أجمل قصائد رياض الصالح الحسين مكتوبة
رياض الصالح الحسين هو شاعر سوري من أميز شعراء قصيدة النثر في سوريا والعالم العربي الحديث وهو من مواليد درعا، سوريا في 10 مارس 1954 وتوفي في عام 1982، بعد أن أثرى عالم الشعر بمجموعة من أجمل القصائد والدواوين. وفي هذا المقال نستعرض مجموعة من أجمل وأشهر قصائد رياض الصالح الحسين مكتوبة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
قصيدة الرجل السيء
تعد قصيدة الرجل السيء من أشهر قصائد رياض الصالح الحسين وتقول:
"الموت! فن، ككل شيء آخر وأني أتَّقنه تمامًا" سيلفيا بلاث
وأذكر أنَّ المرأة الزرقاء عندما رأتني أبكي جثثًا وفقراء قالت:
عيناك مرآتان لخمسين قارَّة من الوجع والانتظار
وقالت المرأة التي ترتدي العاصفة والوحوش: أنت تعرف الكثير
عن صبايا الأزقَّة المغلَّفات بالأقفال البلاستيكيَّة الملوَّنة والأطفال الأغبياء
المتمسِّكين بالأحصنة الخشبيَّة ونهود الأمَّهات وقالت المرأة بعد أن فتحت شاشتي عينيها:
(كان ثمَّة عاشق يرعى فيهما شجرًا ومعتقلات) يداك قاسيتان ووديعتان وأصابعك نحيفة ومعذَّبة
فهل لمست بهما الرغيف الثمين أو الشفاه الرماديَّة المرتعشة؟ هل قبضت على العالم؟
وقالت المرأة لي: أنت تهذي كثيرًا بأسماء الأسماك والأعشاب البحريَّة
وتفتح مملكة دماغك ليل نهار لقوافل الغجر التائهة وتمزِّق بأظافرك لحم الأبواب
والجدران السميكة فأيّ الأشياء أحبّ إليك: أن تمضغ بشراسة رؤوس العصافير؟
أو أن تكسّر الصحون والموائد المصنوعة من خشب الجوز؟ وقالت لي أيضًا
وهي تنظر إلى الرأس المشوّه المتوتّر في لوحة لسعد يكن: أمك بجانبك تنحني عليك كيمامة
وأصدقاؤك يقبلون في المناسبات وأنا أدفئك في ليالي تشرين الباردة وأرسل إليك الأحلام الشاسعة
والمكاتيب فماذا تطلب غير ذلك؟! أتريد أن تفجّر النبع؟ أم تودّ أن تحرث المجرّة؟
وقالت المرأة القاسية: ابتكر لك الدنيا.. خمسة جدران بيض وسريرًا أبيض ووردة بيضاء في كأس:
وكان يمكن أن أبتكر نعشًا أنا الرجل السيء لفاطمة العنيفة ونزيه الخائف والبحر التعيس
للأقفال الكريستالية السوداء، للقرى الصاخبة بالعنب والديوك والبطون المقعرة
للأغاني الممزقة في سلة المهملات للمعاملات العقارية المبطنة بالأختام
لحبوب الأسربين والعشاق لمصارعي الثيران الأذكياء في إسبانيا للمجرفة الصلبة
والفلاح الرقيق للدم الأخضر ومرتزقة الانقلابات أنا الرجل السيء كان عليّ أن أموت صغيرًا
قبل أن أعرف المناجم والدروب المرأة التي تغسل يديها بالعطور والملك الذي يزيّن رأسه بالجماجم
الولد الخبيث ذا اللثة الطرية الذي يقشر الحليب من البكتيريا والحروب من الانتصارات
أنا الرجل السيء كان عليّ أن أموت صغيرًا قبل أن أعرف الأشجار الإرهابية ومافيا السلام
وفاة بائع المرطبات على سكة القطار والغجرية التي أهدتني تعويذة وقبلة وكثيرًا من الأكاذيب
أنا الرجل السيء كان عليّ أن أموت صغيرًا قبل أن تفترسني الوردة
وينحت الفنان النظيف من عظامي القلائد والأقراط: الفنان النظيف والوردة النظيفة
يرسم الفنان النظيف الوردة النظيفة في حجرة ممتلئة بزجاجات البيرة والعرايا
لافتة الفنان النظيف الفنان النظيف يحب الوردة الحب للوردة والوردة للسكاكين
أيتها السكاكين المسكينة أيها الجسد الإنساني القذر أيتها الكلاب المعبأة بالمقانق والمحبة وعبير النعناع
أنا رياض الصالح الحسين عمري اثنتان وعشرون برتقالة قاحلة ومئات المجازر والانقلابات
وللمرة الألف يداي مبادتان: للمرة الألف يداي مبادتان كشجرتي فرح في صحراء الشمس
الشمس، الشمس الناضجة الشمس المدورة كنهد المنتشرة كالطاعون في القرن التاسع عشر
المضيئة كعيني طفلة بقميص شفاف على البحر الشمس، الشمس تمرّ بأسنانها على عنقي اليانع
وتقضم أيامي كما يقضم الطفل تفاحة أو قطعة بسكويت فتنقفل يداي على صدري يداي
كخطى الجنود، مبادتان أسأل صديقتي (صديقتي لحم ودم وخراب)
في الشارع أسأل صديقتي (الشارع ضيق عندما نبكي قليل عندما نشتاق)
أسأل صديقتي: لماذا، للمرة الألف، نباد؟ منقطعان عن الحب ممتلئان بالخنادق
كامتلاء دمية بالقش وبعد قليل يغطي الغبار جسدينا بعد قليل نتشبث بغصن التعب
متعبان اليوم وربما غدًا، أيضًا، نكون متعبين فمي مباد ولذا لا أستطيع أن أسرقك من البرد
في المقهى ننام في الشارع نبكي من الحقل مطرودان من المدينة أيضًا
السيارة أداة للقتل وغصن الزيتون مشرط لاقتلاع جلدة الرأس
قصيدة قمر
قصيدة قمر من أجمل قصائد رياض الصالح الحسين، وتقول:
كل ما قاله الراعي للجبل والنهر للأشجار وكل ما قاله الناس وما لم يقولوه
في ساحات الرقص والمعارك قلته لك عن الفتاة التي تغنِّي في النافذة
والحصى الذي يتكسَّر تحت عجلات القطار والمقبرة التي تنام سعيدة منذ قرون
حدَّثتك زهرة جسدي، كل صباح أقطفها وألقيها في الشارع
ليطأها القادة والحكماء واللصوص وزهرة جسدي، كل مساء
أجمع تويجاتها المفتَّتة لأجمعها لك وأقول كل ما حدث لي مرَّة بجانبك
جلست وبكيت كان قلبي حقل أرز محترق وأصابعي تتدلَّى كألسنة الكلاب
في الصيف أردت أن أعَبِّرَ عنِّي بالحركات: أن أكسرَ كأسًا أن أفتحَ نافذةً أنا أنام
وما استطعت عماً أتحدَّث بعد ستة وعشرين عامًا أو بعد ست وعشرين طلقة في الفراغ؟
لقد تعبت من الكلام والديون والعمل لكنِّي لم أتعب من الحريَّة
وها أنذا أحلم بشيء واحد أو أكثر قليلاً: أن تصير الكلمة خبزًا وعنبًا طائرًا وسريرًا
وأن ألفَّ ذراعي اليسرى حول كتفك واليمنى حول كتف العالم وأقول للقمر: صَوِّرْنا!
قصيدة الحرية
قصيدة الحرية من أشهر قصائد رياض الصالح الحسين وتقول:
لا فائدة من الصراخ ما دام الصوت لا يخرج من زنزانة الفم
لا فائدة من البكاء ما دامت المناديل لا تكفي لتجفيف الدموع
لا فائدة من الطريق ما دامت الأقدام مدجَّجة بالسلاسل
لا فائدة من الثياب ما دام الجسد مملوءًا بالسكاكين
لا فائدة من الحبّ ما دامت القبلة جريمة قانونيَّة
لا فائدة من الرغيف ما دام القلب سيظلُّ جائعًا
لا فائدة منِّي ما دمت سأموت دون رغبة
وثمَّة فائدة لكلِّ هؤلاء عندما نمضغ عنب الحريَّة
قصيدة رغبات
أريد أن أذهب إلى القرية لأقطف القطن وأشمّ الهواء
أريد أن أعود إلى المدينة في شاحنة مليئة بالفلاحين والخراف
أريد أن أغتسل في النهر تحت ضوء القمر
أريد أن أرى قمرًا في شارع أو كتاب أو متحف
أريد أن أبني غرفة تتسع لألف صديق أريد أن أكون صديقًا للدوري والهواء والحجر
أريد أن أضع بحرًا في الزنزانة أريد أن أسرق الزنازين وألقيها في البحر
أريد أن أكون ساحرًا فأضع سكينًا في القبعة أريد أن أمدّ يدي إلى القبعة وأخرج منها أغنية بيضاء
أريد أن أمتلك مسدسًا لأطلق النار على الذئاب أريد أن أكون ذئبًا لأفترس مَنْ يطلقون النار
أريد أن أختبئ في زهرة خوفًا من القاتل أريد أن يموت القاتل حينما يرى الأزهار
أريد أن أفتح نافذة في كل جدار أريد أن أضع جدارًا في وجه من يغلقون النوافذ
أريد أن أكون زلزالاً لأهزّ القلوب الكسولة أريد أن أدس في كل قلب زلزالاً من الحكمة
أريد أن أخطف غيمة وأخبئها في سريري أريد أن يخطف اللصوص سريري ويخبئونه في غيمة
أريد أن تكون الكلمة شجرة أو رغيفًا أو قبلة
أريد لمن لا يحب الشجر والرغيف والقبلة أن يمتنع عن الكلام
قصيدة بين يديك أيها العالم
فلتأتِ إليَّ الآن، فلتأتِ إليَّ الآن الباب مفتوح والنافذة مفتوحة وكل ما هو لي وكل ما هو ليس لي
وكل ما رأيته وعشته وانتظرته ينتظرك الآن: المائدة والسرير والضوء ورائحة جسدي
العشب والأسماك والأزهار وقلبي كل شيء ينتظرك، كل شيء ينتظرك فلتأتِ إليَّ الآن
إنَّ الزمن لا يتغيَّر أبدًا إنَّ الزمن لم يتغيَّر قط فالصيف كالخريف والسبت يشبه الأحد والأربعاء
أمَّا الذي تغيَّر دونما انقطاع فهو نحن، نحن الذين نذهب إلى الحروب والمصانع والمراعي
ونبتكر كل ما له علاقة بنا: الرصاص والخبز السجون والحريَّة السجائر وأقلام الرصاص
السكاكين والورق والأغاني الألعاب والقيود والمبيدات الحشريَّة
إنَّنا نفعل كلّ ما نستطيع بين يديك أيُّها العالم بين يديك أيُّها العالم دمي يسيل الآن
يسيل وأراه يسيل ويتبعثر ويتشابك ويفترق ينحني وينكسر ويميل يسارًا ويمينًا
إنَّهُ دمي أيُّها العالم دمي الصامت الثرثار الذي يرسم بنفسه صورتي الشخصيَّة
ووجه من أحبُّ وأكره بين يديك أيُّها العالم متدفِّق ومنطوٍ بعيد وقريب
أتنقَّل من شارع إلى جدار ومن صديق إلى قاتل ومن أغنية إلى غبار
أتنقَّل وأتنقَّل حاملاً خضاري وقمحي وكراريسي بنادقي وزهوري وفراغي دونما راحة
ودونما تعب ذلك أنَّني أعيش لأتساءل أو أتساءل لأعيش: ما الذي فعلت بنفسك يا هاملت؟
وما الذي تنتظرينه يا بنلوب؟ وماذا أعطت لك الحياة يا سقراط؟ ولم تثير رعبنا يا هيتشكوك؟
وأنتَ يا أبي، أيُّها السكِّير، المريض، المقامر أيُّها الحالم، الطيِّب، المسكين
أما زلت تتناول عشاءك المعتاد بيضتين مسلوقتين قليلاً من الزبدة نصف رغيف وهمومًا كاملة
وأنتِ يا أمِّي، أيَّتها الشجرة التي لم تثمر غيري أما زلتِ تنامين باكرًا عاريةً إلاَّ من أوراقك الخضراء
الخضراء دائمًا بين يدي العالم؟. بين يديك أيُّها العالم: النافذة مشرعة وأنا وحيد (من يأتي إلى من)
الأضواء ساطعة وأنا معتم (من يضيئني من) السفر... السفر... السفر...
هو ما أريد الحريَّة... الحريَّة... الحريَّة هي ما أطلب
أن أضمَّ المرأة وأسحب القمر من أنفه إلى غرفتي أن أرقص وأرقص، وأرقص
حتَّى تتعب الموسيقى، أن أحملك أيُّها العالم أهدهدك كطفل وأزعل منك إذا أخطأت في الحساب
أن آكل وأعمل وأشرب وأتنفَّس كما يفعل المبدع الصغير الكبير الذي يزرع القمح بين الصخرة والصخرة
ويترك للطفل حريَّة الحركة والبكاء المبدع الصغير الكبير الذي يشبك يديه خلف ظهره في العطلات الأسبوعيَّة
سعيدًا ببنطاله النظيف وذقنه الحليقة ابنك أيُّها العالم ابنك الطويل، القصير، البدين، النحيل، الذكر، الأنثى
العاجز، العطشان، الخائف، المضيء، المتردِّد، المباشر، الصادق، البسيط، المغامر، المجنون
ابنك الذي من سهول وماعز ومطر كثيف الضائع بين سبارتاكوس ونيرون بين يسوع ويهوذا
الذي جرَّبَ كل شيء ولم يتوصَّل إلى شيء لأنَّهُ... لأنَّهُ ما زال بين يديك أيُّها العالم
وأنا أنتظرك الآن حزينًا كرسالة لم تصل ووحيدًا كفزَّاعة عصافير أنتظرك
وأعرف أنَّك معي رجلاً وامرأة وطفلاً طيرًا وموسيقى وغابة وطريقًا طويلاً
وسواء كنت في العمل أو البيت أو الشارع أراك وأعرفك أفتقدك وأسأل عنك
وأينما ذهبت سأتبعك وكُلَّما التقيتك سأهرب منك لكنَّني دائمًا... دائمًا أفتح لك الباب
وقلبي وأقول تعال قبّلني، قبّلني، قبّلني، قبّلني، قبّلني، قبّلني هذه أصابعي وهاتان عيناي
هذه أظافري وأنيابي وهذا هو جسدي دافئًا وبردان ومحمومًا وهذه هي نفسي فارغة
إلاَّ من الصخور والرمال وممتلئة بكل شيء وكل شيء لا يستطيع احتواءها حتَّى أنت
حتَّى أنت أيُّها العالم. بين يديك أيُّها العالم أعدُّ حروبي وهزائمي وانتصاراتي
وأسجِّلُ أسماء الجلاَّدين والضحايا أسماء العشاق والفاشلين والمغامرين والمضطهَدين
ولا أنسى اسمي، اسمي الوحيد، المتكرِّر، المتفرِّد الذي يعرفه الجميع ولا يعرفه أحد
محمود أو إلياس أو مريم رياض أو سوزان أو عادل، ما الذي يهمّني من ذلك؟
فالجميع يحبُّون ويكرهون ويزورون المقابر (على الأقلّ مرَّة واحدة بعد عمر مديد)
والجميع عندما ينامون، ينامون بطريقة واحدة ومختلفة ولذلك لا نختلف في شيء
سوى أن بعضنا ينام بعين مفتوحة وبعضنا لا ينام أبدًا
وبعضنا ينام دائمًا: في قبر، أو حانة، أو وظيفة في صحيفة، أو كتاب، أو متحف والجميع
الجميع يملكون الأيدي والرقاب والصدور والذكريات غير أنَّ بعضهم لا يملكون القلب
وبعضهم قلوبهم سوداء وبعضهم رموا قلوبهم في البالوعات واستراحوا
استراحوا بين يديك أيُّها العالم بين يديك أيُّها العالم أدور، وأدور، وأدور كدواليب الحظ
ثمَّ أتوقَّف على رقم لا علاقة لي به وسواء كنت ورقة يانصيب خاسرة أو رابحة
وسواء كنت رقمًا أحاديًّا أو مزدوجًا فالحصان الخاسر لن ينال الجائزة والحصان الرابح
لن يجني سوى القليل أو الكثير من التبن والذرة أمَّا الرابح الوحيد فهو الذي يملك الحصان
ويقوده ويوجِّهه الرابح الوحيد صاحب المهماز والسوط والقبضتين الفولاذيَّتين
وأنا ملكك أيُّها العالم أنا جوادك الخاسر ونحن ملكك أيُّها العالم نحن جيادك الخاسرة
ننطلق، وننطلق، وننطلق وأخيرًا إلى الإسطبلات نعود. بين يديك أيُّها العالم
المدراس = القتل الأصدقاء = النميمة الثقافة = الكذب التاريخ = التكرار والدولة
هي الدولة بين يديك أيُّها العالم نحن لسنا سعداء بين يديك أيُّها العالم نحن لسنا تعساء
نحن لا شيء البتَّة هذا ما يقوله النسيم وهذا ما تقوله أمريكا بين يديك أيُّها العالم نردِّد الكلمات
الحريَّة... الحريَّة... الحريَّة الخبز... الخبز... الخبز الحب... الحب... الحب
إنَّنا نردِّد الكلمات منذ توت عنخ آمون وحتَّى آخر جثَّة في بيروت الشرقيَّة
الخبز أيَّتُها الأمم المتَّحدة والمتفرِّقة الحب أيُّها الله الحريَّة أيَّتُها الأصفاد
والأسلاك الشائكة والحياة... الحياة بين يديك أيُّها العالم
قصيدة حيث في كل خطوة قمر مكسور
قصيدة حيث في كل خطوة قمر مكسور من أفضل قصائد رياض الصالح الحسين. وتقول:
لقد بدأنا نعرف ما معنى الزمن عندما نعود إلى البيت وحيدين متشابكي القلوب والأصابع
بدأنا نعرف ما تعني الصخور النائمة في البحر الشمس النائمة في السماء والأغاني النائمة في المقبرة
بدأنا نعرف لماذا ننام ونأكل ونسير في الشوارع بلا هدف حيث في كلّ خطوة قمر مكسور
حيث في كلّ كلمة قبلة مذبوحة حيث في كلّ (صباح الخير) طلقة مخبأة لم نستطع أن نمزِّق بها دماغ صيَّاد
لقد بدأنا نعرف ونفكِّر ونتألَّم بشكل حسن محاولين أن نقول للفتاة الجميلة:
(هذه المظلَّة لا تصلح للوقاية من النار هذا الثوب لا يصلح للقيام بنزهة إلى الغابة
هذه الأصابع لا تصلح لمداعبة قطَّة وهاتان العينان المليئتان بالسنابل لا تصلحان لرؤية الجوع
وهو يتقلَّب بعنف فوق فراش شائك، ها هنا كل شيء مريض: البشر والحيوانات والأزهار
القوانين والدول الآلهة الطيِّبة والشياطين الشرِّيرة الذين رحلوا عنَّا والذين ما زالوا يتشبَّثون بنا
مثلما تشبَّث السندباد بجسم حوت بليد معتقدًا أنَّه صخرة وها نحن نغوص مرضى ومعذَّبين ومُتعبين وجوعى
في هذه الهاوية الرحبة التي اسمها (حياتنا) نعرف ونفكِّر ونتألَّم بشكل حسن نعرف لون الأفق في السادسة صباحًا
لون الطفل وهو يغادر صباحه إلى الأبد ولون الصباح الذي لا يزورنا إلاَّ عندما نشعر بحاجة إلى النوم
أنت، اخلع عنك الحياة وأذهب بصراحة إلى الموت، الموت يا عزيزي سمكة لن تقبض عليها
إلاَّ إذا كانت يداك جافَّتين ومشاعرك حافية أنتِ، اخلعي حياتك وأوقدي شمعة ولا تفكِّري كثيرًا
بشهداء الأقاليم لا تفكِّري بالبحَّارة التعساء ولا بالقرصان الجميل ولا تفكِّري بإفريقيا الخضراء
ولا بآسيا الرماديَّة لا تفكِّري بالبجع ولا بالتماسيح لا بالنهر و لا بالزورق
فقط اتركي نفسك بهدوء قرب شمعة بذاكرة بيضاء وقلب صافٍ ولنحاول معًا أن نعرف
ما معنى الزمن عندما، كجنديٍّ مسكين يمدُّ ذراعه السليمة طالبًا منَّا صدقة جنديّ مسكين
أو امرأة نحيلة على السرير العاري كانا يموتان (بهدوء... بهدوء... بهدوء)
تفتح المرأة عينيها وتنظر إلى الجندي بدهشة يفتح الجندي ساعديه ويضمُّ المرأة بخوف بدهشة
وخوف كانا يموتان والعالم حولهما يتداعى ويختفي والناس الناس الوادعون الطيِّبون الأبرياء
حتَّى رؤوس أصابعهم كانوا ينظرون إليهما بلامبالاة وحينما انتفض الجندي وطلب سيجارة
وحينما انتفضت المرأة وأعطته السيجارة فتح الهواء الباب وأطفأ عيدان الثقاب...
أنا رجل مسكين وأنتِ امرأة نحيلة أنا بعيد وأنتِ مثلي، مثلي، مثلي بعيدة يداك الملوَّثتان بالحبّ
لا تغسليهما الوحش المقتول في قلبك اتركيهِ هناك يتفصَّد موتًا دثِّريه بالأغاني وضعي يديه فوق صدره
وغدًا، أو اليوم، عندما تصبح الحريَّة كالهواء مباحة عندما يتداعى الأباطرة كالجدران القديمة
عندما يمتلك الجميع قليلاً من الرصاص وكثيرًا من القلب وغدًا، أو اليوم، عندما نعرف ونفكِّر
ونتألَّم بشكل حسن وغدًا، أو اليوم، سنحاول أن نسير في الشارع نتكلَّم بغبطة وبلا خجل
ووحيدين نعود إلى البيت متشابكي القلوب والأصابع وللشجر أن يكون أشد اخضرارًا
وللبحر أن يكون أشد اتِّساعًا ومثلما يحقُّ للسكِّين أن يكون حادًّا ومؤلمًا فللخطيئة الجميلة حقّها
في أن تتكاثر كالأرانب حيث في كلّ خطوة قمر مكسور حيث في كلّ كلمة قبلة مذبوحة
قصيدة الولد النائم
قبل أن يذهبَ للحرب مضى نحو السرير أغلق عينيه ونام
رأى فيما يرى الأولاد سهلاً فسيحًا تركض الغزلان فيه
سربًا من عصافير وأشجارًا من الدراق أزهارًا لها هيئة أقمارٍ
رأى نهارًا واسعًا جدًا ومن أقصى النهار جاء رجل يسعى ألقى على الطفل قميصًا من دمٍ
فاختفى السهل وماتت الغزلان والأشجار، اختفى النهار، قال الولد الجميل: لا بأس
أغمض عينيه بعينيه ونام رأى عشرين ملاكًا يهبطون قربه سألهم: هل تأكلون البرتقال
هل نستطيع أن نلعب لعبة الهرّة والفأر أختبئ الآن فوق سريري جديني أيتها الهرّة/الملاك
ومن أقصى السماء جاءت القنبلة فوق سرير الولد الجميل طار الملاك وماءت الهرة
حينما رأت إصبع طفل في التراب قال الولد الجميل: لا بأس، لا بأس عاد إلى السرير متعبًا أغمض عينيه بعينيه
ونام.. رأى فيما يرى الحالم أسماكًا على الجدران ذئبًا يسبح في البركة تمساحًا يعود للملهى وامرأة تنتظر الربّ
أمام قصر العدل صاح الولد الجميل: لا أريد أن أرى شيئًا أريد أمي وزجاجة الحليب والقماط
قال الولد الجميل شيئًا ليس حسنًا جدًا وليس سيئًا جدًا: "عاش البط عاش النهر عاشت الهرّة
عاشت الأشجار عاشت أختي وأخي ولتسقط الدبابة. أغلق عينيه بعينيه ونام أبدًا
قصيدة غرفة صغيرة وضيقة ولا شيء غير ذلك
غرفة صغيرة صالحة للحياة غرفة صغيرة وضيِّقة صالحة للموت
غرفة صغيرة ورطبة لا تصلح لشيء غرفة صغيرة فيها:
امرأة تقشِّر البطاطا واليأس عامل باطون لا ينام أبدًا بنت تبكي كثيرًا بدون سبب
وأنا ولد مشاكس وغير لئيم لديَّ كتب وأصدقاء ولا شيء غير ذلك
ومنذ أن ولدت بلا وطن ومنذ أن أصبح الوطن قبرًا ومنذ أن أصبح القبر كتابًا
ومنذ أن أصبح الكتاب معتقلاً ومنذ أن أصبح المعتقل حلمًا ومنذ أن أصبح الحلم وطنًا
بحثت عن غرفة صغيرة وضيِّقة أستطيع فيها التنفُّس بحريَّة
إنَّني أتنفَّس بحريَّة في غرفة صغيرة وضيِّقة أخلع ثيابي وأنام أخلع فمي وأتكلَّم أخلع قدمي
وأقوم بنزهة تحت غبار السرير مفتِّشًا عن بقايا أطعمة وقطط تحبُّ المداعبة
على الرف في الغرفة كتب وأصدقاء وهناك أيضًا حزمة جافَّة من البرسيم صورة لغيفارا
ولوحة سوداء لمنذر مصري... عندما أجوع ألتهم الكتب وأقول للأصدقاء: أيُّها الأصدقاء
تعالوا لنتحاور... وأصدقائي كثيرون الذين يحبُّونني لا يتركون لي فرصة للموت
والذين يكرهونني لا يتركون لي فرصة للحياة وغدًا على الأرجح سألْتَهِمُ الأصدقاء
كما التهمت الكتب وقرارات الأمم المتَّحدة وغدًا على الأرجح سأكفُّ عن الحلم
مثلما كفت الآنسة (س) يدها عن شؤون قلبي وغدًا على الأرجح سأترك للغرفة
تأسيس حياتي بجدرانها الخمسة المدمَّاة ونافذتها الوحيدة المشرعة
في غرفة صغيرة وضيِّقة صالحة للبكاء في غرفة صغيرة وضيِّقة صالحة للحب
في غرفة صغيرة وضيِّقة صالحة للمؤتمرات لم أستطع أن أتآمر على أحد لم أستطع أن أفعل شيئًا
في غرفة صغيرة وضيِّقة صالحة للكتابة لم أستطع إلاَّ كتابة وصيَّتي الأخيرة الغرفة الصغيرة الضيِّقة
الممدَّدة كجثَّة فوق سرير الأرض قابلة مثلي للتشريح ومثلي قابلة للإبادة
في الغرفة الصغيرة الضيِّقة أقرأ الصحف والمذابح في الغرفة الصغيرة الضيِّقة أعوي كعاصفة
وأغرِّد كسنبلة أنا في الغرفة الصغيرة الضيِّقة: نهر مكسور وأحيانًا أمَّة مضطَّهدة
أين ذهبت المرأة؟ لتموت في الغرفة الصغيرة الضيِّقة. أين قرَّرْتَ الموت؟
في الغرفة الصغيرة الضيِّقة. كم عمرك؟ غرفة صغيرة ضيِّقة. ما هي الأرض؟ غرفة صغيرة ضيِّقة
اليوم صباحًا وكإنسان مقتول يعرف تاريخ ولادته ولا يملك شهادة الوفاة
أغلقت عيني النافذة وتركت الغرفة الصغيرة الضيِّقة تفيض حتَّى حافَّتها بالأمراض
اليوم صباحًا قلت سأفتِّش عن فاكهة لم تلمسها يد وصديق لم تذهب به رصاصة إلى السماء
ذهبت إلى الأشجار وما وجدت أحدًا إلى الينابيع وما وجدت أحدًا إلى الصخور وما وجدت أحدًا
إلى الحيوانات وما وجدت أحدًا ذهبت إلى المطارات والشوارع ومؤسَّسات الأيتام فحسبوني شحَّاذًا
ووضعوا في كفِّي النقود... اليوم مساءً وكحصانٍ مقطوع الرأس عدت إلى الغرفة الغرفة الصغيرة الضيِّقة
وبلطة ضخمة من الصراخ تنمو تحت أظافري
قصيدة جرثومة النبع
والآن تعالوا لنحتسي قليلاً من الدهشة والآن تعالوا لنمزّق خطانا المترددة
ونلفّ أوجاعنا بورق السجائر الرقيق وندخنها باطمئنان فالمرأة والرجل الصحاري
والبحر وأشجار الصفصاف الدموع ومعامل الإسمنت والحيوانات كلها الآن مغلفة بالكرتون
والخشب الإفريقي الراقص تنتظر على السفينة الكروية الصلدة وبعد قليل ستتقدم البذلة الأنيقة
التي تحتوي رجلاً لامعًا لتقدم الهدية إلى وحش رؤوسه بعدد القارات والمدن والقرى
وحش لا يملك أوصاف داريكولا فأنيابه مهذبة للغاية ولديه امرأة جميلة ولطيفة تأكل قلوب الأطفال ببراعة
لاعب شطرنج ماهر وأما هو فيحبّ الويسكي المثلج وقزقزة الحبال الصوتية للبلابل وأنا..
"تعرفون أن أنا هو أنتم" هكذا يقول شاعر شحيح من بلاد القبعات الواسعة والمسدسات السريعة الطلقات
أنا أحتفي بقدوم المآسي ولديّ قدرة مذهلة على هضم الأوجاع والصفعات الرتيبة التي تأتيني كل صباح
مع فاتورة استهلاكي للأكسيجين من المنتزهات العامة أحبّ صبيّة بعيون وأضراس وأنف وقدمين صغيرتين
مقشّرتين بمساحيق غسل الثياب وفي إحدى زوايا غرفتي قميص وبنطال وحذاء للرقص زائد عن الحاجة
أوقاتي مقطعة ومساحات عمري بتضاريس تجريدية وأما جسدي فوكر للفئران
وأما جسدي فمصيدة للفراشات الهاربة وكم أودّ لو يأتي يوم لا يكون فيه الساندوتش بثمن
والقبلة بثمن والقبر بثمن فعندما يمرض النبع وتضع زهرة المشمش السمّ في فنجان القهوة الصباحي
لزهرة البرتقال سيتساقط الليل بغزارة والزجاج بغزارة والفقراء بغزارة والرصاص بغزارة
والمدن بغزارة وعندما نحب بعضنا تمامًا وتقول لي البلاد كل سنة أن جواربها العشبية قد تمزقت بحمّى الفرح
فسأزرع أمام كل بيت دمية للطفل المشاكس وأعطي صبيّة لكل فتى كئيب من بلدان العالم الثالث
وقيدًا للقنابل النيترونية الخرقاء وزجاجة عطر لأمي في عيد ميلادها ولحبيبتي جسدي
والراتب القليل الذي أحصل عليه لقاء قراءة المراثي على قبور أصدقائي. انظروا..
انظروا أنا لصّ الأزقة الخرساء أحمل بيدي مفاتيح العالم مفاتيح دور سينما ملّ روّادها الحالمون
النظر إلى مسدس الشريف والقبلات الهوائية مفاتيح بنوك متخمة بالمعاملات والموظفين والشرطة
مفاتيح قرى تلملم نساؤها روث الحيوانات من الحقول ليخبزن عليه فطائر الزعتر الشهية مفاتيح
لمخترعي الأسلحة الذين يصنعون كعك الموت لأقاربهم وأطفالهم الأعزاء مفاتيح بيضًا للسلام
مفاتيح حمرًا للثوار مفاتيح زرقًا للعشاق ولكن وأقولها بأسف شديد: إن المفتاح الزيتي الصغير
الذي كان تحت وسادتي يوم الخميس قد سرقه أحد الأغبياء وها أنذا أقضم أظافري وأفكر بحزن:
فليلة السبت لن أستطيع أن أنسلّ إلى بيت حبيبتي لألعب معها بالورق ولذا قررت أن أموت لمرة واحدة
بدلاً من الموت سبع مرات في الأسبوع وبما أنني لا أملك تابوتًا ولا قبرًا ولا كفنًا فلقد قررت أن أحيا
بعدد الموتى وأفتح دكانًا لتوزيع الحب عليكم من خلال هذه القصيدة!
قصيدة اعتياد
أعددت لكِ فنجان القهوة فنجان قهوة ساخنة
القهوة بردت وما جئتِ، وضعت وردة في كأس ماء
وردة حمراء، حمراء الوردة ذبلت وما أتيتِ
كل يوم أفتح النافذة فأرى الأوراق تتساقط والمطر ينهمر
والطيور تئن ولا أراك لقد اعتدتُ أن أعدّ القهوة كل صباح لاثنين
أن أضع وردة حمراء في كأس ماء أن أفتح النوافذ للريح والمطر
والشمس لقد اعتدت أن أنتظرك أيتها الثور