أجمل قصائد نازك الملائكة مكتوبة
قصائد نازك الملائكة هي مجموعة من أجمل الدواوين الشعرية للشاعرة العراقية نازك صادق الملائكة والتي ورثت حب الشعر والكتابة من أم شاعرة وهي سلمى عبد الرازق، وأب كاتب وأديب وباحث وهو صادق الملائكة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
في هذا المقال، نستعرض مجموعة من أفضل وأشهر قصائد نازك الملائكة مكتوبة.
قصيدة أخيراً لمست الحياة
تعد قصيدة أخيراً لمست الحياة واحدة من أشهر قصائد نازك الملائكة:
وأدركت ما هي أي فراغ ثقيل، أخيرا تبيّنت سرّ الفقاقيع واخيبتاه
وأدركت أني أضعت زمانا طويل، ألمّ الظلال وأخبط في عتمة المستحيل
ألمّ الظلال ولا شيء غير الظلال، ومرّت علىّ الليال
وها أنا أدرك أني لمست الحياة، وإن كنت أصرخ واخيبتاه
ومرّ علىّ زمان بطيء العبور، دقائقه تتمطّى مللا كأن العصور
هنالك تغفو وتنسى مواكبها أن تدور، زمان شديد السواد ولون النجــوم
يذكرني بعيون الذئاب، وضوء صغير يلوح وراء الغيوم
عرفت به في النهاية لون السراب ووهم الحياة، ف واخيبتاه
أهذا إذن هو ما لقّبوه الحياة؟ خطوط نظلّ نخططها فوق وجه المياه؟
وأصداء أغنية فظة لا تمسّ الشفاه؟ وهذا إذن هو سرّ الوجود؟
ليال ممزقة لا تعود؟ وأثار أقدامنا في طريق الزمان الأصم
تمرّ عليها يد العاصفة، فتمسحها دونما عاطفة وتسلمها للعدم
ونحن ضحــايا هنا، تجوع وتعطش أرواحنا الحائرة
ونحسب أن المنى، ستملأ يوما مشاعرنا العاصرة
ونجهل أنّا ندور مع الوهم في حلقات
نجزئ أيامنا الآفلات إلى ذكريات
وننتظر الغد خلف العصور ونجهل أن القبور
تمد إلينا بأذرعها الباردة
ونجهل أن الستائر تخفى يدا مارده
عرفت الحياة وضقت بجمع الظلال
وأضجرني أن نجوب التلال
نحدّق في حسرة خلف ركب الليال
تسير بنا القافلة، نجوس الشوارع في وحدة قاتلة
إلام يخادعنا المبهم؟ وكيف النهاية ؟ لا أحد يعلم
قصيدة أنا
تعد قصيدة أنا أيضاً واحدة من أجمل قصائد نازك الملائكة والتي تقول فيها:
الليلُ يسألُ من أنا، أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ
أنا صمتُهُ المتمرِّدُ، قنّعتُ كنهي بالسكونْ
ولفقتُ قلبي بالظنونْ، وبقيتُ ساهمةً هنا
أرنو وتسألني القرونْ، أنا من أكون؟
والريحُ تسأل من أنا، أنا روحُها الحيران أنكرني الزمانْ
أنا مثلها في لا مكان، نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ
نبقى نمرُّ ولا بقاءْ، فإذا بلغنا المُنْحَنى
خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ، فإِذا فضاءْ!
والدهرُ يسألُ من أنا، أنا مثلهُ جبّارةٌ أطوي عُصورْ
وأعودُ أمنحُها النشورْ، أنا أخلقُ الماضي البعيدْ
من فتنةِ الأمل الرغيدْ، وأعودُ أدفنُهُ أنا
لأصوغَ لي أمسًا جديدْ، غَدُهُ جليد
والذاتُ تسألُ من أنا، أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في ظلام
لا شيءَ يمنحُني السلامْ، أبقى أسائلُ والجوابْ
سيظَل يحجُبُه سراب، وأظلّ أحسبُهُ دنا
فإذا وصلتُ إليه ذابْ، وخبا وغابْ
قصيدة عاشقة الليل
يا ظلامَ الليــلِ يا طــاويَ أحزانِ القلوبِ
انظر الآنَ فهذا شَبَحٌ بادي الشُحـــــوبِ
جاء يَسْعَى ، تحتَ أستاركَ ، كالطيفِ الغريبِ
حاملاً في كفِّه العــودَ يُغنّــــي للغُيوبِ
ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليــلِ في الوادي الكئيبِ
هو ، يا ليلُ ، فتاةٌ شُهد الوادي سُـــرَاها
أقبلَ الليلُ عليهــا فأفاقتْ مُقْلتاهـــــا
ومَضتْ تستقبلُ الواديْ بألحــانِ أساهــا
ليتَ آفاقَكَ تــدري ما تُغنّــي شَفَتاهــا
آهِ يا ليلُ ويا ليتَــكَ تـدري ما مُنَاهـــا
جَنَّها الليلُ فأغرتها الدَيَاجــي والسكــونُ
وتَصَبَّاها جمالُ الصَمْــتِ ، والصَمْتُ فُتُونُ
فنَضتْ بُرْدَ نهارٍ لفّ مَسْــراهُ الحنيـــنُ
وسَرَتْ طيفاً حزيناً فإِذا الكــونُ حزيــنُ
فمن العودِ نشيجٌ ومن الليـــلِ أنيـــنُ
إِيهِ يا عاشقةَ الليلِ وواديـــهِ الأَغــنِّ
هوذا الليلُ صَدَى وحيٍ ورؤيـــا مُتَمنٍّ
تَضْحكُ الدُنْيا وما أنتِ سوى آهةِ حُــزْنِ
فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمّيهِ وغنّــي
وصِفي ما في المساءِ الحُلْوِ من سِحْر وفنِّ
ما الذي ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، يُغْري بالسماءِ؟
أهي أحلامُ الصَبايا أم خيالُ الشعـــراء؟
أم هو الإغرامُ بالمجهولِ أم ليلُ الشقــاءِ؟
أم ترى الآفاقُ تَستهويكِ أم سِحْرُ الضيـاءِ؟
عجباً شاعرةَ الصمْتِ وقيثارَ المســـاء
طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغمـوضُ
لم يَزَلْ يَسْري خيالاً لَفَّه الليلُ العـريضُ
فهو يا عاشقةَ الظُلْمة أســـرارٌ تَفيضُ
آه يا شاعرتي لن يُرْحَمَ القلبُ المَهِيـضُ
فارجِعي لا تَسْألي البَرْق فما يدري الوميضُ
عَجَباً ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، ما سـرُّ الذُهُولِ ؟
ما الذي ساقكِ طيفاً حالماً تحتَ النخيـلِ ؟
مُسْنَدَ الرأسِ إلى الكفَينِ في الظلِّ الظليلِ
مُغْرَقاً في الفكر والأحزانِ والصمتِ الطويلِ
ذاهلاً عن فتنةِ الظُلْمة في الحقلِ الجميــلِ
أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ ، هذي العاصفاتُ
فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائنــاتُ
قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ الحيــاةُ
ليس يَدْري العاصـفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ
فارحمي قلبَكِ ، لــن تَنْطِقُ هذي الظُلُماتُ
قصيدة أماه وحشرجة ودموع وسواد
وانبجس الدم واختلج الجسم المطعون، والشعر المتموج عشش فيه الطين
أماه ولم يسمعها إلا الجلاد وغداً سيجيئ الفجر وتصحو الأوراد
والعشرين تنادي والأمل المفتون
فتجيب المرحة والأزهار رحلت عنا غسلاً للعار
ويعود الجلاد الوحشي ويلقى الناس، العارويمسح مديته مزقنا العار
ورجعنا فضلاء بيض السمعة أحرار، يا ربَّ الحانة أين الخمرة وأين الكأس
نادي الغانية الكسلا العاطرة الأنفاس، أفدي عينيها با القران وبلا قدار
أملأي كاساتك يا جزار وعلى المقتولة غسلاً للعار
وغداً سيعود الفجر وتسأل عنها الفتيات وأين تراها (فيرد الوحش) قتلناها
وصمة عارٍ في جبهتنا وغسلناها، وستحكي قصتها السوداء الجارات
وسترويها في الحارة حتى النخلات، حتى الأبواب الخشبية لن تنساها
ستهمسها حتى الأحجار، غسلاً للعار غسلاًً للعار
يا جارات الحارة يا فتيات القرية، الخبز سنعجنه بدموع مآقينا
سنقص جدائلنا وسنسلخ أيدينا، لا بسمة لا فرحة لا لفة في المدية
تراقبنا في قبضة والدنا وأخينا، وغداً من يدري أي قفار
سيوارينا غسلاً للعار
قصيدة مرثية يوم تافه
لاحتِ الظلمةُ في الأفْق السحيقِ وانتهى اليومُ الغريبُ
ومضت أصداؤه نحو كهوفِ الذكرياتِ وغدًا تمضي كما كانت حياتي
شفةٌ ظمأى وكوبُ، عكست أعماقُهُ لونَ الرحيقِ وإِذا ما لمستْهُ شفتايا
لم تجدْ من لذّةِ الذكرى بقايا، لم تجد حتى بقايا، انتهى اليومُ الغريبُ
انتهى وانتحبتْ حتى الذنوبُ وبكتْ حتى حماقاتي التي سمّيتُها ذكرياتي
انتهى لم يبقَ في كفّيّ منه، غيرُ ذكرى نَغَم يصرُخُ في أعماق ذاتي
راثيًا كفّي التي أفرغتُها، من حياتي، وادّكاراتي، ويوم من شبابي
ضاعَ في وادي السرابِ في الضباب، كان يومًا من حياتي
ضائعًا ألقيتُهُ دون اضطرابِ، فوق أشلاء شبابي عند تلِّ الذكرياتِ
فوق آلافٍ من الساعاتِ تاهت في الضَّبابِ في مَتاهاتِ الليالي الغابراتِ
كان يومًا تافهًا. كان غريبًا، أن تَدُقَّ الساعةُ الكَسْلى وتُحصي لَحظاتي
إنه لم يكن يومًا من حياتي، إنه قد كان تحقيقًا رهيبا
لبقايا لعنةِ الذكرى التي مزقتُها
هي والكأسُ التي حطّمتها عند قبرِ الأمل الميِّتِ، خلفَ السنواتِ
خلف ذاتي، كان يومًا تافهًا.. حتى المساءِ
مرت الساعاتُ في شِبْهِ بكاءِ، كلُّها حتى المساءِ
عندما أيقظَ سمعي صوتُهُ، صوتُهُ الحُلْوُ الذي ضيّعتُه
عندما أحدقتِ الظلمةُ بالأفْقِ الرهيبِ وامّحتْ حتى بقايا ألمي، حتى ذنوبي
وامحي صوتُ حبيبي، حملت أصداءه كفُّ الغروبِ
لمكانٍ غابَ عن أعينِ قلبي، غابَ لم تبقَ سوى الذكرى وحبّي
وصدى يومٍ غريبِ، كشحوبي، عبثًا أضرَعُ أن يُرجِعَ لي صوتَ حبيبي
قصيدة مأساة الحياة
عبثاً تَحْلُمين شاعرتي ما من صباحٍ لليلِ هذا الوجود
عبثاً تسألين لن يُكْشف السرُ ولن تَنْعمي بفكِ القيودِ
في ظلال الصفصافِ قَضَيتِ ساعاتكِ، حَيْرى تُمضُك الأسرارُ
تسألين الظلالَ والظلُ، لا يعلم شيئاً
أبداً تنظرين للأفق المجهول، حَيْرى فهل تجلّى الخفيُّ؟
أبداً تسألين، صمتٌ مُسْتغلِقٌ أبديُّ
فيمَ لا تيأسينَ؟ ما أدركَ الأسرارَ، قلبٌ من قبلُ كي تدركيها
أسفاً يا فتاةُ لن تفهمي الأيامَ، فلتقنعي بأن تجهليها
اتركي الزورق الكليل تسِّيرْه، أكفُّ الأقدارِ كيف تشاءُ
ما الذي نلتِ من مصارعة الموجِ؟ وهل نامَ عن مناكِ الشقاءُ؟
آهِ يا من ضاعتْ حياتك في الأحلامِ، ماذا جَنَيْتِ غير الملالِ؟
لم يَزَلْ سرُّها دفينا فيا ضياعهَ، عُمْرٍ قضَّيتِهِ في السؤالِ
هُوَ سرُّ الحياة دقَّ على الأفهامِ، حتى ضاقت به الحكماءُ
فيأسي يا فتاةُ ما فُهمتْ من، قبلُ أسرارُها ففيم الرجاءُ؟
جاء من قبلِ أن تجيئي إلى الدُّنْيا، ملايينُ ثم زالوا وبادوا
ليتَ شعري ماذا جَنَوْا من لياليهمْ؟ وأينَ الأفراحُ والأعياد؟
ليس منهم إلاَّ قبورٌ حزيناتٌ، أقيمت على ضفاف الحياةِ
رحلوا عن حِمَى الوجودِ ولاذوا في سكونٍ بعالم الأمواتِ
كم أطافَ الليلُ الكئيب على الجو وكم أذعنت له الأكوانُ
شهد الليلُ أنّه مثلما كان، فأينَ الذينَ بالأمس كانوا؟
كيف يا دهرُ تنطفي بين كفَّيك، الأماني وتخمد الأحلامُ؟
كيف تَذْوي القلوبُ وهي ضياءٌ ويعيشُ الظلام ُوهو ظلام
قصيدة أنشوة السلام
أيها السادرونَ في ظلمة الأرض، كفاكم شقاوةً وذهولا
احملوا نادمين أشلاء موتاكم، ونوحوا على القبر طويلا
ضمّنوها بالعطر لفّوا بقاياها، بزَهْر الكنارِ والياسمينِ
واهتفوا حولها بأنشودة السلامِ، لي هنا في القبر كلُّ حزينِ
اجمعوا الصبية الصغار ليشدوا، بلحون الصفاء والابتسامِ
أنقذوا الميّتين من ضجة الحرب، ليستشعروا جمال السلامِ
فيم هذا الصراع يا أيها الأحياءُ؟ فيمَ القتالَُ؟ فيمَ الدماءُ؟
فيمَ راح الشُبّانُ في زهرة العُمر، ضحايا وفيم هذا العداءُ؟
أهْو حبُّ الثراءِ؟ يا عَجَبَ القلبِ! وما قيمة الثراء الفاني؟
في غدٍ رحلةٌ فهل يدفع الأموات، يا لمالِ وحشةَ الأكفانِ؟
كل حيّ غداً إلى القبر مَغْدَاهُ، فهل ثَمَّ في المماتِ ثراءُ؟
افتحوا هذه القبورَ وهاتوا حدثونا أين الغِنى والرخاءُ؟
انظروا ها هنا على الشوكِ والرَمْلِ، ثوى الأغنياءُ والمُعْدمونا
أيُّ فَرْقٍ ترى وهل غيرُ صمتِ، الموتِ فوق القبور والراقدينا؟
عجباً ما الذي أذن ساق هذا الكون، للموت والأذى والدمارِ؟!
فيم تحدو الشعوب أطماعُ غَرٍّ، يتصَّبى عينيهِ وهجُ النارِ؟
نشوةُ النَّصرِ؟ يا لسُخْرية الألفاظ! يا للأوهام يا للضَّلال!
أيها الواهمون حسبكمو وهماً، وهبُّوا من الكرى والخيالِ
نحن أسرى يقودنا، إلى ليل عالم مجهولِ
ليس منا من يستطيع فكاكاً، ليس منا غير الأسير الذليلِ
أبداً تأمر الليالي ونمشي ليس يُجْدي تضرعاً أو بكاءُ
ليس يخشى الممات صولةَ جبّارٍ، وما يستثرُهُ الضعفاءُ
هكذا الموت غالبٌ أبدَ الدهْر، ونحن الصَّرْعَى الضعافُ الحيارى
وله النصْرُ والفخارُ علينا، فاندبوا ما دعوتموه انتصار!
أيها العالمُ المخرَّب قد أسفرت الحرب عن غلاب المنايا
شهدتْ هذه القبور لها بالنصرِ، يا رحمتا لتلك الضحايا
ثم ماذا يا ساكني العالم المحزونِ؟ ماذا من القتال جنيتُمْ؟
وهل وصلتم إلى النجوم البعيداتِ، وهل مِن كفّ العذابِ نجوتم؟
هل تغلَّبتُمُ على الفقر والأحزان، والسُّقم أيّها الواهمون
أنجوتم من المآثم أم لم، يزل العيشُ فتنةً ومُجُونا
أسفاً لم تزل كما كانت الأنفس، تحيا في إثمها الأبديِّ
لم تزل خمرةُ الضلال رجاء الآدميينَ، في الوجود الشقيِّ
لم تزل في الوجود أغنيةُ الحزنِ، يغنّي بها الضعاف الجياع
لم يزل في الوجود مرضى حيارى، أبداً تعتريهم الأوجاع
كل شيء باقٍ كما كان قبل الحرب، غير الأيتام والأموات
غير ظلّ من الكآبة والحَيْرةِ، يمشي على ضفاف الحياةِ
هؤلاء الأيتام بالأمس كانوا، صورة البِشْر المراح الجميل
تحت ظلّ الآباء يقضون عيشاً، ما دَرَوْا غير صَفْوهِ المعسول
وأفاقوا من حلمهم فإذا الأقدار، حربُ والكون قتلٌ ونارُ
يا عيون الأطفال لا تسألي الدنيا، علام اللَّظَى؟ وفيم الدمارُ؟
في سبيل المجد المزيّف هذا الهولُ، لا كان مجدهم لا كانا
في سبيل النصر المموّه عاد العالم، الحلو في اللهيبِ دخانا
هؤلاء الصَّرعَى على الصخر، والشوك شباباً وفتيةً وكهولا
كيف كانوا بالأمس أية رؤيا، رسموها فلم تعش طويلا؟
أيها الأشقياءُ في الأرض يا من لم تمتهم قذائفُ النيرانِ
عبثاً تأملون أن يرجع الآن أعزََّاؤكم إلى الأوطان
انظروا ها هم الجنود يعودونَ فُرادَى مهشّمي الأعضاءِ
آه لولا بقيةٌ من حياةٍ لم يُعدّوا في جملةِ الأحياءِ
عبثاً يبحثون في هذه الأنقاضِ، عن أهلهم وعن مأواهم
عبثاً يسألون ما يعلم العابرُ، شيئاً فيا لنارِ أساهم
كيف ذاقوا مرارة الخيبة السَّوْداءِ بعد الآلامِ والأدواءِ
هل نجوا من براثن الموت والأسر، لكي يسقطوا أسارى الشقاء؟
أيها الأشقياء يا زُمَر الأحياء، في كلّ قريةٍ وصعيد
آن أن نستعيد ماضي حُبٍّ، هو مفتاحُ حُلْمنا المفقود
ما الذي بيننا من البغض؟ ماذا كان سرُّ القتالِ والأحقاد؟
أيها الناقمون نحن جميعاً، شَرَعٌ في أيدي الخطوب الشدادِ
نحن نحيا في عالم ليس يدري، سرُّه فهو غيهبٌ مجهولُ
تطلعُ الشمس كل يومٍ فما كُنْه، سناها؟ وفيم كان الأفولُ؟
ما الذي يُطلع النجوم على الكون، مساءً؟ ما كنْه هذا الوجود؟
أي شيءٍ هذا الفضاءُ؟ وما سر دجاهُ؟ هل خلفهُ من حدود؟
نحن هل نحن في الوجود سوى، الجهل مصوغاً في صورة الإنسان؟
كلُّ ما في الأكوان يحكمنا ماذا إذن سرُّ ذلك الطُغيانِ؟
فيم نطغى؟ وكيف ننسى قوى الكون، وما في الوجود أضعف منّا
ينخرُ الدودُ ما نَشيِدُ ولا تبقى البراكين والرياح علينا
فيم نقضي حياتنا في العداواتِ، ونُمضي السنين يأساً وحزنا؟
كيف ننسى أنّا نعيش حياة الورد، سرعان ما يموت ويفنى
لن تدوم الأيام لن يحفظ الدهرُ، كياناً لكائنٍ بَشَريِّ
فلندع هذه الضغائنَ والأحقادَ، ولنحْيَ في الودادِ النقيِّ
قصيدة مرثية امرأة لا قيمة لها
ذهبتْ ولم يَشحَبْ لها خدٌّ ولم ترجُفْ شفاهُ، لم تَسْمع الأبوابُ قصةَ موتها تُرْوَى وتُرْوَى
لم تَرتَفِعْ أستار نافذةٍ تسيلُ أسًى وشجوَا، لتتابعَ التابوت بالتحديقِ حتى لا تراهُ
إلا بقيّةَ هيكلٍ في الدربِ تُرْعِشُه الذِّكَرْ، نبأ تعثـّر في الدروب فلم يجدْ مأوًى صداهُ
فأوَى إلى النسيانِ في بعضِ الحُفَرْ، يرثي كآبَته القَمَرْ
والليلُ أسلم نفسَهُ دون اهتمامٍ، للصَباحْ وأتى الضياءُ بصوتِ بائعةِ الحليبِ وبالصيامْ
بمُوَاءِ قطٍّ جائعٍ لم تَبْقَ منه سوى عظامْ، بمُشاجراتِ البائعين، وبالمرارةِ والكفاحْ
بتراشُقِ الصبيان بالأحجار في عُرْضِ الطريقْ، بمساربِ الماء الملوّثِ في الأزقّةِ، بالرياحْ
تلهو بأبوابِ السطوح بلا رفيقْ في شبهِ نسيانٍ عميقْ
قصيدة البحث عن السعادة
قد بحثنا عن السعادة لكن ما عثرنا بكوخها المسحور
أبدا نسأل الليالي عنها وهي سرّ الدنيا ولغز الدهور
طالما حدّثوا فؤادي عنها، في ليالي طفولتي وصبايا
طالما صوّروا لعينيّ لقياها وألقوا أنباءها في رؤايا
فهي آنا ليست سوى العطر والأغنيات والأضواء
ليس تحيا إلا على باب قصر، شيّدته أيدي الغنى والرخاء
وهي آنا في الصوم عن متع الدنيا وعند الزّهاد والرهبان
ليس تحيا إلا على صخر المعبد بين الدعاء والإيمان
وهي حينا في الإثم والمتع الدنيا وفي الشرّ والأذى والخصام
ليس تصفو إلا لقلب دنيء لائذ بالشرور والآثام
وهي في شرع بعضهم عند راع، يصرف العمر في سفوح الجبال
يتغنى مع القطيع إذا شاء تحت الشذى والظلال
وهي في شرع آخرين ابنة العزلة والفنّ والجمال الرفيع
ليس تحيا إلا على فم غرّيد يغني أو شاعر مطبوع
وهي حينا في الحبّ يلهمها سهم كيوبيد قلب كلّ محبّ
ليس تحيا إلا على شفة العاشق يشدو حياته لحن حبّ
حدّثوني عنها كثيرا ولكن، لم أجدها وقد بحثت طويلا
لم أزل أصرف الليالي بحثا وأغّني بها الوجود الجميلا
مرّ عمري سدى وما زلت أمشي فوق هذي الشواطئ المحزونة
لم أجد في الرمال إلا بقايا الشوك يا للأمنية المغبونة
أين أصدافك اللوامع يا شطّ إذن أين كنزك الموعود؟
هاته رحمة بنا، هات كنزا، هو ما يرتجيه هذا الوجود
هاته حسب رملك البارد القاسي خداعا لنا وحسبك هزءا
يا لحلم نريد منه اقترابا وهو ما زال أيّها الشطّ ينأى
لم تعد قصّة السعادة تغريني فدعني على شاطئ الآهات
عبثا أرتجي العثور على الكنز فلا شيء غير صمت الحياة
أين من هذه الحياة ابتسامات الأماني ونشوة الأفراح؟
كيف يحيا فيها السعيد وليست غير بحر تحت الدجى والرياح
طال بحثي يا ربّ أين ترى ذاك السعيد الجذلان أين تراه؟
ليس حولي إلا دياجير كون،ليس يفنى بكاؤه وأساه
كل يوم ميت يسير به الأحياء باكين نحو دنيا الظلام
يا لأسطورة الخلود فما الخالد غير القبور والآلام
يا دويّ النواح في الأرض أيّان يكفّ الباكون والصارخونا؟
ومتى ينتهي الشقاء متى يرتاح كون ذاق العذاب قرونا
عالم كلّ من على وجهه يشقى ويقضي الأيام حزنا ويأسا
جرّعته السنين حنظلها المرّ فعاف الحياة عينا ونفسا
إيه أسطورة السعادة هاتي، حدّثيني عن سرّك المنشود
أين ألقاك؟ أين مسكنك المرموق؟ في الأفق أم وراء الوجود؟
سرت وحدي تحت النجوم طويلا، أسأل الليل والدياجير عنك
أسفا لم أجدك في الشاطئ الصخريّ حيث المياه تفتأ تبكي
حيث تبقى الأشواك والورد يذوي، تحت عين الأيّام والأقدار
حيث يفنى الصفاء والليل يأتي، بجنون الأنواء والإعصار
حيث تقضي الأغنام أيّامها غرثى ولا عشب في جديب المراعي
أبدا تتبع السراب وتشكو بخل دهر مزّيف خدّاع
حيث يحيا الغراب والبلبل الموهوب يهوي في عشّه المضفور
ويغّني البوم البغيض على الدوح ويثوي القمريّ بين الصخور
حيث تبقى الغيوم في الجوّ رمزا، لحياة سوادها ليس يفنى
حيث تبقى الرياح تصفر لحنا، هو سخرّية المقادر منّا
حيث صوت الحياة يهتف بالأحياء: ماذا تحت الدجى تبتغونا؟
انظروا كلّ ما على الأرض يبكي، فأفيقوا يا معشر الحالمينا
قصيدة مأساة الشاعر
قد هبطنا في شاطئ الشعر والفن، فماذا فيه من الأفراح؟
ها هو الشاعر الكئيب وحيدا، تحت سمع الآصال والأصباح
أبدا ساهم يراقب أيّام حياة لا تنقضي بلواها، لا يرى الواهمون غير ضحاها
ويعيش الفّنان تحت دجاها، يرقب الأشقياء في ظلمة العيش ويبكي لهم بكاء غبين
ويصوغ الألحان يرثى لبلواهم ويبكي على الوجود الحزين
طالما بات ساهد الطرف حيران يسرّ الظلام أحزان شاعر
لا يرى في الحياة إلا وجودا، ظلّلته يد الشقاء العاصر
أبدا لا يرى سوى مسرح المأساة بين الدموع والتنهيد
وستارا من الدجى يتجلّى، كلّ يوم عن مّيت ووليد
واكتئابا يمشي على صور الكون جميعا ولوعة وشقاء
ودموعا تلوح في كل عينين ودهرا يخادع الأحياء
ليس يلقى الحياة إلا حزين القلب حيران في هموم الحياة
كلما أنّ بائس ذرف الشاعر دمع الأسى على المأساة
وإذا أذبل الجليد زهو اللوز ران الأسى العميق عليه
وإذا ماتت البلابل ظمأى، جال دمع الرثاء في مقلتيه
فهو قلب قد صيغ من رقّة الزهر وعين قد طهّرت بالدموع
وحياة حسّاسة ليس يدري، سرّها غير شاعر مطبوع
هي عمر ظمآن تعصره العُزْلة عصرا، يمرّ كالآزال
في سكون لا صوت يسمع فيه، غير صوت الصرّار تحت الليالي
غير همس الحمام في الجبل الموحش أو لحن بلبل مهجور
وحفيف الأشجار في قبضة الريح وصوت الرعود في الديجور
غير همس الأشباح ملء دجى الشاعر في ليله الطويل الجديب
يتلقّى الأشعار عنها ويحيا، أبدا في حمى الأسى والشحوب
أيها الشاعر الذي يسهر الليل وحيدا مستغرقا في الجمود
محرقا روحه بخورا على حبّ، (أبولو) ووحيه المنشود
ساهدا حانيا على القلم الشاعر يرثي الدجى ويبكي السنينا
راسما للحياة صورتها المرّة بين الجياع والبائسينا
أطفئ الضوء أيّها الشاعر المتعب وارحم فؤادك الموجوعا
كاد يخبو ضوء السراج وتأتي ظلمات الدجى عليه جميعا
رقد العالم المعذّب تحت الليل فارقد واترك بقايا النشيد
حسبك الآن ما سهرت مع الحارس ترثي لليله المكدود
قد أوى الحارس الكئيب إلى الكوخ إلى غمضة الكرى والطيوف
فكفى يا حزين عطفا على الكون ورفقا بقلبك الملهوف
عجبا كيف تسهر الشاعر الملهم أحزان من عن الحزن ناموا
كيف ترقا مدامع الورد في الحقل ويبكي على أساها الحمام
آه يا شاعري المعذّب ماذا؟ أكذا تصرف الحياة غبينا؟
في سبيل الوحي السماويّ تحيا، شاحب الوجه متعبا محزونا
بعت بالشعر لهو أيّامك الظمأى وعفت الحياة عينا وقلبا
ونذرت الشباب والحبّ للفنّ، لتحيا على الجراح محبّا
ليس يعنيك أن ترافقك الأحزان ما دمت ملهما صدّاحا
ليس يرضيك غير تغّنيه وإن صغته أسى ونواحا
ليس تعطي الحياة للشاعر المجد إذا لم يذق هموم الحياة
ليس تسمو الأرواح إن لم تطهّرها معاني الدموع والآهات
فإذا أشحب الأسى وجنة الشاعر أو بات ليلة أوّاها
وإذا عضّ قلبه مخلب الحزن وضاقت حياته بأساها
خاطبته الحياة: يا شاعري الملهم يا ابن الشحوب والآلام
النجوم الوضاء لا تبعث السحر إذا لم يسدل ستار الظلام
والذي يجمع الزهور يدوس الأشوك يا شاعري ويمشي عليه
والذي يعشق الطبيعة لا يثقل صمت الدجى على مسمعيه
فاحتمل ما استطعت أحزان عمره ولولا الأحزان ما كان شيّا
وأدفن النور في جفونك ميتا وابعث الشعر من فؤادك حّيا
غنّ هذا العذاب صف لحياة الناس ماذا يبكي فؤاد الشاعر
صف لهم كيف يصرف العمر حيران ويحيا على أساه العاصر
صف لهم ذلك الصراع صراع الفكر والقلب في ظلام الحياة
كلّما أخفت النعيم صراخ القلب ضج الفكر الأبيّ العاتي
فهما في حياته نبع أحزان يردّ الحياة أفقا كئيبا
وهما الثائران لا بدّ من صوتهما وليكن دما ولهيبا
شرعة الفكر أن يغرّد بالشعر ويشدو وإن يكن محزونا
ومناه السموّ للعالم الأعلى وأن يلق في الطريق المنونا
فهو أفق حرّ يريد حياة العقل في معزل عن الإحساس
وسواء لديه أن يشجب الشاعر أو أن تقسو عليه المآسي
أفليس الشحوب والألم العاصر نبعا للشعر والألحان
أو لا تقنع الحياة من الشاعر باللحن في حمى الحرمان؟
فيم كان الصراع يبعثه القلب إذن فيم؟ فيم لا يطمئن
فيم يأبى الحياة في وحشة العزلة والفكر فيم يمضي يئن؟
هكذا تصرخ الخواطر بالشاعر في ليلة، فإن جاء فجر
ورأى الراعي الصبيّ يسوق الغنم الظامئات لم يبق شعر
ومضى القلب صارخا أين حّبي؟ أين لهوي؟ وفيم أبقى أسيرا
أبدا لا أني أضحّي بأفراحي، وأحيا ذاك الحزين الكسيرا
من بكائي تصوغ شعرك للكون ومنّي المنى ومنّي الحنين
من دمي هذه الملاحم فارحمني أنا العاشق الشجي المغبون
انطلق بي دعني أذق فرحة الحبّ، لعلي من الشقاء أفرّ
ما غناء الأشعار يا شاعري المتعب إن كانت الحياة تمرّ؟
ليس يغني عنك النشيد إذا متّ، حزينا وليس يرويك لحن
لا تقل في غدٍ غدٌ ندم قاس على ما مضى ويأس وحزن
تحت ثقل الثرى وفي وحشة الموت سيخبو هذا النشيد ويفنى
فإذا لحنك الذي صغته يأسا وحزنا للناعمين يغّني
وسَتُنْسَى أنت الذي ملأ الدنيا جمالا ومات ظمآن جهما
وسيبلى التراب ما يتبقى منك يا مستطار لحما وعظما
ثم ماذا؟ غدا يقولون قد كان فتى بيننا طواه الهزال؟
ما رأينا منه سوى طيف إنسان فقدناه واصطفاه الخيال
سيقولون شاعر ركبته، لوثة فانزوى وعاش غريبا
أبدا يرقب الفضاء يصيد النجم أو يحصد الظلام الكئيبا
يرمق الزهر من بعيد وفي عينيه أحلام عاشق ولهان
جامدا قانعا بعذريّ حبّ يكتفي بالعطور والألوان
أيها الشاعر السجين كفانا غربة في حياتنا ووجوما
حسبك الآن ما خضعت لصوت العقل وارحم شبابك المحروما
ويمرّ النهار والشاعر المغبون حيران بين فكّي أساه
بين همس الصوتين يحيا كئيبا ويناجي طيوفه ومناه
فإذا جاش قلبه بمعاني اليأس ألقى أحزانه في النشيد
لائذا باليراع يسكب فيه ما يعاني من العذاب الشديد
ساكبا روحه على كل بيتنا، حتى من فؤاده الألحانا
راضيا بالشحوب والسقم حبا لأبولو مستسهلا ما كانا
كلّ بيت من شعره يتقاضاه شحوبا ورعشة وسقاما
فهو في لحنه يذيب صباه ويضيع الشباب والأحلاما
ثم ماذا؟ سرعان ما يزأر الإعصار والزهرة الجميلة تذوي
وإذا الضوء في الأعاليّ يخبو وإذا النجمة الوضيئة تهوي
ويغيب الضياء في ليل قبر ليس تبكي له سوى الأمطار
ليس يرثيه غير ذاوي صباه وبقايا القيثار والأشعار
ذلك الشاعر الذي كان يحيا عمره باكيا على كلّ باك
ذلك العاطف النبيل على الأحزان ذاك الملقى على الأشواك
نبذته الأيام في قبره الموحش تحت الرياح والظلمات
حيث لا آهة يصعّدها قلب ولا دمعة على المأساة
هكذا في العذاب تمضي حياة الشاعر الملهم الرقيق وتنسى
هكذا يملأ الوجود جمالا ويذوق الآلام كأسا فكأسا
هكذا كلّ شاعر فارحلي بي، يا سفيني عن عالم الشعراء
ولندعهم في ذلك الشجن العاصف بين الآهات والأدواء
ولنسر في بحر الحياة كما كنّا ونلقي المرسى على كل ساحل
ربما يا سفين نلقى ضياء يتجلّى بعد الظلام القاتل
قصيدة مع الأشرار
قد رقبت الأشرار حينا فلم أعثر لديهم على سناك الحبيب
فهم البائسون تطحنهم أيدي الليالي بما جنوا من ذنوب
ورأيت الطغاة يحيون محزونين بين الأوهام والأشباح
ليس يشفيهم من الحزن واليأس دواء فالداء في الأرواح
فإذا أخمدوا هتافات مظلوم فما يخمدون صوت الضمير
ذلك الراقب الإلهيّ في النفس لسان الهدى وصوت الشعور
أبدا ساهر يراقب أقدار الليالي وسطوة الأيّام
أبدا يرمق الحياة من الأعماق، مستهزئا من الأعوام
فإذا حادت القلوب عن الخير علا صوت ذلك الجبّار
فهو الناقم النبيل على الشرّ وقاضي الطغاة والأشرار
كيف ينجو الأشرار من شقوة الروح وصوت الضمير بالمرصاد
لا ملاذ من حاكمٍ يملك الروح بما في كّفيه من أصفاد
عجبا أين تلتقيك حياتي؟ يا ضفاف السعادة المنشودة؟
جبت هذا الوجود أبحث لكن لم تزالي الحقيقة المفقودة
جهلتك الدنيا فلا أحد يعلم ما أنت واقع أم خيال؟
كّلهم يسألون عنك ولكن لم تحدّث بسرّك الآزال
ها أنا ذي حملت قلبي على كفي وسرت الحياة أبحث عنك
أسأل العابرين هل فيهم من قد روى قلبه المشوّق منك
قصيدة غرباء
أطفئ الشمعةَ واتركنا غريبَيْنِ هنا، نحنُ جُزءانِ من الليلِ فما معنى السنا؟
يسقطُ الضوءُ على وهمينِ في جَفنِ المساءْ، يسقطُ الضوءُ على بعضِ شظايا من رجاءْ
سُمّيتْ نحنُ وأدعوها أنا: مللاً. نحن هنا مثلُ الضياءْ، غُربَاءْ
اللقاء الباهتُ الباردُ كاليومِ المطيرِ، كان قتلاً لأناشيدي وقبرًا لشعوري
دقّتِ الساعةُ في الظلمةِ تسعًا ثم عشرا، وأنا من ألمي أُصغي وأُحصي. كنت حَيرى
أسألُ الساعةَ ما جَدْوى حبوري، إن نكن نقضي الأماسي، أنتَ أَدْرى، غرباءْ
مرّتِ الساعاتُ كالماضي يُغشّيها الذُّبولُ، كالغدِ المجهولِ لا أدري أفجرٌ أم أصيلُ
مرّتِ الساعاتُ والصمتُ كأجواءِ الشتاءِ، خلتُهُ يخنق أنفاسي ويطغى في دمائي
خلتهُ يَنبِسُ في نفسي يقولُ: أنتما تحت أعاصيرِ المساءِ، غرباءْ
أطفئ الشمعةَ فالرُّوحانِ في ليلٍ كثيفِ، يسقطُ النورُ على وجهينِ في لون الخريف
أو لا تُبْصرُ؟ عينانا ذبولٌ وبرودٌ، أوَلا تسمعُ؟ قلبانا انطفاءٌ وخمودُ
صمتنا أصداءُ إنذارٍ مخيفِ، ساخرٌ من أننا سوفَ نعودُ، غرباءْ
نحن من جاء بنا اليومَ؟ ومن أين بدأنا؟ لم يكنْ يَعرفُنا الأمسُ رفيقين، فدَعنا
نطفرُ الذكرى كأن لم تكن يومًا من صِبانا، بعضُ حبٍّ نزقٍ طافَ بنا ثم سلانا
آهِ لو نحنُ رَجَعنا حيثُ كنا، قبلَ أن نَفنَى وما زلنا كلانا، غُرباءْ