أجمل قصائد أحمد بخيت مكتوبة كاملة
أحمد بخيت، هو شاعر مصري من مواليد 1966، في محافظة أسيوط بصعيد مصر. عمل أحمد بخيت معيداً بقسم النقد والبلاغة والأدب المقارن في كلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة القاهرة وصدر له العديد من الدواوين الشرية، كما تُرجمت بعض قصائده إلى اللغات: الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والألمانية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
في هذا المقال تعرف معنا على أجمل قصائد أحمد بخيت مكتوبة كاملة.
قصيدة الليالي الأربع
بغيرِ الماءِ يا لَيلَى تشيخُ طفولةُ الإبريقْ بغيرِ خُطاكِ أنتِ معي
يموتُ جمالُ ألفِ طريقْ بغيرِ سَمَاكِ أجنِحَتِي يجفُّ بريشِها التحليقْ
أحبُّكِ... لم يغِبْ منِّي سوى وجهِ الفتى العابرْ سيُكْمِلُ كبرياءُ الشِّعْرِ
مَا لمْ يُكمِلِ الشاعرْ لأنَّ السِّرَّ في الطيرانِ لا في الريشِ والطائرْ
أحبُّكِ... فليُسمُّوا الحبَّ وهْمًا، كذْبةً، إغراءْ أفي مقدورِ هذا الماءِ
إلاّ أنْ يكونَ الماءْ؟ إذا امتلأ الزمانُ بنا تلاشَتْ فِتنةُ الأسماءْ
أحبُّكِ... نجمةُ السُّلوانِ حين لمحتُها.. غَارتْ ولستُ أعاتِبُ السِّكِّينَ
في ضِلعِي الذي اختارتْ فلا أحدٌ يردُّ الخطوَ للقَدَمِ التي سارتْ!
إذنْ مِنْ أينَ يأتي الحزنُ يا لَيلَى؟ إذنْ من أين؟ وأنتِ غزالةٌ بيضاءُ
تمرَحُ في سَوادِ العينْ على جَمْرٍ مشيتُ إليكِ قلْبًا حافيَ القدمينْ!
لماذا مِنْ يَقينِ الحُبِّ نَقطِفُ وحْدَنا الشّكَّا! ومِنْ بستانهِ الممتدِّ نحصدُ
وحْدَنا الشَّوْكا! ونبحَثُ فيهِ عن ركنٍ يُسمَّى حائطَ المبكَى؟!
لماذا لم نجدْ في الحزنِ ما يكفي منَ السِّلوانْ!؟ لماذا لم نجدْ
في الحبِّ ما يكفي منَ الغُفرانْ!؟ لماذا ليسَ في الإنسانِ ما يكفي
منَ الإنسانْ!؟ لماذا كلُّ أسئلتي وأنتِ هُنا وأنتِ هُناكْ غنائي الفَذُّ
يا لَيلَى هديةُ طائرِ الأشواكْ وماذا قد يَضِيرُ الشمسَ إنْ هُمْ أغلقوا الشُّبّاكْ؟!
يقولُ لَكِ الغَيَارَى مِنْكِ: إنّ غناءَهُ فتنةْ إذا أنا تبُتُ عن شِعْري ولم أتقبَّلِ المِنَّةْ
فَمَنْ سيسبِّحُ الرحمنَ بالأشعارِِ في الجَنَّةْ! وكيفَ أتوبُ والعصفورُ لم يُفطَمْ
عن الشجرِ؟ ولم يحفَظْ كتابُ الليلِ غيرَ قصائدِ القمرِ؟ سأعزِفُ فيكِ موسيقا
السماءِ فباركي وَتَرِي! أعوذُ بوَجْهِ مَنْ خَلَقَ الجمالَ فكانَ كيفَ يشاءْ وزانَ
الأرضَ بالأزهارِ، والأطفالِ، والشهداءْ أيُبدِعُ كلَّ هذا الشِّعْرِ ثم يخاصمُ الشعراءْ؟!
أكادُ أضيءُ يقتلُني ويحُيِيني بِكِ العِرْفانْ يصافِحُنِي الذي سيكونُ ما هُوَ كائنٌ ما كانْ
سَكِرْتُ بما... سَكِرْتُ وما... سكِرتُ... فقبِّليني الآنْ! أنا نَخْلُ الجنوبِ الصعبُ هُزِّي
الجذعَ واكتشفي بجذرٍ راسخٍ في الأرضِ يحتضنُ السَما سَعَفي للَيلَى أن تعانقَني عناقَ
اللامِ للألِفِ! أنا الصوفيُّ والشَّهوانُ عَشَّاقًا ومعشُوقا أسيرُ بقلبِ قِدِّيسٍ وإن حسِبُوهُ زنديقا
وحين أحبُّ سيدةً أحوِّلها لموسيقا! ولَيلَى نجْمةٌ ما الليلُ بعدُ وما غرورُ الشمسْ؟
إذا أغمضتُ أُبصِرُها وأشرَبُ ضوءَها بِاللَّمْسْ وإن ضحِكَتْ رأيتُ غَدِي يكفِّرُ
عن ذنوبِ الأمسْ ولَيلَى سِدرَتِي في الوَجْدِ مِيعادي مع الأشواقْ وإصغائي
لصوتِ اللهِ حينَ يضيءُ في الأعماقْ! عروسٌ هذه الدنيا وكُحْلُ عيونِها العُشّاقْ!
ذهبتُ إلى براري الحُبِّ قبْلَ ترهُّلِ الوقتِ فلم أعثرْ على امرأةٍ يضيءُ غيابُها صوتي!
سوى امرأةٍ بِسُكَّرِها أُحلِّي قهوةَ الموتِ! هي امرأةٌ تخصُّ الرُّوحَ لا بَدْءٌ لِقِصَّتِها
وما مِنْ منتهىً في العشقِ عُمْري بعضُ حِصَّتِها! وما أنا غيرُ موسيقا تليقُ بِسِحْرِ
رَقْصَتِها ذهبتُ إلى أنوثتِها صبيًّا طاعنًا في الحبّ أُدَنْدِنُ باسمِها مطرًا
فَأُزْهِرُ في السنينِ الجَدْبْ أنا الموعودُ، أسمرُها، المبشَّرُ باسْمِها في الغَيْبْ!
أَشُمُّ جمالَها بِيَدِي وأُبصِرُهُ بآذاني وأسمعُهُ بأحداقي أقبِّلُهُ بأجفاني وأقرأُ
فيهِ توارتي، وإنجيلي، وقرآني! قديمًا قبلَ تربيةِ الأفاعي تحتَ سقفِ القلبْ
وقبْلَ الناسُ منفى الناسِ والدنيا غنيمةُ حربْ أتى ولدٌ إلى الدنيا تُظَلِّلُهُ
غمامةُ حُبّ! أنا الولدُ الذي ابْتَكَرَ البِحَارَ مُضَيِّعًا شَطَّهْ تَمَنّى قهوةَ الأنثى
فكانت شَهوةَ القِطَّة أترجِمُ مِلْحَ هذا الدمعِ أمواجًا من الغِبْطَةْ!
أنا هو ذلكَ الولدُ القديمُ الأسمرُ اللثْغَةْ يُضَمَّدُ رُوحَهُ شِعرًا ويَنْفُثُ ساخرًا
تَبْغَهْ وحَوْلَ القلبِ دائرةٌ تُحَدِّدُ مَوْضِعَ اللدغَةْ أنا المجنونُ يا لَيلَى شهيدُ الحُلْمِ
والأشواقْ بِحُبِّكِ أُسْكِرُ الدنيا وباسْمكِ أملأُ الآفاقْ! على آثار أقدامي يَسيرُ العشقُ
والعُشّاقْ! عبَرْتُ متاهةَ الماضي وما جَمَّلتُ أخطائي وسرتُ على صِراطِ الحزنِ
محفوفًا بأعدائي وجئتُكِ خالصًا للحُبِّ مِنْ أَلِفِي إلى يائي! فيا ثأري مِنَ الأحزانِ
يا بابي على الملكوتْ بنقصٍ في الضلوعِ وقفتُ مُتّهَمًا بوَرْقَةِ توتْ أَضُمُّكِ
فليكُنْ سَفَرٌ على عطشٍ وقِلَّةِ قوتْ! أُحِبُّكِ في الزمانِ يَجيءُ لا في الوقتِ
وَهْوَ يفوتْ أحبُّكِ في الجمالِ يُضيءُ أطفالاً وحِضْنَ بيوتْ أحبُّكِ... لحظةٌ تكفي
الفتى ليعيشَ لا ليموتْ! أنا أدعوكِ معجزتي فَمَن سمّاكِ أحزاني؟! عشقتُكِ
من ضجيج خُطاي حتى صمتِ أجفاني ولم أحلمْ بعابرةٍ أقبِّلُها وتنساني!
معي زُوّادةُ التَّحنانِ في ناي الرعاةِ السُّمْرْ معي أسطورتي في العشقِ أنتِ
ونارُ هذا الشِّعْرْ ولي كالدّيكِ حَنْجَرَةٌ مَهَمَّتُها ابتكارُ الفَجْرْ أتيتِ فَشَفّني صَحْوٌ
حكَيتِ فمسَّني سُكْرُ تنهَّدَ في دمي وَرْدٌ وغرَّدَ في فمي شِعرُ وحفَّتْنِي ملائكةٌ
وسالَ على يدي نَهْرُ هما عيناك يا وَعْدَ السَّما للأرضِ مِنْ أزلِ أسافرُ
منذ ميلادي ولم أرجعْ ولم أصلِ لغيرِ عيون لَيلَى الكحلُ لَيلَى كُحْلُها غَزَلي!
فيا أيقونةَ الأسرارِ في الأشعارِ يا لَيلَى ويا الأندَى ويا الأشجَى ويا الأحلَى
ويا الأغلَى أحلِّقُ في أعالي الشِّعْرِ واسمُكِ دائمًا أعلَى! أغارُ على اسمِكِ
الضوئيِّ يا وقّادةَ الإغراءْ أغارُ على أناقتهِ النبيلةِ من فَمِ الغرباءْ فيخفقُ قَلْبِيَ:
اكْتُبْها وضَعْ ما شئتَ من أسماءْ عيونُكِ يا سمَا عينَيَّ صحوُ الشوقِ في الناياتْ
حضارةُ آخرِ الدنيا بكارةُ أوّلِ الغاباتْ عيونٌ تصطفي رَجُلاً فضيحةُ قلبهِ الكلماتْ!
هنا في المَقعدِ الخالي مِنَ الجمهورِ كلَّ مساءْ ستجلِسُ أجملُ امرأةٍ، لتسمعَ أجملَ
الشعراءْ وتنثُرَ عطرَها الأبديَّ في قمصانِهِ البيضاءْ! تقول لأختِها: انتظري نحدِّثْهُ
على عَجَلِ أأطلُبُ رَقْمَ هاتفهِ؟ أكاد أموتُ من خَجَلي قفي لا تملئي عينيكِ منه إنّهُ
رَجُلِي! وبُحَّتُهَا انسكابُ المِسْك حين تقولُ: يا أحمدْ نبيذُ أناملٍ خَمْسٍ تُمسِّدُ شَعرِيَ
الأجْعَدْ تَنَهُّدُ مُوْجَعٍ في النايِ رَفَّةُ طَائرٍ مُجْهَدْ! تقولُ لنفسِها: نَزِقٌ وقاسٍ ساحرٌ
وبعيدْ لماذا صوتُهُ النيلِيُّ يسكنُ فيَّ كلَّ وريدْ؟! أَحقًّا أنَّ رائحتي تذكِّرُهُ بكعْكِ العيدْ؟!
أُحِبُّكِ... كيفَ حالُ الخالِ يا ليلاي مِنْ بَعْدِي؟ أتغفو شَهْقَةُ الإغراءِ فوقَ الشاطئ
الوَرْدِي وعندي كُلُّ هذا الليلِ كيفَ أُضيئُهُ وحدي؟! مساءُ الشجو يا خالَ الجميلة
ما تركتَ خَلِي غنائي كلُّهُ سَفَرٌ إليكَ قصائدي قُبَلي يقولُ الخال: يا مجنونُ!
قبِّلْني على مَهَلِ! متى ألقاكِ يا ليلايَ إنَّ دَمِي يخاصمُني ورُوحي لا تسيرُ معي
وقلبي لا يكلّمُني وصوتي ليسَ يؤنسُني وصمتي ليس يُلهِمني! متى ألقاكِ؟
إنَّ الشِّعْرَ أوجعُ ما يكونُ الآنْ ولا قاموسَ للأشواقِ لا إيقاعَ للتَّحْنانْ بياضٌ قاتلٌ
وَرَقِي وقافيتي بلا عنوانْ! أُخَاصَمُ فيكِ: مَنْ لَيلَى؟ لماذا باسْمها أذَّنْتْ؟ أتذكُرُها
وقد رحلَت تعيشُ حياتَها؟ عِشْ أنتْ إذا كفروا بحبِّكِ لي فحسبي أنِّني آمنتْ!
أحبُّكِ... قَدْرَ ما في العينِ مِن دَمْعٍ ومِنْ أحلامْ وحولي يا غناءَ الضوءِ ألفُ فمٍ يُشِعُّ
ظلامْ وما اعتذروا لعُشْبِ الصَّمْتِ عن دَعساتِ كُلِّ كلامْ! صباحُ الآخرينَ لهم وصُبْحُ
العاشقينَ لنا صباحي أنتِ وأنتِ يا لَيلاَيَ ثُمّ أنا إذا ضاقَ الزمانُ عَلَيَّ أُبْدِعُ
لاسْمنَا زَمَنا! صباحًا أدخُلُ الأيامَ مبتسمًا بوجهِ اللهْ وأنتِ على الأريكةِ تَصقِلينَ
الصُّبْحَ لي مرآةْ! لأخْرُجَ للحياةِ كما تليقُ بشاعرٍ وحياةْ! صباحُ الخُبْزِ والمقهَى
الصغيرُ بنا يزيدُ سَعَةْ ويحفَظُ كلُّ رُكنٍ فيهِ مِنّا كُلَّ ما سمِعَهْ أما كُنّا بكُلِّ الحُبِّ
نقتَسِمُ الصَّباحَ مَعَهْ! صباحُ توهُّج الثوراتِ في عينيكِ والأعراسْ صباحُ الأغنياتِ
الخُضْرِ ندَّتْها دموعُ الناسْ صباحُ أنوثةِ الدنيا صباحُ طفولةِ الإحساسْ! صباحُ الشمسِ
والعَبَّادِ كُلُّ مسافةٍ تُقْطَعْ يسافِرُ في محبّتها وفي أشواقِهِ تَسطَعْ بنَهْدٍ مترَعٍ بالضوءِ
تُوقِظُه لكي يرضعْ! صباحُ النهرِ يا تَمريَّةَ العينينِ صوتُكِ نِيلْ بلادٌ رَحْبَةٌ شَوْقي
وأحزاني سُموقُ نخيلْ وحبُّكِ آخِرُ الهِجراتِ واسمُكِ أولَ الترتيلْ وبي ما بي
من الصحْراءِ بي ما بي من الأنهارْ أملِّحُ خبزَ عِيْدِ الحبِّ للعُشّاقِ بالأشعارْ
ولا أرجو سواكِ يدًا تكلِّل جبهتَي بالغارْ! على ماذا يخاصمُني رعاةُ اليأسِ يا أملي؟
كأنَّ جريمةً عشقي كأنَّ خطيئةً غزلي أحبُّكِ... كلُّ حزنٍ فيكِ أعطاني مقامَ ولي!
لماذا تلهثُ الدنيا وراءَ جراحِيَ الأغلَى وتغمِسُ ظُفْرَها بدمي وتذرفُ دمعةً خجلَى
كفاتكةٍ بواحدِها تُسمِّي نفسها الثكلَى ليالٍ أربعٌ لا غيرَ عاشتنا وعِشناها حَكَتْها شهرزادُ
لنا ولمْ تُكمِلْ حكاياها! ولا غُفرانَ للأيامِ يا ليلايَ لولاها! ليالٍ كان لي بيتٌ يليقُ بوردةٍ
وكتابْ يليقُ بصوتِ فيروزَ العميقِ الموجِعِ الحَبَّابْ! ببردٍ قادَ خُطوتَنا معًا لتواطؤٍ خلاَّبْ!
معًا وهواءُ غرفتِنا نبيذٌ أشتهي رَشْفَةْ مَلاكٌ ضالِعٌ في الضَّوْءِ يُغوِي عَتمةَ الغُرْفةْ ونُزهِرُ
قبْلَ مَوْعِدِنا وتُزهِرُ نَبْتَةُ الشُّرْفَةْ! معًا نحنُ اعتذارُ الليلِ أنَّ النورَ في الداخلْ وسحرُ
شهرزادِ السّردُ وهْو يروِّض القاتلْ قصيدةُ عُمْرِ بحَّارٍ أخيرًا أيها الساحلْ! قصيراتٌ
ليالي القُرْبِ قاسيةٌ هي العتماتْ! وقفتُ أمامَ بابِ الفجرِ لم أتجاوزِ العَتَباتْ وضيّعتُ
النجومَ العشرَ يا نجَماتُ يا نجماتْ أنا في البيتِ والجدرانُ مِنْ غيرِ الأحبةِ سِجْنْ
يشيخُ البابُ والدَّرَجُ اليتيمُ بلا خطاكِ يئنّ أحتّى هذه الأخشابُ تُغْرَم مثلَنا وتحِنّ؟!
أَسِيفٌ طاعنٌ في الشَّجْوِ بيتُ الحُبِّ وا أسفاهْ! غدَا مِن بعدِنا حَرَضًا يكابدُ يأسَه
ورَجاهْ تَغَضَّنَ قلبُهُ بالحُزْنِ وابيضَّت أسىً عيناهْ أريكتُنا التي سَكِرَتْ بضِحْكَتِنا
معًا تبكي ولا تغفو معي إلاَّ إذا حدَّثتهُا عنكِ فتَحضُنُني لَعَلَّ عَلَى قميصيَ شَعْرةً مِنْكِ!
وثوْبُكِ كم بكى! والثوْبُ حينَ يُحِبُّ لا يكذبْ تَشبَّثَ بي قُبَيل البُعْدِ: كيف تُطيقُ أنْ تذهبْ!؟
إذا انكسَرَتْ فلا مَلَكٌ سيَهبطُ ذلك الكوكبْ! أدِرْ معها حِوارَ الرُّوحِ عَبْرَ قصيدةِ الجسدِ
ولا تَحْمِلْ ضَبابَ الأمسِ واحْمِلْها لصَحْوِ غَدِ وداعِبْ شَعْرَها بيدٍ وطامِنْ ظَهْرَها بيدِ
سيأتي البُعْدُ، ذِئبُ اليأسِ سوف ينامُ قربَكُمَا وليسَ سِواكُما أحَدٌ غدًا ليَخُوضَ حَربَكُمَا
ستَخْتَبرُ الحياةُ بأعْنَفِ الضَّرباتِ حُبَّكُمَا! سيُشفِقُ نادلٌ تُشجيه وحشتُها فتندَى العينْ على
البنتِ التي تأتي وتطلبُ دائمًا صَحْنَينْ وتجلِسُ وحدَها تتناولُ الإفطارَ في بَلَدَينْ!
أهذي آخرُ الدمعاتِ لا بل تلك أَوَّلُها وأوَّلُ رحلةِ الشوقِ التي ما زلتَ تجهلُها فأضعَفُ
دمعةٍ في عينِ مَنْ فارقتُ أقْتَلُها! أَتَقْبَلُ أَنْ تُجَرِّبَكَ الْحَيَاةُ وَلاَ تُجَرِّبَهَا وَمَا مِنْ دَمْعَةٍ
ألا لَهَا عَيْنٌ لِتَسْكُبَهَا كَمَا وُلِدَتْ لِتُكْتَبَ أَنْتَ مَوْلُودٌ لِتَكْتُبَهَا أجلْ! لا بُدَّ من حُبٍّ كحُبِّكِ
ليسَ فيهِ ظلامْ نهاجِرُ من مخاوفِنا إليهِ يضمُّنا، فننامْ ويأتي الصبحُ مبتسمًا بغيرِ
علامةِ استفهامْ! بَريدُكِ طَعْمُ خُبزِ الأُمِّ ما منْ طَيِّبٍ أطيبْ نبيذٌ ليسَ طِفلَ الكَرْمَ
شِعْرٌ بَعْدُ لم يُكتَبْ خُيولٌ في مُروجِ الحُلْمِ تركُضُ بي ولا تتعبْ! خُذي ما شئتِِ
يا دُنيا خُذي ما من جمالٍ غابْ سيذبُلُ وَرْدُ نافذتي ويُجْهِشُ بالحنينِ البابْ
وهذي الوردةُ الحمراءُ تُزْهِرُ في سطورِ كتابْ لنا مِن بُخْلِ كفَّيكَ الذي لم تستطِعْ
أخذَهْ نبيذُ القلبِ مِسْكُ الرُّوحِ جَمرةُ هذه اللذّةْ! تَوَرُّطُ عُمرِنا العاديِّ في الأسطورةِ
الفذّةْ! دعاءُ أمومةٍ بالخيرِ في أصبوحةٍ سَمَحةْ شقاوةُ دَقَّةِ الأجراسِ ضحْكةُ ساعةِ
الفُسْحَةْ وإغواءُ الخيالِ أمامَ بنتٍ تَحْبُكُ الطَّرْحَةْ! خُطَى حُبِّ تُظَلِّلُهُ السَّما بغمامةٍ
بيضاءْ وسِرْبٌ مِنْ طيورِ البحرِ يأخُذُنا لِطَقْسِ الماءْ قَميصٌ مِنْ نُجومِ الليلِ يَخلُِبُ
عابرَ الصَّحْراءْ! سريرُ الضوءِ ضحكتُنا مِخَدَّةُ آخرِ التعَبِ رموزُ الخاتَمِ الفِضِّيِّ رِقَّةُ
قُرطِكِ الذهبِ تَجَلِّي اللونِ في اللوحاتِ، والكلماتِ، في الكُتُبِ! وبيتٌ لم يُشيَّدْ بَعْدُ كَم
كُنّا نرتِّبُهُ يَدٌ عَطْشَى تُعِدُّ الشَايَ أشربُهَا وأشربُهُ ومعجزةُ الخُطَى الأولى لطفلٍ سوفَ
ننجِبُهُ! جَلالُ النخْلِ طَيْشُ البَحْرِ رَقصَةُ زهرةِ النعناعْ تَجَلِّي واجِدٍ في العشقِ شهوةُ
لحظةِ الإبداعْ حنانُ عناقِ محبوبَين يحتشدانِ ضدَّ وداعْ! نرى لِنُحِبَّ أم أنَّا نُحبُّ
حبيبَنَا فنراهْ؟! ونُسْلِمُ نفسَنَا للبحرِ أم نختارُ شَطَّ نجاةْ؟ أليسَتْ زُرْقةُ البحرِ التفاني
في عناقِ سماه؟! أحبُّكِ... كُلُّ أهلِ العشقِ ممسوسونَ بالبحرِ تشيخُ الأرضُ
وهْوَ هُوَ الصبيُّ لآخِرِ الدهرِ إذا افتقدَتْ خُطاكِ البحرَ فالتمِسيهِ في شِعْري!
هو العَرَّابُ شهْقتُهُ الجريحةُ بَوحُ لوْعتِنَا وفي تغريبةِ الأمواجِ ذوَّبَ مِلْحَ دمعتِنا
سيَبْقَى البحرُ وهْو البحرُ مُبْتَلاًّ برَوعتِنا! أمانينا الخيولُ البِيضُ تركُضُ
ركضَها الأبدِي! وخُضرةُ رُوحِنا نقشُ المياهِ بصَخَرةِ الجسدِ ووَحْشةُ بُعْدِنا
عطَشُ الرِّمالِ لقُبلةِ الزَّبَدِ! مقامُ البحرِ حيثُ الحُزنُ يا فرحي هو البهجةْ هنا
حيثُ الحنينُ إليكِ وَجْدٌ بالغٌ أَوْجَهْ! لقاءَ وصولِها للشَّطِّ تدفَعُ عُمْرَها الموجةْ!
أحِبُّكِ... لا مصادَفَةٌ هناك ولا ابتسامةُ حظّ قطَعْنا رِحلةَ المعنَى ولم نسكَرْ بخَمْرِ
اللَّفْظْ إذنْ لا بُدَّ مِن فرَحٍ وإنْ طالَ الزمانُ الفَظّ أما سَمَّيتِنني يومًا جزيرةَ فرْحِكِ
السرِّيّ أنا ببياضِ قمصاني ورِقّةِ شِعْرِيَ الغزليّ بِضِحْكَةِ قلبَيَ الحافي بدمَعةِ حُزنِيَ
الملكيّ أنا عرَّابُ كُلِّ الناسِ مَنْ ضَحِكوا ومَنْ دَمَعوا بَرِيءٌ من خُطَى النسيانِ خَطْوِي
الشَّوْقُ والوَلَعُ وفي حِجْرِي نُجومُ الليلِ مِنْ حِجْرِ السَّما تَقَعُ تركتُ ورائيَ القاموسَ
لا عُشّاقَ في القاموسْ وفي وَجهِ الرِّياحِ السَّبْعِ أفتَرِعُ الخُطَى وأجُوسْ فحِينَ نُحِبُّ
ينمو العُشْبُ فوقَ الأرضِ حيثُ ندُوسْ! أُحِبُّكِ... تبْهَتُ الأيامُ في عيني وتتّضِحِينْ
وتقتربينَ.. تبتعدينَ.. تقتربينْ فيا حَكَّاءَة العَيْنَينِ بَعْدِي ما الذي تَحْكِينْ؟!
تقولُ غزالتي: يا أنتَ يا اسْمَ النبعِ في الصَّحْراءْ أنا أُختُ النَّدَى والعِطْرِ حُلْمُ الشِّعْرِ
في الشعراءْ أُحِبُّكَ... مُذْ تنفَّس آدمٌ وتنهَّدَتْ حوّاءْ! وتسألُني: أغارُ علَيكَ ويلي!
كم أغارُ علَيكْ من الكلماتِ حُلمِ اللحنِ بالأوتارِ في شفتَيكْ ومِن هذا القَمِيصِ يَمامةً
نَعَسَتْ على كَتِفَيكْ أغارُ عليكَ مِنْ شَوْقِ الطريقِ ومِنْ حَنانِ البَيْتْ مِنَ الصَّوْتِ
الذي أشجاكَ والأُذنِ التي أشجَيْتْ مِنَ الحُزْنِ الذي أبكاكَ والعَيْنِ التي أبْكَيْتْ
أفكِّرُ أنَّ سَيِّدَةً سِوايَ تَنَفَّسَتْ شَفَتَيْكْ لها عَيْنانِ أبحَرَتا بعيدًا في خُطوطِ يَدَيْكْ
تَشِبُّ النّارُ في رُوحي فأهْرُبُ مِنكَ فِيكَ إلَيكْ! مَريضٌ أنتَ فالنجماتُ في أفلاكِها
مرَضى ولو ناديتَني لقطعتُ طُولَ الأرضِ والعَرْضَ ولو حَمَلوا ليَ الدنيا لأرجِعَ
عنكَ لا أرضَى! مرِيضٌ أنتَ لم أطْعِمْكَ لم أحملْ إليكَ دواءْ ولا أطفأتُ بالقبُلاتِِ
نارَ الجَبْهَةِ السَّمراءْ وما غنَّيْتُ: كن يا حُبُّ أنُسًا حولَهُ وشِفاءْ! تُفتِشُ في الظلامِ
يداكَ لا حِضْنٌ هناكَ يَضُمّ ويذبحُني الحنينُ إليكَ يا حُلْمي العظيمَ فَقُمْ فلا بنتٌ سوايَ
أنا تحبُّكَ باغتفارِ الأُمْ! لأقْصَى الأرضِ ثمّ خُطًى تسافِرُ في اتّجاهِ خُطاكْ يَدي مَمدودَةٌ
أبدًا تِجاهَ يَدٍ هناكْ فيا ذاك البعيدَ قريبةٌ قُرْبَ الدُّموعِ يَداكْ تَسَامَرْنَا وصاحَ الدِّيكُ نَبَّهَ
سيفَ مسرورِ فكم سَفَرٍ! وكم ليلٍ! وكم ألمٍ! وكم سورِ! أكُلُّ رياحِ هذي الأرضِ ضِدَّ
جَناحِ عُصفورِ؟! أُفضِّضُ فيكَ أحلامي وأحيانًا أُذهِّبُها وتصْدُقُ وحدَها الأحزانُ لكنِّي
أكذِّبُها فصِفْ لي وصفةً أُخرى سِوَى موتي أُجَرِّبُها! أخانَت خُطوتي دَرْبي هنا أم
خانَها دَرْبي؟ إذا حَنَّ الكَمانُ هناكَ يَهْدِلُ ها هُنا قلبي فيا كَنْزِي الذي ضَيَّعْتُ كِلْمةَ سِرِّهِ
عُدْ بي أتذهبُ للمشيبِ معي بكُلِّ طفولةٍ في القَلْبْ وقد صفَّى المشيبُ الحبَّ إلاّ منْ صَفاءِ
الحبّ تُغَازِلُني فأضحكُ منكَ في طَرَبٍ: كَبرْنا، عَيْبْ! وفي بيتٍ بنافذةٍ على بحرٍ وليلِ
شتاءْ بخيطين: الرِّضا والحُبِّ أغْزِلُ كَنْزَةً زرقاءْ لهذا الأشيبِ العَذْبِ الحديثِ المؤنسِ
الإصغاءْ! وتمشينا المشاويرُ المشيناها معًا عُمْرا نَثَرْناها خُطًى في الأرضِ تجمعُنا معًا
شِعرا وقد سَقَطَ الجِدارُ الوَهْمُ بين الآنَ والذكرى أُطِلُّ عليكَ من حُلُمي تَشُدُّ علَيَّ أغطيتي
وتختبرُ الهواءَ قُبَيْلَ رحلتِهِ إلى رئتِي ضَبَطتُكَ يا عجوزي الطِّفلَ! نَمْ فالحبُّ لم يَمُتِ!
سَأَغْفِرُ للفراقِ جميعَ ما صنعَ الفراقُ بنا أَعِدِّي حِضْنَكِ الحنَّانَ يا لَيلَى الغريبُ دنا
وُلدتُ هنا فيا اللهُ هَبْنِي أنْ أموتَ هنا أُجَنُّ بطفلةٍ فيها كَبُرْتُ أنا ولم تَكْبُرْ طويلاتٌ
ضفائِرُهَا قصيرٌ ثَوبُها الأحمرْ إذا ضَحِكَتْ بوَجْهِ الغيمِ إكرامًا لها يُمطِرْ وأعشَقُ ظبيةً
ركَضَتْ مِنْ الشِّرْيانِ للشِّريانْ تَعهَّدَ قلبَها مَطَرُ الحنينِ وعُشْبَةُ التَّحنانْ ليَخْفِقَ باسْمِ مَنْ
وعِدَتْهُ منذُ بدايةِ الأزمانْ! تقولُ: اخْتَرْ سوايَ وعِشْ أحِبُّكِ... هكذا اختار ولو وَضَعوا
عَلَى كَفَّيَّ عَرْشَ الشمسِ والأقمارْ أَشَدُّ ذنوبِنا أن لا نحِبَّ وحُبِّنا استغفارْ! كأنْ لا مؤمِنٌ
في الحُبِّ أو لا حُبَّ في الإيمانْ ولولا الحُبُّ لم تكُنِ السَّما والأرْضُ يلتقيانْ فلا نَصٌّ
يعادي الحُبَّ إلاّ خَطَّهُ الشيطانْ لها اسْمِي خاتَمٌ سيضيءُ حين يُحيطُ إصْبعَها وأنْ أُصغِي
إلى قلبي إذا صَمتَتْ لأسمَعَها لها أن تبدأ الأحلامَ بي لأُتِمَّها معَها! لها ما لَيسَ لي منيِّ
لها الغُرُباتُ والبيتُ لها ما مَرَّ ما سيَجِيءُ ما يَبقَى إذا غِبْتُ لها قَولي أمامَ الموتِ: لا نَدَمٌ
لقد عِشْتُ سيُولَدُ مَرَّةً أُخْرَى بفَجْرٍ أزرقٍ آدمْ يَرَى حَوَّاءَهُ الأولى ويَحْضِنُ حُبَّهُ الخاتَمْ
ويغتفرانِ باسْمِ الحُبِّ كُلَّ إساءةِ العالَمْ غدًا في المَوقِفِ المَشهُودِ أَلقَى الواحدَ الغفّارْ
وأسألُهُ بِدَمْعِ القلْبِ زِينَةَ خَلْقِهِ الأبرارْ بحَقِّ الحُبِّ هل يُلقِي الحبيبُ مُحِبَّهُ في النارْ؟!
خَلَقْتَ الحُبَّ ثُمَّ جَرَى عَلَينا والمَشيئةُ لكْ وأنتَ مُقَلِّبُ القلبِ الذي إنْ حادَ عنْكَ هَلَكْ
فإنْ تسأَلْهُ عنْ ذَنْبٍ فعنْ عفوِ الرِضا سَأَلَكْ غدًا سأقولُ: يا رَبِّي تَحابَبْنَا وأحْبَبْنَاكْ أنا
بفؤادِيَ الخَرِبِ الذي عمَّرتَهُ بِسَناكْ ولَيْلاَيَ التي جاءتْ مِنَ الدنيا لِكَيْ تَلقَاكْ! أمَا
عَلَّمْتَني الأسماءَ؟ لَيلَى أجملُ الأسماءْ وأنقَى ضَحْكَةٍ في القلْبِ أتْقَى نَهْنَهاتِ بُكاءْ وآخِرُ
فُرصَةٍ للأرضِ كي تَجِدَ السماءَ سماءْ معًا سنَطُوفُ حَوْلَ العَرْشِ عِندَ إقامةِ المِيزانْ
ومِلْءُ جُيوبِنا ذَنْبُ ومِلْءُ قلوبِنا الإيمانْ يَشْمَلُنا لأجْلِ الحُبِّ عفوُ الحاكِمِ الدَّيَّانْ!
قصيدة ركعة الشاهد
وحدي ومن ألفي أسير ليائي تتوحش الغربات تحت ردائي أمشي لكي أمشي
وتلك إجابتي عن فوضوية هذه الأعضاء لي أن أفتش في رصيف غامض عن
سيرةٍ ذاتيةٍ لحذائي خطئي حنين خطى لآثار الخطى ودمُ يقول تقدست أخطائي
لي أن تسميني الجراح نبيها لى أن أقول تباركت الائى سبحان من جعل الشهادة
مهنتي والجرح والسكين من أسمائي بيني وبين الله صرخة جائع من صيف دمعته
ربيع غنائي في البدء قال: اقرأ ..قرأت فصاح بي لقد اصطفاك الحزن للاسراء
قلت الرؤى اشتبهت أشار تبعته قلت: استخر لي قال:صلَ ورائي فبكت عيوني قال:
دمعة مؤمنٍ ما بالها وثنية الأزياء طوبى لمن نحروا القلوب وضيفوا جبريل فوق
موائد الفقراء مطرٌ يخط على قميصي آية ويقول موعدنا بغار حراء هذا بريد الله
كل سحابةٍ شهدت على صدري صلاة الماء لما وصلت إلى سماء كلامها رفع الحجاب
أنا الرؤى والرائي أأتوب عن هذا العذاب ولم تتب عن حبها الباكي سماء شتائي
أأخر بين يدي يزيدٍ راكعاً ودم الحسين يسيل تحت ردائي أنا شاهد المأساة أكتب
ما أرى وأؤرخ الأيام بالشهداء سأقول لاءاتى وأبتر ركبتى كى لا تخر لركعة
استجداء هى ركعة في العشق لست أتمها إلا على سجادة الشعراء
قصيدة ليلى.. شهد العزلة
رأيتُ الصمتَ والنسيانَ يجتهدان دون ضجيجْ وأبواباً بلا معنى دخولاً مرةً
وخروجْ فقلتُ أُخلّدُ البستانَ يا ليلى ببعضِ أريجْ وقلتُ أعلّمُ الفخَّارَ شيئاً من
ذكاءِ الماءْ وأُوقظُ غفلةَ الأشياءِ كي تتكلّمَ الأشياءْ لعلَّ زجاجةَ المصباحِ تحفظُ حكمةَ الأضواءْ
أنا ضيفٌ على الدنيا وأوشكُ أن أودّعها وُلدتُ بحضنِ قافيةٍ وأختمُ رحلتي معها وغايةُ شهوةِ
الكلماتِ أن تغتالَ مبدعها!! أراوغُ شهوتي للموتِ منذُ صرختُ في الميلادْ وأعبرُ برزخي
وأعودُ منتصراً على الأبعادْ لكي أصطادَ خُلدَ الروحِ قبل تحلّلِ الأجسادْ وأمي في صلاة
الفجرِ ترفعُ وجهها للّهْ ليُرجعَ طفلها المخطوفَ يوماً واحداً لتراهْ فمنذُ رأى عروسَ البحر
أصبح شِعْرُهُ منفاهْ!! لقد ندهتْه جنّياتُهُ فانساحَ في الملكوتْ ومسّتْه الرؤى فاختارَ وعد النارِ
للكبريتْ إذا هجرته نارُ الشعرِ ماتَ وإن دعتْهُ يموتْ!!
قصيدة سأخرج من حرير العاشقات
سأخرجُ من حرير العاشقاتِ
ومن ذهبٍ يخونُ معلّقاتي
أجلْ لي صاحبٌ يبكي فأبكي
ولي طللٌ يليق بمفرداتي
ولي لغتان: فصحى أنجبتني
ودارِجَةٌ سأمنحُها رُفاتي!
ولي زهوُ «المنخّل» حين يُفضي
بأسرارِ البُروقِ إلى الحصاةِ
ولي شرفُ الصعودِ إلى غيومٍ
تُقطّرني على «خدر الفتاة
ولي خبزُ الخرافةِ ملحُ دمعي
رمالُ بداوتي خمرُ انفلاتي
ولي بابٌ على الملكوت نبعٌ
بوادي الجنِّ عينٌ للمَهاة
ولي أبديّةُ الصحراءِ ليلٌ
بآلاف النجوم الشاحبات
حنينُ النُّوق ياقوتُ القوافي
ولألاءُ التصعلكِ في الفلاة
وليْ ما ليس لي خمسون أمّاً
ولكني يتيمُ الأغنيات
أتيتُ وفي يدي العسراءِ سيفٌ
ينوحُ على الضحيّة والجُناة
بكيتُ وما بكيتُ قروحَ روحي
ولا شوقي لليل الظاعنات
سَيَرْتَهِنُ «السموألُ» من دروعي
وديعةَ ذاهبٍ نحو الممات
ستنسلخ القبائلُ منْ دماها
ستنتقمُ الحياةُ من الحياة!!
أأطلبُ في بلاط الرومِ ملكاً
ولي ملكُ الرياحِ السافيات؟
سأترك لحمَ أسلافي لقيطاً
يحنُّ إلى حنان الأمّهات
وأبحث عن معلّقةٍ لروحي
بعيداً عن صواريخ الغُزاة
سلاماً يا امرؤ القيسِ انتهينا
حقائبَ في مطارات الشَّتات
أنا لا أعبدُ الأصنامَ شعراً
ولا أبكي الرسومَ الدارسات
فُطِمْتُ عن الوقوفِ على خرابٍ
وتأبينِ الرمادِ بنهنهاتي
برئتُ من افتخارٍ عنجهيٍّ
بأيام العظامِ الباليات
ولم أصعدْ إلى نسبٍ عريقٍ
سوى نسبِ الصحيفةِ والدَّواة!!
سقطتُ إلى الحياة دماً أليفاً
يخوضُ المعمعانَ بلا أداةٍ
وما لي في رباط الخيلِ جهدٌ
جهادي في رباط الغانيات
أنا ما لا يحبُّ الناسُ مني
إمامُ اليأسِ مهديُّ الغُواة
ورثتُ من الحضارة خمرَ كسرى
وآلاتِ القِيانِ العازفات
من الروم التسكّعَ قربَ دَيْرٍ
كراهيةَ الرعيّةِ للرعاة
من الهند المنجِّمَ حين يتلو الطْ
طَوالعَ في كتاب النيّرات
من اليونان سفسطتي وشكّي
وحيرةِ موقفي وتساؤلاتي!!
سأهبطُ جنّةَ الشيطانِ يوماً
وأقرع بابَ مملكةِ العُصاة
وأصعدُ نحو علّيينَ يوماً
لتقتحمَ السماءَ تبتُّلاتي
سأعصر رمةَ الأيامِ خمراً
وأسقي للحياة تناقضاتي
سلاما يا ابنَ هانئ نحن جئنا
بعصر الشكِّ لا عصرِ الهُداة
عنيداً أبتغي ما لا يُسَمَّى
وحيداً أستظلُّ بمعجزاتي
سأخترق النبوءة دون خوفٍ
على خيل المعاني الخالدات
نُفِيتُ فغبتُ كي أَنْفي غيابي
نُعيتُ فجئتُ كي أَنْعَى نُعاتي
أنا هو أحمدُ الكوفيُّ ناموا
على خُبْث الرعيّةِ والولاة
أنا هو أحمد الكوفيُّ قوموا
على غدر السيوفِ المشرعات
ستسقط ألفُ «بغدادٍ» فسيروا
إلى ملك الأعاجمِ والخُصاة
فررتُ إلى الذي سأفرّ منهُ
وألجأني الفواتُ إلى الفوات
خسرتُ أَجَلْ خسرتُ نفسي
لأربحَ ما خسرتُ من الهِبات
ولكني أكيدُكُمُ بموتي
وفي شرف الردى شرفُ الحياة
سأذهب طاهراً منكم ومني
إلى ملكوت سيّدةِ اللغات!!
دخلتُ «معرّةَ النعمانِ» أعمى
يرى زحفَ العُصارة في النبات
يرى بؤسَ الأجنّةِ وهي تعوي
من الأصلاب بحثاً عن فُتات
وها أنا في الثلاثة من سُجوني
غرابُ الروحِ ينعبُ في لُهاتي
شُفيتُ فما شَقيتُ بإرث ماضٍ
وقيتُ فما سُبيتُ بحلم آت
فكيف طُردتُ من جنّات شكّي
مجوسيّاً يكفّرني قُضاتي؟
ومن أنا والترابُ يغوصُ تحتي؟
ومن أنا في سماء الطائرات؟
ومنْ أنا في سلامٍ معدنيٍّ؟
ومن أنا في حروب الحاسبات؟
سلاماً أيها الحاسوبُ صرنا
قوائمَ في سلال المهملات
سأبحث عن «لزومياتِ» صمتي
وعن قبرٍ بحجم تأمُّلاتي!!
لماذا لا تُتابعني ظلالي؟
لماذا لا تُشابهني صفاتي؟
لماذا خَرّبَ النسيانُ قلبي؟
وخانتني شجاعةُ ذكرياتي
فلا طربٌ ليأنسَ بي صِحابي
ولا غضبٌ ليخشاني عِداتي
كأني خارجٌ من كلّ شيءٍ
يُسابقني إلى موتي مَواتي!!
بعيداً عن دمي عن حزن أهلي
بعيداً عن عذابِ الكائنات
يمرُّ الفاتحون على عظامي
فلا تدمى ولا تُدمي قَناتي
أنا حجرُ النهايةِ فاتركُوني
لأغرقَ في مياه تداعياتي
هوتْ عشرون أندلساً لأبكي
على أطلالها مجدَ الحُفاة
فمن سيرى قرابَ السيفِ يبكي؟
ومن سيلُمُّ دمعَ الصافنات؟
ومن سيشمُّ رائحةَ «ابنِ رشدٍ»
تسافرُ في مداد «الترجمات»
ومن سيضوعُ مِسكُ الروحِ فيهِ
ويسكُن في بهاء مُنمنماتي
ومن سيكون آخرَ عَبْشميٍّ
يُمزّقه نحيبُ مُوشّحاتي
ومن سيعلّقُ الأجراسَ منا
قُبيلَ الفجرِ في عُنُق الكُماة
أتسألُ يا «ابن زيدون» لماذا
يعافُ الشدوَ جبّارُ الشُّداة
مضى زمنُ الذين حَمَوْا حِماهم
وليس يليقُ بي زمنُ اللواتي
إلى الرَّبْع الخرابِ نعود رَهْواً
«فلا ثقلتْ بطونُ المنجِبات»
أنا المتحدِّثُ الشعبيُّ باسمي
وباسم اليائسين من النجاة
مُدانٌ بارتكاب «الحزنِ» جهراً
ومتَّهمٌ بإزعاج الطغاة
أنا مندوبُ تدشينٍ لجيلٍ
تَناسلَ في زحام الحافلات
تساقط من دم الأرحامِ كهلاً
لتلعنَه أكفُّ القابلات
نما في السهو في عَطَن الليالي
وفي عُقْم الخطى واللافتات!!
أُبشّرُكم بتِنّينٍ رهيبٍ
تَنفّسَ تحت سقفِ العائلات
سيرفضُ إرثَكم دون امتنانٍ
ويعبر سخطَكم دون التفات
سيرقص في قميصٍ أجنبيٍّ
ويحشو تبغَهُ بالموبقات
سيهبطُ نحو غُلْمته ليأوي
إلى قطط الغرامِ الجائعات
سيصنع من أُبوّتكم رصاصاً
لتندلعَ الجريمةُ في الجهات
سيفرحُ عندما تعطيه «روما»
معونةَ شهوةٍ ومُعلَّبات
سيخرج من رباط الخيلِ قسراً
ويُطْرَد من دعاء المئذنات
سلاماً يا «ابنَ عبد اللهِ» «روما»
تُوزّع خبزَنا وقتَ الصلاة!!
لماذا تجرحين صفاءَ يأسي؟
وتجترحين هدأةَ خارطاتي
وتبتكرين نافذةً لروحي
وتخترعين ثالثةَ الرئات
حنانَكِ أخطرُ الغرباءِ قلبي
وأخطرُ ما بقلبك وشوشاتي
أخافكِ أم أخافُ عليكِ منِّي؟
هما خوفان: حَنّانٌ وعات
أجيئكِ فارغاً من كل حلمٍ
وممتلئاً كقُبّعة الحُواة
من الوعظ الجبان من الأغاني
من الخُطب التي التهمتْ ثباتي
ومن كتب «الحماسةِ» و«الأمالي»
ومن أشهى أكاذيبِ الرواة
من اللغو المحنَّط في حواشٍ
على متنٍ لألغاز النُّحاة!
ومن صوف الدراويشِ التكايا
دفوفِ الزارِ شعوذةِ الرُّقاة!
من الحبّ الذي لا حبَّ فيهِ
من الجسد المهيَّأ للسُّبات
من «النَّقَب» «الجليلِ» «القدسِ» «يافا»
من «النيل العظيمِ» إلى «الفرات»
وداعاً للجمال لشمس «آبٍ»
إذا ابتسمتْ على خدّ البنات
لألعاب الطفولةِ للأحاجي
لعصفور الصباحِ لسوناتا
وداعاً للبكاء بصدر أُمّي
لفيروز العيونِ الصافيات
لطعم البرتقالِ لصبح عيدٍ
تَلألأَ بالثياب الزاهيات
لسطح طفولتي لدجاج أمّي
لأفقٍ باتّساع تخيّلاتي
لمقرعة المعلِّمِ حين تعلو
فتنفجرُ العنادلُ صادحات
لحكمة جَدّتي لسعال جَدّي
لأشجار الحنانِ الباسقات
لثرثرة الصداقةِ للمقاهي
لقهقهةٍ مهذَّبةِ النِّكات
لآهة «أُمّ كلثومٍ» «لشوقي»
لآلاءِ القلوبِ الخافقات
لنزهة عاشقين لشجو نايٍ
لأحلام الصبايا العاهراتِ
لبيت الحبِّ للغد حين يأتي
لآلاف الوعوِد الرائعات
لقد وَدّعتُ ما ودّعتُ مني
لأولدَ من رماد الأمنيات
سأفترع الكتابةَ وهي بكرٌ
وأجترح الحقائقَ ثَيّبات
وانتظر القيامةَ في هدوءٍ
وحيداً تحت سقف مُخيَّماتي!!
قصيدة رام الله
خُذْ طلَّةً أخرى وهبنيَ طلةْ، كي لا أموتَ.. ولا أرى رامَ الله
قلبي كما قال المسيحُ لمريمٍ وكما لمريمَ.. حَنَّ جذعُ النخلَةْ
فلاحُ هذي الأرضِ.. عمري حنطتي
وبَذرتُ أكثرهُ.. حصدتُ أقلَّهْ، ستون موتاً بي وبعدُ مراهقٌ
شَيِّبْ سِوايَ.. فها دموعيَ طفلةْ، أنا وابن جنبيْ شاعرانِ إذا بكى
فينا الشتاء.. أضلَّني.. وأضلَّهْ، مطرُ المجانينِ.. الصبايا .. ضحكةٌ
سكرى الدلالِ.. وخصلةٌ مُبْتلّةْ وسُرىً بليلٍ ما تنهُّدُ قُبلَةٍ!
من بازغٍ.. شَبِقِ الحنان.. مُدَلَّهْ، قَدَّ القميصَ أمام شهوةِ غيمةٍ
واختار عُريَ العاشقينَ.. مَظلّةْ، في شارع الدنيا انكسرت غمامةً
سمراءَ.. تبتزُّ العذابَ لعلَّهْ، عُتباكَ يا وجعَ الخيالِ.. براءتي
ظنَّتْ مراهقةَ السؤالِ.. أدِلّةْ، في القلبِ تندلعُ القصيدةُ بغتةً
ويهُبُّ نَعناعٌ.. وتَلثغُ نحلةْ، يَقتادُ ضوءٌ ما جناحَ فراشةٍ
من غصن زيتون وراء التلّةْ، مطرٌ على الأقصى الدموع سلالمٌ
نحو السما.. والله يُمدِدُ حبلَهْ، خُذني لأندلسِ الغيابِ.. فربّما
تعبَ الحصانُ.. وتلك آخرُ صهلةْ، لا أحمل الزيتونَ في المنفى معي
وشراءُ زيتِ المُترفينَ.. مَذَلَّةْ، أُعطي الشتاتَ هُويَّتينِ.. وبسمةً
وليَ الدموعُ.. الحزنُ يعرفُ أهلَهْ، رَجْعُ الكمانِ.. أخو المكانِ.. وأختُه
وأنا على مرمى الحنينِ.. مُوَلّهْ، للهِيلِ بوصلةُ الحنان.. وتائهٌ
تَكفيهِ قَهوةُ أمِّهِ.. لتدُلَّهْ، هذا العشاءُ العائليُّ.. مُؤجَّلٌ
دهرينِ.. جوعُ الغائبين تألَّهْ، القلبُ غِمدُ الذكرياتِ.. مَنِ الذي
أفضى لسيفٍ في الضلوعِ وسَلّهْ؟! كنْ أنتَ صوتُ الأمَّهاتِ مُمزّقاً
بالدمع.. أشرَفُ مِن نشيدِ الدولةْ وقميصُ أرملةِ الشجاعِ.. مُخضَّباً
بالشوقِ.. يُرعِبُ رايةً مُحتلّةْ، لدماءِ طفلٍ في شوارع غزَّةٍ
أَقِمِ الصلاةَ.. فكلُّ طفلٍ قِبلةْ، كُنّا نحبُّك قاسياً وتحبُّنا جرحى
يُضمِّدنا الحنانُ.. بجملةْ، نحن اقترحنا الأبجديةَ.. بلسماً
فلِمَ انذبحتَ أمامَ حرفِ العلةْ؟ نَمْ في سرير الشعرِ نومَ فراشةٍ
قاسٍ هواك.. ولو رماكَ بقُبلةْ، سيُحبُّنا بعد السلامِ عدوُّنا
برصاصتين ووردتين، فقلْ لَهْ: أنتَ ابنُ عمِّ الآخرينَ وربَّما
كنتَ ابنَ عمي قبلَ ألفِ جِبِلّةْ ولربّما بعدَ السفينةِ.. لم يكن
نوحٌ أباً يَعْرَى ويَلعنُ نسلَهْ، أَأحبَّ إبراهيمُ مصرَ؟ وهل بكى
قمرَ العراقِ؟ وهل رأى رامَ الله؟ من أنتَ، من يعقوبَ؟ كيف كَذبْتَهُ
وصَدَقتَ ذئباً فيكَ يَغدرُ نَجْلهْ؟ كيف انتزعتَ قميصَ حبِّكَ عن دمي
في جبِّ يوسفَ والقميصُ الرحلةْ؟ هل بعتَهُ في الريحِ.. ذاتَ خيانة؟
وهلِ اكتفيت من الجمالِ.. بعُمْلةْ؟ لي من سليمانَ الحكيمِ مروءةٌ
في قوةٍ ليست تُسيءُ لنملَةْ ومحمّدٌ كلٌّ .. وحبٌّ كلٌّ
فإذا كرهتَ .. خسِرتَ حبَّك كلَّهْ، الخوفُ يابنَ. الخوفِ لحنٌ ناقصٌ
في الضوءِ.. لونُ قصيدةٍ مختلّةْ، أقوى انتصاراتِ الحديدِ.. هزيمةٌ
والبندقيّةُ مومسٌ مُنحلّةْ، اذهب لخوفكَ فيك.. وحدَك
عارياً مِنْ أيِّما كِبْرٍ وأيَّةِ ذِلّةْ، يمضي الرمادُ.. إلى الرمادِ.. ودائماً
قمرٌ يضيء.. ونحنُ بِضعُ أهلّةْ، فاسمعْ عدوَّك فيكَ.. واسمعْ آدماً
لترى .. تريدُ عناقَهُ.. أمْ قتلَهْ..؟
قصيدة بانت سعادة
شدوا سروج جيادكم وجيادي
لتزغرد السمراء بنت بلادي
هذا الفتى ذو السبع عشرة ركعة
والأسود العينين دون سواد
ولدته سيدة اللغات قصيدة
عربية الأسبابِ، والأوتاد
فصحاه من أقصى الصعيد وصوته
قبلات مصر على جبين الضاد
بانت سعاد من المجاز سبقتهُ
كي استرد من المجاز سعادي
لي سجدة عند النبي وبردة
ومن الحجاز ل طنجة إنشادي
من أول العشرين أرفع أحرفي
فوق الهزيمة والجمال عتادي
أو كلما اقترب المكان نأى بنا
وحش الزمان فمن يد لأياد
لا نشتكي الأبعاد أوجع غربة
هي غربة الأرواح في الأجساد
أبناء أمي كيف ينجو شاعر
من دينِه للحبِّ دونَ سدادِ؟
آمنتُ حتى النزف إصبعُ طفلةٍ
تكفي لتهزم أعصرَ استبدادِ
أحتاجُ أن آبكي بقلبٍ باسمٍ
كالشمعِ حين َيضيءُ دونَ حِدادِ
أُصغي إلى صمتِ الشهيدِ يقول لي:
إنَّ الكتابةَ حالةُ استشهادِ
كذِبَ المؤرخُ حين قالَ محايدا:
ضَعْفُ الفريسةِ فتنةُ الصيَّادِ
هذا الوقوفُ على الحياد خيانةٌ
والشِّعرُ مثلُ الحبِّ غيرُ حيادِيْ
قَدَرُ القصيدةِ أنْ تُؤرخَ وحدها
وجعَ الضحيةِ لا يد الجلادِ
أنا لا أطيع الشعرَ حين يطيعني
حتى أدينَ بطاعةِ النقَّادِ؟
يجري دمي أعلو كما يعلو دمي
فيكاد ينبضُ قلبُ كلِّ جمادِ
في وقفة الميدان قلت لنائم
نومَ الخيانة في سرير فسادِ
نمْ ملءَ رعبِكَ عين ُ شعبِك لم تنمْ
إلا منامَ السيفِ في الأغمادِ
جئناكَ من وجعِ السنينِ جراحُنا
عريانةُ الصرخاتِ دونَ ضِمادِ
قلنا لك: ارحلْ فابتسمت لنا دما
بيدينِ من وحشيةٍ ورمادِ
من أي أودية الجحيم أتيتنا
باللص والدجال والقوّاد
أطلقْ ضِباعَك ما استطعتَ بلحمِنا
فلنسمعنَّكَ زأرةَ الآسادِ
أمُّ النبوَّاتِ القديمة أرسلتْ
موسى إلى فرعونَ ذي الأوتادِ
هي مصرُ فاخلعْ كبرياءَك صاغرًا
هذا الترابُ لراكعٍ سَجّآدِ
وطنٌ تُتِمُّ الشمسُ فيه صلاتَها
ضوءًا يشعُّ بِجبهةِ العُبّادِ
هي مريمُ العذراءُ أو هي هاجر
في وحشة الصحراء حين تنادي
أمي وأمُّ المؤمنينَ وأمةٌ
في رَكْبِ إبراهيمَ وهْوَ الحادي
ظمئت بهاجر وهي تسقي طفلَها
بشرى الكرامةِ بالنبي الهادي
هل كان يكفي أن نضيءشموعَنا
حول المسيح بليلة الميلادِ
هل كان يكفي أن يطل محمد
في ليلة الإسراءِ فوقَ الوادي
فرعون أغرقناه وهو محنط
في المتحف المصري من آباد
يوم لمصر ومصر يوم من دم
نمشي إليه ولو على الأكباد
هو صبرُ أيوبَ الطويل وصبرنا
للشامتينَ بحزنِنا الوقّادِ
لم تُحصِ دمعتَهم كما أحصيتَهم
ونسيْتَهم في دفترِ التّعدادِ
كَبروا بعيدا عن مزادِك كلما
جاعوا لتطغى إثْرَ كلِّ مَزادِ
فُقرا وعاديونَ لم تنظرْ لهم
وسيدهشونَك بالجمالِ العادي
سيعلمونك أن طيش ينايرٍ
هو حكمةُ الأجدادِ في الأحفادِ
ستكون معركة الربيع طويلة
قل للخريف: عناده لعنادي
في الصيف ابتكر الشتاء قصيدةَ
مَطريةً كونيةَ الأبعادِ
يا صيف طيبني الهجير فردَّني
رطبًا جنيا في نخيل الوادي
عتباك والفقراء أبناء السما
ألا تقر عيونهم من زادي
عصرتهم السبع العجاف وحظهم
جوع السنابل في يد الحصاد
هي عين أمي أن تنام قريرة
وأمسح ظلال اليتم عن أولادي
قل لابنتي السمراء، قل لحبيبتي:
ابتسمي فبين البسمتين وسادي
تعبت خطايَ ولا أزال مسافرا
في الضوء حتى آخر الآماد
ولعل طلقة قاتلي قد أبطأت
لأتمَّ لاسمِ الجنةِ استعدادي
لو طاوعتني الأبجدية عاشقا
لكتبتُ فيك نَشِيْدَةَ الإنشادِ
ولقلتُ لابن زريق لا تكتبْ معي
نهرُ الفراتِ يفيضُ فوق مِدادي
ما زرتُ في المنفى البعيدِ مدينةً
إلا وتسبقُني لها بَغدادي
تتخوفينَ الفقد أقتل عادةٍ
أنْ توجعي فقدًا وأنْ تعتادي
يدكُ ..الحنانُ يدُ الأمومة طيَّبتْ
ليدِ الطفولةِ كعكةَ الأعيادِ
ويدي أحنُّ من الحنين وغربتي
بأس الحديدِ بساعدِ الحدَّادِ
وكطائِرين مُصفَّدين بضمةٍ .
حُريتانِ ونحنُ في الأصفادِ
قد نلتقي في الشوق حتى نلتقي
بالشوق في مدن بلا أحقاد
قرب الخليج بلا سيوف قبائل
أو في دمشق بلا حروب رماد
في أم درمان الصبابة والصبا
في قبلة النيلين ذات ودادِ
في تونس الخضراء في وهران
في صنعاء في بيروت في بغداد
ولربما شهق الخيال لنلتقي
في القدس أو بكنيسة الميلاد
أو في الجمال المغربي متوجا
بقصائدي ومكحلا بسهادي
وطني هو المنفى وأنت بعيدة
فإّذا التقينا فالبلاد بلادي