أجمل قصائد شريف بقنه مكتوبة كاملة
شريف بقنه هو مترجم وشاعر سعودي، من مواليد عام 1981، مشيط في السعودية وصدر له عدد من المؤلفات والترجمات، وشارك في أمسيات وحوارات أدبية متنوعة ويلقب بـ"الطبيب الشاعر" لأنه طبيب أخصائي في الطب الباطني. وفي هذا المقال نأخذك في جولة شعرية وننقل لك أجمل قصائد شريف بقنه مكتوبة كاملة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
قصيدة تدليس الرتابة
"وما الذي يمكن أن نطلبهُ من هذا الكوكب الشقي الذي تتسكع فيه سوداويتنا وكآبتنا عدا الأفكار الشاحبة التي قد تساورنا عن هذه اللحظة ؟"
حشرَني عُكاشةٌ في الحُلْقوم! رفَثُ الأرض ينزلقُ من فوْق تُرقوتي والشكُّ ينخلني سويْعات تكليف مسؤولية مَحْسور لا بد لها أن تُستهل
ليشارف العالم على الانتهاء، إنني غاية لا تُبرّر، تبحثُ عن تأويل، أخونُ ديمومَتي كل مرّة وأنامُ في حِرز الظلام
وأفشل بالتأكيد كلّ صَباح حتى اللّحظة في الاختفاء من سَريري وفي كل نهار كنت أظنُّ أنني أستَفيق، غيرَ أنني كنتُ أتحَلّم
أتضاعف وهُنا طامةُ التحليل وفضيحة المتّقين، تنالُني مُدجّجاً بالاضطِهاد، أتملّص عن المَقْصود وأتحرشف، تتخبّطني الأوهامُ
في قَرقعة الصّقيع أن أُصَبّ تمثالاً جليديّاً على شَفَةِ الشّارع اليابسة، أخَرّز قسوة الألماس، أتفسّخ خِرقة صمّاء
أي بَقاء يتّصلُ فيُقشّرني مثل موزة تُتمتم "غير أنّه ليس لك، إلاّ تكرار ذاتك" فأتكرّر حتى اللحظة التي أسكرُ فيها مغناطيسياً
وارتجف، هناك في عويص لا وعي القاصي، تنسلُّ قوةُ طَرْد مركزيّة راقية، تُمغنطُ بشكل مُذهِل كتلاً متناثرة أمامي
مشهدُ انحرافي الضّال عن درجةِ التردّد المُنجية! الشكلُ الرياضيّ لهذا العَبَث الكهربي الإهليجي يضطرّني لتحليل الموقِف
وكل كفّة في ميزان الصحّة أو الخطأ لا بد أن تكون مُتناظرة لتحليل الموقِف مسيرةُ العَقْل لا بدّ أن تبقى سليمة
إنّني ثقةٌ حائرة عن التِماساتٍ رياضيّة مَزْعومة، هندَسةُ الظلال تعمرُ الدّنيا ونحن رقائقُ سيلكون مُهرقِطة
تُحدّد حيّزاً تَخيّلياً فيه مَنظومة قاسية، الأبعادُ عندها تتحقّق بتحفّز مُشين، تتأفّق هكَذا، فلا أتذكرُ غير الأوامر!
وانتظر، أتوحّدُ مُنكفئاً مع قُمْقم خَلْوتي؛ الكآبةُ كنزٌ لا يفنى وأستحي، تلتفُّ المفاسدُ تَلتَقِفُني! لا أهتدي بل احتذي
أشحذُ همّتي على رؤوس الأشهاد، على الشَعْرة الحَمْراء المشهورة، تحت سريري، لا أنتحي، بل أمّحي، أتذكّر أنني ممحاة!
تمسّيح، عن سِحْليّة رَقطاء تسلّلت من كُمّ ثوبي وعثَت فيّ الفساد، أعيش في فاقّة النّسيان! في بقعة توجّس
حيثُ وجودي في هذه اللحظةِ بالذّات محْضَ إسْقاط توقّعيّ خاطئ، أفترشُ الكفافَ في بَطْن أمّي لا أحيد
وأستحيلُ زوائدَ مُنكر لو تعطّل الوقت لنَفْحة، موهنة، هَلْ أكونُ لو فشِل الوقتُ لثانية! أي بديل ليضطهدني!
أي تواطؤ ينشُرُني مُفكّكاً على فَتيل القدَر لـ24 ساعة.. مُستحيلة، كان كل ما فهمته من اتصالي المُدهش
"لا يلدغُ المُؤمن من الجُحْر مرّتين" وثقة غير مبرّرة بأنني سأشاهدُ حياتي مرة أخرى مثل فيلم سينمائيّ تليد
والبقيّةُ تبخّرت بعد يقَظَتي من قَيْلولتي في جحيم دانتي، مَخدّةُ القَادم تترهّل وتَجثمُ على بصيرتي إنني
أفتقد أدنى مُستويات السّيْطرة على ذاتي أتعلّمُ مائي وأفور، انفطرتُ سِحْرَ إسْفَنجةٍ مُخلّقة، نُفخ فيها شيئاً من روح الله!
وتُركت وحيدة تنفُث، حتّى يُنفخ في الصّور، يزعّق من جَوْفي صريرُ قُضبان قِطار الجنيّة الصفراء، أتمنّى أن لا يسمعه أحَد!
أقنصُ ارتقاء سَقْف الأفق، يَلْتفُّ سَعَفٌ سماوّي مَهيب، يُخَلْخلُه أشراسٌ مُجنزرة! وتَحْت سريري، انحل أنا في أهزوجَةِ الرّيح
وما أن يَلْبس الّليلُ جوْاربَه حتّى التأمْ انغَزل "شكراً للأشواك فقد علمتني كثيراً" أي موضة فاسدة تلك يا صاح!
قُمامةُ السّماء تنهدر على رأسي تبصُقُ مُضغةَ الحقيقة على وَهْن، عن مادّة صِرْفة علَقَتها مُرّة، لكنني لست رجلاً آلياً!
إنّني آلام! يا لهذه الهيستريا التي تبعثُ على الشفَقة، أن لا يبقى على وَجْه المَعمورة غير أجسادنا الثديّة تسوق البقاء
تحتثّ شبقَ البقاء، نتفنّن هكَذا، ما هيه استمرار مُجرّدة، نتمخّضُ فسائلَ تجهّم ودهشة لا تنتهي!
زقّوم ينبت من صلعتي، هل سمعتَ يا عبّاس عن الأحَاسيس (الفَوَرانيّة) لا، فلقد شبعتُ من الموت
هكَذا نِمْتَ وتركتني، على قارعة الفَرسَخ، أقضُم خشاشَ قميصي ومن فَوْق بطني وسرّتي تسيحُ ألوان عباءتي
لكأنني، ممحاة إبادتي، لألتوي وأرتوي في زَفَر السّماء وأنتهي
قصيدة ثقب كوني
أحتاج لفُسحةِ ضَياع، بعيداً عن مووايل ملحم بركات وسيمفونيات تشايكوفيسكي وصوت الطّبل للخَطوة العسيرية
بعيداً عن قصائِدِ ريلكه وأحمد المُلّا وفلسفات شوبنهاور، بعيداً عن أصواتِ نبضات مريض على جهاز الإنعاش
والصّدمات الكهربائية لقلبٍ قد توقّف، أحتاج لبَنْجٍ في مُسدّسٍ ماكر، أحملِه في جيبي وأضغَطُ على زنادِه متى ما أردت
أخونُ كلّ شيءٍ وأتذكرُ النسيان أصحو في الأحلام وأنفضُ رمادَ الأيام وأسافرُ سدىً عبر شرخٍ في السماء في زمرّد التشرّد
أسقطُ في ثقبٍ كَوْني ، فما أروَع الضياع على طريقةِ الكون. أحتاجُ للحظاتٍ (خارجَ النّص) ارتجال ينسُفُ كل المواعيدِ المكررة
لرُبما أعود بعد ذلك طِفلاً من جديد بتلك الطاقةِ القُصوى من الدهشة. لربّما أعودُ وقد تبّخرت جميع الكُتُبِ التي كتبتها البشريّة
ولنبدأ العالمَ حينَها من جديد ونُدمِن أفيونَ المعرفةِ مرةً أخرى علّنا نصلُ لنتيجةٍ أقلَّ ندَمٍ
قصيدة مدن العزلة
مُوسيقى تغسلُني في الّليل، كائناً كونياً، كلّ يَوْم عنده، عالمٌ بأكمَلِه، أولُدُ في أوّلِـه وأموتُ عند ساعة الصّفر
أرمي برباطِ عربَتي إلى النُجوم، لو أكتَفي بهذِه الأرضِ واترك ذلك الكوْن مخذولاً في صَدْري
رأسُ هذا العالم حَرْب وقدَميّه حَرْب وبينهم الصابئين مدمني البّارود، رأيتُ مُدُناً تفرّ خِلْسة في ظلمة الليل
تستَحِمّ في ماءِ القُرى، رأيتُني، تراشقني الأسهُمُ وأنا أذودُ بدِرْعي عَن صديق أعرفه، قُمْتُ ورَشَقْتُ صديقي بسَهْم
نِمْت، لم أُرْشَق من حينها. أبديٌّ ما بين نَجْمَتين كَـوْن ينَام. ظلامُ الفَضاء وليلة الأبَيد، من يوقظ الفلك مِن إهليجه النّعسان!
"لا شيء يُمكِنُ عَملَه.. ولا شيء يستحقّ العَمَل" أكَمةُ الأرض يحاصرها خوارُ بَقَرة يشبهُ غرغرة حنجرةٌ في نزعها الأخير
تتضاءلُ غرقاً في لُجّة المُحيط. عند دَفتيّ الفَتْرة نطفحُ سُأماً، ثم ماذا بعدَ الخَيْر والشّر! قتلتنا لعنةُ الفترة
صباحٌ خَوان عليهم، أرفعُ سِتارَ نافذتي تربّصتني سَماءٌ سَوْداء لم تَصحو فيها نجمَةٌ واحِدَة! ماتَت الشّمس ولم أمُت أنا!
يَنْفجرُ الفَرَاغ.. فَحْوىً من غَيْر ضَوْضاء، أنحَلّ من ذاتيّ قشورَ لا ذاتي أعَوّض تذمّري، أمُـوتُ بِكُل طريقةٍ أعرفُها
هكذا.. افتتح قوانينَ البَدْء لعِلْم الفُجاءة، أزهدُ بجهلي ذُخْري المَديد، لا شيءْ في نفسي الضّعيفة ولا شيءَ في العالمِ الكَبير
غير مُرابطة الصّمت وحَذَرٌ أبديٌّ كريه، تفاقم الوقتُ وضلّ الطريق، إنـّها روعةُ الخراب وتهشّم الرّوح في تنّور الّروح
هكَذا، حتّمت عليّ الفَوْضى، أن أحترفَ عُزْلة القُوطي، عُدْتُ من السّفر الطّويل، على الرّغم من أنني لم أبرحَ المَكان:
يأتي صباحٌ يستيقظ فيه شَيْءٌ فلا تَغْرب الشّمس مِن بَعْده. يأتي زَمَان، لا يستعبدُ الوَصْف من بعدِه بالكَلِمات
ويسودُ الصّمت الرّهيب العَظيمُ حينَها مَنْ يواري بَابَه ويعتزل النّاس للأبَد، ما أجمل العُزلة في السّجن
يَأتي قَضَاءٌ، يَقتلُ السّأمُ فيه عبادَ الله وتموتُ المَعْرفة، نُوارى أطلالَ عِلْم قَدْ فَسَد، يأتي صِراطٌ
لتِسْع وتِسْعين امرأة كل واحدةٍ عقدَت ضفيرتَها بعُنُقِ الأُخْرى، على نَحْر التّل يتسلقن، ثم يتساقطن بسَكَينة
حزناً على مَوْت الصّبي الوَحيد في القَبيلة، حُلمي يَقَظةٌ وحَدْسي زُور، وتهلكةٌ مرهونة تساومُ بجَسَدي، ملاذاً للنّكبة
موجَتي، لم تجد شاطئاً لَها فارتَطَمت بأسفلت المُدُن نَجْمَتي، لم تجد سَماءً تضيءُ فيها، فتخبّأت وذات وضُوءٍ
مسَحْتُ عن قَدَمٍ ونسيتُ الأخرى "أفكلّما نحُل الغريب، وخفّ سريره تمزقت الغرفة"
كلّما حملقتَ في عقاربِ السّاعة، يقفزُ عقربٌ ويلدغ جفْنيك، عندَما تَرْهنك ساعةُ معْصمك
وتستنفدُك معنىً وحيداً لها: لا بد أنك تأخّرت أو بكّرت في كل شَيْءٍ تفعله! لسْت سوى مَسْألة وقْتٍ
واتفاقٌ بُرجوازي لا يتطلّبُ حضورَك! أي ابْتذالٍ تواطأت عليه عقولُنا لنُلدَغَ، ما بين عَقْربين
"السعداء.. لا تدقّ ساعاتهم" المدينَة، أفضلُ حالاتِ الهَوَس البشريّ، حيث قتلَتْنا الأصنام!
الشّعْرُ، ما لَم يتّفق عليه ولا يصلح إلا طالحاً! العُزْلة، نجْمةٌ وحيدةٌ جداً في علياء مَجْدها، كبرياءُ البقاء وحيداً
الأرْض، لَها جَسَدي، أما روحي فلا سَمَاء تحبِسُها، مُـدُنٌ تَخطّفتها مُدُنٌ، والأقدارُ تحملُنا أياماً مؤجّلة في أدنـَى الأرضِ نَنبتُ
قـَشَّ الرّعاع أقْفرَ حَمْأة الشّمس وظلالُنا، ظلالُنا تحتالُ لقاءاتٍ لعَنت وداعاتها المتكرّرة، ضوءٌ خَبيبٌ ضَعيفٌ، عُزْلتي
قُمْتُ لأكبس مفتاحَ الإنارة، فانطفأت الغرفة، عُتْمةُ المَكان، نهارٌ لظُلْمة الَقلْب، أقاتلُ حياةً داخليّة أخرى
عنيفة تختلفُ عن تلك القُشور التي تتخبؤون وراءَها، أعيشُ، ألتصقُ بروحي مع طمأنينةِ المَوْت
ما فوقي مِحْـنة وما تحتي فتنةٌ أنا مُفْشيها، لا يستحق العَيْش سوى الأطفال، وأنا مَهْدورٌ، لأجله استجدى
أدنَى ثِقة أبحثُ عن أضعفِ تأويل، لكنني لا أقرأ سوى أبجدية جحيم ولا إشارة لأيّ هدَف
أسقطُ في المكَارثية العُظْمى، انحلالٌ وجوديٌّ يعزلني من كلّ شيْء، عُزْلةٌ، لم يَعْرفها الجحيمُ يوماً
"نفسي حزينة حتى الموت" إلى ربيعِ حَمَام يهدّج زُرْقةَ السّماء، ستَروني كل فَصْل تذعُرني الأرضُ ووجعُ الأسْنان
"مولدٌ واتصالٌ ثم مَوت، تلكَ هي كُلّ الحّقَائق حين تُدَقُّ المَساميُر في النّعوش" عن المَارقين، عيونُهم الحَزينَة
تقهرهُم السّنون وتمزّقهُم أجالٌ قَصِيرة والحياةُ، على كُلّ حالٍ تَسير، وتظلُّ كذلك تُغرّر بكلّ جيل وتواجُه كلّ فَرْد
على كُلّ حالٍ تَسَير. تلك القَوّةُ العِمْلاقة، تسيرُ في صَمْت، ينوسُ فيه الشّقاء ليظفر بحُبور الأرض قاطِبةً
ينغمرُ العالَمُ في روحِه أحاسيسَ فيـّاضة. لم يَعْرف أنّه بُركان إلاّ عندما فارَت حمَمُه! ميّت من قام النّهار
ونام الليل كلّه، كُتِبَ المَعْنى على الإنسَان، محكومٌ عليك أن تهبَ بَدَنك عيدَ الأرْض، أن ترتَجِل العُمْر كلّه إرادَة خَيّرة
تَشكُرُ رُغْمَ كلّ شيْء، طوبَى للا نهائيّ، المَكْنون في صدرك، كلما تخاذَلَ المنطقُ وأفلسَت حِنْكته، يمسُكُ الشّعرُ
بزمام النوائبِ ويسجّرُ تنّورَ القصيدةِ وَهَجاً كونيّاً، أهشّ بمِنْسأة الغواية! تفرّج كُربتي، آنسُ في فراديس جنتي
الآن وجحيمي بعدَ غَدٍ وما بَيْن ذَلك على حافّة الرّؤيا أتضاعف تقديرات مُتجاوزة، الشّعر، أثملُ من نِسْيانٍ أثقلَه التّركيز
مزاجٌ كُلّـي لَهُ الأحياء والأموات لهُ الكَوْن وحدة يسخّرها فلا يشتهي شيئاً سوى العُزلة. مجازُ الّلحظة تستَهِلُّ ختامَها
على أن تَسْكبَ كلّ شَيْءٍ فوقَ رؤوسِنا، الصّيامُ عن الشعر، أقذر وسائل التسلّط على الذات، اليَــوْمُ عروسُ الأرْض والسّماء
عندَما أخرجُ هُناكَ مُهَرولاً على العُشْب القَزحي في بَنَفْسَجِ الغَسَقِ وأشعُرُ بسَديم هذا الفَضاء ينداحُ من بين كَتِفيّ وتحت قميصي
أسلّمُ روحي للمُرسَلاتِ تَذْروني أسفارَ ابتهالات، أتركُ لروحي أن تَتَنازلَ عن كلِّ أحزانِها وتغْفِر كـلّ الآلام
قصيدة سونيته الشاعر
أمِيرٌ نَقيٌّ يصْطفلُ بين مَرايا مَنْسكه إيثار من يَكتفي بذاتِه مركزاً للكوْن
كان في صِباه قد خرَجَ مَسْلولاً يقاتلُ الأبديّة ولَمْ يعُد إلى داره من حينِها
شقاءُه القَهْري كلما انحسَرَ في سويداء قلْبه يشعُر برغبةٍ عارمة لاجتياح الفِضاء
صَمْتُ هذا الكون الرّائع يُفزعُه! وتكرارُ الحياة اليوْميّة لا يَعْني بالنّسبة إليهِ نجاحه في البَقاء
وإنّما نجاح الحَياة ذاتها كآلةٍ مـتفوّقة تبطِشُ بالجميع كلّ صَباح، على قلَقٍ وجوديّ لا تكفيه
ساعات المَساءِ وقد أقسَم بأن لاّ يرى الصّباح، وجهُهُ تبـاريحُ الغِواية تظنّه محارباً قديماً
لا يبرح سُرّة اللّيل قائماً يحرثُ قبرَه ميلاداً في كل سَطْر يكتبُه بالمـاءِ والنّار
يَنْتشرُ يرتجفُ مُمَـغنِطاً سنابكَ القصيدةَ، ثم يجتمع ويرحل، تظل الورقة تغرقُ بألـف كُرةٍ أرضيّة!
تلك التي كانت قديماً تـدورُ وتحلُمُ أغنياتٍ مـتألّقة حتّى المَساء، لكنّ الأغنيات استقالَت لأنها أصيبت بالدوار
الشّاعرُ لا يترفّعُ باللّغة! لكنه يشعلُها وينفضُ الرّمادَ عن أبيات قصيدةٍ تحترقُ فتائلها
وتنتهي بالقضاء على ذاتها، ولن يكتبَ مرثية للدّخان
قصيدة كسارة البندق
إلى بيتر آيليش تشايكوفيسكي، على أرجُوحةِ نُحـاس من بقايا خَلْق المجرّات
نتهدّجُ بخشوع ووقار إجلالاً وتكريماً لحُزْنك السّامق أيّها المَهيب، نتسلّقُ نشوَة كلّ مرّةٍ
ظفائرَ متورّدةً من نور ونار، نشعِلُ فُسيْفساءَ النّهار بأكمله، في حُلُم الظّلام ومن فوق قبّةِ العرائس
نتساقطُ بألَق بجعات الفَجْر في بحيرةِ الّليل الإنسي، لن تُغادرَ نوباتَك الأزليّة، ما دمت حيّاً تموتُ في كلّ الأرض
يا أخطبوط العَوالِم. كل نَـوْبةٍ، مِطرَقة مسوّمة من العصْر المِسماري تدكّ بشرة المَسْحور؛ أقسمُ أنني انشطرتُ
انسحقتُ ما بين سَماءين فِضّة منثورة، في فلوات الخواء من ذا بُرهان ليبدَأ، فما أنا سوى جِسْر المرور أتجاسرُ
أو لا أتجاسرُ، من ذا كَريماً يشحذُ الشّفير لـمِنجَل يجزّ أعناقَ الخلائق، فلا تُسفَكُ غير رأسي تتدحّرج على قارعةِ الطريق
ككُرة قدمٍ ركلَها طفلٌ أحمَق، قد يكونُ أنّ السماء تنتحب، كلّ حين حُزناً على البشر تصرخ وتُجَن ثم تنهدِرُ باكية
أهكذا يكونُ المطَر! بماذا تحلُمُ كلّ ليلة، أيها العظيم! وكَم جنازة يدخّن رأسك في اليوم! وكم مرّة غدَرْت بنَفْسِك
وكل شَيْءٍ حولك نُسِفْت عن بَكْرة أبيك! ثمّ عَزَفت مَسْعوراً فوق أطلال رفاتك، مَضَغْتَ روحَك تخليصاً لآلام
غُلّقت محابسها خلفَ النجوم، أيّها العدَميّ، إنّني أهيم بك
قصيدة أشعار التالف
أفتّشُ عن فِكرة فاسِدة أبلّلُ بها نُخورَ جُمْجمتي العِجاف، لُبّدةُ تخيّلاتي لم تَنبسْ اليَوْم بأي شَيْء ينفي الحَياة
أيّ احتماليّةٍ أنطعِجُ فيها بَيْن مِطرقة وسِنْدان، نُخوري تكفهرُّ بخِضَامِها. نُخوري حالةُ قُصور ذاتِيّ.
(كانَ يَصْحو فيَسْهو عَنِ النّوم، وإذا نام كانت نوْمة الكَهْف، كانَ يَخْلقُ في الّليلة الواحدة ألفَ فِكرة لفَهْم نَفْسه
وكلّ فِكرةٍ زائغة "حيّةٌ تبتلع الأخْرى، وذلكَ أفضلُ لهُما" وذاتَ ليْلة، دفنَ جَسدَه في حديقةِ المنزل فلم يَنْبُت مِنهُ شَيْء
ذاكَ الدّخانُ المُبدّد المُشرّد.. لا يجدُ مأوىً يجمعُ شَتاتَه، غير صَدْري .. ناقوسُ اليَباب
في صَخبَي الصّامت أخشَوشَنُ بدَعة لعصياني البريء: ليلةٌ قمراء، كانت قدماها تتدلّى من على طرَف الهلال
عندما مسّت الأرض سالَ الشارعُ من فوق حاجبيّ كُحْلاً سَرْمديّاً وغرقتُ في نَهْر الجنّة
لَوْ ثُقِبْت السّماء لضجّت هَجعْةُ الفَضَاءِ نَمْنمةً وفاحَ داءُ البَشَر، ها أنا، التحف السّماء الكاذِبةَ منذ
ألف سنةٍ مما تعدّون، ولا تأتي! أستجدي زُرْقتها الصّفراء فلا تميع! تترفّعُ عنّي
شاعرٌ مَهْووس باحتفالاته، يؤرّخُ تلَفَه أثَر المَوْتى وإرْثَ القادمين. ها أنا، ألتفّ رأسَ دُمْيةٍ إسفنجيّةٍ
تراشقها أقدامُ متسكّعين يفترشون رصيفَ السّفر، هُناك، في الوَقْتِ الضّائع، أنامْ، سريرٌ ليس لديه شيْء ليَخْسره
لم يبقْ في المدينة سوى الهواء.. وأنا.. مَغْموراً، أفتّشُ عن جَدْوى! وأهلوسُ نوباتٍ تحاصرُني
رغاءُ البَعير يَنفُضُ حُنجرةَ القَيْظ، ما أنحَلَني لا أبصقُ إلاّ تبغاً! من ذا لئيمٌ يُلقِمُني زائغتَه:
ماذا عن تعليق المَعْرفة، تعطيلها! "فلم يعد أمامَنا غير كلّ شيء"، النّومْ تلك الخيانةُ الرائعة