البيروقراطية، مفهومها ونشأتها وقوانينها
تعد البيروقراطية من الكلمات الشائعة التي يستخدمها الناس، من دون أن يدروا ربما ما هو معناها؟
مفهوم البيروقراطية
صاغ العالم الفرنسي فنسنت دو جورني كلمة البيروقراطية في عام 1759، وتتألف من مقطعين: المقطع الأول، (Bureau) ويعني المكتب، والمقطع الثاني (Cratie) بمعنى السلطة، وبرأيه البيروقراطية تعني شكلاً من أشكال تنظيم العمل.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وتعرّف البيروقراطية بأنها الإدارة العامة التي يحكمها قانون العمل، حيث يتم تعيين الموظفين عن طريق المسابقة، وتكون مهمتهم طاعة رؤسائهم أثناء قيامهم بأعمالهم.
معاني البيروقراطية
للبيروقراطية معانٍ عدة بحسب طريقة استخدامها ومكانه:
البيروقراطية السياسية
وتعني شكلاً من أشكال الحكومة؛ حيث تمارس فيها السلطة وتمر عن طريق الجهاز الإداري نفسه، الذي يمحو معظم العيوب والصفات الفردية ويسلط الضوء على تلك المنظمة، على سبيل المثال: أي قرار يتخذ يجب أن يمر على عدد كبير من الأشخاص وفق تراتبية محددة قبل أن يحظى بالموافقة ليدخل مرحلة جديدة من التراتبية إلى أن يدخل القرار حيز التنفيذ.
البيروقراطية الاقتصادية
وتعني نظام هرمي تراتبي يسمح للناس بتطوير مهاراتهم، ومكانتهم الوظيفية عن طريق الانتقال درجة درجة من القاعدة إلى الهرم، على سبيل المثال: يدخل الموظف إلى الدائرة عند تعيينه باعتباره موظفاً جديداً أعباؤه قليلة وحجم الرقابة عليه لتقييم أدائه كبيرة، لكن عندما يثبت نفسه يتطور وتصبح أعباؤه كبيرة وتقل الرقابة عليه وهكذا.
البيروقراطية الاجتماعية
هي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي، يقوم على أن العلاقات بين الأفراد تقوم على تراتبية من توزيع المهام وطاعة الأفراد لمن هم أكبر منهم سناً، واحترام رأيهم ولو كان ذلك على حساب رغباتهم الشخصية، على سبيل المثال: قد يقرر الشاب الزواج من فتاة لكن أهله يرفضون وفي هذه الحالة أمامه خيارين؛ إما أن يرضخ لقرار أهله ويتزوج من الفتاة التي يرونها مناسبة له، أو يتمرد على أهله وبالتالي يصبح منبوذاً من قبلهم ومن قبل المجتمع، الذي يعتبر أن طاعة الأبناء لوالديهم واجبة مهما كانت الظروف.
مبادئ البيروقراطية
حدد العالم الألماني ماكس فيبر (Max Weber) (1864 - 1920) مبادئ العمل البيروقراطي في مطلع القرن العشرين وهذه المبادئ هي:
- خضوع الأفراد لسلطة واحدة فقط كجزء من واجباتهم الرسمية.
- توزع الوظائف على الأفراد وفق تسلسل هرمي واضح ومحدد، بحيث تكون لكل وظيفة شروط محددة ومعدل كفاءة محدد.
- معايير التوظيف هي المهارات والمؤهلات والخبرة.
- الأجور محددة ويتم زيادتها وفقاً للرتبة الهرمية التي يصل إليها الموظف.
- العمل هو المنتَج الوحيد الذي يتنافس عليه الموظفون للارتقاء نحو الأفضل.
- معايير الترقية في السلم الوظيفي هي عدد سنوات الخدمة، كذلك تقييم رؤساء العمل لأداء الموظف.
- لا يملك الموظفون أدوات الإنتاج.
- يخضع الموظفون لرقابة صارمة ومنهجية في عملهم.
نظريات وقوانين البيروقراطية
وضع مجموعة من المفكرين قوانين ونظريات حول البيروقراطية أهمها:
- قانون باركنسون: وضعه المؤرخ البريطاني نورثكوت باركنسون (Northcote Parkinson ) (1909-1993)، ويقول القانون: إن "العمل ينتشر لملئ الوقت المتاح لاستكماله" ويرجع ذلك لقوتين هما: رغبة المسؤول في مضاعفة المرؤوسين، وليس المنافسين، وميل المسؤولين لخلق عمل آخر.
- مبدأ بيتر: وضعه البروفيسور الكندي لورنس بيتر (Laurence Peter) (1919-1990)، ويقول القانون: إن "كل موظف يميل إلى الارتفاع إلى مستوى أعلى رغم عدم الكفاءة. "والنتيجة الطبيعية هي أنه" مع مرور الوقت، سوف يحتل المناصب مسولون تنقصهم الكفاءة وغير قادرين على تحمل المسؤولية أيضاً.
- مبدأ ديلبرت: وضعه المحلل الأمريكي ويلم ديلبرت جان (William D Gann عامي 1878-1955)، ويقول المبدأ: "يتم تعيين أشخاص أقل كفاءة في الوظائف الأمر الذي يسبب الضرر للمؤسسة".
- قانون فريدمان: وضعه الكاتب الأمريكي توماس فريدمان Thomas Loren Friedman، ويقول القانون: إن "كل شيء يكلف الحكومة ما لا يقل عن ضعف تكلفة القطاع الخاص ".
إيجابيات البيروقراطية
للبيروقراطية العديد من الإيجابيات وإن كانت تغلب على هذه الكلمة السلبيات، ومن هذه الإيجابيات، خضوع كل العاملين في المؤسسة من أصغر موظف إلى أكبر موظف للقانون، كما تحافظ على تقسيم العمل والتخصص، تحترم الخبرات وتفضلها في بعض الأحيان على الكفاءة التي يمتلكها موظف جديد.
انتقاد البيروقراطية
تعرضت البيروقراطية باعتبارها نظاماً اجتماعياً لقدر كبير من الانتقادات أبرزها:
- البيروقراطية تشل النظام وتجعله عديم المرونة؛ بمعنى أن كل شيء من قرارات تُتخذ أو قوانين تُسن يجب أن يمر بسلسلة طويلة من الأشخاص والمراتب حتى يحظى بالموافقة، وهذا يجعل النظام عديم المرونة، فالقرار الذي يستغرق يوماً قد يحتاج أشهراً قبل أن يخرج إلى العلن.
- البيروقراطية لا تشجع على الإبداع والمبادرة الفردية، فمهما كان الإنسان مبدعاً لن يتطور في هذا النظام البيروقراطي؛ وفقاً للقوانين والأنظمة المطبقة عليه وعلى غيره من غير المبدعين على حد سواء.
- أصبحت البيروقراطية بنظر غالبية الناس مرادفاً لعدم الكفاءة، والكسل، وكثرة الإنفاق، وقلة الامتيازات، وهدفها الوحيد ضمان استدامة النظام أو المؤسسة.
خلاصة.. تعد البيروقراطية من الكلمات المثيرة للجدل، بين مؤيد لها باعتبارها تحافظ على التراتبية في العمل، وبين رافض لها باعتبارها تعقد الإجراءات وتؤخر صدور القرارات، وما بين الإثنين تبقى البيروقراطية منهجاً إدارياً قد تعتمده هذه الدول أو تلك، أو هذه المؤسسة أو تلك، ويبقى لكل منهج إداري إيجابياته وسلبياته.