توراجا.. قرية تقوم بإرجاع الموتى من القبور لمنازلهم كل عام
بعد مرور بعض الوقت من وفاة الشخص يقومون بإخراج جثته من مكانها وتنظيفها وتزيينها
في هذا العالم الذي نعيش فيه، توجد الكثير من الشعوب والقبائل التي تتنوع عاداتها وتقاليدها وممارساتها بشكل عام، التي تتراوح بين العادية أو التقليدية، وبين الغريبة والمرعبة في بعض الأحيان، لكنها بالنسبة لأصحابها ممارسات طبيعية يقومون بها خلال حياتهم اليومية.
توراجا، واحد من هذه الشعوب التي يمكن أن ينطبق على طقوسهم مفهومنا عن الغرابة. هم مجموعة عرقية وثقافية تسكن منطقة تانا توراجا في جزيرة سولاويزي في إندونيسيا. يعرفون بتقاليدهم ومعتقداتهم الدينية، وفنونهم، وهندستهم المعمارية. لكن أكثر ما يثير الرعب هي تقاليدهم الجنائزية الفريدة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وفي التقرير التالي، نستعرض معكم قصة شعب توراجا وطقوسهم الغريبة المرتبطة بالتعامل مع الأموات والجنائز، والتي من المؤكد أنك ستندهش عند سماعها أو القراءة عنها.
من هم شعب توراجا؟
في أعالي جبال جزيرة سولاويزي الإندونيسية، يسكن شعب توراجا، حاملو ثقافة عريقة وتقاليد فريدة من نوعها، ميزتهم عن باقي شعوب العالم.
يعتقد أن شعب توراجا قد هاجر إلى جبال سولاويزي منذ آلاف السنين، حيث عاشوا معزولين عن العالم الخارجي لفترات طويلة. ونتيجة لذلك، حافظوا على ثقافتهم وتقاليدهم الأصلية بشكل كبير، حتى مع تأثرهم ببعض الديانات الخارجية مثل المسيحية والإسلام.
يبلغ عدد شعب توراجا حوالي 600 ألف نسمة، ويشكلون حوالي 1.2٪ من إجمالي سكان إندونيسيا. ويتحدثون لغة التوراج، وهي لغة أسترونيزية وثيقة الصلة بلغات أخرى في المنطقة، مثل لغة الميناهسانغ ولغة ماكاسار.
كذلك، يتبع غالبية شعب توراجا الديانة الأليغومو (Aluk To Dolo)، وهي ديانة توحيدية تقليدية تؤمن بإله واحد يدعى "Puang Matua".
طقوس شعب توراجا مع الأموات
يشتهر شعب توراجا بطقوس دفن الموتى الفريدة من نوعها، والتي قد تبدو غريبة على البعض. فعند وفاة أحد أفراد القبيلة، يتم تحنيط جثته وحفظها في كهوف أو منازل خشبية تسمى "تومبا". ورغم أن مفهوم التحنيط ربما كان معتادا في بعض الحضارات القديمة، مثل الحضارة الفرعونية، إلا أن ممارسات شعب التوراجا مع أمواتهم بعد ذلك تبدو أكثر غرابة.
لا ينظر شعب توراجا إلى الموت على أنه رحيل نهائي، بل على أنه رحلة طويلة يبدأها المتوفى في عالم آخر، ويحاولون مشاركته تلك الرحلة. لذلك، يشار إلى الموتى عندهم باسم "مكولا"، أي "الشخص المريض"، ويتم معاملتهم بنفس الاحترام والرعاية التي يعامل بها الأحياء.
تبدأ هذه الرحلة منذ لحظة الوفاة، حيث يقوم أفراد عائلة المتوفي بتنظيفه وتحنيطه وتغليفه وحفظ جثته أو دفنها. وبعد مرور بعض الوقت من وفاة الشخص، يقومون بعمل مراسم جنازة ضخمة تعرف باسم "رامبوك سولو"، حيث يتم إخراج الجثة من مكان حفظها وتنظيفها وتزيينها. ثم يحملها أفراد العائلة في موكب كبير يتضمن الرقص والغناء وتقديم القرابين.
تقام هذه الطقوس في شهر أغسطس من كل عام، لتتزامن مع موسم الحصاد، حيث تتجمع العائلات لأدائها. وتستمر هذه الاحتفالات لعدة أيام، ويتم خلالها ذبح الجاموس كقربان للمتوفى، ودعوة أقاربه من المناطق البعيدة للحضور. ويرجع ذلك إلى إيمان شعب توراجا بالحياة الآخرة، حيث يعتقدون أن روح المتوفى تنتقل إلى عالم آخر يسمى "بو".
ويعتقدون أيضًا أن نوعية الحياة في "بو puya" تعتمد على طريقة دفن المتوفى. لذلك يبذلون قصارى جهدهم لضمان إقامة جنازة ضخمة تليق بمكانة المتوفى في المجتمع.
معلومات عن شعب توراجا
. يعيش شعب توراجا في في أعالي جبال جزيرة سولاويزي الإندونيسية.
. يبلغ عدد شعب توراجا حوالي 600 ألف نسمة، ويشكلون حوالي 1.2٪ من إجمالي سكان إندونيسيا.
. يتحدث شعب التوراج لغة التوراج، وهي لغة أسترونيزية وثيقة الصلة بلغات أخرى في المنطقة، مثل لغة الميناهسانغ ولغة ماكاسار.
. يتبع غالبية شعب التوراج الديانة الأليغومو (Aluk To Dolo)، وهي ديانة توحيدية تقليدية تؤمن بإله واحد يدعى "Puang Matua".
. يؤمن شعب التوراج بالحياة الآخرة، ويعتقدون أن الموت هو انتقال من عالم الأحياء إلى عالم الأرواح.
. تعد طقوس الدفن لدى شعب التوراج من أغرب الطقوس على الإطلاق، وتتميز بتعقيدها ومدتها الطويلة.
. تستمر عملية الدفن لعدة أشهر أو حتى سنوات، وتتضمن تحنيط الجثة، وحفظها في تابوت خشبي معقد المنحوتات، وإقامة احتفالات دينية ضخمة.
. يعرف شعب التوراج بمهاراتهم الفنية العالية، خاصة في مجال النحت، والحفر على الخشب، وتصميم المجوهرات.
. تصور أعمالهم الفنية غالبًا مشاهد من الأساطير الدينية، والحياة اليومية، والحيوانات.
. تتميز منازل شعب توراجا بتصميمها الفريد، حيث تبنى على أعمدة خشبية عالية، وتزين بزخارف معقدة.
. تستخدم هذه المنازل كمكان للسكن، ولإقامة الاحتفالات الدينية، ولحفظ جثث الموتى.
تحديات يواجهها شعب توراجا
مع مرور الوقت، تأثرت ثقافة شعب توراجا بالعالم الخارجي. ولكن على الرغم من هذه التغييرات، إلا أن بعضهم ما زالوا متمسكين بكثير من تقاليده القديمة، مثل طقوس الدفن الفريدة من نوعها. ولذلك، يواجه شعب توراجا العديد من التحديات، بما في ذلك:
التأثير الخارجي
تواجه ثقافة شعب توراجا تهديدًا من التأثير الخارجي، خاصة من خلال السياحة والتبشير بالمسيحية.
فقدان الأراضي
يفقد شعب التوراج أراضيهم تدريجيًا بسبب التوسع العمراني، ونشاطات تعدين الغابات.
الفقر
يعاني العديد من أفراد شعب التوراج من الفقر، ونقص فرص العمل.
ولذلك، يبذل الآن هذا الشعب العديد من جهود الحفاظ على ثقافتهم، وذلك من خلال تعليم الأجيال القادمة، حيث يعلمون أطفالهم لغة التوراج، ومعتقداتهم الدينية، وتقاليدهم. كما يحاولون التعاون مع المنظمات الدولية للحفاظ على تراثهم الثقافي.
السياحة في توراجا
تجذب الممارسات الجنائزية الغريبة التي يقوم بها شعب توراجا اهتمام الكثيرين حول العالم، حيث تدفع السياح لمشاهدة التقليد الاستثنائي لشعب توراجا وهم يحتضنون أحباءهم المتوفين. وفي حين أن البعض قد يجد هذه الطقوس مروعة، إلا أنها بالنسبة للتوراجا هي تأكيد جميل على الترابط بين الحياة والموت.
في النهاية، شعب التوراج شعب فريد من نوعه يتمتع بثقافة غنية وتقاليد عريقة. يواجهون العديد من التحديات، لكنهم يبذلون جهودًا كبيرة للحفاظ على تراثهم الثقافي للأجيال القادمة.