الأساطير والحكايات العالمية والقصص الخرافية وتغيرها عبر الزمن
جمعت الكثير من الشعوب تراثها الشعبي ونقلت قصصها الشعبية بين الأمم، فساعدت هذه القصص على نشر الثقافات إذ كانت تمثل عقلية الناس وخيالهم، وطريقة تصورهم وفلسفتهم للأشياء في الحياة والمجتمع والقيم والأخلاق، كما دخلت هذه الحكايات الأوساط الشعبية وأصبحت جزءاً من الأدب العالمي يتم تناقله بين الأوساط الأوروبية والعالمية، هذه الحكايات؛ منها ما بقي على حاله أو وقع في طي النسيان، ومنها ما تم تحويره بطريقة تترجم طبيعة الكاتب أو الراوي والناقل لها.
الحكايات الخرافية تناقلتها الشعوب أولاً
لكل شعب من شعوب العالم حكايات خرافية وأساطير يتداولها الناس البسطاء في حياتهم وسهراتهم، ويرويها الكبار كتهويدات الصغار للنوم، تنتشر وتروى مشافهة بطبيعة الحال، هذه الحكايات والأساطير تحتوي على كثير من الدروس والعبِر التربوية التي تؤثر في سلوك الصغار، فيرافقهم تأثيرها حتى نهاية أعمارهم، ذلك لأنها تغرس في نفوسهم مجموعة من القيم التي تنفعهم في حياتهم وتقوّم اعوجاج تفكيرهم نحو الأفضل.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وقد بدأ كثير من الأدباء والشعراء بتتبع الحكايات الشعبية وتدوينها كي يحفظوها للأجيال التالية من الضياع، وكان للعرب إرث واسع في هذا الأمر، وخير مثال قصص (ألف ليلة وليلة)، التي أدخلت الكتّاب والفلاسفة في حيرة بعد ترجمتها إلى الفرنسية على يد أنطوان غالان (A.Galland).
لكن العرب في العصر الحديث قصروا كل التقصير في تدوين كل ما كان يروى على أسماعهم من قبل، حتى ضاع من القصص الكثير ولم يحفظ منها إلا القليل، بينما في عصر الملك لويس الرابع عشر أي في العصر الذهبي للأدب الفرنسي؛ عمد الشاعر الفرنسي شارل برو لتدوين مجموعة من الحكايات التي سمعها في حياته، وأعاد صياغتها بطريقته شعراً ونثراً، لكن بعض الحكايات التي لطالما اعتدنا إرجاعها لأصل أجنبي مأخوذة من حكايات عربية.
فمثلاً؛ حكاية (وريقة الحناء) تلك الحكاية الشعبية اليمنية كانت أصلاً لحكاية (سندريلا) الشهيرة التي جابت العالم أجمع، فكان للعرب فضل في ذلك، ولعل بعض الرحالة أخذوا من حكايات الشرق وصاغوها من جديد في الوقت الذي كان المجتمع الغربي متعطشاً لمعرفة المجتمع الشرقي بشكل أكبر.
القص ونقل الأحاديث حاجة ضرورية وطبيعة جوهرية
في طبيعة أي إنسان منا رغبة في سرد القصص وإعلام الآخرين عن أحداث حياتنا، سواء كانت واقعية أم خيالية، كما أنها سمة الإنسان الجوهرية، لكن الطريقة التي يتناقل بها الإنسان الأحداث ويتواصل بها مع الآخرين قد تغيرت بشكل كبير مع مرور الوقت، فقص أو حكاية القصص نشأت في البداية على شكل قصص مرئية من خلال الرسومات التي وُجدت على جدران الكهوف والتي انتقلت مشافهةً.
ثم انتقلت هذه القصص من جيل إلى آخر عبر التلاوة الشفوية، ومنها ما تحول إلى قصص مكتوبة على شكل روايات، وفيما بعد أصبحت مرئية باستخدام الكاميرات ووسائل التواصل الاجتماعي. هذا الأمر وهذه الطريقة في تناقل القصص جعلت بعضها يتعرض للعديد من التغييرات حسب كل راوي، فمنهم من ينسى بعض الأحداث فيبتكر ما لديه من جديد ليتابع الحكاية، ومنهم من غيّر تسلسل الأحداث حسب بيئة مجتمعه ورؤيته للحياة.
أشكال إنتقال الحكايات إلى الناس عبر الزمن
في كهف شوفيه في فرنسا رسومات يعود تاريخها إلى حوالي 30 ألف سنة، وهي عبارة عن تمثيلات بصرية خطها الإنسان القديم باستخدام الطين، إضافة إلى الرسومات الهيروغليفية في مصر القديمة، وهي عبارة عن أحرف تصويرية كرسوم وأصوات، تعود اللغة الهيروغليفية إلى حوالي 5000 سنة قبل الميلاد، وهي واحدة من أقدم أنظمة الكتابة في العالم، فكانت وسيلة فعّالة لإخبار الناس عن الأحداث وإبقائها قيد الحياة.
أما رواية القصص شفوياً، فالأمر متعلق بالثقافة؛ بعض التقاليد في الثقافات استخدمت الأغنية لرواية القصة، وأخرى استخدمت الشعر الملحمي، هذا بعد أن تم تداولها عبر الفم بالكلام، كما أن هذا الأمر يتوقف على الشخص نفسه أيضاً، فكانت الطريقة المتبعة في القصص هي التجمع حول شخص يدعى (الحكواتي) ليخبر الناس القصة كما سمعها أو كما قرأ عنها.
فيما بعد أصبحت هذه القصص تُنسخ وتُكتب يدوياً سواء على الورق أو الحجر أو الطين، فكان بعضها مكتوباً بالأشكال القديمة مثل: الأبجدية الفينيقية أو اللغة اليونانية، إلا أن هذه المنسوخات كانت حكراً على الطبقة المثقفة في فترة من الوقت، فيما بعد ومع اختراع المطبعة؛ أصبحت القصص متداولة بين الناس بشكل أكبر، مما ساعد ذلك على زيادة القراءة والمعرفة بينهم، ومع التطور في الحياة واختراعات التكنولوجيا أصبحت القصة تروى من خلال الصورة والصوت لتصبح أكثر جاذبية، على الرغم من أن البعض بقي يفضل قراءة القصة من خلال الكتب.
تأثير الراوي على القصص المسموعة
يذكر كل شخص منا الحكايات الكلاسيكية التي كانت تُقص على مسامعه في طفولته، والتي كانت تبعث بشعور مختلف عند كل طفل، هذه القصص منها ما كان يهدف إلى الحديث عن قيم المجتمع والأخلاق، ومنها ما كان يستخدم لإظهار العقاب المحتمل للطفل عند فعل ما هو غير مسموح.
لكن مع الأيام ومع تغير المجتمعات والنهضة التي طالتها، أصبحت بعض القصص تُستخدم لأغراض غير مقبولة للطفل، وأصبح مستوى العنف فيها يُعرض الأطفال للكثير من المخاطر، كما أن بعض القصص أدخلت قيماً منافية لأخلاقيات المجتمع، وتالياً نستعرض بعض الأمثلة لأكثر القصص شهرة، والتي منها ما بقي على حاله ومنها ما طالته رتوش التغيير.
قصة الحسناء والوحش
قصة الجميلة والوحش أو الحسناء والوحش، تلك الحكاية التي تتحدث عن قصة الأمير ايرل الذي تحول لوحشٍ قبيح الهيئة، وتحول قصره لمنزل قديم بسبب أنانيته التي منعته من أن يجعل الرجل المتسول يبات تلك الليلة في قصره، فتلى عليه ذاك الرجل تعويذة جعلته يتحول لوحشٍ لا يستطيع العودة كما كان إلا إذا قبلت فتاةً ما الزواج منه.
وللصدفة؛ يجد والد فتاة حسناء القصر أثناء تجواله، فيدخل إليه باحثاً عن ما يسد رمقه، فيقع وفتاته الجميلة أسرى الوحش، ومع مضي الأيام تدخل الحسناء بعلاقة عشق مع الوحش، إلى أن تقبل الزواج منه فيعود شاباً وسيماً كما كان في سابق عهده، ويعيشون جميعاً في ذلك القصر.
لعل المغزى من القصة هو عدم الحكم على أي أمرٍ من غلافه أو من النظرة الأولى، فالرجل العجوز كان ساحرة شريرة، والوحش كان الأمير الوسيم، لكن في الآونة الأخيرة أصبحت هذه الحكايات تقدم للبالغين بأسلوب مختلف، وأصبحت تكيف حسب الأوضاع السينمائية التي تنتج فيها، ومع التغيير والتجارب التي طُبقت على الحكايات الخيالية أصبحت تعمل على تغيير مشاعر البالغين، كون الأفلام السينمائية في معظمها موجهة للكبار وليست للأطفال.
قصة سنو وايت والأقزام السبعة
أما بالنسبة لحكاية سنوو وايت أو بياض الثلج كما تسمى في بلادنا، فقد كان هناك فتاةٌ جميلةٌ جداً، وفي المقابل كانت زوجة أبيها قبيحة الوجه وتكن لبياض الثلج كرهاً عميقاً، فتطلب ذات مرة تلك الزوجة من أحد الصيادين أن يتخلص من بياض الثلج ويقوم بقتلها.
لكن الصياد لم يستطيع قتلها، فما كان له إلا أن أخذها للغابة لتلقى مصيرها، وأثناء تجوالها في الغابة تصادف كوخاً صغيراً، فتدخل إليه وتتناول القليل من دجاجة موضوعة في المطبخ، لتدخل بعدها في نوم عميق، إلى أن تستيقظ على صوت سبعة أقزام أصحاب الكوخ، فيشفقوا عليها ويقررون بأن تبقى معهم لكي تنظف المنزل وتحضر لهم الطعام.
لكن الزوجة الشريرة تعلم بما فعل الصياد، فتذهب إلى الغابة بنفسها لتقتل الفتاة، تتنكر بهيئة امرأة عجوز، وتعطي بياض الثلج تفاحةً مسمومة، فتسقط بعد تناولها في سبات عميق، إلى أن يأتي أميرٌ وسيم ويوقظها بقُبْلة، ويعيشان بعدها في سعادة كبيرة.
لكن في النص الأصلي للقصة، ما سبق لم تكن نهاية القصة، فشّرُ الملكة بقي قائماً، وبعد وقوع الأمير في عشق بياض الثلج، يتم دعوة الزوجة الشريرة لزفافهما، لكن عند وصولها للحفل، تجد أمامها أحذية حديدية ساخنة، ولجرائمها الكثيرة ضد الفتاة؛ فهي مجبرة على أن تدوس على كافة الأحذية الموضوعة على الأرض حتى تصل إلى ساحة الرقص لتموت في النهاية.
كما أن فيلم ديزني الجميلة والأقزام السبعة عام 1937 تحدث عن حكاية الجميلة مع الأقزام بنهاية غامضة ومختلفة عما سبق، فكان لكل قزم شخصية مستقلة وصفة: واثق، حاد الطبع، سعيد، عفيف النفس، نعسان، غبي ومتثائب، كذلك الأمر في حكاية أخرى تقول بأن الأمير كان يعرف جمال الثلج من قبل واستفاقت بعد أن قبلها الأمير.
أما في حبكة غريبة لذات القصة أيضاً، ظهرت عام 2012 في قصة (بياض الثلج والصياد)، أضيف عنصر جديد إلى القصة وحدث جديد تجلى بعودة الصياد إلى المرأة الشريرة التي وعدته بإرجاع زوجته من الموت إذا نفذ ما تريد.
لكن الأمر يكون خدعة من الشريرة وشيئاً لا يمكن تحقيقه، فالمغزى من القصة لم يتغير، إنما شخصية بياض الثلج تبدلت من فتاة تعيسة إلى فتاة ذات سلطة، وقد تتغير الأحداث والحبكات مع تغير الجمهور.
ليلى والذئب.. قصة الضحية والمفترس
ذات الرداء الأحمر أو كما نعرفها منذ الصغر ليلى والذئب، تتحدث عن الفتاة الصغيرة التي ترتدي رداءً أحمراً وتسير في الغابة لإيصال الطعام إلى جدتها المريضة، فيراقبها ذئب من بين الأشجار ويسألها عن مقصدها، وبعد أن يعرف الذئب الطريق، يقنعها بقطف بعض الزهور لجدتها في طريق طويل مليءٍ بالأزهار، فيذهب في تلك اللحظات إلى المنزل ويبتلع الجدة ومن بعدها الفتاة حين وصولها.
ومن باب الصدفة والقضاء والقدر، يمر صياد بالقرب منهم فيفتح بطن الذئب ويخرج ذات الرداء الأحمر وجدتها دون أن يمسهما أي أذى، لكن في الإصدار الأقدم للحكاية، لا يكون الخصم ذئباً بل غولاً، وبعد أن يأكل جدة ذات الرداء الأحمر، يترك بعض اللحوم والدماء على الطاولة، فتأتي الفتاة لتتناول من لحم جدتها، إلا أن نهايتها بشعة وغير لبقة.
في عام 2005 تحدثت حكاية هارد كاندي على أن ذات الرداء الأحمر تكون فريسة لمطاردة الذئب في الغابة، إلا أن حكاية أخرى وضعت ليلى أو ذات الرداء الأحمر في علاقة صداقة مع الذئب، حيث يتفقان معاً للقبض على أرنب فار ويسلمانه للشرطة، ثم يقع الذئب في حب ذات الرداء الأحمر.
أما على الطرف النقيض للحكاية، والذي يحمل طابعاً من الفكاهة والسخرية، صور البعض هذه القصة بأن ليلى كانت الفتاة الشريرة التي كانت تقطف الأزهار الغذاء الوحيد للذئب، فحاول مراراً منعها من ذلك، وعندما حاول أن يشكو الأمر لجدتها، اُتهم بأنه يريد إيذاء الفتاة وجدتها، وظل الذئب مظلوماً طوال حياته. جُملت القصة في جوانبها وتحملت الكثير من الحبكات، لكن في جميعها تم التركيز على قضية الضحية والمفترس.
قصة منزل الحلوى والشريرة دائماً عجوز شمطاء
هانسل وغريتل حكاية تتلو قصة طفلين لحطاب فقير، فبعد أن يقتحم الجوع البلاد، تقرر زوجته الثانية التخلص منهما في الغابة أثناء عملهم في جمع الحطب، فبعد ذلك لن يعانوا من الجوع ثانيةً لأن الطفلين كانا يأكلان كثيراً، يسمع هانسل ما جرى من حديث، فيخرج من المنزل لالتقاط الحصى كي تكون له دليلاً.
وفي اليوم التالي وبعد مضي بعض الوقت، يترك الحطاب الطفلين في مكان بعيد عنه ويرحل، إلا أن الطفلين يستطيعان العودة من خلال تتبع الحصى التي وضعها هانسل على الطريق أثناء قدومهم في الصباح، بذلك يتمكنان من العودة للمنزل، فتغضب الزوجة لما جرى غضباً كبيراً، فتوصد الأبواب في تلك الليلة كي لا يستطيع هانسل الخروج.
في اليوم التالي يقرران تكرار العملية، يحاول هانسل وضع فتات الخبز على الطريق بما أنه لم يستطع جمع الحصى، إلا أن الطيور تأكل فتات الخبز فيتوهان في الغابة، وبعد سيرهما بين الأشجار مسافات طويلة يجدان منزلاً مصنوعاً من الكعك والحلويات فيتناولان قليلاً منها.
تخرج صاحبة المنزل العجوز وتدعوهما للدخول إليه، إلا أن المرأة كانت ترغب بأن تتغذى على الأطفال، فتضع هانسل في قفص صغير، وتقوم بتغذيته يومياً بشكل جيد حتى يسمن وتتغذى عليه، وذات مرة، تخرجه من القفص حتى تطهوه، لكن عند اقترابها من الموقد تقوم غريتل بدفعها إلى الموقد لتسقط في النار وتموت، بعد ذلك يأخذ الطفلان ما يوجد بالمنزل من طعام وأموال، ويقرران العودة للديار، وبعد بحثٍ طويل يستطيعان إيجاد المنزل، ويجدان الزوجة قد ماتت لأسباب غير معروفة ويعيشان مع أبيهما بعدها في سعادة.
هذه الحكاية كغيرها طرأ على أحداثها الكثير من التغييرات، ففي حكاية ظهرت عام 2011 ذكرت أن ذات الرداء الأحمر والذئب يذهبان لاسترجاع الطفلين بعد أن تختطفهما الشريرة، لكن ذات الرداء الأحمر تتناول كثيراً من الحلوى فيكبر حجمها، ثم يتم اعتقالهم جميعاً فيما بعد، أما في حبكة ظهرت عام 2013 تحت عنوان (هانسل وغريتل والصيادون السحرة).
تختلف الأحداث وتبدأ سلسلة جديدة من التغييرات، فبعد مضي العديد من السنوات بما يقارب 15 عاماً، يكونان (هانسل وغريتل) قد تعلما أصول السحر، وأصيب هانسل بمرض سكري الدم لتناوله الكثير من الحلوى، مما يضطره لتناول الإنسولين يومياً، فتجري الكثير من الأحداث مع الصيادين السحرة الذين يرغبون بمساعدتهما للعودة، إلا أن هذه الحكاية حملت كثيراً من العنف والألفاظ البذيئة وروح الانتقام.
في النهاية.. وإضافة لتلك الحكايات هناك المئات منها والتي لطالما عرفناها حين كنا صغاراً، لكننا لم نعلم أصل كل حكاية منها، فهناك العديد من النسخ المختلفة لقصة سندريلا (أو سندريون بالفرنسية)، لكن النسخة الأصلية تقول بأن سندريلا لم تذهب لأي حفلة، بل أتى نسر وسرق حذاءها ورماها في حضن الملك.