تاريخ كسوة الكعبة المشرفة قبل الإسلام وبعده
من المعروف إن الكعبة المشرفة هي رمز الإسلام، وهي بيت الله الحرام، ومنذ بنائها على يد سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى الآن، تحظى بالرعاية والتبجيل.
من مظاهر تلك الرعاية، الكسوة الشريفة، والتي تعتبر جزءًا أصيلًا من الكعبة المشرفة وتاريخها.
تاريخ كسوة الكعبة المشرفة قبل الإسلام
يعتقد الكثير إن كسوة الكعبة التي نراها الآن هي نفس هيئة الكسوة عبر العصور السابقة، ولكن هذا ليس بصحيح.
فوفقًا للكتب التي وثقت تاريخ الكعبة الشريفة وكسوتها، كُسيت الكعبة في الجاهلية والإسلام بأنواع مختلفة من الكسوات وبألوان مختلفة.
يقول التقي الفاسي في كتابه "كتاب شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام" إن الكعبة كُسيت بكسوة حمراء اللون كانت تدعى "العصب"، و"الخصف" وهو الثوب الغليظ مختلف الألوان.
كما تم كسوتها بكسوة مصنوعة من الجلد وكانت تسمى "الأنطاع" و "المسوح" وهي كسوة كانت تصنع من الشعر الغليظ.
كما كسيت بالحرير الأخضر والأصفر، وفقًا لقول أم زيد بن ثابت الأنصاري.
وقبل الإسلام، كانت الكسوة توضع على الكعبة في أي وقت، إذا بليت، يتم استبدالها بأخرى، حتى جاء قصي بن كلاب، وقرر أن يأخذ مبلغًا من المال من كل قبيلة في قريش، ليتم تغيير الكسوة سنويًا.
ومن أبرز من كسوا الكعبة المشرفة بالحرير، أم العباس بن عبد المطلب، عم النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت تدعى نُتيلة بنت جناب، وذلك بعد أن ضلّ العباس الطريق وهو طفل، فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة بالحرير.
تاريخ الكسوة المشرفة في الإسلام
ذكر ابن هشام في السيرة إن الكعبة المشرفة كانت كسوتها باللون الأبيض في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، من قماش يصنع في مصر، ثم كسيت بقماش من اليمن كان يدعى بالبرود.
وفي عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضوان الله عليهم، كانت تكسى بالبرود اليمنية.
الكسوة في عهد الدولة الأموية
وفي عهد معاوية بن أبي سفيان، كان يكسيها مرة في عاشوراء بالحرير، والقباطي المصرية في الأيام الأخيرة من شهر رمضان احتفالًا بعيد الفطر.
كما كساها عبد الله بن الزبير أيضًا في ولايته بعد بنائها بالقباطي المصرية.
أما يزيد بن معاوية، فكساها بالحرير الخسرواني، القادم من بلد خسروان في إيران.
الكسوة في العصر العباسي
وكانت عادة خلفاء بني أمية، وضع الكسوة الجديدة وترك القديمة كما هي، حتى ولاية الخليفة العباسي المهدي، والذي طالب سدنة الكعبة منه برفع الكسوات القديمة خوفًا على بناء الكعبة، فأمر المهدي، بإزالتها جميعًا، والالتزام بكسوة واحدة فقط كل عام.
فأصبحت عادة حتى عصرنا هذا.
أما الخليفة المأمون، فحسب كتاب "كتاب شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام" كان يكسوها ثلاث مرات في العام، الديباج الأحمر يوم التروية، والقباطي يوم هلال رجب، والديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من رمضان.
مصر وكسوة الكعبة
في عهد الدولة الفاطمية التي كانت القاهرة عاصمة لها، أمر الخليفة المعز لدين الله بعمل كسوة للكعبة من الحرير الأحمر، مطرزة بالذهب، ونقش عليها آيات الحج، وكانت معطرة بالمسك.
وفي زمن الحاكم بأمر الله والمستنصر بالله، كانت الكسوة تصنع من الحرير الأبيض.
ويقال إن أول من كساها من ملوك مصر بعد بني العباس هو الملك الظاهر بيبرس البندقداري الصالحي.
الكسوة السوداء
أما الكسوة السوداء فيقال إن أول من أمر بها هو الخليفة العباسي أبو العباس الناصر لدين الله، حيث كانت من الحرير الأسود مع تطريز أصفر.
بالطبع نرى أن اللون الأسود هو أكثر الألوان توفيقًا ليكون لون الكسوة للكعبة.
وقد ذكر بعض العلماء حكمة في سواد كسوة الكعبة، فعن ابن أبي الصيف مفتي مكة أن بعض شيوخه قال له: يا محمد تدري لم كسي البيت السواد؟ فقال: لا، قال: كأنه يشير إلى أنه فقد أناساً كانوا حوله فلبس السواد حزنا عليهم.
كسوة الكعبة كما رآها الرحالة ابن بطوطة
وفي كتاب رحلة ابن بطوطة، توثيق مهم عن شكل الكسوة التي كانت ترسلها الدولة المملوكية في عهد الملك ناصر الدين أبي المعالي محمد بن قلاوون، حيث يقول: "وفي يوم النحر نقلت كسوة الكعبة إلى البيت الكريم فوضعت في سطحه، فلما كان اليوم الثالث بعد النحر أخذ بني شيبة في إسبالها على الكعبة الشريفة، وهي كسوة سوداء حالكة من الحرير مبطنة بالكتان، وفي أعلاها مكتوب بالبياض (جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا) ولما كسيت شمرت أذيالها صونًا من أيدي الناس، والملك الناصر هو الذي يتولى كسوة الكعبة الكريمة".
الكسوة في العصر الحديث
في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت مصر هي المسؤولة عن إرسال الكسوة الشريفة إلى الحرم.
وكانت تخرج الكسوة ومتعلقاتها في حفل بهيج، يحرص أهل القاهرة على متابعته، وكان يدعى المحمل.
وكان لها دار مخصصة في مصر هي المسؤولة عن صنع الكسوة، وكانت مسؤولة عن تصنيع ستارة باب الكعبة وستارة باب منبر الحرم.
المملكة العربية السعودية وكسوة الكعبة
في عام 1927م قرر الملك المؤسس الراحل عبد العزيز آل سعود، إنشاء دار خاصة لصناعة كسوة الكعبة، وقرر أن يكون الشيخ عبد الرحمن مظهر حسين الأنصاري، هو أول مدير لهذا الدار.
وفي عام 1977 انتقلت صناعة الكسوة إلى "مصنع كسوة الكعبة" في عام 1977م في أم الجود، أحد أحياء مكة المكرمة.
كسوة الكعبة الآن، تستهلك تقريبًا 900 كيلو منا لحرير الخام، والذي يصبغ باللون الأسود، و 120 كيلو من أسلاك الذهب و 100 كيلو من أسلاك الفضة.
ويدخل في تصنيع الكسوة حوالي 200 فرد بين صانع وإداري.