أجمل قصائد زكي مبارك مكتوبة كاملة
قصيدة خلعت عليكم خلعة الحب حقبة
قصيدة وفدت على بغداد والقلب موجع
زكي مبارك واسمه بالكامل محمد زكي عبد السلام مبارك وهو شاعر وأديب وصحفي مصري، حاصل على ثلاث درجات دكتوراه متتالية فلقبه البعض إثر ذلك بالدكاترة زكي مبارك. في هذا المقال نأخذك في جولة مع أجمل قصائد زكي مبارك مكتوبة كاملة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
قصيدة مرت الأيام والروح حزين
من أجمل قصائد زكي مبارك، قصيدة مرت الأيام والروح حزين، ويقول فيها:
مرّت الأيام والروح الحزين
هائم الآمال يرجو كرمَك
كل يوم من جفاكم بسنين
ليتني أعرف ماذا شغلك
في طريقي حين أغدو أو أروح
أوجهٌ لمّاحة الحسن وضاء
هي عندي منك يا ظلام روح
تأمر القلب وتنهي ما تشاء
بلبل في حلقك الشادي ينوح
آه من حلقك آها ثم آه
فتنةٌ من لحظك الساجي تلوح
آه من لحظك آها ثم آه
ما الذي تصنع هاتيك العيون
ما الذي تصنع ماذا تصنع
لك عينٌ هي سحر وفتون
يرجع الصب إليها يرجع
ليتني أعرف أسباب الصدود
من حبيب نافر القلب شرود
لا الجوى يخبو ولا الصبر يعود
الهوى بلواي في هذا الوجود
كدت باللوعة والوجد أبوح
فأداوي ما بروحي من جروح
طائر الشوق بأضلاعي يصيح
طال عهد البعد من ذاك المليح
طالت الأيام طال البعد طال
منذ يومين وعيني لا تراك
اقتصد يا حلو في هذا الدلال
وتعال انظر عنائي من نواك
طالت بنا الأيام، طالت بنا طالت
هامت بنا الأحلام، هامت بنا هامت
لا تنس يا روح أيام الثلاثاء
يا فاطر الحب في يوم الثلاثاء
لا تنس يا روح أحلام الثلاثاء
يا فاطر الشعر في يوم الثلاثاء
ما قصة النونتين، في خدك الباهر
ما قصة اللمعتين، من جفنك الساحر
وما يد لبديع الشعر موحيةٌ
كطلعة البدر في أعقاب أدجان
يد أناملها من رقة خلقت
كأنها الزهر في أيام نيسان
أرنو إلى نورها حينا فيبهرني
ويفضح السر من مكنون كتماني
سبحان بارئها سبحان فاطرها
نورا يؤجج أشواقي وأشجاني
أسائلٌ عني أسائلٌ أنتَ
الهمس بالتليفون يقول من أنت
لا تخف صوتك عني إن نبرته
معروفةٌ لفؤادي قبل آذاني
كنّا معا بالأمس، كنا معاً كنا
لا تنس ليل الأمس، في ظله عشنا
على العتاب تنادمنا وكان لنا
من التعاتب أكواب وندمان
نقول ما نشتهي والليل منشرح
لصفونا ناعس الأجفان جذلان
لم يعرف الليل قبل الأمس أن يدا
تحنو عليه فيمسي وهو نشوان
ترنو النجوم إلينا وهي مصغية
لأنجم الليل أجفان وآذانُ
أأنت الذي جاذبت بالأمس روحهُ
ويمناي تطويه بعنفٍ وتفتكُ
أأنت أجب إني لروحك حاضرٌ
وإني بأمر الحب والشعر أملك
ما هذه الأحلام، ما ذلك الوجد
إن الهوى أحلام، في روضها أشدو
تذكرت أني قد ضممتك ضمة
وأنك من يمناي قد كدت تهلك
من صنع من أنت، تبارك الخالق
حبّيك من رزقي، تبارك الرازق
إذا لمعت عيناك ثار متيّمٌ
بعينيه يبكي وهو بالروح يضحك
من أنت لا أدري وأنت هل تدري
كتمت الهوى عني وعنك صيانة
لروح به روحي يثور فيسفك
إني على الكتمان، يا فاتني قادر
لا تنكر الكتمان، إني به آسر
لو بحت باسمك ثار الكون أجمعه
مطالباً بدمي في روحك الغالي
لا تنس أنا التقينا، أنحن كنا التقينا
سارت بنا العربة، عند انتصاف الليل
وأنت في حضني، تشكو الجوى والليل
الليل نحن صنعناه لغايتنا
والليل في شرعة الأهواء كتمانُ
تشكو لأني أحبك، أشدو لأني أحبك
الظلم مني محبوب ولا عجبٌ
إني لكل جميل الوجه ظلّام
الحسنُ عندك وحدك والحب عندي وحدي
والحسن للحب عبدٌ، فأنت يا روح عبدي
حاول نجاتك مني إنني بطلٌ
يغزو الجمال بأنغام وألحانٍ
ما ذلك الوجه، إني عليه أحوم
أبيت في الليل أشكو، من قسوة الكتمان
وأنت في الليل تشكو، من لذعة الحرمان
أأنت تجهل أني عاشق كلفٌ
كتمانه لضمير الوجد إعلان
بالصمت أعلن سرى، بالصمت تعلن سرّك
والسر في الحب جهرٌ، فاكتم على الصب جهرك
لا تقل إنني محب فإني
لست أهلاً لروض هذا الجمال
إن النجوم تغار، من لطف هذا السرار
تغار منا ومن أقباس لوعتنا
إن العذول من الأحباب غيرانُ
ما ليلةُ الأمس هل طالت وأنت بها
في خاطر الشاعر الفتاك شيطان
تلهو وتلعب لا تدري مدى شغفي
برائع وجهه راح وريحان
مرخّم الصوت مبحوح لوافظهُ
في مسمع العاشق المشتاق ألحان
روح من الروح لو أصغى الوجود له
في طلعة الفجر أضحى وهو فنّان
يوم الثلاثاء ناديه وملعبه
وللمواقيت أرواح وأبدان
إذا تجلّى فثارت منه بادرةٌ
تبسّم الروح مني وهو غضبان
أغاضبٌ أنت لا تغضب فإن يدي
تأسو وتجرح والأشواق ألوان
صورة باكية، أهذه صورتك
لحظة شاكية، أهذه لحظتك
أنا واف بما وعدت فدعني
أنثر الروح في طريقك دعني
أبكاءٌ أأنت تبكي لأني
لم أبح بالذي تكتمت عني
هوايَ لا تعرف الأقدار مصدره
إن الفتى الحر للأسرار كتّام
هوايَ ما أمره إني لأحسبه
طيفا تجود به في النوم أحلام
ما هذه الصحراء، بأرض مصر الجديدة
يطول فيها الشتاء، على المعاني البعيدة
إني لأدفئ روحي حين أذكركم
والدفء بالوجد فوق الدفء بالنار
أعالمٌ أنت، بمحنتي في هواك
أشاعر أنت، بكربتي من جفاك
يومانِ أو أيام، يومان أو أعوام
ما هذه أوهام، ما هذه أحلام
إني لبعدك في يومين قد صنعت
بي الصبابة ما لا يصنع القدر
ما هذه الصورة، ما هذه الصورة
وجهٌ هو الحسن في لألاء طلعته
خدٌّ به النحل ترجو شهر آذار
وجه غريم لروحي إنه قبس
من لوعتي وصباباتي وأشعاري
خدّ إذا ذقته بالوهم ثار دمي
بلاعج من سعير الوجد قهار
أصبو إلى طلعة لو ساورت جبلاً
لصيرته تراباً فوق أحجار
يا فوق ما تشتهي روحي تعال تجد
روحي لروحك تشكو غربة الدار
لا تطل هجرك يا هذا الغزال
إنني أغزوك بالشعر الحلال
الجفاء العمد يا هذا الغزال
هو في شرعية الحب وصال
ما أنت مني بعيد، يا أكحل العينين
ما أنت مني بعيد، يا أرحم اللحنين
أنا الشقيّ السعيد، باللحن والجفنين
أنا الغريم الصيود، بالشعر والعينين
لم أدر ما أمرُك، لم تدر ما أمري
وحي الصبا شعرك، وحي الهوى شعري
يا تحفةً من عيون، يا زفرة من شجون
يا آسراً أنا سابيه وآسرهُ
بجاحم من سعير الوجد وهّاج
غدائرٌ مرسلات، بهن طال هيامي
وأعين حالمات، بهن ثار غرامي
إني أحبك حبا لو فطنت له
لطرت تسأل عن حالي وأحوالي
نسيت روض المعاني في أزاهره
وأنت وحدك يا محبوب في بالي
صورةٌ شاكية، صورةٌ باكية
صورة لاعبة، صورةٌ لاهية
ما هذه الأحوال، ما هذه الألوان
الطفل أنت وللأطفال موهبةٌ
فالطفل يبكي بدمع وهو فرحان
فتّش جيوبي فتش، يا أيها الطفل
ومن رحيقي فارشف، يا أيها النحل
ميسيّه قال كلاما أنت تعرفه
بالروح والطفل بالأرواح علّام
ميسيه من حزنه قد مات وا أسفي
على قريب له بالشعر أرحامُ
أيهلك الشاعر، أخطأت يا ميسيّه
لن يهلك الشاعر، والدمع في عينيه
يا أيها المحبوب، يا أيها اللَه
فضحتني في هواك، يا أيها اللَه
ومن أنا حتى أسكب الشعر دمعة
يجود بها روح بحبك يهتف
أجرني أجر قلبا بحبك مغرما
على وتر الوجدان والروح يعزف
قصيدة يا ليل يا ليلي يا ليل
يا ليل يا ليلى يا ليل
يا ساقي الراح هات الراح يا ساقي
من نور خديك أو من نار أشواقي
واشرب رحيق الهوى الفضاح يا ساقي
من نظرتي لك في ساعات إشراقي
يا ليل يا ليلى يا ليل
مضت أسابيع لا ألقاك يا روحي
فكيف أنت رعاك الحبّ يا روحي
مصرُ الجديدةُ مأوى حبنا الروحي
فارجع إليها نعش روحا إلى روح
يا ليل يا ليلى يا ليل
أمرٌ عرفناهُ أن الجافيَ الهاجر
قد يغتدى وهو روح جاحدٌ غادر
الصبر عني نذير الغدر يا هاجر
أعوذ بالحب وهو المالك الآمر
من أن يخيب رجائي فيك يا ساحر
يا ليل يا ليلى يا ليل
عهد الهوى البكر عهدك
وطالع السعد وعدك، متى أراك
وداري حماك، أنا من نواك
مفطور الفؤاد، يا ليل يا ليلى يا ليل
عهد الهوى البكر هل تنساه يا هاجر
عهد الهوى البكر هل تنساه يا غادر
عهد الهوى البكر هل تنساه يا قاهر
يا هاجر يا غادر يا قاهر يا كافر
يا ليل يا ليلى يا ليل
مصر الجديدة أيام الثلاثاء
كانت ملاعب أطرابي وأهوائي
يا فاطر الحب في يوم الثلاثاء
متى يعود لنا يوم الثلاثاء
يا ليل يا ليلى يا ليل
لمن وفاؤك أيها الغادر
إن رمت غيري فأنت الغانم الخاسر
حبي هو الحب وهو الغالب القاهر
فاندب نعيمك بعدي أيها الغادر
مصر الجديدة أيام الثلاثاء
تشكو اغترابي أيام الثلاثاء
يا ليل آه يا ليل، يا ليل آه يا ليل
شربت دمعي فلا كأسٌ ولا ساقي
مضى نديمي وخلّاني لأشواقي
يا ساقي الراح هاتِ الدمعَ يا ساقي
دمعي هو الراح فاسقينيه يا ساقي
يا ساقي الدمع بعد الراح يا ساقي
دمعي دمٌ فترفّق أيها الساقي
بعد الغناء الحزين، وهذه الآهات
وبعد لذع الحنين وهذه الواهات
يقول طيف الخيال، بلحن ذاك الغزال
ما هذه النار تذكيها بأشعارك
لولا غناؤك ما خلّدت في نارك
إذن أغنّى، ماذا تغني
إني أقول، من أيّ بدع فطرت
من أيّ سحر خلقت، الزهر وحي دلالك
والشعر وحي جمالك، لا أظلم الأقدار
إن الهوى والنار، من بدع سحرك أنت
تمضي أسابيع لا ألقاك ما أسفي
على حياة بلا لقياك ظلماء
تمضى أسابيع لا ألقاك ما أملي
من عيشةٍ أنت عنها باعد نائي
يقول هذا الليل، ماذا يقول الليل
يقول إني أحبك، يقول إني أحبك
يقول إني أحبك
يا أجمل الناس أين الناس قد تعبت
روحي من البحث عن مغناك في الناس
يا قاتلاً بالوفاء، ماذا يريد الوفاء
أغدر ودعني أعيش، قتلى حرامٌ عليك
أغدر ودعني أعيش، قتلى حرامٌ عليك
مصر الجديدة أيام الثلاثاء
كانت ملاعب أطرابي وأهوائي
يا فاطر الحب في يوم الثلاثاء
متى يعود لنا يوم الثلاثاء
كان الهوى بغداد، أوّاهُ من بغداد
كان الهوى باريس، أواه من باريس
مصر الجديدة داري والحبّ فيها قراري
لا تنس يا غدّار، جميل هذه الدار
فيها اختصرت غصنا ناعما زهرا
كدوحة الوردِ في أيام آذار
أحنو عليك، أرنو إليك
حلوان تقصيك عني وهي ظالمةٌ
مصر الجديدة تشكو بعد حلوان
مصر الجديدة أنتَ، فطرتَها أنت، أنت
بروعة الشعر أملك وأنت بالحسن تملك
الشعر للحسن عبدٌ، فارحم إذا شئت عبدك
الحسن بين يديك، إليك أمري إليك
يا شاعراً روحهُ نارٌ مؤجّجةٌ
وشعره كالرحيق الصرف وهّاج
إذن أغنّى، ماذا تغني، إني أقول
لروعة الشعر عند الحسن منزلةٌ
أقوى من الجاه والسلطان والمال
يا ليل يا ليلى يا ليل
يا غرام الروح والروح فداك
أين نجوى الحب في عهد الصفاء
أحرق القلب شواظٌ من نواك
بالهوى قل لي متى يوم اللقاء
أين يا روح ليالٍ سلفت
وأغاريدك يا صدّاح زادي
لا تقل تلك الليالي ذهبت
جمرها المشبوب باق في فؤادي
لم يدنني من أريد، في الحب مما أريد
ماذا تريد ماذا تريد
أريد قتل همومي في منابتها
بجائحات من الصهباء هوجاء
الكأس بين يديك، الكأس في شفتيك
هات اسقني هات، هات اسقني هات
أسقيك إن شئت أكواب الثلاثاء
يا فاطر الشعر في يوم الثلاثاء
قصيدة خلعت عليكم خلعة الحب حقبة
خلعتُ عليكم خلعة الحب حقبةً
وقلبي بأثواب الهوى يتصدّق
وقد خاب ظني في هواكم فليتني
لخلعه أشواقي عليكم أمزّق
أساطيرُ من حب تهاوت نجومهُ
فأصبح تاريخاً على الوهم يعشق
ولو أنكم متم لهانت فجيعتي
وكنت عليكم من أذى اللوم أشفق
ولكنكم في العائشين وحسنكم
يعيش بمصقول الخداع ويرزق
كفرت بروحي يوم همت بحسنكم
فحسنكم اللماح حسن مزوّق
تزاويق صغتم من سداها حبالةً
بأمراسها الصب المتيّم يشنَق
أمن خطواتٍ بين داري وداركم
أبلغ فيها الرمز حين أصفّق
ترون بأن البعد أصبح شاسعاً
وأن مجال اللوم في الهجر ضيّق
بخمسة أرقام تدار دعابة
يراكم حبيب هائم الروح شيّق
إذا صلصل الهتاف قلت لعلهم
إلى سمع صوتي بالغرام تشوقوا
فيسمعني الهتاف ما لا أريده
خومٌ بأصوات الكراهة تزعق
وما يصنع الهتاف والكون غابةٌ
بها الليث يضوي والحمام يطوّق
تعالوا أعينوني على وأد فتنةٍ
يمزق روحي ظلمها ويشقّق
إذا لم تغيثوني فإني لذاهبٌ
إلى أبدٍ فيه لمن ضميمَ موثق
تطول الليالي هل تطول فما رأى
بأني لشيءٍ بعدكم أتشوق
غرائبُ من دنيا الغرام رأيتها
فأنكرتها والقلب بالدم يشرق
وحلوان ما حلوان تلك مدينة
لها بفؤادي في الصبابة جوسَقُ
أقمت بها حيناً فطابت إقامتي
وكدت بأحلامي من الحب أغرق
إذا بلدُ العشّاق خان فإنني
بأمر هواه في الوفاء لمعرق
إذا جزت أشواقي إليه فإنني
أصافح أزهار المعادي وانشق
أحبّ المعادي أرضها وسماءها
وصحراءها إني عليها لمشفق
يقيم بها جيلٌ من الناس أمرهم
غريبٌ كأمري في الغرام وأخفق
تجاور فيها الخلق من كل ملة
وقد غرّبوا فيما أرادوا وشرّقوا
ألا إنما مصر الجديدة دارنا
نرَدُّ إليها حالمين فنوثق
بها نهضت داري قبالة داركم
فأصبح منكم بالجمال وأغبق
تلوذون بالتاريخ تاريخ صبوتي
وهل يسمع التاريخ يوما فينطق
إذا لحاضر الوهاج خابت ظنونه
فأمر الهوى الماضي حديث ملفق
وما لي وللذكرى أعيش بروحها
ومن جيبها المعمور بالوهم أنفق
إذا ما الهوى قد صار ذكرى فإنني
عليه بأطياف الجوى أتصدّق
فلا تحسبوني سادراً في ضلالةٍ
أغرّبُ فيها تارة وأشرّق
لقد خلت الدنيا خلت من أحبتي
فيا لك من دنيا تضيم وترهق
ومن أنت يا دنيا لحا اللَه زوجة
بأيسر أسباب الخلاف تطلّق
أعندك يا دنيا دواءٌ لعاشق
يرى أن وأد العشق بالحر أليق
أحباء في السراء يرجى وصالهم
فإن غدر الدهر الغدور تفرّقوا
وفيّون في حبي لمالي فإن رأوا
سحابة فقرٍ أسرعوا فتمزقوا
لصحراء يوم البؤس أعددت حبهم
وقد يظمأ النبع الأصيل فيورق
أأسأل عنهم قد سألت فما الذي
أجابوا به إني عليهم لمشفق
سراعٌ إذا النعماء طاب رحيقها
فإن لمحوا ضرى بدهر يتعوّقوا
تعالوا ما زماني بغادر
ولا أنا في سعي إلى المجد مخفق
أنا الأسد الضاري الذي تعرفونه
ومن صولتي يعيا الزمان فيحنق
تعالوا قبل أن يخمد الجوى
فأنسى وقد أنسيت حبّي فصدّقوا
نسيت الذي قد كان بيني وبينكم
أفي الحق أني كنت أهوى وأعشق
أطابت ليالي العيد حيناً فلم تكن
سوى جمرة للهائم الصب تحرق
على ليلة العيد التي تذكرونها
سلامٌ وإن لم يبق للعيد موثق
لقد طاب ليل العيد ما طاب وانقضت
أحاديث نرويها فنأسى ونُطرق
أكانت لياليى العيد حلماً صنعته
بوهمي فاضحى وهو زورٌ مزوّق
ليالٍ قضيناها وكان يروضها
أزاهيرُ يرويها الغرام يتعبَق
ليالٍ قضيناها وللدهر غفوةٌ
وما كلّ ليل مقلة الدهر تأرق
طربنا وغنّينا وكان غناؤنا
وساوس يحكيها الشراب المروّق
تضجّ بنا النجوى فنخرس صوتها
ويبدو لنا طيف الجمال فنزعق
هتكنا حجاب السر في الحب دونه
نمائمُ بالقول الأثيم تلفّق
وما أثم الواشون هيهات إنهم
بآثامهم فينا أبرّ وأصدق
وما العيدُ عيد الناس فالعيد عيدنا
ونحن عليهم رحمة نتصدق
إذا فاز خلّ من خليل بنظرة
فعن أمرنا في الحب يحيا ويرزق
لقد ضاع ماضيكم لديّ أضعته
بأمري وأمري في الجحودين مطلق
إذا خاب ظني في حبيب هجرته
وأنكرته والغدر بالغدر يرشَق
لقد كذب الماضي ومان فخنتهُ
وصيرتُه أكذوبة تتفيهق
إلى النار صيروا أو على البحر فاذهبوا
فكل غدورٍ محرق أو مغرّق
أمثلي يرى منكم عقوقاً لحبه
وشعري بعد الله للحسن يخلق
سأذكر ليل العيد أني عشقتكم
ولم أك يوما لاعباً يتعشق
سأذكر ليل العيد ما كان من هوىً
نعمنا به والدهر كالصل مطرق
سأذكر ليل النحر والبدر يرتمي
بأمواجه والنور كالزهر يخنق
سأنحر قلبي في غد قد نحرتهُ
فلم يبق لي قلبٌ يميم فيوثق
سلامٌ على قلبي سلامٌ ورحمةٌ
وأنشودةٌ كالزهر أو هي أعبق
وهل كان لي قلبٌ أراجع عهده
وأزعم يوما أنه كان يخفق
وهل كنت أهواكم وأدخل داركم
أشبّب فيها بالجمال وأعشق
لقد تبت تاب القلب إني ذبحته
وصيرته بالدمع والدم يدفُق
إلى أين صرتم هل نزلتم بدارةٍ
لها من سناكم في دجى الليل مشرق
خبلتم فؤادي أو خبلتُ فؤادكم
ألا ليتني من محنتي أتحقق
أأنتم رحلتم عامدين كأنكم
مللتم جواري والملالة تصلق
أحاول نسيان الذي كان بيننا
أحاول أمراً ما أراه يوفق
أأنسى ولن أنسى لياليَ أُنسكم
وأنتم بقلب الصب أدنى وألصق
أعود إلى الذكرى أعود فإنها
بقية ما أبقى الفراق المفرّق
ستذهب أيام طوال وينقضي
زمان وقلبي من هواكم ممزّق
تنامون عني يغضب الحب غضبةً
عليكم وسهم الحب أمضى وأمرق
بكيت بقلبي لا بدمعي من النوى
وفي جوف قلبي جمرة تترقرق
تنامون عني كيف طاب نعاسكم
أجيبوا فإني لا أكاد أصدّق
تظنون أني سوف أبكي ودادكم
كما كنت أبكي والهوى البكر محرِق
تظنون والظنّ الأثيمُ ضلالةٌ
بأني بما أسرفت في الصدق أحمق
ألم تعلموا أني أريد خداعكم
خذوا الدرس عني إنني أتحمّق
سأسهر ليل العيد وحدي لعلني
أصدق أني من جوى الوجد معتق
سأنسى قد نسيت صبابتي
وطلّقتها والعزم كالسهم يمرق
لمن أمركم بعدي وأين زمامكم
أضعتم زكيّا وهو أحنى وأرفق
إلى اليتم ما صرتم إليه بجهلكم
فذوقوا عذاب اليتم أو فتذوقوا
قتالُ الجمال السهل رأيٌ رأيتهُ
وأبصرتهُ إني امرؤ يتحقق
ستقضون ليل العيد في عضّ كربة
إذا بسمَت كانت جحيماً يطقطق
خذوا ليلة العيد الجديد بصرخة
يكاد لها غافٍ من الدهر ينطق
خذوها واشربوها صريحة
هي الدهر صرفاً وهي أدهى وأوبق
خذوا ليلة العيد السعيد بحسرة
تكاد بها الشم الشواهق تصعَقُ
خذوها إنني لا أريدها
وإن كان قلبي بالتوله يشمق
تظنون أني سوف أذكر عهدكم
وأحرم من طيب المنام وأرق
بهذا الخيال الحلو ضاعت حلومكم
لكل خيالٍ كاذب الوهم خيفق
أعاتبكم هيهات ما أنا عاتبٌ
ولا أنا بالحب الكذوب مصدّق
أعاتبكم من ذا أعاتب إنني
لأجهل من بالحب والعتب أرشق
أراجع أحلامي فأنسى عهودها
إلى بهرة النسيان سهمي يفوّق
فلا تسكتوا عني فما لي إطاقة
على لجة في مائها المر أغرق
تعالوا إنني في بليةٍ
أكاد بها من رجفة الهول أصعق
يحاول أو شابٌ من الخلق صحبتي
ولى مهجة كالماس بالختل تسرَق
إلى أين صرتم آه إني أبحكم
ومن صدكم عني أخاف وأفرق
تعينون أيامي عليّ بصدكم
عفا الحب عنكم وهو بالحسن يرفق
قصيدة وفدت على بغداد والقلب موجع
من أجمل قصائد زكي مبارك، قصيدة وفدت على بغداد والقلب موجع، ويقول فيها:
وفدتُ على بغدادَ والقلب موجعٌ
فهل فرّجت كربي وهل أبرأت دائي
تركت الخطوب السود في مصر فانبرت
سهام العيون السود تصدع أحشائي
تركت دخاناً لو أراد دفعتهُ
بعزمة مفتول الذراعين مضاء
وجئت إلى نارٍ ستشوى جوانحي
وتصهر أضلاعي وتسحق أحنائي
فيا ويح قلبي عضّه الدهر فاكتوى
بلفحة قتّالين جورٍ وإصباء
سمعتُ حماماتٍ ينُحن فعزّني
حنيني إلى صحب بمصر أشحّاء
همُ أسلموني لا عفا الحب عنهم
إلى ليلةٍ من غمرة الحزن ليلاء
أنادمهم بالوهم والقلب عارفٌ
بأني لدى كأس من الدمع حمراء
شربت الأسى صرفا فثارت مدامعي
تذيع حديثي في الغرام وأنبائي
أنا الطائر المجروح يرميه بؤسهُ
لشقوته ما بين نار ورمضاء
فإن عشتُ آذتني جروحي وإن أمت
شوتني في الأرواح نيران بأسائي
أحبّاي في مصر تعالوا فإنني
أودّع في بغدادَ أنسى وسرّائي
تعالوا أعينوني على السهد والضنى
فلم يبق مني غير أطياف أشلاء
تعالوا أحدّثكم ففي القلب لوعة
هي الجاحم المشبوب في جوف قصباء
أحبّاي في مصر وهل لي أحبّة
أحبايَ في مصر تعالوا أحبائي
تعالوا إلى بغداد تلقوا أخاكم
صريع خطوب ينتحين وأرزاء
تعالوا تروني في صروف من الجوى
تهدّم بنياني وتنقضُ حوبائي
عفا الحبّ عن بغدادكم عشت لاهياً
أكاثرُ أيامي بليلى وظمياء
فكيف وقعت اليوم في أسر طفلةٍ
مكحّلة بالسحر ملثوغة الراء
أصاول عينيها بعينيّ والهوى
يشيع الحميّا في فؤادي وأعضائي
وأشهد أطياف الفراديس إن بدت
تراود أحلامي مزاحاً وأهوائي
وألمس نيران الجحيم إذا مضت
تروم بعين الجد بعدي وإقصائي
أكاتم أهليها هيامي ولو دروا
لهامت بجنب الشط أرواح أصدائي
إلى الحب أشكوها فقد ضاق مذهبي
وأخلفني بعد الفراق أعزائي
إلى الحب أشكوها فلولاه لم أبت
حليف هموم يصطر عن وأنواء
إلى الحب أشكو بل إلى اللَه وحده
أفوّض بأسائي لديها ونعمائي
أربّاه أنقذني فأنت رميتني
بقلب على عهد الأحباء بكاء
أرباه لا تفعل فإني أرى الهوى
على وقده بالقلب أنفاس روحاء
أحبّ سعير الوجد فأرم حشاشتي
على جمراتٍ منه حمقاء هوجاء
أحب شقائي في الغرام وإنه
لأروح من مطلولة الزهر شجراء
فيا خالق النار العصوف وشائقي
إليها أدم فيها لواعج إصلائي
أحبك يا ربي فهل أنت شافعي
إلى سرحةٍ في شط دجلة زهراء
شهدت فنائي فيك حين رأيتها
تحاول إضلالي وتنشد إفنائي
ومن أنت يا ربي أجبني فإنني
رأيتك بين الحسن والزهر والماء
أنا الفاتن المفتون فارحم بليّتي
وقدّر بأرجاء الفراديس إثوائي
ولا تخلني في جنة الخلد من هوى
برعبوبَةٍ لا تعرف الرفقَ حمقاء
أحبّ الملاح الهوج في الخلد نفسه
عساني بدار الخلد أهجر إغفائي
تباركت ما الجناتُ من دون لوعةٍ
سوى بقعةٍ في غابة الموت جرداء
يحب ضعيف الروح في الخلد أنسَهُ
إلى غادةٍ مأمونة الغيب بلهاء
وأنشدُ في الجناتِ إن ذقتَ راحها
ملاعبَ من طيش وفتك وإغواء
أضاليلُ يزجيها خيالي وأنثنى
إلى ساحةٍ مطموسة الأنس قفراء
لقد كنتُ في مصر شقيّا فما الذي
ستجنين يا بغداد من وصل إشقائي
أهذا جزائي في العراق وحبّه
أهذا جزائي في رواحي وإسرائي
أخلاي ما بغداد راحي وإن درت
قلوب صباياها مدارج إصبائي
أخلاي ردّوني إلى مصرَ إنني
أرى الظلم دون الوجد تسعير لأواء
سقى الغيث أيامي بحلوان وارتوت
ملاعب أحلامي هناك وأهوائي
فما غدرت بي في حماها نسائمٌ
سقاها ربيع الحب أكواب أنداء
وللَه عهد بالزمالك لم يكن
سوى لمحاتٍ يزدهين وأضواء
هصرت به غصناً نضيراً تفتّحت
أزاهيرهُ في ظل خضراء لفّاء
وأين على مصر الجديدة موردي
وأين سهادي في حماها وإغفائي
أطايبُ ذقناها ولم ندر أنها
لندرتها في الدهر أزهار صحراء
أحبّايَ في مصر الجديدة سارعوا
فقد صرّعتني حول دجلةَ أدوائي
أجدكم هل تعلمون بأنني
وإن كنت جار الشط أشرب أظمائي
خذوني إليكم يا رفاقي فإنني
أحاذرُ في بغداد حتفي وإصمائي
أخاف العيون السود فليرحم الهوى
فجيعة أهلي يوم أقضي وأبنائي
أنادم أحبابي وفي الحق أنني
لهول الذي ألقى أصاول أعدائي
أدجلةُ ما بيني وبينك أفصحي
فقد طال في مغناك تبريح إضنائي
وردتك أستشفى فثارت بليّتي
وأرمضني حزني وأضرعني دائي
سقى وردك المعسول غيري ولم أجد
لهول بلائي غير أو شاب أقذاء
أطال أناسٌ فيك نجوى نعيمهم
وفي شطك المورود ناجيت بأسائي
أدجلةُ أين الحب قولي فإنني
تقلبتُ في نارين حقد وبغضاء
أدجلةُ أين النور قولي فإنني
على الشط أستهدى دياجير ظلمائي
أدجلةُ أبلاني اغترابي وشفّني
هيامي بظلمي في بلادي وإشقائي
أدجلة أنت النيل بغياً وكدرة
فكيف من النارين تسلم أحشائي
أدجلة ساقتني إليك مقادرٌ
تأنّقن في كيدي وأبدعن إيذائي
أدجلة واسيني فللضيف حقّهُ
إذا شئت من زادٍ وحبّ وصهباء
طغى موجك الصخاب فاهتاج لوعتي
وأيقظ أشجاني وبلبل أهوائي
وقفتُ أبتّ الجسر ما بي فلم أكن
سوى نافثٍ في أذن رقطاء صمّاء
وقفتُ أرجّيه ولم أدر أنني
أسطّر أحلامي على ثبج الماء
إلى أين هذا التبر يجري وحوله
حرائق من أرض على الري جدباء
أرقت دموعي في ثراها فما ارتوت
وهل كان دمعي غير أطياف أنداء
شوتني الخطوب السود شيّا فلم تدع
لمعتسف حلما إذا رام إبكائي
أجبني يا صوب الغوادي فإنني
على علتي في الدهر أساء أدواء
تحدّرتَ مختالاً فلم تغن أمة
تشهّى لطول الجدب أوشال إنهاء
بكى حولك الماضون دهراً فهل رأوا
لدى موجك الصخّاب لحظة إصغاء
تشكّى العراق الجدبَ وارتعت أبتغي
نصيبي فلم أظفر لديك بإرواء
أعندك يا صوب الغوادي تحية
لناس على شطّيك ذاوين أنضاء
تروح إلى البحر الأجاج سفاهةً
على شوق أهل في العراق أودّاء
أبوك السحاب الجود يرتاح جودهُ
إلى كل أرض في العراقين ميثاء
فعمّن أخذت البخل يا جار فتيةٍ
هم الجعفر المنساب في جوف بطحاء
شكا الزهر في شطكي فاخجل ونجّه
من الظمأ الباغي ومن حية الماء
جريت بلا وعي إلى غير غاية
محجّلة بين المصاير غراء
فدعني أطل فيك الملام فلم أكن
سوى شاعر للحمد واللوم وشّاء
أأنت الذي يجفو الظماء لينضوي
إلى لجّة في باحة البحر هوجاء
أأنت الذي يسقى البحار وحوله
أزاهير في سهل يفديه مظماء
وقفنا على شطيك نشكو أوامنا
على نبرات الدف والعود والناء
فأين العطاء الجزل يا فيض مزنةٍ
محمّلة بالخير والشر كلفاء
عشقت شقائي فيك للحبّ إنني
أحب شقائي في رحاب أحبّائي
أبغداد هل تدرين أني مودّعٌ
وأن سمومَ البين تلفح أحشائي
وردتك ملتاعا أصارع في الهوى
دموع رفاقٍ وامقين أخلّاء
تنادوا إلى باب الحديد فدّعوا
بقايا فؤادٍ وافر العطف وضّاء
وفيهم ختولٌ لو أراد لردّني
إلى روضةٍ من يانع الأنس غنّاء
تقدم يستهدى العناق فلم يجد
سوى صخرةٍ مكتومة السر خرساء
وعاد يروض العتب أحلام قلبه
على خطة من شائك الهجر عوجاء
وردتك مطعوناً تثور جروحه
فكان بنوك الأكرمون أطبائي
لحبك يا بغداد والحب أهوجٌ
رأيت فنائي فيك مشرق إحياء
تناسيت في مصر الجديدة صبية
هم الزهر الظمآن في جوف بيداء
يناجون في الأحلام أطياف والدٍ
لعهد بنيه والبنيّات نسّاء
أبغدادُ هذا آخر العهد فاذكري
مدامع مفطورٍ على الحبّ بكّاء
أبغداد يضنيني فراقك فاذكري
لدي ذمة التاريخ بيني وإضنائي
خلعت على الدنيا جمالك فانثنت
تخايل في طيب وحسن ولألاء
سيذكرني قومٌ لديك عهدتُهُم
يحبّون ظلّامين ضرّى وإيذائي
سيمسي خصومي بعد حين أحبةً
يذيعون مشكورين أطيب أنبائي
ستذكرُ أرجاءُ الفراتين شاعراً
تفجّر عن مكنونة الدر عصماء
سيسأل قومٌ من زكيٌّ مباركٌ
وجسمي مدفون بصحراء صماء
فإن سألوا عني ففي مصر مرقدي
وفوق ثرى بغداد تمرح أهوائي
ستذكرني غيدٌ ملاحٌ أوانسٌ
أطلن بلائي في الغرام وإشقائي
ستذكرني مصر وما كان قلبها
سوى صخرةٍ في جانب النيل ملساء
إلى اللَه أشكو لؤم دهري وصرفهُ
وعند الإله البرّ أودع حوبائي
قصيدة غنى المغنون حولي فما سمعت
غنّى المغنّون من حولي فما سمعت
روحي وإن راعت الألحانُ آذاني
إني بحبك مشغول تساورني
أطياف حسنك في أعماق وجداني
أصاحب الناس ترضيني خلائقُهم
لعلني أتناسى نار أشجاني
فما أشاهد في كل الوجود سوى
جمالك الفخم يهوى أسرَهُ العاني
لولا جمالك تصبيني فواتنُه
ما فقت في الشعر والتغريد أقراني
حنا الجمال على روحي يسامره
بشائق من أغنّ الصوت فتان
فقمت أرسل لحني في ذوائبهِ
هوى يصول بأدواج وأفنان
إن راقك الشعر تسبيني عرائسُه
كالحور ترقص في أحلام رضوان
فمن جمالك وهو الدرُّ في نسق
كالشعر ينظم أنغاماً بأوزان
أصوغُ وحيَ فؤادٍ أنت ملهمة
حتى غدا من جواهُ خير فنّان
يا وجد قلبي ويا حسنا أدين له
بالفاتن الجزل من شدوى وألحاني
جمال وجهك في تقسيمه عجبٌ
كأنه حليةٌ صيغت بميزان
لو كان وجهك في ماضي العصور بدا
لصار معبود أحبار ورهبان
أستغفر اللَه وهو المستجار به
من أن تصيرني عباد أوثان
يهفو إليك ضميرٌ أنت غايته
من جنة أنا فيها الغارس الجاني
غرست حسنك فاذكر بالجميل يدي
يا زهرةً نشأت في روض جنّان
لولا قصيدي ولولا ما هتفت به
ما صرت كالبدر في حسن وتحنان
عيونك السود والسحر المقيم بها
مما خلقت بألحاني وأشجاني
من أنت لا لن أسمى غافلا جهلت
أجفانه ما جرى من ماء أجفاني
سينقضي الدهر لا تدرون ما شغفي
إني أؤجِّجُ آلامي بكتماني
لو بحت يوما بأسرار الغرام بكم
بوح الجريح غفا عن جرحه الحاني
لطار طيفٌ رقيقٌ يفتدى ألمي
بأحور جاهل بالحب حيران
من أنت هذا كلامٌ أنت لا أحد
إني أردّد ما يوحيه شيطاني
ما ساور الحبّ قلبي تلك مشكلةٌ
أثارها لاغتيابي بعض جيراني
من أنت إني أرى من أنت يا وثنا
أهدى له كل يومٍ ألف قربان
أنغامُ صوتك تشجيني سواجعها
فهل تكون على الأيام قرآني
ما رنّ صوتُك إلا قلت من طرب
هذا الذي نفثت أسجاع وجداني
صوتٌ شعري رنينُ الروح مصدره
سبحان صوتك يا وحيي وسبحاني
من أنت يا ساحراً لحن الغرام به
لحن الخلود بذاك العالم الثاني
يبقيك شعري بقاء لا فناء له
ما كان شعري لهذا العالم الفاني
قد شاب رأسي بنار الحب موقدةً
والحبّ أقباسُ آلامٍ ونيران
قد شاب رأسي وما شاب الغرام بكم
إني فتىً قد بناه الفاطر الباني
إن الكهولة لم تصدع فؤاد فتىً
يخافه الخلق من إنس ومن جان
قضيت دهري قتالا شبّه قلمي
غربا وشرقا بباريس وبغدان
أين النظير نظيري إنني رجلٌ
تخشى الأعاصير من طغيان طغياني
من أنت سوف ترى من أنت إن سمحت
روحي بقتل هوى بالشعر أحياني
تمضى الليالي طوالاً لا أذوق بها
غير المرارة من آلام حرماني
من أنت سوف ترى من أنت يوم ترى
إني سأضني الذي بالصد أضناني
لو صح عندك أني من أهيم به
لطرت تنشد صفحي ثم غفراني
يا أوحد الخلق في تنسيق صورته
ويا مثال السنا من نور تبياني
من أنت لا لن أسمى لن يبوح فمي
باسمٍ إذا قلته في السر أبكاني
يلوح طيفك أحياناً فتنقلني
إلى ديارك يا سحّار أشجاني
وأذرع الأرض أطويها وأنشرها
كالبرق يجتاز أكواناً لأكوان
فهل أراك كما كنا كان هوى
لو شئت صافحني يوما وناجاني
لا تنتهي فيك أشواق أصاولها
بجاحم من سعير الوجد سعران
ولا يجفف دمعي أن لي أملا
في عطف روحك إن أعلنت أحزاني
ما غاية العيش من دنيا أعيش بها
بخافق حائر الأحلام ظمآن
آهاً ولو كان في آه نجاة دمي
من قاتلين بأزهار وريحان
لقلت آها وآها واستعنت دما
هو المحجّب من أسرار وجداني
ما لي أجمجم خوفي منك يزعجني
هل كنت يا آسري بالحسن ديّاني
أأنت أنت أجب إني لأحسبني
أروى حديثك عن أحلام وسنان
لا أنت أنت ولا وجدي سوى كلف
من شاعر بنمير الحسن غصّان
كن كيف شئتَ وأنكر في الهوى شغفي
فسوف أدفع بهتاناً ببهتان
من أنت من شاعرٌ أدميت مهجتهُ
بأعين لك لم توهب لإنسان
من أنت إني أرى من أنت يا رشأ
من غدره سوف يسقى كأس كفراني
ستشرب النار من غدري مصلصلةً
والدهر يرجم خوّاناً بخوان
عليك أعتب ما عتبي على قمر
قد نام عني وخلّاني لأحزاني
أصوغ شعري حنيناً كي ترقّ له
من بعد صدّ وهجرانٍ وعصيان
فلا يكون جوابٌ منك من غزلي
إلا جواب كحيل الطرف نعسان
تراع حيناً بأنظاري أصوّبها
إلى جمالك من آن إلى آن
فتستجيب بروح باسم مرحٍ
كأنه الزهر في أيام نيسان
وتشتهي أن ترى أني بما سحرت
عيناك أنظم أشواقي بألحاني
لا لن أبوح بحبي لن أبوح به
إني لأنبت من أركان ثهلان
أكاتم القلب وجدا لو نطقت به
لثار يسأل ما خطبي وما شأني
يا قلب دعني لكتماني أنادمه
لم يبق لي من نديم غير كتماني
من أنت لا لن أسمّى من أهيم به
يكفي الذي قد مضى من فضح أشجاني
عشرون عاما وقلبي طائرٌ غرِدٌ
يساور الحسن من غسن لأغصان
قال الخليّون في شجوى مقالتهم
وجرّحوني بأظفار وأسنان
فليرجعوا وليكفّوا عن ضلالتهم
فما لغير الهوى للمرء عينان
أكان إثما عظيما أن أكون فتى
الحسن في شعره أزهار بستان
لا تسألوا أين شوقي ذلك علمٌ
لو قام من قبره يوما لحيّاني
إني تحدّيتُه حيّا فآمن بي
أين الذي بمعانيه تحداني
قالوا ذوي الشعر في مصر فقلت له
إني سأجعله من بعض خلاني
ما ضاع من أنا راعيه وكالِئهُ
بحارسٍ أخضر العينين يقظان
للأعين الخضرِ سحرٌ قاهرٌ خضعت
له الفواتك من صلّ وثعبان
الأعين الزرق في باريس ترهبني
كالأعين السود في آطام بغدان
سأوقد الشعر في الوادي وأعلنه
إن كان في حاجة يوماً لإعلان
الشعر في مصر فليسكت أخو غرض
يقول إن حماه أرض لبنان
مصر التي رفعت للشعر رايته
وأيدته بأبطال وفرسان
لولا سنا مصر في لألاء طلعته
ما كان يوما تبدّى نجم مطران
الشعر في الشرق نحن الحارسون له
على الرياض يخاف الغارس الحاني
أسلافنا قد أعادوا نسج بردته
إلى أصالتها في عهد عدنان
ما رام ناظم شعر غير غايتنا
من أن يكون هدى يوحي بميزان
الجد والهزل في أشعارنا تحفٌ
الجد والهزل عند الشعر سيان
فإن عدلنا وأجحفنا فلا عجبٌ
العدل والظلم عند الشعر مئلان
عنّا خذوا العقل في طغيان ثورته
هدما بهدم وبنياناً ببنيان
لا تحسبونا صفحنا عن تطاولكم
لا صفح عن كافر من بعد إيمان
من أنت ما هالةٌ يسري بها قمرٌ
مسرى الصبابة في أحلام ولهان
فتنتَ بالحسن آلافاً مؤلفة
يا أجمل الخلق من حور وولدان
إني أغار فليت الناس ما خلقوا
أو ليتهم خلقوا من غير أجفان
إن لم يروك فصوت منك يسحرهم
يا ليتهم خلقوا من غير أذان
من أي روح عصوف أبدعتك يدٌ
من بدعها كان بالخلّاق إيماني
ما البدر في نوره الباهي وطلعته
إذا تألق في أعقاب أدجان
أدل منك على أن الوجود سنا
قد صاغه من سناه روح فتّان
لو يعبد اللَه يوما في بدائعه
لكنت يا ساحرا معبودنا الثاني
اللَه فيك أرى إني ليطربني
إن الوجود جميعاً روحه الغاني
أنت الجمال وروح الحسن خالدة
ما في الحدائق زهرٌ ذاهبٌ فان
إن الورود وإن لم يبق رائعها
يومين تضرب أزماناً بأزمان
إن العبير إذا طاح الذبول به
يبقى وليس عبير الحسن بالفاني
تلك المذاهب من غيّ ومن رشدٍ
ومن جنونٍ وعقل وحيُ أكفان
لو مات من مات حقاً لا نقضى أثرٌ
لذاهب لم يعش إلا بجثمان
ما نوحُ ما أمرهُ والفلك تنجده
من الغوائل طوفاناً لطوفان
هل كان نوح سوى رمزٍ عرفت به
أن لا فناء لروح أو لأبدان
من أنت سوف أسمى يوم تلهمني
ما لم يكن لي في وهم وحسبان
ويوم يصبح شعري فيك معجزةً
تكون في سبحات الخلد برهاني
أقول هذا وإن لم يجترئ أحد
على المجاراة في الميدان ميداني
أروم شعراً كشعري فيك يفتنني
كفتنتي بغرامي يوم تلقاني
هذه القصيدة وحيٌ منك أطربني
قل لي متى يتجلى وحيك الثاني
أنت الرسول رسول الحسن في زمن
أنا الأمير به من بعد حسان
قصيدة بأهل إسكندرية بعض ما بي
من أجمل قصائد زكي مبارك، قصيدة بأهل إسكندرية بعض ما بي، ويقول فيها:
بأهل اسكندرية بعض ما بي
من الأحزان للثغر المصاب
أدار هواي ما قلبي بناس
هيامي فوق أثباج العباب
وهل ينسى أخو كرمٍ وعهد
رحيق الراح يمزج بالرضاب
فإن تكن الكوارثُ آثمات
صببنَ عليك أسواط العذاب
فلن ينسى لك التاريخ عهداً
ضحوك الوجه مرهوب الجناب
حماك اللَه يا دار التنادي
إلى الهيجاء أو دار التصابي
ألم تمرح بساحتك الجوازي
لواعب في حمى الأسد الغضاب
ألم تلفى مع الأقدار يوماً
كتائب من لحاظ أو حراب
وكيف يطيب للدنيا وجودٌ
إذا هدّدت ظلماً بالخراب
وأين تجول أفراس المعالي
وأين تصول أحلامُ الشباب
عروس البحر والدنيا سفينٌ
تروّع بالقواصف والضّباب
أعندك أن دار المجد تنجو
على الأيام من كرب الصعاب
أعندك أن في الدنيا رياضاً
تصان من الأفاعي والذباب
عروس البحر ما هذي الرزايا
تصبُّ على بنيك بلا حساب
أكنت جنيت والدنيا مجال
لمفروض الثواب أو العقاب
جمالك فاتنٌ والحسن ذنب
لأهل الحسن في شرع الذئاب
فما شكواك من ظلماء طالت
وتلك جناية المجد اللباب
عروس البحر يا مهوى فتوني
ويا مغنى أمانيّ العذاب
عقلت بأرضك العزّاء عاما
فكان أعز عام في شبابي
دخلتك عانياً في أسر ليل
أصم القلب زنجي الإهاب
فأقبل نورك الوردي يسري
إلى أرواحنا من كل باب
رأى العقّال أن نحيا أسارى
حياة السيف في سدف القراب
فلا ندري لوجه البحر لونا
سوى الموهوم من لمع السراب
ولا نقتات من زاد الأماني
سوى المظنون من يوم المآب
فهل سمع الشقيّ بما أفاءت
علينا اسكندرية من ثواب
هدير البحر كان يعجّ عمدا
ليطربنا على بعد المثاب
وحبّ الزمل صار لنا مهاداً
مطرّزةً بأزهارِ الروابي
فأمسى الاعتقال على اجتواهُ
رخيّ القيد مأنوس الرحاب
عروس البحر حدّثني شهودٌ
بأن الشط صار إلى تبات
فلا غيداءُ تخطر في حماه
كرقص البدر من خلف السحاب
ولا صبّ ختور العهد يمشي
على جنباته مشى الحباب
ولا صهباء يحسوها بنوه
وقد قبست من الذهب المذاب
إذا طافت بهم هاموا فخفوا
لمقبول المجانة والدعاب
وأمسوا والكواكب في علاها
لهم أسلاب فتك وانتهاب
سلاف صانها باكوس عما
يشوب الراح من إيم وعاب
ألم يثقل على حكماء قومي
وقد عاقرتها وزر اغتيابي
أمير الشط كنتُ فأين عهدي
برعي الحسن في الشط العجاب
وأين رماله مني وكانت
مناسك صبوتي في كل آب
إليها كان حجّى واعتمار
وفيها كان ختلى واختلابي
فكيف أذوقُ للصبوات طعما
وعن عرفاتها طال احتجابي
ندامى البحر سوف أعود يوماً
لأطفئ ما بقلبي من لؤاب
نشيدي في التصوف كان لحناً
نقلت صداه عن قصف العباب
سواي يرى الوجود إن اجتلاه
سطوراً ثاويات في كتاب
ويجلوه لوجداني وروحي
إذا ما شئتُ إظلال السحاب
وهل كانت حياة الناس إلا
قلائد صاغها ربّ الرباب
عشقت البحر والصحراء عشقا
به طال اندفاعي وانجذابي
أطلّ على الفضاء فتزدهيني
رحابٌ غارقاتٌ في رحاب
وانظر للوجود فلا أراه
سوى خمرٍ تعاقر أو رضاب
أخلّائي هنالك حدّثوني
حديث الثغر وانتظروا إيابي
أفوق ربوعه غامت سماءٌ
مؤججةٌ بأقباس اللهاب
وما القوم الذين عدوا عليه
كعدوان الذباب على الشراب
أكانوا جنّة صمّا فعاثوا
به عيث الأراقم بالوطاب
أكان النسر في التحليق أدنى
إلى الإسفاف من ذاك الغراب
نطاح كلّه سفهٌ ولؤم
ولو كرهَ المصانع والمحابى
أحقّ أن مغنى الثغر أقوى
وأقفر من أحاديث الصحاب
فلا النشار يسأل غير صاح
ولا شيبوب يحلم بالجواب
أبو شادي أفاق فمن بشيري
برجع الأمن للثغر المهاب
وكيف يعيش روح كان أنسى
وإن ألف اللجاجة في الغضاب
أكاتمُ حبّه قلبي وأمضى
فأعلن بغضه عند العتاب
هو الدنيا وقد جنّت فصاغت
رحيق هواه من شهد وصاب
بأهل اسكندرية بعض ما بي
من الأحزان للثغر المصاب
سمعت حديث نكبتهم فأمسى
فؤادي في انصداعٍ وانشعاب
ملائك من أديم الخلد صيغوا
ليوم الوجد أو يوم الغلاب
أعزّ البحر أنفسهم فعزّوا
فهم قوم اعتلاء واصطخاب
هم الحراسُ للوطن المفدّى
من العادين أبناء القلاب
فكيف تبدلوا وأدال منهم
مديل البأس من وكر العقاب
تساق إليهم الأقواتُ هلّا
تساق إليهمُ عدد الحراب
أغيثوهم بسيفٍ لا بزاد
فهم خلفُ القساورة الصلاب
أمدوهم إذا شئتم بجيش
وقاح الوجه منزوع النقاب
فما حفظ الديار سوى حسام
به ظمأٌ على يوم الضراب
أجب عبد القوى وأنت شهمٌ
صريح لا يراوغ في الجواب
أأنت ترى المخابئ واقيات
وهنّ أذل من غار الضباب
وما شرف الفتنى وقد استنامت
جوانحُه إلى مثوى الهوابى
لنا ماض نسيناهُ فضعنا
ضياع التبر في جوف التراب
لقد كنّا وكنا ثم كنا
أداة الفتك من ظفرٍ وناب
ركزنا الرعب في مهج الضواري
فكيف تروزنا مهج الذئاب
لوادينا القوىّ عنت وجوهٌ
عززن بالانتساب والاكتساب
ألم ندفن بوادينا قروماً
أرادوا الشرب من أمواه حابى
فكيف نكولنا عن ردع قوم
لئام البغي منكودي الإصاب
همُ ظنوا الكنانة زاد يوم
كظن النمل في نسف الهضاب
فإن فازوا فسوف نكون منهم
مكان البحر من لهب الضوابي
وسوف نظل نحن كما فطرنا
أباة الضيم أحرار الرقاب
عركنا الدهر جيلا بعد جيل
وكابدنا الألوف من الصعاب
فما هنّا على الأقدار يوما
ولا أمست بوارقنا نوابي
ألم نشرق على الشرق المعنّى
فندفع عنه آصار الضباب
ولولا جدنا في الشرق صارت
بقاياه العزاز إلى الذهاب
بنا وثقت شعوب لم تواجه
بروق الغرب إلا في ارتياب
بنا استهدت بصائر لم نرضها
خداعا بالمواعيد الكذاب
كدأبكم وقد مرنت نهاكم
على سرت الخيانة بالخلاب
أكان العلم في عالي سناه
ذريعة الاستراق والاستلاب
أروني منّة أسلفتموها
بلا نهب يراد ولا اغتصاب
طلائع كان علمكم ليوم
يهون بجنبه يوم الحساب
ولم يك علمنا إلا نظيراً
لضوء الشمس يزهد في الثواب
أأنتم تفتنون بما ملكتم
من العدد النذيرة بالخراب
ولا نُزهى بآراء صحاح
هي المنشود من فصل الخطاب
فإن تخلد مآثرنا وتسلم
على التاريخ من شبه المعاب
فذام لأنها آثار قوم
كرام الروح أطهار الإهاب
لنا الخلد الذي لن ترزقوه
ولو أوتيتمُ ملك السحاب
فخبّوا في المطامع كيف شئتم
وخوضوا القاتمات من العقاب
ورودوا الأرض في شرق وغرب
بكبر الليث أو زهو الغراب
وصولوا آثمين بنار حرب
تحيل المزهرات إلى يباب
فسوف ترون بعد مدىً قصير
فرائس للمحاق وللذهاب
بأهل اسكندرية بعض ما بي
من الأحزان للثغر المصاب
أتلك قيامةٌ قامت فدكّت
حصون الباس من تلك الطوابي
فمن كهل سديد الرأي يمسي
لوقع الهول مفقود الصواب
ومن رشإ تصيّره الرزايا
وقيذ الشيب في شرخ الشباب
ومن عذراء يلفظها حماها
فتخرج للبلاء بلا نقاب
قوارع لم تقع إلا بأرض
يقارع أهلها وقد الحراب
فما آثام أهل الثغر حتى
يشَنَّ عليهم ويل العذاب
مضت زمرٌ إلى الأرياف منهم
مضيَّ السد من غاب لغاب
فكيف استقبلوا بعد ارتفاه
جشيب العيش في تلك الشعاب
أمن بعد الحشايا ناعماتٍ
يكون بساطهم متن التراب
على جلواتهم في الصيف كانت
تزفّ أطايب الحسن اللباب
وفي داراتهم كان التنادي
إلى الصبوات في الشط الرغاب
فكيف مضوا حيارى لم يثوبوا
إلى زادٍ يعدّ ولا ثياب
وكيف غدوا بهذا الصيف صرعى
لمشؤوم الشتات والاغتراب
كذاك العيش بؤسٌ بعد لين
وشهد يستقى من بعد صاب
ومن عشق السلافة في صفاها
أحب لحبها رنقَ الصباب
عروس البحر نسرف إن رأينا
حياتك في المزاح وفي اللعاب
وكيف وفي معاهدك الخوالي
تسابقت العقول إلى الوثاب
بكل محلة وبكل أرض
مآثر منك طيبة النصاب
وما روما وأثينا إذا ما
تبارى الفاخرون بالانتساب
منار العقل كنت بلا امتراء
ونار القلب كنت بلا ارتياب
بكى التاريخ من عهد لعهد
مصاب العلم في دار الكتاب
فهل كانت بدائعها لقوم
أجانب عن مرابعك الرحاب
بناك إسكندر فيما بناه
كذلك قيل رجما بالمغاب
ولو أصغى أولو الألباب يوما
لهمس الوحي في تلك الروابي
لأمن فتيةٌ منهم برأي
يخالك صادقا بكر العباب
وهل فينوس عند مربيها
سوى راقود في أحلام حابي
لكيما أنت يا دار التنادي
إلى الهيجاء أو دار التصاري
لكيما أنت من أيام نوح
توارثك ابنك عن خير أب
مضى عهد القياصر في انزعاج
بأرض اسكندرية وانقلاب
بلادٌ لم تكن إلّا مجالاً
لمشبوب الصيال والاحتراب
بجمر الثورة الحمراء يغذى
بنوها لا بزاد أو شراب
وجاء الفتح فانقادوا لقومٍ
مساكنهم بصهوات العراب
هو الإسلام طهّرهم فأضحوا
كماء المزن في شعب اللصاب
فهل يدري المؤرخ كيف صاروا
طلائع للجهاد وللغلاب
عليهم عوّل الإسلام فيما
أراد من المغاربة الصلّاب
فأموا الغرب يحرسهم تقاهم
وقد مشت الملائك في الركاب
وحلوا عادلين به كراماً
حلول الغيث بالبقع الجداب
فلما أن هوت شمس المعالي
بأندلس ولاذت بالحجاب
تقاطر أهلها يبغون حصناً
يقيهم شر أيام التباب
إلى جفن الحمى بالثغر عادوا
كما عاد الجراز إلى القراب
أتاريخاً يحبّره قصيدي
لماضي الثغر في عهد الشباب
وما الشمس المضيئة إن حكتها
لرائيها خيوط من لعاب
عليك اسكندرية أن حزني
فطار تجلدي وهوى صوابي
إذا فكرتُ فيك غلت دمائي
وآذن جمر حقدي بالتهاب
ألا سيف أجرّدهُ وأمضى
لأدفع عنك عادية الذئاب
ألا جيش قويّ البطش ضار
يذيق عداك أكواب العذاب
سأصمت كارهاً والصمت حينا
يعدُّ من البراعة في الجواب