الإيجابية السامة.. الجانب المظلم من التفاؤل
يدرك أغلبنا فوائد التفكير الإيجابي، الذي يدفع الإنسان دائما إلى مواجهة الأزمات دون توتر أو قلق، بل مستعينا بروح من التفاؤل المطلوب في كثير من الأحيان، إلا أن الإفراط في هذا الأمر المفيد قد يتسبب في الضرر وخاصة عند الاستعانة به في الوقت الخاطئ، حيث تظهر حينها الإيجابية السامة التي نكشف عن مخاطرها وطرق التعامل معها.
علامات الإيجابية السامة
يرى خبراء علم النفس أن الإيجابية السامة غالبا ما تظهر في حال تجاهل أو ربما نكران وجود الأزمة من الأساس، فبينما ينصح عند حدوث المشكلات بمواجهتها دون تأجيل، مع التحلي بقدر من التفاؤل والثقة للتغلب عليها، فإن الإيجابية السامة تتمثل في كثير من الأحيان في تجاهل المشكلة والتعامل مع الموقف وكأن شيئا لم يكن.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
يؤدي تجاهل المشكلة في تلك الحالة إلى السعي لإخفاء مشاعر الحزن أو الغضب الناتجة عنها، ما يعني ادعاء أحاسيس إيجابية ليست هي المسيطرة على الذهن في الواقع، حيث تعتبر تلك من علامات الإيجابية السامة.
كذلك يعد الإحساس بالذنب من مشاعرك الداخلية من علامات الإيجابية السامة، فبينما يجب أن يتقبل الإنسان وجود أوقات للحزن والغضب، فإن تلك الإيجابية غير المفيدة قد تدفع صاحبها إلى شعوره بالتقصير لمجرد أنه يعاني لبعض الوقت.
تبدو المعاناة من الإيجابية السامة واضحة أيضا عند التعامل مع مشكلات الآخرين، عندما تؤدي بالشخص إلى انتقاد كل ما يعبر عن مشاعره السلبية في موقف ما، وكأنهم مطالبون دائما برؤية الأمور من منظور إيجابي لا يحيد عن التفاؤل، وهو أمر بعيد عن المنطق، كما تعتبر محاولة إثناء الأشخاص عن مشكلاتهم عبر تخفيف الأزمة في أعينهم رغم استفحالها من علامات تلك الإيجابية المضرة أيضا.
أضرار الإيجابية السامة
تتعدد الأضرار التي يصاب بها الإنسان عند الفشل في التفرقة بين الإيجابية السامة والإيجابية المطلوبة، إذ يؤدي الحرص على إخفاء المشاعر السلبية طوال الوقت إلى تولد شعور داخلي بالذنب، قبل أن يتحول إلى إحساس بالخجل من الذات، حيث يرتبط إخفاء الحقائق عن الآخرين في ذهن الإنسان دائما بمشاعر الخجل والذنب.
تصبح أزمة الإيجابية السامة أكثر خطورة عندما تزيد من توتر صاحبها في صمت، فبينما ينصح خبراء علم النفس بالتعبير عن المشاعر الشخصية للمقربين بل والبكاء أحيانا للتخلص من الطاقة السلبية أول بأول، فإن القيام بالعكس والسعي إلى الظهور في صورة إيجابية طوال الوقت لن يؤدي إلا لزيادة مشاعر القلق والتوتر والتي قد تنتهي بالمعاناة من الاكتئاب.
من الوارد أن تؤدي الإيجابية السامة بما تحمل من اختلاف في المشاعر بين الظاهر والباطن، إلى معاناة صاحبها من العزلة، حيث يفقد الإنسان الرابط بين حقيقة مشاعره وبين ما يكشفه للآخرين، لذا يقع ضحية للوحدة بإرادته أو بغير ذلك، وهو أمر آخر يزيد من فرص الإصابة بالمشكلات النفسية مثل الاكتئاب.
كيفية مقاومة الإيجابية السامة
نحتاج من أجل تعديل الإيجابية السامة والوصول إلى التفكير الإيجابي المنطقي، إلى تغيير بعض الأفكار الخاصة، ومن بينها أن مشاعر الحزن تعتبر مرفوضة تماما، فبينما تعد مشاعر الفرحة والسعادة من المشاعر الإنسانية الطبيعية، فإن الحزن والغضب كذلك يندرجان تحت صف طويل من الأحاسيس المنطقية في كثير من الأحيان، والتي يجب ألا نطردها فورا قبل معرفة أسبابها وطرق علاجها.
كذلك يبدو الإفلات من قبضة الإيجابية السامة أكثر سهولة، عند التأكد من أن الفشل يعتبر من الأمور الإنسانية التي مر بها الجميع، بل وحتى أكثر البشر نجاحا، لذا فالأمر لا يتطلب الإحساس بالذنب أو الخجل بقدر ما يحتاج إلى معرفة سبب الفشل من أجل عدم تكرار المشكلة مرة أخرى، مع الوضع في الاعتبار أن مهارات البشر ليست متعادلة في كل شيء، لذا فنجاح شخص في أمر ما لا يعني ضرورة محاكاة نفس النجاح دون خطأ واحد.
أما عند التعامل مع الآخرين، فينصح باستبدال عبارات مثل «لا تفكر في هذا الأمر وكن إيجابيا» و«الفشل ليس خيارا» و«طالما قام أحدهم بهذا فأنت أيضا قادر على إتمامه»، بعبارات تتحلى بالإيجابية والمنطقية في نفس الوقت، مثل «أخبرني عن سبب أزمتك» و«الفشل يعتبر وسيلة للتطور إن أدركنا أسبابه» أو «لكل شخص إمكانياته المختلفة التي تفيده في أشياء ولا تنفعه في أوضاع أخرى».
في الختام، هي نصائح ربما تدفعنا إلى التحلي بالإيجابية المطلوبة لمواجهة ظروف الحياة المختلفة، من دون الوقوع في مصيدة الإيجابية السامة التي تفسد كل شيء.