جولة داخل غرفة وكالة ناسا السرية.. مجهزة لتحمل انفجار هائل
تم تجهيز الغرفة بنظام تنقية هواء متطور، قادر على امتصاص ثاني أكسيد الكربون الزائد الناتج عن تنفس الطاقم، مما يضمن جودة الهواء
يعد برنامج أبولو أحد أبرز إنجازات وكالة ناسا، حيث قاد إلى 11 رحلة فضائية تاريخية، بما في ذلك أول هبوط بشري على سطح القمر. ومع ذلك، فإن استكشاف الفضاء محفوف بالمخاطر، لذا حرصت ناسا على وضع خطط طوارئ شاملة لحماية رواد الفضاء والمهندسين والعلماء.
وعلى الرغم من انتهاء البرنامج رسميا في ديسمبر عام 1975، إلا أنه ترك إرثا لا يزال قائما حتى اليوم، ليس فقط من خلال إنجازاته العلمية، ولكن أيضا من خلال البنية التحتية التي تم تطويرها خلال تلك الفترة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وفي هذا التقرير، نستعرض معكم واحدة من أهم عناصر البنية التحتية التي تم إعدادها خصيصا لهذه المهمة، لضمان سلامة العاملين بها، والتي أصبحت الآن جزءا مهما من تاريخ ناسا. إنها الغرفة المطاطية، أو غرفة ناسا السرية.
ما هي الغرفة المطاطية؟
تحت منصة الإطلاق 39A في مركز كينيدي للفضاء، قامت ناسا ببناء غرفة طوارئ سرية على عمق 40 قدما تحت سطح المنصة. هذه الغرفة، المعروفة باسم الغرفة المطاطية، كانت مصممة لحماية الأفراد في حالة وقوع انفجار كارثي لصاروخ ساتورن الخامس، الذي كان يستخدم في برنامج أبولو.
تم تدريب جميع رواد الفضاء على استخدام هذه الغرفة في حالات الطوارئ، مما يبرز التزام ناسا بسلامة الأفراد الذين يعملون في مجال استكشاف الفضاء.
كيف يمكن الوصول إلى الغرفة المطاطية؟
كان الوصول إلى الغرفة يتم عبر منزلق طويل يبلغ طوله 200 قدم، يمتد من قاعدة منصة إطلاق الصاروخ. في حال وقوع انفجار وشيك، كان بإمكان رواد الفضاء الخروج من الكبسولة واللجوء إلى مصعد هبوط سريع ينقلهم إلى قاعدة منصة الإطلاق المتحركة خلال فترة زمنية تقدر بـ 30 ثانية تقريبا.
عند مدخل المنزلق، يتم رش الأشخاص بالماء لتسهيل عملية الانزلاق. بعد ذلك، ينزلون عبر المنزلق إلى غرفة آمنة.
مميزات الغرفة المطاطية
تتمتع غرفة وكالة ناسا السرية بالعديد من المزايا التي تمكنها من حماية أفراد الطاقم من أي انفجار كبير، حيث تتميز بـ:
جدران مطاطية
كانت جدران هذه الغرفة مصنعة من المطاط، مما يجعلها قادرة على امتصاص أي طاقة ناتجة عن انفجار صاروخ ساتورن V المشبع بالوقود. وبعد اجتياز بضع خطوات داخل هذه الغرفة، يدخلون إلى غرفة أخرى تعرف باسم "غرفة الانفجار". في الواقع، هي غرفة انتظار مبطنة أيضا لحمايتهم من تأثير أي انفجار، ومع الوقت، أُطلق عليها اسم الغرفة المطاطية.
تتحمل انفجارا ضخما
تنفصل هذه الغرفة عن الخارج بواسطة باب فولاذي، ويمكنها استيعاب ما يصل إلى 20 شخصا لمدة 24 ساعة على الأقل. وقد تم تصميمها لتحمل ضغط انفجار يصل إلى 500 رطل لكل بوصة مربعة، في حين أن الإنسان العادي لا يستطيع تحمل ضغط انفجار يتجاوز 40 رطلا لكل بوصة مربعة.
دعامات قوية لامتصاص الصدمات
كانت الغرف معزولة تماما عن الهيكل الخرساني المحيط بها، وبدلا من الارتكاز على الأرض، كانت تطفو على 24 دعامة قوية. كان الغرض من هذه الدعامات هو امتصاص أي اهتزازات أو صدمات ناتجة عن الانفجار، وبالتالي حماية الغرف والطاقم من التأثيرات المدمرة للانفجار.
أبواب فولاذية
لتعزيز الحماية، تم تصميم أبواب الغرف من عدة بوصات من الفولاذ السميك، مما يجعلها حاجزا قويا ضد أي شظايا أو انفجارات محتملة.
هواء نقي
بالإضافة إلى ذلك، تم تجهيز الغرفة بنظام تنقية هواء متطور. كان هذا النظام قادرا على امتصاص ثاني أكسيد الكربون الزائد الناتج عن تنفس الطاقم، مما يضمن جودة الهواء داخل الغرفة.
أكسجين
لمواجهة نقص الأكسجين المحتمل، تم تزويد الغرفة بشموع أكسجين خاصة. كانت هذه الشموع تعمل عن طريق حرق مسحوق الحديد والكلوريد عند درجة حرارة عالية، مما يؤدي إلى إنتاج الأكسجين اللازم للتنفس.
مخزون يكفي لمدة 5 أيام
وبالطبع، لم تنسَ الجهة المصممة توفير الاحتياجات الأساسية للطاقم. فقد تم تجهيز غرفة تخزين داخلية تحتوي على أطعمة معلبة متنوعة مثل اللحوم والجبن والحبوب والفواكه والبسكويت والقهوة والسجائر. كان هذا المخزون كافيا لإطعام الطاقم لمدة 4-5 أيام، على الرغم من أنهم كانوا بحاجة فقط إلى البقاء بالداخل لفترة قصيرة، حتى تتبدد السموم في الهواء الخارجي.
طريق آمن للخروج
كان لدى من في المخبأ خياران للهروب بعد وقوع الانفجار ودخول الغرفة المطاطية. الخيار الأول كان رحلة طويلة عبر نفق مظلم يمتد لمسافة 360 مترا، لينتهي بهم المطاف في مبنى مهجور يقع على حافة موقع الإطلاق. أما الخيار الثاني، فكان أكثر تعقيدا، إذ يتضمن التنقل عبر شبكة متشابكة من الغرف والممرات التي قد تؤدي بهم في النهاية إلى العالم الخارجي.
حتى الآن، يظل هذا المخبأ بعيدا عن الأنظار، ولم يدخل أحد إليه قط.
نظام مراقبة وتهوية
تعمل غرفة المطاط كدرع واق. يمكنها امتصاص طاقة الانفجار وتوجيهها إلى أسفل، بعيدا تماما عن العاملين والمباني. كما تحتوي على نظام تهوية متطور يعمل على سحب الدخان والأبخرة الناتجة عن الانفجار، مما يقلل من خطر الاختناق.
ولضمان السلامة والتعامل الحكيم، تم تجهيز الغرفة بكاميرات وأجهزة استشعار لمراقبة أي نشاط غير طبيعي داخلها.
ماذا حدث لغرفة المطاط بعد برنامج أبولو؟
في الواقع، بعد انتهاء برنامج أبولو ونجاحه، لم تعد هناك حاجة لغرفة المطاط. يرجع ذلك إلى سبب مهم، حيث تم التخلي عن استخدام صواريخ ساتورن الخامسة في عمليات الإطلاق. ومع ذلك، تم الحفاظ على الغرفة حتى الآن، باعتبارها جزءا من التراث التاريخي لمركز كينيدي للفضاء.
تمثل غرفة المطاط جزءا هاما من تاريخ استكشاف الفضاء. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمكن استخدامها كأداة تعليمية لتوضيح أهمية السلامة في مجال الفضاء. كذلك، يمكن استخدام غرفة المطاط في المستقبل لاختبار تقنيات جديدة في مجال الصواريخ والفضاء.
في النهاية، يمكننا القول إن غرفة ناسا المطاطية هي واحدة من أمثلة الإنجازات الهندسية التي مكنت البشرية من الوصول إلى القمر. على الرغم من مرور عقود على بنائها، إلا أنها لا تزال تثير فضول الكثيرين وتعتبر جزءا لا يتجزأ من تاريخ استكشاف الفضاء.