الحروب والحملات الصليبية (Crusades)

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
مقالات ذات صلة
الحروب الكيماوية.. الأسلحة المستخدمة بها ستثير دهشتك
تفاصيل إصابة شيرين عبدالوهاب بالرباط الصليبي
نيمار يتعرض للإصابة مجددا بظهوره الثاني بعد الرباط الصليبي

لم تكن الحروب الصليبية التي اندلعت في العصور الوسطى بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلادي معركة واحدة أو حملة واحدة، بل كانت تسع حملات تخللتها العديد من المعارك، من أشهرها معركة حطين التي قادها السلطان صلاح الدين الأيوبي في الثالث من شهر تموز/ يوليو عام 1187؛ واستطاع من خلالها تحرير بيت المقدس من أيدي الصليبيين.. فما هي الحروب الصليبية؟ وما هي حملاتها؟ ما هي الإمارات التي أقامها الصليبيون؟ وكيف حررها المسلمون؟ هذا ما سنجيب عنه في المقالة.

تعريف الحروب الصليبية وأسبابها

تعرف الحروب الصليبية باللغة الإنجليزية باسم (Crusades)؛ هي سلسلة من الحملات العسكرية التي قامت بها أوروبا باسم الدين في الشرق الأوسط خلال العصور الوسطى، وامتدت قرنين من الزمن بهدف السيطرة على بيت المقدس، ووقف تمدد المسلمين في العالم.

أسباب الحروب الصليبية

تعود الحروب الصليبية إلى الأسباب التالية:

  • ما تحمله الحروب الصليبية من حقدٍ دفين نتيجة قيام المسلمين بفتح بيت المقدس، وتمدد فتوحاتهم في مناطق آسيا وأفريقيا وأوروبا.
  • قيام السلاجقة المسلمين بمحاولة فتح القسطنطينية، فاستعان حاكمها الإمبراطور ألكسيس كومنين بأوروبيين لمنع المسلمين من فتحها.
  • عودة الحجاج الأوروبيين من بيت المقدس إلى أوروبا، وادعائهم أن المسلمين يضطهدون المسيحيين، وكان من بين هؤلاء الحجاج الراهب الفرنسي بطرس الناسك.
  • الحماس الديني ورغبة الأوروبيين باستعادة بيت المقدس، كي تُغفَر ذنوبهم من خلال مشاركتهم في هذه الحروب وفق اعتقادهم.
  • ميل الفاطميين في مصر للتحالف مع البيزنطيين ضد السلاجقة المسلمين، لمساعدتهم على استعادة ما خسروه من أراضٍ لصالح السلاجقة.

الأوضاع في أوروبا وبلاد المسلمين عشية الحروب الصليبية

مع ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية ونزول القرآن على خاتم الأنبياء النبي محمد صلى الله عليه وسلم، توحد أهالي شبه الجزيرة العربية تحت راية الإسلام، وبدأوا ينشرون دينهم خارجها، واستمر هذا التوسع طيلة القرنين السابع والثامن الميلاديين، حيث وصلت قوات المسلمين إلى شبه القارة الهندية الشمالية الغربية، عبر آسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وجنوب إيطاليا، وشبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال حالياً)، إلى جبال البيرينيه.

خلال هذه الفترة لم يجبر المسلمون المسيحيون على اعتناق الإسلام وسمحوا لهم بممارسة شعائرهم الدينية سواءً في بيوتهم أو في الكنائس، كما سمح المسلمون للمسيحيين الأوروبيين بالحج إلى بيت المقدس، وفي القرن الحادي عشر الميلادي كان بيت المقدس تحت سيطرة الفاطميين الحاكمين في مصر.

في المقابل تمكن السلاجقة (وهم أتراك حكموا إيران وأفغانستان ووسط آسيا والعراق والشام وصولاً إلى مشارف القسطنطينية وذلك خلال حكم الدولة العباسية)؛ من هزيمة الجيش البيزنطي في معركة مانزيكيرت في عام 1071.

في الجهة الأخرى كان الأوربيون خلال القرن الحادي عشر غارقين في صراعات السلطة، بين الدولة والكنيسة حول ما إذا كان يحق للإمبراطورية الرومانية المقدسة تعيين مسؤولي الكنيسة الكاثوليكية، في هذه الأثناء دعا البابا أوربان لحربٍ دينية ضد المسلمين لاسترداد بيت المقدس من المسلمين؛ علّها تغفر ذنوب المسيحيين الأوروبيين لاسيما الفقراء منهم.

الحملات الصليبية التسعة

الحملة الصليبية الأولى: الصليبيون يحتلون أربع مدن من بينها بيت المقدس

زار الراهب بطرس الناسك بيت المقدس في عام 1093 وعندما عاد اجتمع مع البابا واتفقا على أن يدعو البابا للحروب الصليبية، فعقد الأخير اجتماعين مع الأوروبيين الأول في بليزانس والثاني في كليرمون بفرنسا حيث اتخذ القرار بإعلان الحروب الصليبية، وتجمعت الجيوش الأوروبية في مدينة القسطنطينية، وعبرت آسيا الوسطى ووصلت إلى مدينة نيقية فتواجهت هذه الجيوش مع جيش السلاجقة بزعامة قليج أرسلان، الذي تمكن من هزيمتهم.

ولكن الأوروبيين لم يستسلموا وجمعوا قوات أخرى من جنوب فرنسا وشمالها ومن جنوب إيطاليا وتجمعوا في القسطنطينية مجدداً وساروا إلى آسيا الصغرى؛ فتمكنوا من هزيمة جيش السلاجقة بزعامة قليج أرسلان، وتقدموا إلى أنطاكية وتمكنوا من احتلالها بعد حصارها لمدة ثمانية أشهر.

ثم توجه الصليبيون (الجيوش الأوروبية) إلى بيت المقدس واحتلوها بعد حصارها لمدة شهر وذلك في الخامس عشر من شهر تموز/يوليو عام 1099، حيث ارتكبوا المجازر بحق المسلمين وراح ضحيتها سبعين ألف، بذلك يكون الصليبيون قد استقروا في بلاد الشام مقيمين عدة إمارات من خليج اسكندرون إلى عسقلان، ومن خليج العقبة إلى شمال الرُّها، وهذه الإمارات هي:

  • إمارة الرّها، امتدت بين عامي 1098 و1149.
  • إمارة أنطاكية، امتدت بين عامي 1098 و1268.
  • مملكة القدس، امتدت بين عامي 1099 و1291.
  • مقاطعة طرابلس، امتدت بين عامي 1104 و1289.

الزنكيون يهاجمون الصليبيين ويزيلون إمارتهم في مدينة الرها

بعد نجاح الصليبيين في احتلال العديد من مناطق بلاد الشام وإقامة إمارات لهم، في هذه الأثناء شكل عماد الدين زنكي دولة تمتد من الموصل (في العراق حالياً) إلى معرة النعمان (في سوريا حالياً) في عام 1127، وأعلن الحرب على الصليبيين؛ فتمكن من استعادة الرها وإزالة الإمارة التي أقامها الصليبيون هناك، وذلك في عام 1145، وهو ما دفع الصليبيين لبدء حملتهم الثانية.

الحملة الصليبية الثانية: الصليبيون يفشلون في احتلال دمشق

بعد الهزيمة الكبيرة التي أوقعهم بها الزنكيون، سعى الصليبيون للقضاء على الزنكيين بحملة عسكرية على نور الدين محمود الذي حكم القسم الغربي من المملكة بعد وفاة والده، فحاول الصليبيون احتلال دمشق وحاصروها؛ لكنهم فشلوا فعادوا من حيث جاؤوا، وذلك في عام 1148.

الصليبيون يتحالفون مع عدو الوزير الأول للفاطميين الذين استعانوا بعم صلاح الدين الأيوبي

كان الفاطميون يحكمون مصر بالاسم في حين كانت السلطات الفعلية بيد الوزير الأول وليس الخليفة، بسبب ضعف الخلفاء الفاطميون في القرن الثاني عشر الميلادي، وفي عام 1163 أصبح شاور السعدي الوزير الأول للخليفة الفاطمي العاضد لدين الله.

بعد وقتٍ قصير ثار ضرغام بن عامر اللخمي - مستعيناً بأمير بيت المقدس الصليبي المدعو أموري - ضده فتغلب عليه وأصبح هو الوزير الأول، فهرب شاور السعدي إلى سوريا طالباً من نور الدين زنكي إعادته إلى الحكم، فأرسل له أسد الدين شيركوه وهو عم صلاح الدين الأيوبي فاشتبك الجيشان (الأول بقيادة شاور السعدي مدعوماً بأسد الدين شيركوه والثاني بقيادة ضرغام بن عامر اللخمي مدعوماً بأمير بيت المقدس المدعو أموري) في معركة بلبيس وذلك في عام 1164.

في هذه الأثناء قام نور الدين زنكي باستعادة حارم وبانياس من يد الصليبيين، فقام الملك الصليبي أموري بالتفاوض على هدنة مع أسد الدين شيركوه تقوم على انسحاب الطرفين من مصر وتركها لأهلها ليحكموها كما يشاؤون، كان أسد الدين شيركوه قد اصطحب معه في هذه المعركة ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي الذي سيصبح أول سلطان أيوبي في مصر وينتصر على الصليبيين في معركة حطين كما سنرى في الفقرة التالية.

الصليبيون يخسرون معركة حطين أمام صلاح الدين الأيوبي

تمكن صلاح الدين الأيوبي من تأسيس دولة كبيرة تمتد من شمال العراق (إقليم كردستان) إلى الشام إلى مصر إلى برقة (مدينة تقع في ليبيا حالياً)، بدأ يستعد للحرب ضد الصليبيين، فاستغل صلاح الدين الأيوبي قيام أمير الكرك (الكرك مدينة تقع حالياً في الأردن) الصليبي أرناط بالهجوم على قافلة تابعة لصلاح الدين الأيوبي وأسر رجالها وصادر أموالهم في عام 1186، فبدأ صلاح الدين يحضر للحرب مع الصليبيين، وسار بقواته إلى قصر السلامة قرب بصرى (تقع حالياً في سوريا).

في هذه الأثناء أرسل الصليبيون قواتهم إلى بحيرة طبرية والتقى الطرفان وجهاً لوجه في موقع حطين؛ لذلك سميت معركة حطين، وبدأت المعركة في الثالث من شهر تموز/ يوليو عام 1187، حيث تمكن صلاح الدين الأيوبي من تحقيق النصر على الصليبيين ولاحقهم إلى عكا واستعادها منهم في شهر تموز/ يوليو عام 1187، ثم سيطر على القلاع والحصون التي أقامها الصليبيون في محيط عكا وهي (تبنين، صيدا، جبيل، بيروت)، ثم حاصر عسقلان مدة أربعة عشر يوماً فاستعادها من أيدي الصليبيين.

كما تمكن من استعادة كل من (الرملة، الداروم، غزة، بيت لحم، النطرون)، بعد ذلك حاصر صلاح الدين بيت المقدس ثم سيطر عليها بعد معارك مع الحامية الصليبية هناك دامت أسبوع. (معركة حطين في مقال مفصل قريباً).

الحملة الصليبية الثالثة: الصليبيون يحتلون حيفا

بعد الهزائم التي تعرض لها الصليبيون على يد صلاح الدين الأيوبي، تجمع هؤلاء في مدينة صور (مدينة تقع في لبنان حالياً)، وما إن تجمعوا حتى بدأوا يستعدون للهجوم مرة أخرى على مناطق المسلمين، فقام الصليبيون بمحاصرة مدينة عكا في عام 1890 ما دفع صلاح الدين لإرسال قوات حاصرت الصليبيين المحاصِرين لمدينة عكا، واستمر حصار مدينة عكا مدة عامين، في هذه الأثناء بدأ الأوروبيون يستعدون لحملة صليبية ثالثة على أراضي المسلمين، حيث نظموا ثلاث حملات تزعمها أباطرة أوروبا:

  • الحملة الألمانية بزعامة إمبراطور ألمانيا فردريك برباروس، حيث توجه بجيشه الذي قارب مئة ألف محارب إلى مدينة القسطنطينية، فخاف الإمبراطور البيزنطي إسحاق لانج من هذا الجيش وخشي أن يسيطر على إمبراطوريته ولم يقدم المساعدة للإمبراطور الألماني، فعبرت الجيوش الألمانية إلى آسيا الصغرى ووصلوا إلى أرمينيا، لكن موت الإمبراطور الألماني غرقاً في نهر يالف بجبال أرمينيا جعل الجيش الألماني يتشتت فعاد غالبيته إلى ألمانيا، والقسم المتبقي انضم إلى الصليبيين الذين كانوا يحاصرون عكا.
  • الحملة الفرنسية بزعامة الملك الفرنسي فيليب أوغسطين، توجهت إلى صقلية (جزيرة تقع في إيطاليا حالياً)، ومنها إلى سواحل عكا وانضموا إلى الصليبيين الذين يحاصرون عكا.
  • الحملة البريطانية بزعامة الملك البريطاني ريتشارد قلب الأسد، توجه إلى صقلية ثم إلى عكا وفي الطريق حصلت عاصفة مالت بالأسطول الإنجليزي إلى قبرص، فقاتل الجيش البريطاني الجيش البيزنطي وتمكن من الانتصار عليه واحتلال قبرص التي استقر فيها الملك البريطاني لفترة قبل أن يتابع سيره إلى سواحل عكا لينضم للصليبيين الذين ما زالوا يحاصرونها؛ ليساهم ذلك في نجاح الصليبيين باحتلال المدينة بعد حصارها لمدة عامين، ذلك في التاسع عشر من تموز/ يوليو عام 1191، وبعد ذلك غادر الملك الفرنسي فيليب أوغسطين إلى بلاده فيما استمر الملك البريطاني ريتشارد قلب الأسد في خوض المعارك ضد المسلمين والتي كانت سجالاً بين الطرفين، حيث تمكن الصليبيون من الانتصار على المسلمين في معركة أرسوف، التي اعتبروها بمثابة ثأراً لهزيمتهم في معركة حطين، سيطروا على إثرها على مدينة يافا، ونتيجة استمرار المعارك وعجز الطرفين عن تحقيق اختراق على جبهة الطرف الآخر قرر الصليبيون والمسلمون توقيع هدنة بينهما.

الهدنة بين ريتشارد قلب الأسد وصلاح الدين الأيوبي

وقع الطرفان (المسلمون بزعامة صلاح الدين الأيوبي والصليبيون بزعامة ريتشارد قلب الأسد) صلحاً في عام 1192 تضمن ما يلي:

  • أن يستقر الصليبيون في الشريط الساحلي الممتد من صور (في لبنان) إلى حيفا (في فلسطين حالياً وتحتلها إسرائيل منذ عام 1948).
  • السماح للصليبيين بزيارة بيت المقدس من دون دفع ضرائب للمسلمين.
  • أن تكون مدة الهدنة ثلاث سنوات وثمانية أشهر.

بعد توقيع الصلح عاد الملك البريطاني ريتشارد قلب الأسد إلى بلاده، بذلك تكون الحملة الصليبية الثالثة التي استمرت لخمس سنوات قد انتهت.

الحملة الصليبية الرابعة وتقاسم الإمبراطورية البيزنطية بين القادة الصليبيين

ازدادت الرغبة في حملات صليبية جديدة في أوروبا في القرن الثالث عشر الميلادي، ففي عام 1200 بدأت الحملة الصليبية الرابعة بهدف توسيع قوة البندقية في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث لم يكن الصليبيون قادرون على بناء أسطول قوي، فوجهوا قواتهم من البحر الأبيض المتوسط إلى القسطنطينية، واستولوا على مدينة زارا المسيحية كما غزوا القسطنطينية مرتين، فقاموا بنهب الكنائس وقتل العديد من المواطنين، ونتج عن هذه الحملة قيام الصليبيين تقسيم الأراضي البيزنطية بين إمبراطور البندقية (الدوق إنريكو داندولو) والقادة الصليبيين الآخرين (الفرنسي والألمان).

الحملة الصليبية الخامسة: محاصرة دمياط وأسر الأيوبيين لقائد الحملة

بدأت الحملة الصليبية الخامسة ضد خلفاء صلاح الدين الأيوبي في عام 1217، بقيادة كل من ملك المجر أندرو الثاني، ودوق النمسا ليوبولد السادس، فهاجموا دمياط (مدينة تقع في مصر حالياً)، لكنهم فشلوا في احتلالها، ووقع دوق النمسا ليوبولد السادس الذي تزعم الهجوم أسيراً لدى الأيوبيين، الذين فرضوا عليه هدنة مدتها ثماني سنوات، بذلك تنتهي الحملة الصليبية الخامسة.

الحملة الصليبية السادسة: مهاجمة دمياط والأيوبيون يستردون بيت المقدس

وصل الإمبراطور الروماني فريدريك الثاني على رأس جيش كبير إلى عكا في عام 1228، تمهيداً لبدء الحملة الصليبية السادسة، فأرسل له الملك الأيوبي الكامل وفداً للتفاوض معه، وانتهت المفاوضات بتوقيع معاهدة سلام في الثامن عشر من شهر شباط/ فبراير عام 1229؛ تمنح الصليبيين معظم بيت المقدس وبيت لحم والناصرة، في حين سيطر الأيوبيون على مقدسات المسلمين في بيت المقدس، وذلك مقابل تحالف الصليبيين مع سلطان مصر، ضد كل أعدائه من أي دين.

وفي السابع عشر من شهر آذار/ مارس دخل الصليبيون بزعامة فردريك الثاني بيت المقدس، وبعد انتهاء الهدنة بسنوات، هاجم الصليبيون في عام 1244 مصر وحاولوا احتلالها؛ فخسروا في معركة الحربية التي وقعت في السابع عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1244، وهاجم على إثرها الأيوبيون بيت المقدس واستعادوا السيطرة عليه، لذلك انتهت الحملة الصليبية السادسة بفشلهم في احتلال مصر، ونجاح الأيوبيين باستعادة بيت المقدس.

الحملة الصليبية السابعة: الصليبيون يهاجمون دمياط ويخسرون في المنصورة

قاد الحملة الصليبية السابعة الملك الفرنسي لويس التاسع، وسعى من خلالها لاحتلال مصر، ووصلت الحملة إلى هناك في الخامس من شهر حزيران/ يونيو عام 1249، فهاجمت دمياط وتمكنت من احتلالها، ثم احتلوا المنصورة، لكن الأيوبيين تمكنوا من هزيمتهم وأسر قائدهم الملك لويس التاسع وذلك في عام 1250 ووقع هدنة مع الأيوبيين مدة عشر سنوات، فغادر الملك لويس التاسع إلى عكا وبقي فيها أربع سنوات ثم عاد إلى فرنسا في عام 1254.

الحملة الثامنة: الصليبيون يفرضون شروطهم على أمير تونس

قاد الحملة الصليبية الثامنة الملك الفرنسي لويس التاسع في عام 1270، على رأس جيش من البارونات والفرسان الفرنسيين، وتوجهت إلى تونس لاحتلالها، حيث تمكنت من احتلال قلعة قرطاجة، لكن وباءً حل بالجيش توفي على إثره الملك الفرنسي لويس التاسع، فخلفه أخاه شارل الأول في الخامس والعشرين من شهر آب/ أغسطس عام 1270، وبعد انتصارات عديدة على أمير تونس وقع الطرفان صلحاً في الأول من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1270؛ تضمن أن يقوم أمير تونس بدفع جزية كبيرة للملك الفرنسي، بعد ذلك عاد الملك الفرنسي إلى بلاده، فانتهت الحملة الصليبية الثامنة.

الحملة التاسعة: الصليبيون يفشلون في احتلال مصر رغم تحالفهم مع المغول

قاد الحملة الصليبية التاسعة الملك البريطاني إدوارد الأول في عام 1271 حيث تحالف مع المغول ضد مصر، لكنه هذه الحملة فشلت، حيث لم يتمكن الصليبيون من تحقيق هدفهم في احتلال مصر، وهذه كانت آخر حملة سيقوم بها الصليبيون ضد المسلمين.

الحروب الصليبية تنتهي باستعادة المماليك السيطرة على عكا

على الرغم من توقف الحملات الصليبية على المسلمين منذ عام 1272 إلا أنهم استمروا باحتلال عدد من المدن المسلمة، حتى تمكن المماليك من استعادتها، حيث استعاد السلطان المملوكي المنصور قلاوون مدينة طرابلس من الصليبيين في عام 1289.

وبعد أشهر توفي فتولى الحكم بعده السلطان خليل الذي جهز حملة ضد الصليبيين المتواجدين في عكا لإخراجهم منها وتحرير المدينة، فبدأت هذه الحملة في عام 1290 واستمرت في حصار عكا أربعة وأربعين يوماً أي حتى الثامن عشر من شهر أيار/ مايو عام 1291، حيث تمكن المماليك من تحرير عكا من الصليبيين بالتالي زالت كل آثار الحملات الصليبية من الشرق الأوسط.

خلاصة.. سميت الحروب الصليبية بهذا الاسم لأن الأوروبيين المشاركين في هذه الحروب اتخذوا من الصليب شعاراً لهم رسموه على ثيابهم وأسلحتهم، في إشارةٍ إلى البعد الديني لهذه الحروب وأنهم أرادوا تحرير مقدسات المسيحيين من سيطرة المسلمين على حد زعمهم، فاستغل الأوروبيون حالة الضعف التي كان عليها المسلمون في تلك الفترة من خلال انقسامهم فالأراضي توزعت إلى: (قسم يخضع للخليفة العباسي، والثاني للدولة السلجوقية، والثالث للزنكيين والرابع للفاطميين) وقاموا بحملاتهم، حيث نجحوا في تأسيس العديد من الإمارات في بلاد الشام من بينها بيت المقدس.

وعندما أصبحوا في قلب بلاد الشام شارك الأوربيون الذين سموا أنفسهم بالصليبيين في الصراعات المحلية على الحكم لتأجيج التوتر بين المسلمين لاسيما في مصر التي كان يحكمها آنذاك الفاطميون، فكما ذكرنا شجع الصليبيون ممثلين بأمير بيت المقدس المدعو أموري؛ ضرغام بن عامر اللخمي للتمرد على الوزير الأول شاور السعدي والحلول مكانه وزيراً أولاً للخليفة الفاطمي، الأمر الذي استدعى تحالفاً من الوزير المهزوم مع الزنكيين فأرسلوا له أسد الدين شيركوه لإعادته إلى الحكم.

في المقابل أدرك المسلمون حالة الضعف التي أصابتهم فسعوا لتأسيس دول قوية لمواجهة الحملات الصليبية فكانت الدولة الزنكية ثم الأيوبية فالمملوكية، تمكنت هذه الدول كل بدورها من إلحاق الهزيمة بالصليبيين وتحرير المدن التي احتلوها الواحدة تلو الأخرى حتى انتهى المطاف بالصليبيين خارج الشرق الأوسط، وعادوا إلى أوروبا مثلما جاؤوا خاليي الوفاض، وبالتالي زال أثرهم من المناطق التي سيطروا عليها.