أجمل قصائد أحمد عبدالمعطي حجازي
يعتبر الشاعر والكاتب أحمد عبدالمعطي حجازي، واحد من أشهر الشعراء في مصر والوطن لعربي، ولد في تلا المنوفية، مصر 1935، وفي 1948 التحق بمدرسة المعلمين بشبين الكوم وتخرج عام 1955، عمل في الصحافة ابتداء من سنة 1956 ، وخلال السطور القادمة مجموعة من أشعار أحمد عبدالمعطي حجازي.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
أشعار أحمد عبدالمعطي حجازي
1
على المرآةِ بعضُ غبارْ
وفوق المخدع البالي ، روائح نومْ
ومصباحٌ .. صغيرُ النارْ
وكلُّ ملامح الغرفهْ
كما كانت ، مساء القبلةِ الأولى
وحتى الثوب، حتى الثوبْ
وكنتِ بحافةِ المخدعْ
تردّين انبثاقةَ نهدكِ المتْرَعْ
وراءَ الثوبْ
وكنت تريْنَ في عيني حديثاً.. كان مجهولاً
وتبتسمين في طيبهْ
وكان وداعْ
جمعتُ الليلْ في سمتي
ولفّقْتُ الوجوم الرحبَ في صمتي
وفي صوتي
وقلت.. وداعْ!
وأقسم، لم أكن صادقْ
وكان خداعْ!
ولكني قرأتُ روايةً عن شاعرٍ عاشقْ
أذلَّته عشيقتُه، فقال.. وداعْ!
ولكن أنت صدَّقْتِ!
*
وجاء مساءْ
وكنتُ على الطريقِ الملتوي أمشي
وقريتُنا.. بحضن المغربِ الشفقِي
رُؤَى أفقِ
مخادعُ ثرّةُ التلوينِ والنقشِ
تنام على مشارِفها ظلالُ نخيلْ
ومئذنةٌ.. تَلوَّى ظلُّها في صفحة
التّرعَهْ
رُؤيً مسحورةٌ تمشي
وكنت أرى عناقَ الزهرِ للزهرِ
وأسمع غمغماتِ الطيرِ للطيرِ
وأصواتَ البهائم تختفي في مدخل
القريهْ
وفي أنفي روائحُ خصبْ
عبير عناقْ
ورغبةُ كائنيْنِ اثنينِ أن يلدا
ونازعني إليك حنينْ
وناداني إلى عُشِّكْ
إلى عشّي
طريقٌ ضم أقدامي ثلاثَ سنينْ
ومصباحٌ ينوّر بابَكِ المغلقْ
وصفصافه
على شُبّاككِ الحرّان هفهافه
ولكنّي ذَكرْتُ حكايةَ الأمسِ
سمعتُ الريحَ تُجهش في ذُرى الصفصافْ
!يقولُ.. وداعْ
*
ملاكي! طيريَ الغائبْ!
حزمتُ متاعيَ الخاوي إلى اللُّقمهْ
وفُتُّ سنيني العشرين في دربك
وحنّ عليّ ملاّحٌ، وقال.. اركبْ!
فألقيتُ المتاعَ، ونمتُ في المركبْ
وسبعةُ أبحرٍ بيني وبين الدارْ
أواجه ليليَ القاسي بلا حبٍّ
وأحسد من لهم أحبابْ
وأمضي.. في فراغ، باردٍ، مهجورْ
غريبٌ في بلادٍ تأكل الغرباءْ
وذات مساءْ
وعمرُ وداعِنا عامان
طرقتُ نواديّ الأصحاب، لم أعثر
على صاحبْ!
وعدتُ.. تَدعُنّي الأبوابُ
والبوّابُ، والحاجبْ!
يدحرجني امتدادُ طريقْ
طريقٍ مقفرٍ شاحبْ
لآخرَ مقفرٍ شاحبْ
تقومُ على يديه قصورْ
وكان الحائطُ العملاق يسحقني
ويخنقني
وفي عيني.. سؤالٌ طاف يستجدي
خيالَ صديقْ
ترابَ صديقْ
ويصرخ.. إنني وحدي
ويا مصباحُ! مثلك ساهرٌ وحدي
وبعْت صديقتي.. بوداعْ!
*
ملاكي! طيريَ الغائبْ!
تعاليْ.. قد نجوعُ هنا
ولكنّا هنا اثنانِ!
ونعري في الشتاء هنا
ولكنّا هنا اثنانِ
تعَاليْ يا طعامَ العمرْ!
ودفء العمرْ!
تعاليْ لي
2
الموت في الميدان طَنٌ
الصمت حطَّ كالكَفَنْ
وأقبلتْ ذبابة خضراءْ
جاءت من المقابرِ الريفية الحزينة ْ
ولَوَلَبَتْ جناحها علي صبيٌ مات في المدينة ْ
وما بكت عليه عين ْ
الموت في الميدان طنَّ
العجلات صَفَّرت، توقفتْ
قالوا: أينْ مَنْ؟
ولم يجبْ أَحَدْ
فليس يعرف اسمَه هنا سواه ْ
يا ولداهْ
قيلت، وغاب القائل الحزينْ
والتقت العيون بالعيونْ
ولم يجبْ أحدْ
فالناس في المدائنِ الكبري عَدَدْ
جاء ولدْ
مات ولدْ
الصدر كان قد هَمدْ
وارتدٌ كف عضَّ في الترابْ
وحملقتْ عينانِ في ارتعابْ
وظلتا بغير جَفْنْ
قد آن للساقِ التي تَشرَدتْ أن تستَكِنْ
وعندما ألقوْه في سيارة بيضاءْ
حامت علي مكانِهِ المخضوبِ بالدماءْ
ذبابةْ خضراءْ
أجمل قصائد أحمد عبدالمعطي حجازي
3
كان الحنينُ مَدى عَذْبا، وكان لنا
من وجهها كوكب في الليل سيارُ
هذا دخان القِرى، مازال يتبعنا
وملء أحلامنا زرعٌ، وأجنحة ٌ
وصبْية ٌ
وطريقٌ في الحقولِ إلي الموتَى
وصَبَّارُ
فملتقى الأرضِ بالأفقِ الذي اشتعلت
ألوانهُ شفقا
فالقاطرات التي غابت مولولةَ ً
في بؤرة الضوءِ
فالحزن الذي هَطَلَتْ
عليَّ أمطارهُ يوما
فصِرت إلي طيري
وسافرت من حزنِ الصبيٌِ إلي
حزنِ الرجالِ، فكلّ العمرِ أسفارُ
يا صاحبِيٌ قِفا!
فالشمس قد رجعت
ولم تَعِد بغَدٍِ
كلّ المقاهي انتظارٌ ساءَ ما فَعلَتْ
بِنَا السنون التي تمضي
ونحن علي موائدٍ في الزوايا
ضارعين إلي شمس تخلَّلتِ البللٌورَ واهنة ً
ولامَستْ جلدَنا المعتل، وانحسرتْ
عَنٌَا إلي جارنا
فما نَعِمْنا، ولم يْنَعم بها الجارُ
يا صاحبيّ
أخمرْ في كئوسِكما
أَمْ في كئوسكما هَمٌّ وتَذكارُ!
وما الذي تنفع الذكري إذا نَكأَتْ
في القلب جرحا، علمْنا لا دواء لهُ
حتي نعودَ
وما يبدو أن اقتربتْ
أَيَّام عودِتنا، والجرح نَغَّارُ
ها نحن نفرِط فوق النهرِ وردتَنا
وتلك أوراقها تنأي، ويأخذها
ورادَ أحلامِنا موجٌ وتيارُ
يا صاحبيَّ
أحقا أنَها وسِعَتْ
أعداءَها
وجفَت أبناءَها الدارُ؟
لو أنَها حوصرت حتى النهايِةِ
حتى الموتِ، لو سحَبَتْ
علي مفاتِنِها غلالة من مياهِ النيلِ
واضطَجعتْ في قاعِهِ
لو سفَتْها الريح فانْطمَرَتْ
في الرمِل وانْدلعَتْ
من كل وردةِ جرح وردة ٌ
فالمدى عشب ونجوَّارُ
هذا دخان قراها يقتفي دَمَنا
ومِلء أحلامِنا زرع، وأجنحة
ومِلء أحلامِنا ذئب نَهَشّ لهُ
نسقيه من كأسنا الذاوي
ونسألهُ عنها
وننهارُ!
4
يقبل الوقت ويمضي
دون أن ينتقل الظلُّ
وهذا شجر الأسمنت ينمو
كنبات الفِطْرِ
يكسو قشرة الأرضِ
فلا موضعَ للعشبِ
ولا معني لهذا المطر الدافقِ
فوق الحجرِ المصمَتِ
لا ينبت إلا صدأ
أو طحلبا دون جذورْ
تقبل الريح وتمضي
دون أن تَعْبرَ هذا الصمتَ
أو تقوي علي حمل استغاثات القري
والسفن الغرقَي
وهذا شجر الأسمنت في كل مكانِ
يتمطَي ، ويخورْ
كالشياطينِ
ويصطاد العصافيرَ التي تسقط كالأحجارِ
في أجهزِة الرادارِ
أو تشنق من أعناقها الزّغبُ
علي أَسلاكِ آلات استراقِ السَمعِ
في تلك السموات التي نعرف من شرفاتنا
أن العصافير تموت الآن فيها
حينما يرتطم السربُ
فتهتز قرون المعِدنِ الوهَاجِ في الضوءِ الأخيرْ
يقبل الليل ويمضي
دون أن نشبع من نومٍ
وهذا شجر الأسمنت يلتفّ علينا
والمواليد الذين اعتاد آباؤهمو الصمتَ
يجيئون قصارا
ناقصي الخلقةِ
لا يخرج من أفواههم صوتٌ
ولا تنمو خِصاهم
والنفايات التي تلفظها الشهوة في كل صباحِ
سأَما، لا شَبَعَا
توضع أكداساَ علي الأبوابِ
والآلات تلقي غيرها زبدا، وخَمْرا
في النهيرات التي تفضِي إلي الباعِة
والأرض تدورْ
5
شمس تسقط في أفق شتويْ
شمس حمراءْ
والغيم رصاصيٌْ
تنفذ منه حزم الأضواءْ
وأنا طفل ريفيَ
يدهمني الليلْ
كانت سيارتنا تلتهم الخيطَ الأسفلتْ
الصاعدَ من قريتنا لمدينتنا
حين تمنيتْ
لو أني أقذف نفسي
فوق العشب المبتلْ
شمس تسقط في أفْق شتويٌ
قصر مسحورْ
بوابة نورْ
تفضي لزمان أسطوريَ
كَفَّ خضبت بالحناءْ
طاووس يصعد في الجوزاءْ
بالذيل القزَحٌي المنشورْ
في الماضي كان الله
يظهر لي حين تغيب الشمسْ
في هيئةِ بستاني
يتجول في الأفق الورديَ
ويرشّ الماءَ علي الدنيا الخضراءْ
الصورة ماثلة ٌ
لكن الطفلَ الرسامْ
طحنته الأيامْ