دور وسائل التواصل الاجتماعي في الحملات الانتخابية الألمانية؟
يشعر قادة الأحزاب التقليدية في ألمانيا بالقلق إزاء صعود الأحزاب الشعبوية. فعندما حقق حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف أكثر من 30% من الأصوات في الانتخابات المحلية الأخيرة في ولايتي تورينغن وساكسونيا، نُسب هذا النجاح بشكل جزئي إلى فعالية الحزب في الوصول إلى الناخبين ولأول مرة عبر منصة تيك توك.
يقول ماتياس كيتيمان، خبير تنظيم الإنترنت وقانون الإعلام بجامعة إنسبروك في النمسا، إنه من المستحيل تحديد التأثير الدقيق لوسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام وعمليات صنع القرار الديمقراطي بشكل عام. ومع ذلك، يشير كيتيمان إلى أن الواضح هو أن عدداً متزايداً من الناس يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، وأن هناك استقطاباً في الرأي العام. ويضيف: "الأحزاب في أقصى اليمين وأقصى اليسار تحقق أداءً أفضل على وسائل التواصل الاجتماعي لأنها تقدم قصصاً بسيطة يسهل سردها، مما يعزز التفاعل بمساعدة خوارزميات الترويج على هذه المنصات"، كما صرح لـ DW.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وينظر المراقبون بقلق إلى تزايد نفوذ أغنى رجل في العالم والرئيس التنفيذي لمنصة "إكس" (تويتر سابقاً)، إيلون ماسك، أكبر داعمي حملة ترامب للوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة.
وبعد انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا في السادس من نوفمبر/ تشرين ثاني، وصف ماسك قادة يسار الوسط في ألمانيا، الاشتراكيين الديمقراطيين، عدة مرات بـ "الحمقى".
في غضون ذلك، عاد نائب المستشار ووزير الاقتصاد روبرت هابيك (من حزب الخضر) بشكل مفاجئ إلى منصة "إكس" بعد انقطاع دام ست سنوات، قائلاً إنه لا يعتقد أنه من الصواب ترك المنصة "للصاخبين والشعبويين".
تبادل الاتهامات بدلاً من تبادل الآراء
يقول يورغ هاسلر، خبير الاتصال الرقمي والسياسي في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ: "أهم مشكلة هي المعلومات المضللة التي تأتي من القمة". وأشار إلى أن القادة السياسيين أصبحوا يركزون أكثر على الهجمات الشخصية ضد منافسيهم أو الجدال حول قضايا جانبية مثل مواعيد الانتخابات. وأضاف: "القضايا المهمة هي أداء الاقتصاد والدعم الاجتماعي للعاطلين عن العمل والفئات الاكثر ضعفاً، ولكن يبدو أن السياسيين غير مهتمين بمناقشة هذه الأمور"، كما صرّح لـ DW.
وبحسب هاسلر: "لا يمكنك الفوز بالانتخابات على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن يمكنك خسارتها". ويشير إلى مثال أرمين لاشيت، مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) لمنصب المستشار في الانتخابات الفيدرالية لعام 2021. تعرضت حملة لاشيت لضربة قوية بعد تصويره وهو يضحك خلال زيارة رسمية لأحد المناطق، التي تضررت بشدة من الفيضانات لعارمة. وانتشر الاستياء عبر منصة X، التي كانت تُعرف حينها بتويتر، تحت وسم "laschetlacht#" (#لاشيت_يضحك).
وفقاً لاستطلاع معهد رويترز السنوي لدراسة الصحافة لعام 2022، يتابع الألمان الأخبار عبر الإنترنت بدلاً من التلفزيون التقليدي. وخرجت الدراسة وسائل الإعلام التي أجرتها الإذاعات العمومية الألمانية ARD وZDF لعام 2024، بنتائج مفادها أن 7% فقط من الألمان يستخدمون منصة X (إكس) بانتظام، مقارنةً بـ 37% يستخدمون إنستغرام، و33% يستخدمون فيسبوك، و18% يستخدمون تيك توك.
روسيا تريد "تأجيج الاستقطاب" في الرأي العام الألماني
يرى ماتياس كيتيمان أن عاملاً مهماً آخر في الانتخابات الاتحادية المقبلة في ألمانيا سيكون دور الجهات الأجنبية التي تستخدم عمليات التضليل، مثل "الحملات السوداء" عبر تطبيقات التراسل مثل تيليغرام وواتساب لدعم روايات معينة.
ويُعرف عن حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) وتحالف سارة فاغنكنشت (BSW) دعمهما لروسيا وتوجههما المحافظ اجتماعياً والمعارض للهجرة وحماية المناخ.
وأضاف ماتياس كيتيمان، خبير تنظيم الإنترنت وقانون الإعلام بجامعة إنسبروك في النمسا: "نعلم على سبيل المثال أن روسيا تفضل بعض الأحزاب السياسية في ألمانيا أكثر من غيرها، وتريد مفاقمة الاستقطاب داخل المجتمع الألماني، وهذا تهديد يجب أن نكون على دراية كبيرة به قبل انتخابات البرلمان الألماني (بوندستاغ)".
محاولات لتنظيم منصات التواصل الاجتماعي
قدم الاتحاد الأوروبي بالفعل مجموعة شاملة من اللوائح لمنصات التواصل الاجتماعي والأسواق الرقمية من خلال قانون الخدمات الرقمية (DSA)، الذي يهدف إلى منع الأنشطة غير القانونية والضارة عبر الإنترنت، وكذلك الحد من انتشار المعلومات المضللة.
في نتائج أولية صدرت في يوليو/ تموز، وجد المشرعون الأوروبيون أن منصة "إكس" (تويتر سابقاً) قد انتهكت قانون الخدمات الرقمية. وبرهن المشروعون أن خاصية توثيق الحساب المعروفة بالشارة الزرقاء "تضلل المستخدمين"، وأن المنصة لا تمتثل لمتطلبات الشفافية في الإعلانات، كما أنها "لا توفر بياناتها العامة للباحثين".
التحدي الآن، حسب كيتيمان، هو تنفيذ التشريع، مشيراً إلى أن ذلك لن يحدث قبل الانتخابات الاتحادية الألمانية المقررة في شباط/فبراير. وقال: "بعض المنصات مثل إكس لا يبدو أنها تتعاون على الإطلاق مع قواعد الاتحاد الأوروبي، لذا سيكون من الصعب جداً جعل تلك المنصة تلتزم بالقيم الديمقراطية وقوانين الاتحاد الأوروبي".
وقد يصبح هذا الأمر أكثر صعوبة في المستقبل بالنظر لتزايد تأثير إيلون ماسك في رسم السياسات الأمريكية، حيث يخشى كيتيمان أن تتعقد الأمور بعد تصريح نائب الرئيس الأمريكي المنتخب، جي دي فانس، هذا الأسبوع بأن الولايات المتحدة قد تسحب دعمها لحلف الناتو إذا حاول الاتحاد الأوروبي تنظيم منصة "إكس" لصاحبها إيلون ماسك.
ومع لجوء المزيد من الناخبين، لا سيما الشباب، إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات حول السياسة والشؤون العالمية، يحث كيتيمان الأحزاب التقليدية على تعزيز وجودها على هذه المنصات، قائلاً: "لأننا لا يجب أن نترك الساحة لمروجي المعلومات المضللة، علينا أن نخوض هذه المعركة".
أعده للعربية: علاء جمعة