رحلة كسوة الكعبة من مصر إلى بلاد الحجاز.. بدأها عمر بن الخطاب
منذ أكثر من 150 عاما، التزمت مصر بنقل كسوة الكعبة إلى الحجاز، وتحديدًا منذ تأسيس دار الكسوة بحي الخرنفش بباب الشعرية عام 1816، إذ كانت الدار تقوم على حياكة أقمشة الكعبة منذ هذا التاريخ وحتى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في عام 1962، ولكن بسبب حدوث خلافات مصرية سعودية أدى إلى توقف حياكة كسوة الكعبة من مصر.
لكن تاريخ كسوة الكعبة من مصر لم يكن منذ تأسيس دار الكسوة في القرن التاسع عشر فقط، فقد امتد لسبعة قرون منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي اعتمد على صناعة قماش كسوة الكعبة من قماش "القباطي" المصري، نظرًا لجودته، ومهارة الصناع المصريين في حياكة الأقمشة.
شاهد أيضاً: موعد صلاة عيد الأضحى في القاهرة والمحافظات
ظل هذا التقليد ممتدا منذ عهد عمر بن الخطاب حتى العصر العباسي الذي صار خلفاؤه على نفس النهج، ودأبوا على حياكة قماش الكسوة من ورش "تنيس" في مصر، واستمر هذا التقليد قائمًا حتى حكم المماليك القاهرة، واتبعوا تقليدًا جديدًا في كسوة الكعبة.
فيما بدأت فكرة "المحمل" الذي ينقل الكسوة من مصر إلى الحجاز في عهد المماليك، وتحديدًا في عهد الملكة شجرة الدر التي حكمت مصر في هذا الوقت، وتزوجت من السلطان المملوكي عز الدين أيبك، وكان المحمل يطوف جنبات القاهرة قبل التوجه إلى الحجاز، وسط مظاهر احتفال عارمة من المصريين، وكان المحمل عبارة عن "هودج فارغ" وصناديق تحمل أقمشة الكسوة، واستمر هذا التقليد حتى حكم الظاهر بيبرس الذي تنوعت في عهده الاحتفالات بالمحمل وأصبح لها مذاق آخر.
ظل المماليك متمسكين بإرسال محمل كسوة الكعبة من القاهرة إلى الحجاز، ورفضوا أن يشاركهم أحد في ذلك ولو بالقتال، حتى حكم العثمانيون مصر وأنهوا عصر المماليك، ثم عهد الوالي محمد علي باشا الذي تأسست في عهده دار الكسوة بحي الخرنفش، وأصبحت تلك الدار هي المصنع الرئيسي لكسوة الكعبة في العالم العربي والإسلامي.
وظلت مصر محافظة على إرسال الكسوة إلى بلاد الحجاز سنويًا، وبالبرغم من تعاقب السلاطين والحكام كانت الكسوة مستمرة، مع تنوع مظاهر الاحتفال التي بدأت بشكل فعلي في عهد الظاهر بيبرس، الذي أرسى دعائم للاحتفال، إذ كان المحمل يخرج وبصحبته جنود وحراس، وسط أهازيج شعبية يطوف المحمل القاهرة لمدة ثلاثة أيام وبعدها يشد الرحال إلى الحجاز.
استمر هذا التقليد حتى عهد الوالي محمد علي باشا حتى توقف بسبب خلافه مع الدعوة الوهابية في السعودية، والحروب التي نشأت بين مصر والوهابيين آنذاك، ولكن سرعان ما عادت الأمور إلى طبيعتها حتى حكم أبناء محمد علي وبدايات العصر الجمهوري وحتى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بعد أن توقف إرسال المحمل من مصر إلى السعودية عام 1962 وبشكل دائم بسبب الخلاف بين مصر والسعودية لأسباب سياسية.
ومن هذا الوقت حتى الآن بدأت السعودية صناعة الكسوة، وأسس الملك عبد العزيز آل سعود دار لصناعة الكسوة بمنطقة "أجياد" بمكة المكرمة لتصبح أول دار تصنع الكسوة بالسعودية والأراضي الحجازية.