍ فَخامِسُها يَتلوهُ في الأُنسِ سادِسُه
وَدَيرٍ بِمَوماةٍ قَصِيٍّ عَن الوَرى يَدُلُّ عَلَيهِ التائِهينَ نَواقِسُه
حَوى مِن بَناتِ الرومِ أَقمارَ غَزلةٍ وَولدانَهُم حَتّى لَغَصَّت كَنائِسُه
تَناظَرَ فيهِ الحُسنُ أَينَ مَقَرُّهُ أداماتُهُ يَختارُها أَم شمامِسُه
طَرَقتُ وَسيدُ الخرقِ يَغسِلُ ساغِباً وَقَد راءَ قِرناً لا تُرامُ مَخالِسُه
فَأَقعى قَليلاً ثُم يطفِرُ طامِعا فَأَعجَلَه سَهمٌ عَن القَصدِ حابِسُه
وَأَوجَرتُهُ خَطِّيَّةً ثُمَ مَخذماً فَقَد قُطِعَت أَوصالُهُ وَكرادِسُه
وَكُنتُ بِمَرأى مِن ذَوي الدَّيرِ فَاِغتَدى عَلى راحَتي مَسحاً وَلَثماً قَساوِسُه
أَرَحتُهُمُ مِن غاشِمٍ كانَ دَأبُهُ إِذايَتَهُم وَالظُلمُ يَردى مَلابِسُه
وَأَشمط بَهّاتٍ غَريبٍ مُمَزَّقٍ رَميةِ أَفّاقٍ كَثير دَهارِسُه
فَفي السِيمِيا وَالكيميا مَع طَلاسِمٍ وَزُرقٍ وَأَوفاقٍ وَرَملٍ خَلابِسُه
وَرميٍ وَتَنجيمٍ وَضَربٍ لِمَندَلٍ وَإِحضارِ عفريت وَجِنٍّ يُهامِسُه
وَتَغويرِ ماءٍ وَاحتِفارِ مَطالِبٍ وَضَربِ حَصىً وَالسُمُّ جُدِّعَ عاطِسُه
وَرُؤيا مَناماتٍ وَسَمعٍ لِهاتفٍ وَدَعوى كَراماتٍ وَخُضرٍ بَواجِسُه
يُداهِي عُقول الناسِ إِذ دَسَّ نَحوَها مُحالاتِهِ وَالشَيخُ جَمٌّ دَسائِسُه
رَآني أَخا صَمتٍ وَسَمتٍ فَظَنَّني تُؤثِّر في المُوهِماتُ هَوادِسُه
وَلَم يَعرف المسكينُ أَنّي أَنا الَّذي قَرَأتُ حُروفاً لَم تُجزِها قَراطِسُه
وَدَرَّستُ فَنَّ العِلمِ حَتّى لَقَد غَدَت مَحافِلُهُ بي تَزدَهي وَمَدارِسُه
وَصَنَّفتُ فيهِ عِدَّةً مِن صَحائِفٍ تَضيَّقُ عَنها إِذ تُعَدُّ فَهارِسُه
وَكَم بَيتِ شعرٍ قَد وَضَعتُ عِمادَهُ عَلى بَحرِ علمٍ فيهِ بَحري دايِسُه
وَمِن فِقَرٍ قَد غُصتُ في البَحرِ مُخرِجاً لآلئَها ذهني لَها هُوَ غاطِسُه
إِذا قَرَعَت سَمعَ الحَسودِ فَإِنَّهُ يُرى وَهوَ غَيظا باهِتَ الطَرفِ ناكِسُه
وَمَيدانِ علمٍ قَد حَضَرتُ وَلَم يَكُن لِغَيري إِحضارٌ بِهِ أَنا فارِسُه
إِذا قُلتُ أَصغى أَهلُهُ وَتَفهَّموا غَوامضَ قَد أَعيت عَلى مَن يُجالِسُه
لَنَوَّةَ بِي علمي وَزِدتُ جَلالَةً وَغَيريَ فيهِ خاملُ الذكرِ باخِسُه
وَطبَّقَ ذكري الأَرض حَتّى كَأَنَّما أَنا مَثَلٌ سارٍ تخبُّ عَرامِسُه
كَأَنِّيَ شَمسٌ قَد أَضاءَ بِنُورِها جَميعُ الدُنى مَعمورُهُ وَدوارِسُه
لِيَشنا حَياتي مَن أَرادَ فَإِنَّني شجاحَلقِهِ حَتّى يُوارِيهِ رامِسُه
قصيدة هم الناس شتى في المطالب لا ترى
قصيدة هم الناس شتى في المطالب لا ترى، من أشهر قصائد أبو حيان الأندلسي وتقول:
هُمُ الناسُ شَتّى في المَطالبِ لا تَرى أَخا همَّةٍ إِلا قَد اختارَ مَذهَبا
فَمَن يَعتني بِالفِقهِ يَرأس إِذ يلي قَضاءً وَتَدريساً وَفُتيا وَمَنصِبا
وَمَن كانَ ذا حَظٍّ مِن النَحو واللغة يَرى أَنَّهُ أَسنى الفَضائلِ مَطلَبا
وَيزهى عَلى هَذا الأَنام لِأَنَّهُ يَرى هَمَجا في الناس مَن لَيسَ مُعرِبا
وَمَن كانَ بِالمَعقول مُشتغلاً يَرى جَميعَ الوَرى صُمّاً عَن الحَق غَيَّبا
فَإِن كانَ في النَحوين صاحبَ دِريَةٍ فَذاكَ الَّذي يُدعى الإمام المهذَّبا
وَحافظ أَلفاظِ القِراءاتِ جاهِلٌ بِالإعرابِ وَالمَعنى للإقراءِ رُتِّبا
يرقِّقُ ما قَد فَخَّمُوا وَمفخِّمٌ لما رَقَّقوا لَم يَلقَ شَيخاً مُهذَّبا
يَرى أَنَّ نَظمَ الشاطِبي غايةُ المُنى وَلَم أَرَ نَظماً مِنهُ أَعصى وَأًصعَبا
يَظَلُّ الفَتى فيهِ سِنينَ عَديدَةً يُحاولُها فَهما فَيَبقى مُعَذَّبا
بِلُغزٍ وَأُحجِيّاتِ شُلشل شَمَردَلٍ وَدَغفَلِ أَسماءٍ عَن الفَهم حُجَّبا
وَقَد أولعَ الجُهّالُ فيهِ بِشَرحِهِ فَمِن شارِحٍ قَصراً وَآخَر أَطنَبا
وَغايَتُهُ نُطقٌ بِأَلفاظِ أَحرُفٍ كَمالك نَنسَخ ننسِها لا نكذِّبا
لَقَد كانَ هَذا الفَنُّ سَهلاً مُعَرَّبا فَبَعَّدَهُ هَذا القَصيد وَصعَّبا
وَناظمِ أَشعارٍ يَدورُ عَلى الوَرى بِذمٍّ وَمَدحٍ مُرهِبا أَو مُرغّبا
يرى أَنَّ نظمَ الشعرِ أَسنى فَضيلَةً وَلَيسَ بِفَضلٍ ما بِطَبعٍ تركَّبا
وَراوي حِكاياتٍ لِناس تَقَدَّمُوا غَدا وَاعِظاً يَشرو وَيَنشر مُطرِبا
وَطوراً يُبكّي الناسَ خَوفاً وَرَهبةً وَطوراً يُرجِّي بِالتَسامح مُذنِبا
وَتالٍ لِقُرآنٍ بِتُربة مَيِّتٍ قَد اتَخَذَ التَنغيمَ بِالصَوتِ مَكسبا
وَجامعِ آدابٍ وَحفظِ رَسائِلٍ وَجودَةِ خَطٍّ راجِياً أَن يُقرّبا
إِلى ملكٍ كيما يَكون موقِّعا فَينظُف أَثواباً وَينبُل مَوكِبا
وَحاملِ أَجزاءٍ لِطافٍ سَقيمَةٍ تَأبّطها كيما تَروّى وَتكتبا
يَدورُ عَلى شَيخٍ جَهولٍ وَشَيخةٍ عَجوزٍ تَرى جمع الرُؤوسِ تقربا
وَجمّاعِ أَنواعٍ مِن الفِسقِ لَم يبَل بِمعصيَة إِن كانَ كَهلاً أَو أَشيبا
أَتَأخُذُ دينَ اللَهِ عَن مثلِ هَؤلا لَأَنتَ إِذَن في الغَي أَصبَحتَ مُسهبا
وَغايةُ ما يدريهِ أَنَّ فلانةً رَوَت جُزءَ بيبي وَهيَ ماتَت بِيَثرِبا
وَذا لَقَّبوه جَزرةً وَملقبٌ بِصاعِقَةٍ إِن كانَ في الحِفظِ أَغلبا
وَمشتغلٍ بِالطبِّ قَد رامَ صَنعَةً قَليلاً جَداها ما أَشقَّ وَأَخيَبا
يَدور عَلى المَرضى وَيُحرز علَّة وَيَسأل ماذا كانَ عَنهُ تَسبَّبا
وَيَنهَبُ مِنهُ مالَهُ لا يهمُّه سواء لَدَيهِ أَن يَصِحَّ وَيَعطَبا
وَغايَتُهُ استقبالُ بَولٍ بِوجهِهِ وَشَمُّ قَذوراتٍ كَأَن شمّ زرنَبا
وَكَسلانَ يَختارُ المَشيخةَ صَنعةً فَيَجمَع أَوشاباً إِلى الزَّرد رُغَّبا
تيوسٌ رُعاعٌ وَهوَ جَهلا أَبوهُمُ فَاقبِح بِهِم وُلداً وَاقبِح بِهِ أَبا
وَيَبهَتُ نَحوَ الأَرض طَوراً وَتارَة إِلى العالَمِ العُلوِيِّ يَستَمِعُ النَبا
وَيَركبُ عيراً وَهوَ عيرٌ حَقيقةً فَجهلٌ بَسيطٌ قادَ جَهلاً مركَّبا
فَيُخبِرُ عَن أَشياءَ في ملكوتِهِ رَآها عَياناً لَيسَ عَنها محجّبا
تَلاميذُهُ يَمشونَ حَولَ حمارِهِ وَأَوساطُهم مَشدودة لابِسو القَبا
عريُّون عَن علمٍ وَمَن كانَ فاضِلا تَقرمَطَ كَي يُدعى الإمام المقرب
فَيُبدي لَهُم أَسرارَ عِلمٍ غَوامِضاً تلقَّفها عَن سر سرٍّ ترتّبا
فَمِنهُ إِلَيهِ عَنهُ فيهِ لَديهِ قَد بَدَت غامِضاتٌ عَنهُ تنبَثُ كَالهبا
عَجِبتُ لِمثلي عِشتُ سَبعينَ حِجَّةً وَتِسعاً أُلاقي الناسَ شَرقا وَمَغرِبا
فَما ظَفِرت عَيني بِمَن هُوَ صالِحٌ سِوى مَن بِهِ بَينَ الأَنامِ تَلقَّبا
قصيدة لا تحسبوني وإن ألممت عن عقر
لا تحسبوني وإن ألْمَمْتُ عن عُقُرٍ بِمُضْمِرٍ لكمُ هجراً ولا مَلَلا
أحبكمْ وَأوَالي شُكْرَ أَنْعُمِكُمْ وَأَرْتجيكمْ ولا أبغي بكمْ بَدَلا
وأستديمُ جميلَ الصُّنعِ عندكُمُ ولا أُبالي أَجارَ الدهرُ أم عدلا
وما أراني بمُسْتَوْفٍ مَناقِبَكُم ولو نظمتُ لكمْ زُهْرَ النجوم حُلى
ولا يُبالغُ عُذري في زيارتكمْ ولو سلكتُ إليكمْ بَينها سُبُلا
وأنتمُ زينةُ الدنيا فإن ذهبتْ فلا أقولُ لشيءٍ فات ما فعلا
قدْ فُتُّمُ كلَّ ساعٍ والمدى شَططٌ لو حُدِّثَ البرقُ عن أدناه ما اشتعلا
أَعْطَيتُمُ وَكَفَيتُمْ فازْدَهتْ بكمُ مكارمٌ لم تَزَلْ من شانِكُمْ وعلا
زد يا ابنَ عيسى الليالي عن موارِدِها فما تَرَكْنَ لنا علا ولا نَهَلا
وَحُدَّ للدهرِ حَداً لا يُجاوِزُهُ فقد تَعَلَّمَ منكَ القولَ والعملا
ولُحْ صباحاً إذا لم تَسْرِ بَدْرَ دُجىً فقد يُقالُ استسرَّ البدرُ أو أفَلا
وأبسط لنا يدك العليا تقبلها فإننا لم نرد براً ولا وشلا
وَدَعْ بمرآك ضَوْءَ الصُّبْحِ عن كَثَبٍ فإنَّنا قد ضَرَبْنَاهُ له مَثَلا
وطالبِ الدَّهْرَ عنْ إنجازِ مَوْعِدِهِ فربَّما سَوَّفَ الحرمانُ أَوْ مَطَلا
وكنْ لنا أملاً حتى نعيشَ به لا يعرفُ العيشَ منْ لا يعرفُ الأمَلا
خذ يا محمدُ شُكْري عن مآخِذِهِ أَوْحَتْ إليه العُلا آياتِها قِبَلا
من النجومِ التي ما زلت مُطْلِعَهَا بحيثُ لستَ ترى ثوراً ولا حملا
أعزز علي بدهرٍ لا أراك به تديرُ آراءك الأيامَ والدول
وأسْتَقِيْلُ الليالي فيكَ غرتها فربما لان أمر بعد ما عَضَلا
ولا أزالُ أُدارِيْهِ وَأعْذُلُهُ فربما سَيْفُهُ لم يَبْلُغِ العَذَلا
لا وحياةِ الأعْيُنِ النُّجْلِ وإن تَعَاوَنَّ على قَتْلي
ألِيَّةً ما زالَ بِرِّي بها أكثرَ مِنْ برِّكَ بالعدل
ما جَمَع الأنْسُ لأهلِ الهوى كالجمع بين القُرْط والحجل
فخالفِ العقلَ فإنَّ الهوى ليسَ بمحتاجٍ إلى العقل
واحتجَّ بالجهلِ وقاوِمْ به ما دمتَ مَعْذُوراً على الجهل
واشرَبْ على ماشيتَ مَنْ نظرةٍ مُعْلَمَةٍ في وَجْنَةٍ غُفل
كصفحةِ السَّيْفِ ولكنَّها يَجْرِي الهوى فيها مع الصَّقْل
قام بِعُذرِي في الهوى حُسْنُها مقامَ بُرهانٍ على شكْل
وابأبي تفتيرُ أجفانها لو لم يكنْ خَبلاً من الخبل
أرقُّ من قلبيْ ومما ادَّعى في ذلكَ العُشَّاقُ مِنْ قبلي
يا ليتني اليوم على مَوْعدٍ قد حارَ بين الخُلْفِ والمَطْل
نازَعَني صَبْرِي به باخلٌ كدتُ به أثني على البُخل
أحْرَقَ بالحبِّ وَمَنْ لي به يُمرُّ أحياناً ولا يُحْلي
طَالَبْتُهُ دَيْني فَألْوَى به يَرُوْغُ بين المَنْعِ والبَذْلِ
فتىً إذا أعْطَاكَ أخْلاَقَهُ أغْنَاكَ عن راحٍ وعن نُقْل
دلَّتْ على السُّؤْدَدِ أفْعَالُهُ دلالةَ الشَّمْسِ على الظل
كالأسَدِ الوَرْدِ وما حُجَّتِي إن لم أقُلْ كالعارضِ الوَبْل
إنْ حَشَّ نارَ الحربِ قامتْ لها أعداؤه كالحَطَبِ الجَزْل
في كلِّ هيجا لَقِحَتْ نفسها بالموتِ فاستغنت عن الفحل
كثيرةُ النسْلِ ولكنّها أقْطَعُ ما في البَطْنِ للنَّسْل
أيَّمهَا الثُّكْلُ على أنَّها وَشُرْبَهَا شرٌّ منَ الثُّكل
في عارضٍ للموتِ مُثْعَنْجِرٍ أوَّلُ ما يَبْدأ بالهَطْل
تمورُ فيه الخيلُ والنبلُ لا تَفْرُق بين الخيلِ والنَّبْل
إذا اخْتَلَى سيفٌ به هامةً لم ترَ إلا مِرْجَلاً يَغْلي
ماذا تريدُ النَّفْسُ من مُهْجَةٍ أنْتَ بها أوْلضى من النَّصْل
قد نُبْتَ عن سَيْفك في الحربِ أو نابَ لك الرُّعْبُ عنِ القتل
واشتغل الناس بنقصانهمْ لما رأوْا شُغلَكَ بالفَضْل
أملِ على شعريَ إحْسَانَهُ فإنَّ شِعْري منكَ يَسْتَملي
ولا تَكِلْهُ لأبَاطِيْلِهِ فالجِدُّ أوْلَى بي منَ الهزل
جُوْدُكُ أجْدَى في طِلاَب العلا من الحَيَا في البَلَدِ المحل
جودٌ لو أنَّ الأرضَ غيْثَتْ به لم تُنْبِتِ البُرَّ مَعَ البقل
وهزَّة لو أنها نشوةٌ لكان منها النُّسْكُ في حِلِّ
ومنطقٌ لو لم يكن مفْرَداً لَفُضَلَ القَولُ على الفِعْل
يحكي جنى النَّحْلِ ولكنّه لم تَكْتَنِفْهُ إبَرُ النحل
كم من يدٍ بيضاءَ مشكورةٍ أوليت بين الأزم والأزل
وحجة كالصبح مشهورة قُمْتَ بها تُعلي وَتَسْتَعلي
ومأزِقٍ ضَنْك تَقَحَّمْتُه تُرْخِصُ بالأرواحِ أوْ تُغلي
ومُنْتَدىً رحبٍ تَبَوَأْتَهُ مُضْطَلِعاً بالعَقْدِ والحلِّ
إنَّ أَبا حفصٍ أرانا العُلا أقومَ مِنْ ساقٍ على رجل
رِد يا أبا حفص جِمامَ العلا ما شئتَ من عَلٍّ ومن نَهْل
يَنمِيك للمجد أبو قاسمٍ ما أقْرَبُ الفَرْعَ من الأصْلِ
كلاكُمَا قامَ على مَجْدِهِ بشاهدٍ منْ مَجْدِهِ عَدْلِ
منْ أسْرةٍ إنْ شَهدوا مَشْهَدَا كانوا أحقَّ الناسِ بالخَصْلِ
لو كَتَبُوا أحْسَابَهُمْ أحْرُفاً أغْنَتْكَ عن نَفْطٍ وعن شَكْل
تَسَرْبَلُوا للحربِ أثْوَابَها ليسوا بأنْكاسٍ ولا عُزْلِ
وَأوْرَدُوا أعْدَاءَهُمْ مَوْرِداً رَنْقاً من الغِسْلينِ والمُهْلِ
دُوْنَكَ مما صُغْتُهُ حليةً فَصَّلْتُها بالمنطقِ الفَصْل
تلهيكَ في الخلوةِ أبياتُها وَرُبَّما هَزَّتْكَ في الحَقْل
فإن يكنْ حُسْنٌ فلا مِثْلُهَا أوْ يكُ إحسانٌ فلا مثلي