أجمل قصائد محمود غنيم مكتوبة كاملة
محمود غنيم، هو شاعر مصري من مواليد قرية مليج بمحافظة المنوفية، ويعد أحد أبرز الشعراء العرب وله بصمة في مجال الأدب والنقد وتحقيق التراث وأحد أعلام القائمين علي تدريس اللغة العربية لسنوات طويلة، وتوفي الشاعر محمود غنيم في 1972. في هذا المقال نستعرض أجمل قصائد محمود غنيم مكتوبة كاملة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
قصيدة سفينة الموت
فَغَرَ اليمُّ فاه للرُّكبانِ
وطغى الماءُ، واختفى الشاطئان وبدا الموتُ سافرًا كالحَ الوجهِ، ولم تُجدِ حيلةُ الرُّبان
وتهاوى السفينُ تحتَ جبالٍ، شاهقات الذُّرا غِلاظِ الرِّعَان، الجبالُ التي على الفُلك ماءٌ
ربَّ ماء أقسى من الصَّفوان، رُبَّ زيتٍ يفري البُطون، وماءٍ، عبَّ منه مَن ليس بالظمآن
دَخَلَ الموتُ، يسرقُ الخطوَ، لصًّا، بين رقص الدُّمى، وعزفِ الكَمان
سائل الرَّكبَ: كيف صارت أغانيهِ أنينًا يصُكُّ سمع الزمان؟ واستحالتْ ألحانهُ حشرجاتِ
من حلوق النساء والولدان؟ لهْفَ نفسي على صبي غريرٍ، غافلٍ عن طوارق الحِدثان
مات في حِضن أمَّه! يا لأمٍ، أدركتها في لحظة موتتان!
لهف نفسي على فتًى أطبقَ الموجُ عليه فخانه الساعدان! وفتاةٍ زفت إلى النيل بكرًا
ومضى عرسُها بلا مهرجان! ربَّ ناج أصابَ عمرًا جديدًا، فقضاهُ فريسةَ الأحزان!
صرخاتُ الغرقى يصُكُّ صداها، أُذنيه صكًّا بكلِّ مكان، أيُّها النيلُ، كم عمرت يبابًا
وبعثتَ الحياة في الأبدان، فعلام استحلتَ موتًا زُؤامًا وأشعتَ الخراب في العمران؟
أعصيرَ الكروم يا نيلُ تحوي أم لعاب الحياتِ والأُفعوان؟ نلتَ ما لم تنلهُ يا نيلُ منا
ضاربات الأُسود والذُّؤبان، ليتَ شعري أبتَّ تستكثرُ المنَّة؟ ليس الكريمُ بالمنَّان
أم تُراك ادَكَرتَ مالك من ماضٍ قديمٍ مع الغواني الحِسَان؟ كنتَ تغتالُ جؤذُرًا كلَّ عامٍ
فلم اغتلتَ ربربًا في ثوان؟ صف لنا الحرب: كيف دارت رحاها، بين جيش الأطفال والطُّوفان؟
كيف كانت تغالبُ الموتَ غيدٌ، بأكفٍ مخضَّبات البَنَان؟ ربَّ عبلِ الذراعِ أنحت عليه
لُجَجٌ ما له يهنَّ يدان، حدِّث الناس أيها النيل من فطرةِ حبِّ البقاء في الإنسان
صف لنا: كيف يطفئ الماء نورَ الْعَين بعدَ البريق واللمعان؟ كيف كان الأذى في القتل أمضى
من شبا صارم، وحدِّ سنان؟ صف لنا: كيف صعّدت آخر الأنفاسِ فيه، وزمَّت الشَّفتان؟
يا عدوَ النيران إِن هي شبَّت، كيف أصبحت مشعل النيران؟ كم فؤادٍ تركتهُ يتلَظَّى
في جحيمٍ، وأنتَ نبعُ الجنان؟ ذهب القوم يستجمُّون حينًا، فاستجَمُّوا لكن مدى الأزمان
أزمعوا رحلةً؛ فكانت من الدنيا إلى العالم البعيد الثاني، ما دروا إِذ تأنقوا في كساهم
أَنهم يكتسون بالأكفان، كان للموت ما تحلت به الغيدُ، وما خضَّبته بالألوان
لكأني بالماء سال نُضارًا، أصفرَ اللونِ من شعور الغواني
وكأني بالماءِ سال على الغرقى دموعًا من أعين الخزَّان
ربُ لا أظلمُ المقاديرَ؛ إنِّي، إن بدا الشَّكُّ، لذتُ بالإيمانِ
إن نقل: أذنب الكبارُ فماذا، قد جناه طفلٌ رضيعُ لبان؟
عبرٌ كلما تأملت فيها عُدتُ منها مُشَتَّتَ الوجدان
أيُّها الهاربون من تعبِ الأرضِ، استريحوا بجنَّة الرَّضوان
إنَّ في الكوثر الأمانَ لمن عزَّ عليه في النيل شَطُّ الأمان
شُهداءِ السَّلامِ أنتم، ويا ربَّ، شهيدٍ مَن مات في الميدان!
قصيدة رفيق الصبا
اللهَ في هول المُصابْ، جَزعَ الشبابُ على الشَّبابْ!! نجمٌ تألَّقَ برهَةً
وخبا كما ذاب الحَباب، ومهنَّدٌ، قد كان فيه لقومه أملٌ، فخاب
ما كاد يشحذُ غَربهُ، حتى تضمَّنهُ القِراب، حرٌّ، كريمٌ، عاش في الدّنيا غريبًا، ثمَّ آب
قد باتَ يحسبُ في حسابٍ، والمنيَّةُ في حساب، سَكَن التّرابَ، وإِنَّهُ هو معدِن الذَّهب اللُّباب
ربَّاهُ معذرةً، أَلا ما للمنُون وللشباب؟ أكذا يودِّعُنا، ولم يبلُغ من العُمر النِّصاب؟
لكنَّهُ سبحانه، «قسم الحظوظَ فلا عتاب»! عبدَ اللطيفِ، رَحلتَ عن جوٍّ تشبَّع بالضباب
وتركتَ دارًا، حلوُها، مرٌّ، وصيَّبُها سراب، سيَّان: من سكان اليبابَ بها، ومن سكن القِباب
والكلُّ منها في عذابٍ، والمنيَّةُ منه قاب والناسُ في الدنيا كركْب سفينة وسط العُباب
أن تَنجُ من غرقٍ بهم، لم يَسلموا مَن الاضطراب، الموتُ ضيف منكرٌ، أبدًا يطوفُ بكلِّ باب
لما دعا عبدَ اللطيـفِ إلى وفادَته أهاب، بذل الحياةَ له قِرى وسقاهُ من دمه الشراب
لهفي عليه شاخص العينين مصَفرَّ الإهاب! متخضبًا بدم الشَّبابِ يروعُ من أَثر الخِضابِ
في حجرةٍ مشؤومة، سكنٌ يجرُّ إلى خراب، يا ليتها بَهماءُ ينَعبُ في مفاوزها الغراب
خبرٌ صبيحةَ الامتحانَ أَتى، فأفقدني الصواب! فظَلِلتُ أكتبُ، والدموع معَ المدادِ لها انسكاب!
ويدايَ ترتجفان في القرطاسِ من هول المصاب وكأنما شبحُ الجريمةِ في السؤال وفي الجواب
أَودَى على يد مجرمٍ، كالزَّهر يُتلفه الذباب، عجبي عليه: كيف طارَ من التراب إلى السحاب؟
حتى رأَى يده قد امتَدَّت إلى هذا الجناب ورمى الشهاب فكيف لم يُحرقهُ حين هوىَ الشهاب؟
وبأيِّ قلبِ غالَهُ؟ لو قُدَّ من صخرٍ لذاب، تعسَ الأنامُ؛ فمنهم، تتعلَّمُ الفتكَ الذئاب
يا أيها الجاني، متى صالتْ على الأُسد الكلاب؟ هلا رعيت الله في تلك الأفانينِ الرِّطاب؟
الله في هذا المُسالِمَ! ليتَ كفَّكَ في تَبَاب! أي ذود مديتَكَ الصقيلةَ باليراع أم الكتاب؟
أذوَيتَ غصنًا ناضرًا وسلبتَ كنزًا من رغاب وفجعتَني، والدَّهرُ لا ينفَكُّ ذا ظِفرٍ وناب
في صاحبٍ كم رقَّ لي، عيشٌ بجانبه وطاب، أيامَ تجمعُني به، دارٌ مباركةٌ الرِّحاب
«دارُ القضاء» وأينَ منكَ الدارُ أم أين الصِّحاب؟ مَن مات حتفَ الأنف لا
بالسيف عندهُمُ يُعاب، غال الحِمامُ ابنَ الوليدِ على الفراش، فما استطاب، كما كان يطلبُ قتلةً
بيدٍ فأعياهُ الطِّلاب، فاذهب لربِّك قاني الدَّمِ أُرجُوانيَّ الثياب، جارب خليقُتهُ عليك، وعنده حسن الثواب
فلأنت ربُّ شهادتين: شهيدُ علمٍ، واغتراب!
قصيدة شعب واحد رب واحد
الله أكبر! شعبٌ قام شاعرُه، يَشْدُو، فأَنْصَت الأيكِ طائرْ شعبُ العروبة صان الله وحدتَه!
تُحصَى النجومُ، ولا تُحصَى مفاخرُه، إن خطَّ أو سوَّد التاريخُ سيرته
تهتزُّ من روعة الذكرى مشاعره، إن كان ماضيه بالأمجاد محتشدًا
فما تخلَّى عَنِ الأمجاد حاضره، كالكرم طاب جنيً في كف قاطعه
وزاد من طيبه في الدَّن عاصره، مجدُ العروبة مرهونٌ بوحدتها
والخُلْف أوله ضعفٌ، وآخره، هيهات ينهض شعب بعد كَبْوتِه
إلا إذا اتحَّدتْ قلبًا عناصره! والشعبُ وحدتهُ أقوى ذخائره
يوم الحقيقة إن عُدَّت ذخائره، هي السلاحُ بيمناه إذا خَمَدَتْ
نيران مِدْفعه، أو فُلَّ باتره، يا رُبَّ شعب شتيتِ الشمل منقسم
من ضعفه قُلِّمَتْ منه أظافرهُ، ما عاش يومًا وإن طال الزمان بهِ
بل دُورُه حين تأويه مقابره، له من الوطن المحتلِّ مغفرة
إذا أقام، وللمحتلِّ عامره، يعيش في داره عبدًا لآسره
الطفل زاجرهُ، والعبدُ آمرُه، من يرضَ بالعيش في ظل الهوان، فلا
آوتْه أرضٌ، ولا قرَّتْ نواظره، والمرء تُشقيه يمناه، وتُسْعدُه
وإن تكنْ بيد المولى مصايره، للعُرْب دين على التوحيد مرتكزٌ
إليه باطنُه يدعو، وظاهره، ما سرُّ قوته في غير وحدتهِ
على مبادئها قامَتْ شعائره، حَسْبُ ابن آمنةَ الزهراءِ معجزةً:
شعبٌ على يده انضمَّتْ عشائره، ما زال يَخْبِطُ في دَيْجُور فُرْقتهِ
حتى تألَّفَ بالإسلام نافره، تمَّت على نَغم القرآن وحدتهُ
كأنما سحَرَ الألباب ساحره، وطبَّق الكونَ طيْفٌ من مهابتهِ
وأوْغَلَتْ في نواحيه عساكره، إن يذكرِ العَرَبَ ارتاعَتْ قياصِرهُ
وبات يخفقُ من رُعْبٍ أكاسره، شعب من البيد ظهْرُ العِيسِ مَرْكَبُه
أطاعه الكونُ: بادية، وحاضره، البَرُّ من خيلهِ يَرْتَجُّ يابسُهُ
والبحر من سُفْنِه يهتَزُّ زاخره، قم سائل البحرَ بحرَ الرومِ: هلِ عَجبتْ
أمواجُه وفتى الصحراء عابره؟، مَنْ علَّم البدويَّ الماء يركبُهُ
فراح يَمْخُرُ لُجَّ البحر ما خره؟ ما كان يعرف إلا الماء منسكبًا
من الغمامِ إذا ما جاءَ ماطره؟ حتى إذا اشتَدَّ بالتوحِيدِ ساعِدُهُ
مَشَى على الماء تَعْلُوه دساكره، لولا معاقلِ قسطنطينَ، لانطَمَستْ
آثارُ دولتهِ، وانْفَضَّ سامرهْ، سَلِ العروبةَ في شَتَّى مرابعها
عن مَجْد أوَّلها: هل عاد داثره؟ إِنِّي لألمحُ في آفاقها ألقَاً
مِنْ فجرِ نهضتها لاحَتْ بشائره، إنْ صحَّ ظنيِّ، فإن النصرَ عن كثَب
من شعبها. لِمَ لا، والله ناصره؟ شعبٌ تخلَّص من أغلاله، ومَضَى
يجرُّ ذيلَ رداء الذُّلِّ آسره، ففي الكنانة: شعبٌ صان حَوْزتها
يوم القناةِ في الذُّؤْبَانِ كاسره، وفي الجزائر: شعبٌ شنَّ معركةً
على المظالمِ خاضَتْها حرائره وفي الشآم: وئامٌ لا يزال على
رغم الحوادثِ ما أنبتت أواصره، وعبرَ دِجلة: شعبٌ قامَ قَوْمتِهُ
الكُبْرى، وثار على الطُّغْيان ثائره، وحَوْلَ صنعاء: جيشٌ ثَلَّ قائدُهُ
عرشًا يُتاجرِ بِاسْمِ الدين تاجره، هي العروبةُ، عينُ الله تَكْلَؤُها
ما دَارَ في الفلك الدوَّارِ دائرة، أبناءَ يَعْرُبَ، هذا اليومُ يومُكم
يومٌ أغرُّ، صَبيحُ الوجهِ، ناضره، عَهْدُ السلاسل والأغلالِ قد ذهبت
أيامُه السُّودُ، وانجابتْ دَيَاجِره، بالله، لا تُنْسِكم أعْرَاسُ نصركم
خصمًا عنيدًا، وأقوامًا تؤازره، على تُخومِكُمُ، يا قوم، عن كثب
خَصْمٌ أَلدُّ خؤون العهد، تحاذِرُه، وكيف نأمَنُه والسُّمُّ في فمه
وليس يزحفُ إلا وَهْوَ فاغره؟ وكيف نأمن قومًا لا أمان لهم؟
إني أرى كيدَهم تبْدُو بوادره، نارُ العداوة يَصْلاها مُؤَجِّجُها
والجُبُّ يسقط في مَهْواه حافره، صَفُّوا سرائرَكم من كلِّ شائبة
تصفُو الحياةُ لمن تَصْفُو سرائره، لا تذكُرُوا خَطَأَ الماضي وحَوْبتَهُ
ما كان من خطأ فالله غافره، تُنسَى الذنوبُ مع القُرْبى وإن عَظُمت
إن الشَّفيقَ صغيراتٌ كبائره، إن الإخاء إذا ما الإخوةُ اختصموا
على الخصومة مُرْخَاةٌ ستائره، إن يلتئمْ شملُكُم، لاَنَ الحديدُ لكم
كما يُلينُ الحديدَ الصلبَ صاهرُه، إن تطلبوا المجدَ؛ فالصاروخُ مُنْطَلِقًا
ووَحدة الصَّفِّ، والشورى مصادره، كأنني ألْمَحُ التاريخَ، مُنْتَضِيًا
يراعَهُ، وبيمناه دفاتره، كما اطَّلعتُم على تاريخ غابرِكم
تاريخُكم في غدٍ تُتْلَى محاضره، جمالُ، تَمِّمْ لشعب الضادِ وحدتَهُ
فإنما هي حَبٌّ، أنت باذره، لا خصمَ للعُرْب مهما عَزَّ جانِبُه
إلا وأنت بعونِ اللهِ قاهره، ينام شعبُك في أمْن، وفي دعةٍ
وأنت وَحْدَك طولَ الليلِ، ساهره، أقسمتُ، ما عادت الأَهرامُ مفخرةً
للنيل، بل إن فَخْرَ النيل ناصره، سَيْفُ العروبة، سيفُ اللهِ أنْتَ
ولن يُفَلَّ سيفٌ إلهُ العرشِ شاهره!
قصيدة فلسفة الألم
وقائلٍ: كيف أنتَ في المحَنِ؟ فقلتُ: ألفان نحن من زمن
قد خُلقتَ لي، وقد خُلقتُ لها، من قبلِ أن لم تكن ولم أكن
إذا بدت بسمةٌ على شَفَتي، تشكو إلى الله غُربَةَ الوطن
تألبَّي يا خطوبُ، واحتَدِمي، عُودي كما تعدينَ لم يَلِن
ما عاد في الأرض حادثٌ جَلَلٌ، يحولُ بين الجفونِ والوسن
من طولِ إلفِ الأسى أنِستُ به، فإن أطالَ الجفاءَ، أوحشني
أكادُ ألاَّ أعُدَّ من عُمُري، يومي إذا ما خلا من الحزن
مَن كان حرُّ الهمومِ يَصهَرُهُ، فإِن حرَّ الهموم يصقلني
كم عَمَرتْ باليقين نفسي إن زادت همومي، وفاضَ بي شَجَني
والهمُّ يجلو النفوسَ إن صَدئت، والهمُّ فيه رياضة البدن
واللهِ ما نَقمةٌ بلا عوَضٍ، كلاَّ، ولا نَعمةٌ بلا ثمن
كم مِنَّةٍ أعقبت أذى، وأذى في طيِّه مِنَّةٌ من المِنَنِ
فَلْيُمْعنِ الدهرُ في مكايده، إن أنا لم أَضطلع بها، فمَن؟
لا يرني الناس شاكيًا أبدًا، فإنما يشتكي أخو الوهن
أعددتُ للحادثاتِ إن نزلت، صبر كريمٍ، بحَملها قمن
لا تذهب الحادثاتُ فِطنتهُ، إن هي طاشت بفطنَةِ الفَطِنِ
يسيرُ وسطَ الرُّعودِ متَّئِدًا، كأنه سائرٌ بلا أُذُن
تزينه عزَّةُ الملوك، على جَفَافِ زادٍ، وملبَسٍ خَشِنِ
يشكو البِلى ثوبه العتيق، ولا تشوبُهُ ذرَّةٌ من الدَّرن
ما أهون النفسَ والنفيس إِذا ما بقى العرضُ غيرَ ممتهن!
قصيدة تحية وقضية
بابُ النَّبيِّ، وبابُه لا يُقْفَل أبدًا، هو الملكُ المعظَّم فيصل
إنا لنُحْرِمُ في حماه، وإنهُ، بدمائِنا ومَتَاعِنَا يتكفَّل
شهدَ الحَجيِجُ بأنَّ دولةَ فيصلٍ، تَرْعَى الحجيجَ بأعينٍ لا تَغْفَل
في ظلِّه لبَّى الجميعُ، وكبَّروا، وشَدَوْا بآياتِ الدعاء، ورتَّلوا
تدري العروبةُ أن سُدَّةَ فيصلٍ، دِرْعٌ لها عند الخطوب، ومَعْقِل
عرشٌ يَمُدُّ على العروبة ظلَّه، وعليه أجنحةُ السماء تُظَلِّل
المؤمنون بكل أرض إخوةٌ، وبنصرهم نَطقَ الكتابُ المنْزَل
إن كان حاضرُهم تجهَّم حقْبَةً، فلهم بفضل الوحدةِ المُسْتقبَل
سيَسودُ آخرُنا بفضلِ وقوفِنا، صفًّا، كما سار الرَّعِيلُ الأَوَّل
ويقينُنَا في الله خيرُ عَتَادِنا، وعليه في قهر العِدَا نتَوَكَّل
وسلاحُنا الماضي وسيلةُ نصرِنا، لَسْنا بغيرِ سلاحنا نَتَوَسَّلُ
لا تَبْسُطوا للغَرْب، يا قومي، يَدًا، للغَرْب طرفٌ في السياسة أحْوَل
لا تستمدوا النصرَ من قبر، ولو أنَّ الدَّفينَ به نبيٌّ مُرسَل
ما قال ربك: بالقبور تَمَسَّحُوا، بل قال جلَّ جلالهُ: "وقل اعملوا"
إني أقبل رأسَ كلِّ مجاهد، إن قبَّلَ الصخرَ الأصَمَّ مُقَبِّل
إنا لنُشْهد أهلَ بَدْرٍ أننا، في النصر أو نيل الشهادة نَأمُل
ويقول قائِلُنا لدى استشهادهِ: يا ليتني في كلِّ يوم أُقْتَل!
جَسَدُ الشهيدِ إلى جوارِ اللهِ في عَدْن، على أيدي الملائك يُحمَل
رجلُ العروبةِ من قديم في الوغى، أسَدٌ، وأنثاها لبَاةٌ مُشْبِل
أسلافُنا في كل مَلْحَمَةٍ لهم، تاريخُ مجد بالدماء مُسَجَّل
لسْنَا بأمجادِ الأوائل نَكتفي، لكنْ كما فعل الأوائلُ نفعل
عن ثالث الحَرَمين ندفعُ عُصْبة، دخلَتْهُ كالمكروبِ إذْ يتسلَّل
وعروقُنَا تَغْلي بهنَّ دماؤنا، فكأَنما في كلِّ عرق مِرْجَل
هُمْ أشعلوا في المسجد الأقصَى اللَّظَى، فَلْيَحْتَرِقْ بشُوَاظِها مَنْ أشعلوا
شعبٌ تحامتْهُ الشعوبُ، يكاد إن، حملتْه أرضٌ تحتهُ تتزلزل
مُتَفوِّقٌ في المُحْزِيَات، معوِّق، رَكْبَ الحضارة، للفساد مُسَبِّل
حَصَّادُ مالِ العالمين بكلِّ ما يُنْدى الجبينَ، كأنما هو مِنْجَل
سلْ أرض يَثْرِبَ عن يهودِ قريظة، وبني النضير، يُجِبْك كيف استُؤْصِلوا
عرف اليهودَ محمدٌ؛ فأبادهم، ما ضَرَّ لو بمحمَّد نتمثلَّ؟
ولسوف نُسْألُ عن تراثِ مُحمدٍ، ماذا يكون جَوابُنَا إِذْ نُسْأَل؟
يا مَنْ ببيت الله طافوا سبعة، وتنسَّكوا فيه، وفيه تبتَّلوا
أعلمتموا وقد استُبيحتْ أرضُكم، أن الجهادَ من التَهَجُّد أفضل؟
قولوا لقومي: إنَّ ذؤبانَ الفلا، عبثت بهم فَعلامَ قومِيَ عجّلوا؟
اليوم قد دخل العدوُّ بلادَنا، وغدًا علينا في المخادِع يدخل
إني لأطلقُها بمكة صَرْخَةً، مشبوبةً، في المشرقين تُجَلْجلُ
حمْلُ السلاح اليوم صارَ فريضةً، والزحفُ للدين الحنيفِ مُكمِّل
من راح يبذلُ نفسَه أو مالَه، فلدينه ولعرضه ما يَبْذُل
لا كان منا مَن على أوطانه، بأعزِّ ما ملَكَتْ يداه يبخَل
لا كان منا حين يُنْتَهكُ الحِمَى، مَنْ يكتفي بدموعه ويُحَوْقِل
لا كان منا مُحْرِمٌ لا يرتدي، بملابس الميدان إذ يتحلَّل
لا كان منا مَنْ بأمٍّ أو أبٍ، أو طفلةٍ في مهدها يتعلَّل
لا كان من أبناء يعرُبَ من يَني، ويقول إنِّي عاجزٌ أو أعْزَل
مَنْ لا يُغِيرُ بمدْفع، وذخيرةٍ، تكفيه فأسٌ إذْ يُغيرُ ومِعْوَل
لا يعرف العربيُّ معنى اليأس في خطب ولا هو في الشدائد يُعْول
إن كان يَجْمُلُ في الحروب صمودُه، فصمودُه بعد الهزيمة أجْمَل
إن مرَّ بالعربيِّ يومٌ عابِسٌ، فأمامَه: يومٌ، أغرُّ، محجَّل
قصيدة على الأعراف
ما للكنانةِ بعد طول مَطافِ، وقفَتْ سفينتُها على الأعرافِ؟
ولقد تكشَّف الأمورُ، وأمرُها، داجي الغياهبِ، حالكُ الأسْدافِ
قالوا: السلامُ، فقلت: دونَ سلامِكم، وقعُ الصوارمُ والقَنا الرَّعَّافِ
والله ما سادَ السلامُ بعالَمٍ، حُرِمَ الضعيفُ به من الإنصافِ
إنَّ الذين وَلُوا السلامَ، قَضَوْا بما يدعُ السلامَ مزعزَعَ الأكنَاف
حَكَموا، ففاحت من بوادر حُكمهم، ريحُ الدَّم الفوَّار للمسْتاف
طَرَحُوا القضيَّةَ في السِّلال، فل تُرَى يومَ القيامة يومَ الاستئناف؟
قل للأُلى طالَ التداولُ بينهم: ليس الصباحُ على البصيرِ بخاف
فيم التداولُ؟ إن قُرْصَ الشمس لا يحتاج ناظُرُهُ إلى كشَّاف
خُدعَتْ بمعسول الوعود ممالِكٌ، لم تجن غيرَ مرارة الإخلاف
هل كان ميثاقُ المحيط روايةً، وهميَّةً محبوكةَ الأطراف؟
كشفَتْ قضيةُ مصرَ ثوبَ ريائهم، يا للرياء وثوبِه الشَّفَّاف!
حلفاؤنا الأحرارُ لما نَكَّلُوا، بخصومهم؛ مالوا على الأحْلاف
سبعون عامًا في احتلالٍ دائمٍ، يا لَلْكنانِة من سنينَ عِجَاف!
ضيفٌ ألمَّ بها؛ فأصبح ربَّها، ثم استباحَ كرامةَ المِضْياف
قالوا: استقلَّ النيل، والمحتلُّ في واديه محمولٌ على الأكتاف
ن الإسارَ له مذاقٌ واحدٌ، ولوَ أنَّه متعدِّدُ الأوصاف
لسنا بأحرارٍ لعمري ما بدا، لوجوههم طيفٌ من الأطياف
أبني أبينا في الجنوبِ، تحيةً، كالزهر كُلِّلَ بالندى الرفَّاف
في مصرَ عتْرتكُم، وما في غيرها، من عترةٍ لكم، ولا أسلاف
النيل ألَّفَ بيننا بنميره، كتألف النُّدَمَاءِ حَولَ سُلاف
أَخَوَا رَضَاع؛ ليس يفصل بيننا، في الوضع غيرُ شريعة الإجحاف
لا يخدعنَّكم الدُّهاةُ بزائفٍ، من قولهم، عذبِ المذاق، زُعاف
الأجنبُّي بأرضنا وبأرضكم، كالغيم في الجوِّ الطليقِ الصافي
إنَّ الذي تبع الدخيل منوَّمٌ، في الصحو، مسلوبُ الإرادة، غاف
إنْ غرَّةُ كرمُ الدخيل، فطالما، ذُبحَ الفصيلُ بمدية العلاَّف
ضُمُّوا الصفوفَ إلى الصفوف، وأرهِفوا، بيضَ العزائم أيَّما إرهاف
إن الأمانِيَ كالغواني؛ دأبُها، ألاَّ تلينَ لخاملينَ ضِعاف
لا ينفُذُ الحقُّ الصريحُ بنفسه، كلاَّ، ولا عدلُ القُضاة بكاف
الحقُّ يُعوِزُهُ مُحقٌّ ساهرٌ، كالسيف تُعْوِزُهُ يدُ السَّيَّاف
ولقد تألبَت الخطوبُ على الحمى، وبنوه رهنُ تناحرٍ وخِلاف
ما ضرَّ لو نسي الجميعُ نفوسَهم، فيعودَ صفوُ الودِّ بعدَ تجاف!
شتَّى فئاتٍ يهدفُون لغايةٍ، فكأنهم سِفْرٌ بألفِ غِلاف
هتفوا لزيد بالحياة وخالدٍ، لكنْ وقفتُ على الجلاء هُتافي!
بطلَ الجلاء، سَقَتْ ضريحَك ديمةٌ، تسقي الرياض بهاطلٍ وكَّاف!
درجتْ عليك الأربعونَ، ولم تزلْ، من كل قلب عالقًا بشَغاف
لك سيرةٌ يتلو الشبابُ فصولَها، كالآي من «ياسينَ»، و«الأحقاف»
سُوَرٌ نُرَتِّلها فتشعلُ في الدماما تُشعل النيرانُ في الألياف
قفْ بالفلاة، وقل: هنا الكنز الذي، دفنوه بين جنادلٍ وفياف
قفْ بِالفلاة، وقل: هنا فردٌ إذا، قِيسَ الرجالُ، يُقاسُ بالآلاف
حملَ الأمانةَ وحدَهُ، فكأنه، من نفسه في فيْلقٍ زحَّاف
ما ضر أعظُمَهُ تواضعُ قبره، فالدرُّ درٌّ، وهْوَ في الأصْداف
يا سيدَ الشهداءِ، غرسُك لم نَزَلْ، نَسقيه من دمنا ليومِ قِطاف
وتُراثُك الوطنيُّ في يد معشرٍ، لا واهنٍ عزمًا، ولا وقَّاف
نفرٌ من الأشرافِ إن جدَّ الحمى، في البحث عن نفرٍ من الأشراف
رجَعُوا إلى أعراقهم؛ فتجمعوا، بعد الخلاف تجمُّعَ الآلاف
من كلِّ باذلِ نفسِه، أو مالِه، للنيل، مقتنعٍ بعيشِ كَفَاف
ما أنكروا حقًّا، ولا إن جادلوا، في باطل لجؤوا إلى الإسفاف
لا الحكمُ طأطَأَ من رؤوسهم، ولا لانت قناتهم لغمز ثقاف
لا تستخفُّ الحادثاتُ حلومَهم، ويقابلون الموتَ باستخفاف
قالوا: معاهدةُ الفَخارِ، وقلتم: داءٌ عضالٌ، لا دواءٌ شاف
حتى إذا لاح الصباحُ لناظرٍ، شَهدُوا لكم بإصابة الأَهداف
أدركتم غيبَ الأمور؛ كأنكم، تتلونها من صفحة العَرَّاف
وَوَفَيْتُمُو لبلادكم بالعهد في زمنٍ يقلُّ به الأمينُ الوافي