الحرب الأهلية الإسبانية
شكلت الحرب الأهلية الإسبانية أول اختبار لقوة الدول الكبرى ونفوذها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث انقسمت القوى الأوروبية بين طرفي الحرب الأهلية في إسبانيا، وأصبح كل طرف يؤيد حليفه بالمال والعتاد والسلاح على أمل أن ينتصر في الحرب، بالتالي تصبح الدولة الكبرى التي دعمته صاحبة نفوذ أكبر وكلمة أقوى وتثبت وجودها أمام نظيراتها في الساحة الدولية.. فما هي الحرب الأهلية الإسبانية؟ ولماذا حدثت؟ من هي أطرافها؟ ومن هي القوى الإقليمية التي دعمت كل طرف؟ كيف تطورت أحداثها؟ ما هي نتائجها؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.
تعريف الحرب الأهلية الإسبانية
الحرب الأهلية الإسبانية هي الحرب التي اندلعت بين الجمهوريين والقوميين للوصول إلى السلطة، بدأت في السابع عشر من شهر تموز/ يوليو عام 1936 واستمرت ثلاث سنوات حتى الأول من شهر نيسان/ أبريل عام 1939، وشكلت اختباراً للقوى الدولية آنذاك (ألمانيا النازية، إيطاليا الفاشية -مقابل- فرنسا، بريطانيا) لتكون نهاية الحرب الأهلية الإسبانية بمثابة بدء العد التنازلي لاندلاع الحرب العالمية الثانية، التي بدأت بعد أشهر من انتهاء هذه الحرب، وكانت القوى الدولية في ذات الاصطفاف تقريباً الذي حصل خلال هذه الحرب.
أطراف الحرب الأهلية في إسبانيا
انقسم الإسبان في هذه الحرب إلى قسمين:
- الجمهوريون؛ الذين كانوا موالين للديمقراطية، مدعومون من الاتحاد السوفيتي.
- القوميون؛ برئاسة الجنرال فرانكو، وتدعمهم كل من (ألمانيا، إيطاليا).
أسباب الاهتمام الدولي بالحرب الأهلية الإسبانية
يعود الاهتمام الدولي بما يجري في إسبانيا من حرب أهلية بين الجمهوريين والقومين إلى مبدأ يقوم على ما يلي: "إذا سقطت إسبانيا بيد القوميين فإن فرنسا ستصبح محاطة بالقوى الفاشية (ألمانيا وإيطاليا)، الأمر الذي يزيد من احتمال غزو القوى الفاشية لفرنسا، كما سيؤدي إلى إضعاف التحالفات بين الدول الأخرى المناهضة للفاشية (بريطانيا، بلجيكا، البرتغال)، بالتالي تمدد دول المحور (ألمانيا النازية، إيطاليا الفاشية) على كامل أوروبا، ولاسيما في حال تمكنوا من إقامة قواعد عسكرية في إسبانيا يهددون بها الدول المعادية لهم.
التدخل الدولي في الحرب الأهلية الإسبانية
لم تكن الحرب الأهلية الإسبانية للسبب الذي ذكرناه في الفقرة السابقة؛ حرباً أهلية صرفة، بل تدخلت بها القوى الدولية الأخرى كل لتحقيق مصالحه وذلك على الشكل التالي:
1- القوى الفاشية التي تدخلت في إسبانيا ضد المد السوفيتي
أرسل المستشار الألماني أدولف هتلر والرئيس الإيطالي بينيتو موسوليني الآلاف من القوات والأسلحة إلى إسبانيا لمساعدة القوميين، ذلك كي لا تصبح جارتهما إسبانيا معقلاً من معاقل الاتحاد السوفيتي، وفي حال انتصر القوميون تصبح إسبانيا حليفاً هاماً للبلدين في أي صراع مستقبلي، كما أن انضمام دولة جديدة للعقيدة الفاشية سيبعث برسالة للعالم مفادها: "أن الفاشيين هم قوة لا يستهان بها".
2- القوى الديمقراطية تدخلت ضد الشيوعية والفاشية في إسبانيا
كانت فرنسا وبريطانيا على حد سواء في وضع حرج فيما يتعلق بالحرب الأهلية الإسبانية، فمن جهة هم لا يريدون لإسبانيا أن تسقط بيد القوميين، لأن هذا من شأنه أن يعزز من قوة التحالف الفاشي المكون من ألمانيا وإيطاليا، بالمقابل لن يكون الحال أفضل في حال سقطت إسبانيا بيد الجمهوريين لأنهم حلفاء الاتحاد السوفيتي، بالتالي يصبح على حدودها دولة شيوعية، وهو ما تعتبره فرنسا وبريطانيا تهديداً كبيراً للسلام العالمي، فقررت فرنسا وبريطانيا تشكيل لجنة عدم التدخل، بهدف منع دخول المساعدات للمتحاربين في إسبانيا، لكنها لم تنجح في منع مرور المساعدات إلى المتحاربين في إسبانيا، وفي النهاية دعت فرنسا في بداية الحرب الأهلية الإسبانية الدول المتدخلة في الحرب إلى عدم التدخل لكن الدولة الوحيدة التي لم تتدخل فعلاً كانت بريطانيا، حيث أوضح رئيس الوزراء البريطاني آنذاك؛ الراحل ونستون تشرشل أسباب عدم تدخل بلاده في الحرب في كتابه (خطوة بخطوة)، وهذه الأسباب هي:
- انقسام إسبانيا إلى طرفين متحاربين لا يمثل أي منهما بريطانيا.
- ليس لبريطانيا مصلحة في التدخل في الحرب الأهلية الإسبانية.
- أياً كان المنتصر فستصبح إسبانيا دولة ضعيفة بعد انتهاء الحرب وهو أمر لا يهم بريطانيا.
أما فرنسا فقد أرسلت مساعدات إلى الجمهوريين عندما أدركت أن القوميين يسيرون نحو النصر في هذه الحرب نتيجة دعم ألمانيا وإيطاليا.
الاتحاد السوفيتي.. تدخلٌ خجول في الحرب الأهلية الإسبانية
أرسل الاتحاد السوفييتي الأسلحة والإمدادات لمساعدة الجمهوريين في نضالهم ضد قوى القوميين، لكن هذه المساعدات لم تكن كبيرة كما حال المساعدات التي وصلت للقوميين من ألمانيا وإيطاليا، ظناً أن ألمانيا النازية تريد إشغال الاتحاد السوفيتي بإسبانيا، كي لا يركز جهوده على أوروبا الشرقية.
موقف عصبة الأمم والولايات المتحدة الأمريكية من الحرب
فشلت عصبة الأمم في إيجاد حل للحرب الأهلية الإسبانية، بسبب انسحاب ألمانيا وإيطاليا من عضويتها، كما لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية إيجاد حل للحرب القائمة على الرغم من أن الرئيس الأمريكي روزفلت كان قد أصدر قراراً منع بموجبه تصدير السلع والأسلحة ومواد التموين لأي من الطرفين المتحاربين في إسبانيا.
خلفيات الحرب الأهلية الإسبانية
شهدت إسبانيا في القرن التاسع عشر بداية السعي للحد من صلاحيات النظام الملكي في البلاد، فكان دستور 1812 هو الطريق إلى ذلك حيث توزعت الصلاحيات بين الملك والحكومة.
لكن الملك الإسباني فرديناند السابع ألغى الدستور في عام 1814 مما أدى إلى حدوث سلسلة انقلابات عسكرية استمرت بين عامي 1814 و 1873، فأُعلنت أول جمهورية إسبانية في عام 1873 لكنها لم تدم طويلاً، حيث تمكنت عائلة البوربون الملكية من استعادة السلطة وإعلان عودة النظام الملكي في شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1874، لكن الجمهوريين استمروا في معارضة النظام الملكي لاسيما بعد فرض الخدمة الإلزامية على المواطنين الإسبان، حيث بات للجمهوريين نفوذ قوي في كاتالونيا فحصلت اشتباكات مع الشرطة؛ مما أدى إلى مقتل العشرات فيما عرف بالأسبوع المأساوي في عام 1909.
استمر الوضع على ما هو عليه (النظام الملكي يحكم والجمهوريون يعارضون) حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى، التي أخذت فيها إسبانيا موقف الحياد حيث لم تقف إلى جانب أي من المعسكرين المتحاربين؛ دول تكتل الوسط (ألمانيا، الإمبراطورية الهنغارية النمساوية، الدولة العثمانية)، مقابل دول التفاهم (فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، إيطاليا، اليونان).
إسبانيا بعد الحرب العالمية الأولى
قام الجنرال ميغيل بريمو دي ريفيرا بانقلاب عسكري ووصل إلى رئاسة الوزراء في عام 1923، وكان سبب الانقلاب وفق كتاب "جوانب من الجغرافية التاريخية للحرب الأهلية الإسبانية"؛ للكاتب الدكتور خليف مصطفى غرايبة، (هو ثورة عبد الكريم الخطابي في المغرب ضد الاحتلال الإسباني والتي أسفرت عن وقوع عشرين ألف جندي إسباني في كمين للثوار، قتل منهم إثنا عشر ألف.
وعندما طلبت اللجنة البرلمانية معرفة المسؤولين عن هذه الكارثة العسكرية، رفضت الحكومة وصادرت تقرير اللجنة البرلمانية ومنعت نشره، الأمر الذي أغضب قادة الجيش والبرلمان والشعب الإسباني، الذين طالبوا بكشف مضمون التقرير وتنفيذ ما فيه.
وعندما رفضت الحكومة قام الجنرال ميغيل بريمو دي ريفيرا بانقلاب عسكري ووصل إلى رئاسة الوزراء في عام 1923، وبقي في منصبه حتى شهر كانون الثاني/يناير عام 1930 حيث قدم استقالته، وفي العام التالي (أي: عام 1931) وافق الملك ألفونسو الثالث عشر على إجراء استفتاء حول طبيعة نظام الحكم، فوافق أغلبية الشعب على إلغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري، فتنازل الملك ألفونسو الثالث عشر عن العرش بضغط من الشعب الإسباني.
ثم أُجريت انتخابات في الثاني عشر من نيسان/ أبريل عام 1931 فاز فيها الجمهوريون، وأُعلنت الجمهورية الثانية في الرابع عشر من شهر نيسان/ أبريل عام 1931، واستلم السلطة نيسيتو ألكالا زامورا الذي أصبح رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء في الوقت ذاته، حيث سيطر الليبراليون والاشتراكيون على الحكومة.
ومع بداية الكساد العظيم (الكساد هو توفر السلع والمنتجات بأسعار لا يستطيع معها المستهلكون شرائها فتبقى البضاعة مكدسة والمستهلك بحاجة لها ولا يستطيع شرائها)، حددت الحكومة الإسبانية ساعات العمل بثماني ساعات، كما وزعت الأراضي على المزارعين، الأمر الذي أغضب كبار الملاك (الإقطاعيين)، وفي العام ذاته وضع دستور جديد لإسبانيا يتبنى العلمانية الأمر الذي يتعارض مع طبيعة المجتمع الإسباني المسيحي الكاثوليكي، مما زاد النقمة على الحكومة.
وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1933 أصبح أليخاندرو ليروكس رئيساً للحكومة الإسبانية وهو ينتمي لحزب المحافظين، فأطلق الاشتراكيون ثورة ضده في معامل التعدين في برشلونة، لكن الجنرال فرانسيسكو فرانكو قام بقمع الثورة فعينته الحكومة قائداً لأركان الجيش، وفي عام 1934 قامت الحكومة بتخفيض أجور المزارعين إلى النصف.
وبعد الانتخابات النيابية في شهر نيسان/ أبريل عام 1936 أقيل زامورا من رئاسة الجمهورية وعين عوضاً عنه آزانا، وسانتياغو كاساريس كيروغا رئيساً للوزراء، في هذه الأثناء كان بعض ضباط الجيش يحضرون لانقلاب عسكري يطيح بالحكومة.
قتل وقتل مضاد يعكس حجم الاحتقان في الشارع الإسباني
تحول الاحتفال بالذكرى الخامسة لتأسيس الجمهورية الإسبانية الثانية في شهر نيسان/ أبريل عام 1936 إلى جنازة بعد مقتل الملازم أناستاسيو دي لوس رييس، فاندلعت أعمال شغب في البلاد قمعتها قوة من الحرس بقيادة عضو الحزب الاشتراكي خوسيه كاستيلو، في هذه الأثناء وردت معلومات للحكومة الإسبانية عن انقلاب عسكري يحضر له مجموعة من الضباط في الجيش.
فقامت الحكومة بنقل هؤلاء الضباط خارج إسبانيا، حيث عزلت الجنرال فرانكو من رئاسة الأركان ونقلته إلى جزر الكناري، كما عزلت الجنرال مانويل غولديد ليوبس من منصب المفتش العام ونقلته إلى جزر البليار، تتابعت الأحداث بعد ذلك حيث التقى رئيس الوزراء كاساريس كيروغا بالجنرال خوان ياجوي في الثاني عشر من شهر حزيران/ يونيو عام 1936 وتمكن هذا الجنرال من إقناع رئيس الوزراء بالوقوف إلى جانبهم خلال الانقلاب.
وبعد شهر من هذا الاتفاق أي في الثاني عشر من شهر تموز/ يوليو عام 1936 قام ضابط شرطة بقتل عضو الحزب الاشتراكي خوسيه كاستيلو ثأراً لما قام به في قمع أعمال الشغب التي حدثت إثر مقتل الملازم أناستاسيو دي لوس رييس.
وفي اليوم التالي قام قائد الحرس الجديد فرناندو كونديس بقتل زعيم المعارضة خوسيه كالفو سوتيلو للثأر لموت كاستيلو، الأمر الذي أثار غضب الشارع الإسباني وأشعره بأن السلطات الحاكمة ديكتاتورية والمعارضة على حق في الوقوف ضدها، بذلك يمكن القول أن البيئة الحاضنة للانقلاب العسكري الذي يحضر له جنرالات الجيش باتت متوفرة، وفي اليوم التالي لمقتل خوسيه كالفو سوتيلو أي في الرابع عشر من شهر تموز/ يوليو عام 1936 غادر الجنرال فرانكو منفاه في جزير الكناري واستقر في المغرب التي كانت تحت الاحتلال الإسباني والقريبة من إسبانيا.
أحداث الحرب الأهلية الإسبانية
انكشفت خطة الانقلاب العسكري التي كان يعد له ضباط الجيش في السابع عشر من شهر تموز/ يوليو عام 1936 (أي: قبيل ساعات من إعلان الانقلاب)، فسيطر المتمردون بقيادة الجنرال سانجيرجو (Sanjurjo) على جزر مليلية، سبتة، مدينة تطوان بمساعدة القوات المغربية المحافظة التي عارضت أيضاً الحكومة اليسارية في مدريد، بالتزامن مع الانقلاب العسكري بدأت المظاهرات المناهضة للحكومة التي نفّذها العمال والفلاحون، فسيطروا على إشبيلية التي أصبحت مكاناً ليستقر فيه الجنرال فرانكو، ومنطلقاً لمتابعة الانقلاب، حيث قام الانقلابيون بمحاصرة ثكنات مونتانا وتمكنوا من السيطرة عليها.
كما سيطروا على مدن قشتالة، نافار، لكنهم فشلوا في احتلال المدن الكبرى مثل: مدريد، برشلونة، فالنسيا، كما فشل القوميون في جذب القوات البحرية الإسبانية إلى جانبهم، حيث عملت القوات البحرية على تأمين المدن لصالح الجمهوريين الذين يحكمون البلاد، ومع ذلك، تمكن فرانكو من نقل جيشه من أفريقيا عبر المغرب، لتبدأ المعارك.
الانقلابيون يطلقون على أنفسهم اسم القوميون
وصف المتمردين أنفسهم بالقوميين (NACIONALES)، وكانت نتيجة الانقلاب حصول القوميين على دعم من نحو نصف الجيش الإقليمي الإسباني، ونصف سكان إسبانيا، ونصف قوات الشرطة العسكرية الإسبانية والحرس المدني، ورجال الدرك.
فرانكو يتزعم القوميين
بعد التطورات المتسارعة استقالت الحكومة الجمهورية في الرابع من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1936، وحل محلها حكومة اشتراكية بزعامة فرانسيسكو لارغو كاباليرو، وفي اليوم التالي، أغلق القوميون الحدود الإسبانية مع فرنسا بعد أن تمكنوا من هزيمة الجمهوريين في معركة إيرون، وفي الخامس عشر من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1936 سيطر القوميون على مدينة سان سباستيان، معقل الجمهوريين، فاستقالت الحكومة الجمهورية.
انتقلت قيادة القوميين إلى الجنرال فرانسيسكو فرانكو في الحادي والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1936 بعد مقتل الجنرال سانجيرجو (Sanjurjo) في تحطم طائرة له في العشرين من شهر تموز/ يوليو عام 1936، وفي السابع والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر سيطر القوميون على توليدو، استمرت نجاحات القوميين حيث سيطروا على أوفييدو في السابع عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1936.
القوميون يزحفون نحو العاصمة الإسبانية مدريد
زحف القوميون بقيادة الجنرال فرانكو نحو العاصمة الإسبانية مدريد في الثامن من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1936، لكنهم فشلوا في احتلالها على الرغم من أن الحكومة الجمهورية كانت قد غادرت مدريد إلى فالنسيا في السادس من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1936، ذلك نتيجة الدعم الذي تلقاه الجمهوريون من حلفائهم (فرنسا، الاتحاد السوفيتي، المكسيك)، لكن القوميين لم ييأسوا بل قاموا بحصار المدينة مدة ثلاث سنوات تخللتها محاولات فاشلة للسيطرة على العاصمة.
الحرب تستمر في باقي المناطق الإسبانية
تمكنت قوات القوميين من السيطرة على مدينة مالقة في الثامن من شهر شباط/ فبراير عام 1937، ثم تقدموا لعبور جاراما وقطع الإمدادات عن الجمهوريين المتحصنين في مدريد فاشتبكوا مع الجمهوريين في معركة خاراما، التي خسر فيها الطرفان أعداداً كبيرة من الجنود، لكن القوميين تمكنوا من احتلال بعض الأراضي في هذه المنطقة، وكانت الهزيمة الأولى للقوميين في معركة وادي الحجارة.
بدأت الحرب في شمال إسبانيا في منتصف شهر آذار/ مارس عام 1937، فسيطر القوميون بقيادة الجنرال فرانكو على مدن غرنيكا وسيغوفيا وهويسكا، في المقابل رد الجمهوريون بالهجوم على مدينتي سيغوفيا وهويسكا لاستعادتها من القوميين في شهر تموز/ يوليو عام 1937، لكن الجمهوريين فشلوا في استعادة المدينتين، وفي شهر آب/ أغسطس عام 1937 سيطر القوميون على مدن أراغون، سانتاندر، الباسك، وفي نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر حاصر القوميون فالنسيا فانسحبت الحكومة الجمهورية إلى برشلونة.
هاجم الجمهوريون مدينة تيرويل التي كانت تحت سيطرة القوميين، وتمكنوا من السيطرة عليها في شهر كانون الثاني/ يناير عام 1938، فأطلق القوميون بقيادة فرانكو هجوماً مضاداً واستعادوا المدينة بمساندة من الطائرات الألمانية والإيطالية في الثاني والعشرين من شهر شباط/ فبراير عام 1938.
الجمهوريون يطلبون السلام والقوميون يشترطون الاستسلام غير المشروط
بعد الهزائم الكبيرة التي تلقوها، طلب الجمهوريون الصلح من القوميين في شهر أيار/ مايو عام 1938 فاشترط القوميون استسلام الجمهوريين من دون شروط، فرفض الجمهوريون، واستمرت الحرب، حيث أطلق الجمهوريون في الرابع والعشرين من شهر تموز/ يوليو عام 1938؛ حملة لإعادة الأراضي التي استولى عليها القوميون.
لكنهم فشلوا في استعادتها، نتيجة نجاح المستشار الألماني أدولف هتلر في إقناع بريطانيا وفرنسا بالتخلي عن الجمهوريين وذلك في اتفاق ميونيخ في عام 1938، وعلى إثر الاتفاق واصل القوميون زحفهم نحو كاتالونيا فسيطروا على مدينة تاراغونا في الخامس عشر من شهر كانون الثاني/ يناير عام 1939، ثم برشلونة في السادس والعشرين في شهر كانون الثاني/ يناير، ثم جيرونا في الثاني من شهر شباط/ فبراير، وفي السابع والعشرين من شهر شباط/ فبراير من العام نفسه اعترفت بريطانيا وفرنسا بالقوميين الذين باتوا يحكمون إسبانيا.
القوميون يسيطرون على آخر معاقل الجمهوريين في مدريد وينهون الحرب
واصل القوميون بقيادة الجنرال فرانكو عملياتهم للسيطرة على كل الأراضي الإسبانية، حيث سيطروا على العاصمة مدريد في الثامن والعشرين من شهر آذار/ مارس عام 1939، وبحلول الحادي والثلاثين من شهر آذار/ مارس عام 1939 كان القوميون قد سيطروا على كل الأراضي الإسبانية، وألقى الجنرال فرانكو خطاب النصر في الأول من شهر نيسان/ أبريل عام 1939، معلناً بدء عهد جديد حيث تولى فرانسيسكو فرانكو الحكومة الإسبانية منذ الأول من شهر نيسان/ أبريل عام 1939 حتى وفاته في العشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1975.
نتائج الحرب الأهلية الإسبانية
أسفرت الحرب الأهلية الإسبانية عن تحقيق النتائج التالية:
- فوز القوميين بزعامة الجنرال فرانسيسكو فرانكو في الحرب، بفضل تنظيمهم الجيد واستعدادهم للحرب، والمساعدات التي حصلوا عليها من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، في المقابل خسر الجمهوريون، نتيجة قلة الدعم الذي حصلوا عليه من الاتحاد السوفيتي مقارنة بما حصل عليه خصومهم القوميون من ألمانيا وإيطاليا.
- عزز فوز القوميين موقف المستشار الألماني أدولف هتلر في أوروبا، الذي نجح في إشغال فرنسا وبريطانيا بمجريات الحرب وواصل توسعه في أوروبا، كما أنه أي هتلر، نجح في منع قيام تحالف فرنسي بريطاني إيطالي ضده نتيجة وقوف إيطاليا إلى جانب القوميين وفرنسا إلى جانب الجمهوريين.
- المشاركة والتعاون في الحرب الأهلية الإسبانية عزز العلاقات بين إيطاليا وألمانيا، ونتيجة لذلك، تم تشكيل محور روما - برلين.
في الختام.. استمرت الحرب الأهلية الإسبانية ثلاث سنوات عكست التوازنات الدولية التي كانت قائمة في تلك الفترة، حيث اعتبرت هذه الحرب بمثابة تجربة للحرب العالمية الثانية التي بدأت بعد خمسة أشهر، ولكن النتائج كانت مختلفة عن حرب إسبانيا الأهلية؛ حيث هُزمت دول تكتل الوسط (ألمانيا النازية، إيطاليا الفاشية، اليابان)، وانتصرت دول الحلفاء (الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد السوفيتي، فرنسا، بريطانيا).