الانقلاب العسكري (Military coup)
تتعدد الوسائل التي يستخدمها الأشخاص الطامحون للوصول إلى السلطة في هذا البلد أو ذاك، ومن بين هذه الوسائل الانتخابات، الثورة، والانقلاب العسكري، لكل من هذه الوسائل أدواته، لكن يبقى الأساس في الانقلاب العسكري القوة كي ينجح في الوصول على السلطة.. فما هو الانقلاب العسكري؟ كيف ظهر هذا المصطلح وأين؟ ما هي خطواته؟ متى ينجح؟ ومتى يفشل؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.
ضرب الدولة.. الانقلاب العسكري باستخدام القوة
تعود جذور كلمة الانقلاب العسكري على الكلمة الفرنسية (coup d"État) وتعني ضرب الدولة، ظهر مفهوم الانقلاب في السياسة منذ العصور القديمة، إلا أن مصطلح الانقلاب العسكري ظهر في العصور الحديثة، حيث عرّف قاموس أوكسفورد الإنجليزي الانقلاب العسكري على أنه تعبيرٌ فرنسي يعني "ضرب الدولة"، حيث لم تظهر هذه العبارة في نص إنكليزي قبل القرن التاسع عشر إلا عندما تستخدم في ترجمة مصدر فرنسي.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
كما لا توجد عبارة بسيطة باللغة الإنجليزية لنقل فكرة الانقلاب العسكري سوى أنه "ضربة قاضية يوجهها المنقلبون إلى الإدارة القائمة داخل الدولة"، كما عرف القاموس السياسي الفرنسي الانقلاب بأنه:
" استيلاء أقلية على السلطة في الدولة من خلال وسائل غير دستورية فرضتها هذه الأقلية على حين غرة باستخدام القوة، وواضعوا الانقلاب يستندون بشكل عام على كل أو جزء من الجيش، إضافة إلى دعم جزء من الطبقة السياسية والمجتمع المدني.
أما القاموس البريطاني فقد عرف الانقلاب العسكري بأنه: "عمل مفاجئ وحاسم في السياسة يؤدي إلى تغيير الحكومة بشكل غير قانوني أو بالقوة".
الفرق بين الثورة والانقلاب
يختلف الانقلاب عن الثورة في أن الانقلاب هو سيطرة أقلية غالباً ما تكون من الجيش والقوات المسلحة في هذا البلد أو ذاك على السلطة في البلاد، في حين الثورة تكون شاملة وواسعة النطاق وأكثر شعبية فالشعب هو من يقوم بها، أو غالبيته.
خطوات ومراحل الانقلاب العسكري
ظهر مصطلح الانقلاب العسكري للمرة الأولى في رسالة مطبوعة من تاجر فرنسي معلقاً على مرسوم تعسفي صدر عن الملك الفرنسي لويس السادس عشر عام 1785 يقيد استيراد الصوف البريطاني، أما أول استخدام منشور في نص مكتوب باللغة الإنجليزية هو مذكرة المحرر في صحيفة لندن مورنينغ كرونيكل في السابع من شهر كانون الثاني/ يناير عام 1802، التي أبلغت عن اعتقال نابليون في فرنسا، حيث ورد في المذكرة:
"وكان هناك تقرير متداول أمس عن نوع من الانقلاب الذي حدث في فرنسا، نتيجة لمؤامرة هائلة ضد الحكومة القائمة".
وفي مرحلة ما بعد الثورة الفرنسية، استخدم مصطلح الانقلاب العسكري لوصف مختلف جرائم القتل التي ارتكبتها الشرطة السرية الموالية لنابليون والتي عرفت باسم (انقلاب الثامن عشر برومير) (coup d"État du 18 brumaire) في التاسع من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1799، والذي سمح لنابليون بالقضاء على حكومة المديرين واستبدالها بحكومة القناصل حيث أصبح هو القنصل الأول.
ملامح وخطوات الانقلابات
أحد شروط الانقلاب الناجح بحسب القاموس السياسي الفرنسي، هو أن يتطابق الانقلاب مع رغبات غالبية الرأي العام أو يكون متوافقاً مع السياق الدولي، بحيث يحظى بتأييد دولي كبير، وللانقلاب خطوات محددة تسير عليها كل الانقلابات في التاريخ، ألا وهي:
1- مرحلة التحضير للانقلاب:
حيث تحشد الأقلية قوتها وتحاول جذب ما يمكن جذبه من المؤيدين لاسيما من الجيش، لكن بشكل سري كي لا يُكشف الانقلاب، وهذه المرحلة مبهمة بشكل عام، ووسيلة لقمع السلطات للأقلية المعارضة بحجة التحضير لانقلاب يصعب إثباته.
2- تحييد أجهزة الدولة المركزية ووسائل الإعلام، والسيطرة عليها:
حيث تعتبر أهم مرحلة في الانقلاب فبمجرد وصول الانقلابيين إلى وسائل الإعلام يعلنون على الفور انقلابهم للشعب، وبدون السيطرة على أجهزة الدولة المركزية فإن الانقلاب لا يمكن أن ينجح مهما كانت الاستعدادات كبيرة له، حيث كان أحد أسباب فشل الانقلاب المعروف باسم (كاب) في برلين في عام 1920؛ سوء تقدير القائد العسكري للعملية الجنرال فون لوتويتز، والذي ذهب مساء يوم العاشر من شهر آذار/ مارس عام 1920 للحكام الاشتراكيين وأعطاهم مهلة ثماني وأربعين ساعة للاستقالة، قبل التسبب في انقلاب عسكري أعلن في ليلة الثاني عشر من شهر آذار/ مارس عام 1920.
3- القبض على الحكام:
بعد نجاح الانقلاب يقوم الانقلابيون باعتقال الحكام الذين حلوا محلهم في السلطة، تمهيداً لمحاكمتهم حيث تصل العقوبات إلى حكم الإعدام، وإلا يصبح الانقلابيون هدفاً للحكومة المقالة، وهذا ما حدث في برلين في عام 1920، فبعد أن تلقت الحكومة الاشتراكية الإنذار من القائد العسكري للانقلاب الجنرال فون لوتويتز، قامت الحكومة عند وقوع الانقلاب بدعوة الناس للإضراب العام بالتزامن مع الانقلاب، هكذا نجحت الحكومة المُقالَة في إفشال الانقلاب الذي حصل ضدها، والعودة للسلطة من جديد.
4- إضفاء الشرعية على الانقلاب:
من خلال وضع دستور جديد والتعهد بعرضه على الشعب في استفتاء، ومن ثم إجراء انتخابات يدخل على إثرها الانقلابيون كمرشحين فإن فازوا يصبحون حكاماً شرعيين، وهذا ما فعله نابليون بعد استلامه السلطة في عام 1799.
نتيجة الانقلاب بين النجاح أو الفشل
تتراوح نتيجة الانقلابات العسكرية بين النجاح والفشل ذلك تبعاً للخطوات التي يتبعها الانقلابيون لتحقيق مخططهم في الوصول إلى السلطة كما ذكرنا في الفقرة السابقة، فعندما تطبق الخطوات السابقة كلها أي (التحضير الجيد للانقلاب، السيطرة على الأجهزة الرئيسية للدولة بما فيها وسائل الإعلام، القبض على الحكام المقالين، إجراء انتخابات ووضع دستور لإضفاء الشرعية عليهم)؛ عندها يمكن القول أن الانقلاب ناجح، أما في حال حصول أي خلل في هذه الخطوات فيكون مصير الانقلاب العسكري هو الفشل.
ردود الفعل على الانقلاب العسكري
تتراوح ردود الفعل على الانقلاب العسكري بين التأييد وعدم التأييد سواءً في داخل البلد أو خارجه، لذلك دور في نجاح الانقلاب من عدمه كما ذكرنا في فقرة خطوات الانقلاب، فباتت الانقلابات العسكرية تعلن بمجرد وصولها للسلطة احترامها والتزامها بالاتفاقيات الدولية الموقعة مع الدول والمنظمات الدولية؛ بهدف كسب شرعية دولية وتأييد دولي لها، كما تسعى في الوقت ذاته إلى وضع دستور وتنظيم انتخابات لكسب الرأي العام المحلي.
نماذج من الانقلابات العسكرية الناجحة
توجد العديد من الانقلابات العسكرية الناجحة في التاريخ، ومن الرؤساء الذين وصلوا إلى السلطة بانقلاب عسكري:
- السلطان العماني سلطان قابوس بن سعيد آل سعيد، الذي وصل للسلطة في الثالث والعشرين من شهر تموز/ يوليو عام 1970بانقلاب عسكري ضد سعيد بن تيمور .
- رئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ نغوما مباسوغو، الذي وصل للسلطة في الثالث من شهر آب/ أغسطس عام 1979 بانقلاب عسكري ضد فرانسيسكو ماسياس نغويما.
- الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، حيث وصل للسلطة في التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير عام 1986 بانقلاب عسكري ضد تيتو أوكيلو.
- الرئيس السوداني عمر البشير، الذي وصل للسلطة في الثلاثين من شهر حزيران/ يونيو عام 1989 بانقلاب عسكري ضد صادق المهدي.
- الرئيس التشادي إدريس ديبي، الذي وصل للسلطة في الثاني من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1990 بانقلاب عسكري ضد حسين حبري.
- الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، الذي وصل للسلطة في السادس من شهر آب/ أغسطس عام 2008 بانقلاب عسكري ضد سيدي ولد الشيخ عبد الله.
نماذج من محاولات الانقلاب العسكري الفاشل
يطلق على الانقلابات العسكرية الفاشلة اسم محاولات الانقلاب الفاشلة، ومنها:
- محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها هتلر في الثامن من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1923، المعروفة باسم (انقلاب بير هول) (Beer Hall Putsch)، كانت نتيجته اعتقال الحكومة الألمانية لهتلر وعدد من رفاقه لعدة سنوات.
- محاولة الانقلاب المعروفة باسم (انقلاب الصخيرات) حصلت في مدينة الصخيرات المغربية، قادها عدد من ضباط الجيش المغربي وحاولوا اغتيال ملك المغرب الملك الحسن الثاني في ذكرى عيد ميلاده في العاشر من شهر تموز/ يوليو عام 1971.
- محاولة انقلاب أوفقير أو عملية بوراق ف 5، جرت في السادس عشر من شهر آب/ أغسطس عام 1972، نفذّها طيارون مغاربة حاولوا اغتيال الملك الحسن الثاني من خلال مهاجمة طائرته القادمة من مدينة برشلونة الإسبانية.
- محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها ضباط في الجيش التركي ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شهر تموز/ يوليو عام 2016، وكانت نتيجتها اعتقال الضباط الذين قادوا الانقلاب.
في الختام.. تبقى الانقلابات العسكرية وسيلة من الوسائل العديدة المتبعة للوصول إلى السلطة، لكنها تتطلب وجود ظروف محلية ودولية مساعدة، إضافةً لقوة عسكرية كبيرة وقادرة على فرض السيطرة على المؤسسات الهامة في الدولة والإطاحة بالحكومة القائمة واعتقال أعضائها لتجنب رد فعلهم، مع ذلك يتوجب على قادة الانقلاب صياغة دستور وإجراء انتخابات وإعلان التزامهم بالاتفاقيات الدولية؛ كي يحظوا برضا وتأييد الرأي العام المحلي والدولي.