غزو الجراد بين الأسباب والعواقب
إن غزو الجراد الذي يحدث في بعض دول الخليج العربي وبلاد الشام يمثل تهديدًا حقيقيًا للأمن الغذائي، فقد وصفت منظمة الأغذية والزراعة FAO ذلك بأنه طاعون لا يجب أن ننتبه إليه، حتى في فترة انتشار وباء كوفيد 19، ففي عام 2019، وصل سرب ضخم من الجراد إلى الصومال وإثيوبيا، ثم انتشر أكثر فأكثر في الدول المجاورة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
لكن ما هي هذه الحشرة المسؤولة عن هذا الغزو؟ والأهم من ذلك، لماذا يحدث هذا الغزو وكيف يمكن مواجهته؟
تعرف على حشرة الجراد
الجراد هو اسم عام إلى حد ما، وهو يشير إلى أنواع مختلفة من الحشرات. النوع المسؤول عن الغزو الذي حصل مؤخرًا في إفريقيا يسمى Schistocerca gregaria أو الجراد الصحراوي. وهو نوع ينتشر في آسيا وأفريقيا وتكيف للعيش في البيئة الصحراوية والقاحلة.
تعيش هذه الحشرات بمفردها، وتبحث عن الغذاء بين الشجيرات. لكن عندما يزداد عددها بسرعة، فإنها تتجمع في أسراب وتدمر الغطاء النباتي في وقت قصير.
بينت دراسة نُشرت في عام 2009 في مجلة Science، أن التجمع والازدحام يؤدي إلى إنتاج السيروتونين، وهو هرمون يؤثر على المزاج ويحفز الجراد على التجمع البقاء ضمن الجماعة ويزيد الشهية، فيبدأ في التجمع ضمن أسراب كبيرة تهاجر لأميال بحثًا عن موارد نباتية طبيعية أو مزروعة.
كيف تنتقل أسراب الجراد؟
الجراد الصحراوي هو النوع الذي يسبب أكبر خسائر اقتصادية، وهو يهدد خمس سطح الأرض وعُشر سكان العالم. يعود آخر غزو كبير إلى عام 1986، حيث أثر على شمال إفريقيا والشرق الأوسط لمدة ثلاث سنوات.
يطير الجراد مدفوعًا بالرياح بسرعة حوالي 16 - 19 كيلومترًا في الساعة. يمكن للأسراب أن تطير لمسافة تصل إلى 130 كيلومترًا أو أكثر في يوم واحد، ويمكنها أن تطير وتبقى في الهواء لفترات طويلة من الزمن، هذا ما يفسر قدرتها على عبور البحر الأحمر (مسافة 300 كيلومتر) بين قارتي أسيا وإفريقيا.
في الماضي، تم تسجيل هجرات طويلة لأسراب الجراد، حيث تمكنت في عام 1988 من الانتقال من غرب إفريقيا إلى منطقة البحر الكاريبي، أي أنها قطعت مسافة خمسة آلاف كيلومتر خلال عشرة أيام.
البلدان المتضررة من غزو الجراد
تقول منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إن الوضع الحالي معقد ومقلق للغاية. فقد انتشرت أسراب الجراد عبر القرن الأفريقي وشرق إفريقيا، ووصلت إلى جنوب كينيا وشمال تنزانيا وشمال شرق أوغندا وجنوب شرق جنوب السودان وشمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وعلى الرغم من تدابير السيطرة، فقد امتد الغزو بالفعل إلى دول أخرى، مثل والسودان واليمن ودول الخليج وبلاد الشام. البلدان الأكثر تضررًا في الوقت الحالي هي كينيا وإثيوبيا والصومال، حيث شكل الغزو تهديدًا غير مسبوق للأمن الغذائي.
الظروف التي أدت إلى غزو الجراد
دعونا نسترجع الأحداث الرئيسية التي أدت إلى انتشار أسراب الجراد. للقيام بذلك، سيتعين علينا العودة بالزمن إلى الوراء بضع سنوات. في عام 2018، تسبب إعصاران في هطول أمطار غزيرة على الصحراء في شبه الجزيرة العربية، مما ساهم في تكاثر الجراد.
في عام 2019، تكاثر الجراد وانتشر بشكلٍ أكبر، ثم حدثت عاصفة أخرى ساهمت في الحفاظ على الظروف المثالية لتكاثر الجراد.
بحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، أدت العواصف التي وصلت إلى الصحراء الشاسعة غير المأهولة في جنوب شبه الجزيرة العربية إلى تشكل بحيرات بين الكثبان الرملية، شكل هذه البحيرات بيئة ملائمة لتكاثر الجراد.
سمحت ظروف التكاثر هذه بتكاثر الجراد حتى ثمانية آلاف مرة. في كينيا، رصدت خدمة مراقبة الجراد التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة سربًا يصل طوله إلى 60 كيلومترًا وعرضه 40 كيلومترًا، أي بحجم لوكسمبورغ. كان السرب يتكون من حوالي 20 مليار جرادة.
الجراد وتغير المناخ
يعتبر النشاط الإعصاري في عامي 2018 و 2019 أمرًا غير معتاد. وفي جميع أنحاء القرن الأفريقي، كانت الأمطار في بداية الشتاء أعلى بنسبة 300 في المائة، وفي كينيا بنسبة 400 في المائة. كما تعرضت منطقة القرن الأفريقي لثمانية أعاصير في عام 2019، مسجلة أعلى رقم في عام منذ عام 1976.
من الواضح أن السنوات العشرين الماضية في شرق إفريقيا كانت سنوات غير طبيعية، فقد حدثت الظواهر المناخية مثل الجفاف أو الأمطار الغزيرة يتواتر لم نعتد عليه. هذا يعني أن غزو الجراد لهذه الدول مرتبط بتغير المناخ.
حتى أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، قال: "هناك صلة بين تغير المناخ والأزمة غير المسبوقة لغزو الجراد الذي ابتليت بها إثيوبيا وشرق إفريقيا".
عواقب وتأثيرات غزو الجراد
إن الضرر الاقتصادي لغزو الجراد هائل للغاية، يمكن لسرب من الجراد تبلغ مساحته كيلومتر مربع واحد أن يأكل نفس كمية الطعام التي يأكلها 35 ألف شخص في يوم واحد، حسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة. يمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة ويسبب أضرارًا واسعة النطاق للمحاصيل ويؤثر على الأمن الغذائي لتلك البلدان التي تعاني بالفعل من الجفاف المتكرر والأمطار المفاجئة.
إذا لم تنحسر الأزمة، فقد يجبر الغزو بعض المجتمعات الأكثر تضرراً على الفرار من أراضيهم من أجل البقاء، سيكون تأثير الجراد على المحاصيل والمراعي كبيراً للغاية. فأكثر من 10 ملايين شخص أُجبروا بالفعل على العيش في حالة انعدام شديد للأمن الغذائي في إثيوبيا وكينيا والصومال والسودان بسبب غزو الجراد، وهناك 3.24 مليون شخص في أوغندا وجنوب السودان مهددون بشدة بانتشار الأسراب.
الحلول الممكنة
تقع مسؤولية مواجهة الجراد على عاتق الحكومات الوطنية بمساعدة المنظمات الدولية. بدأ الجراد في التكاثر في جنوب شبه الجزيرة العربية، وهي منطقة تمر بمرحلة من عدم الاستقرار السياسي والصراعات والحروب. وفقًا لبعض الخبراء، قد يكون هذا هو السبب الذي أعاق الكشف المبكر عن المشكلة.
يمكن السيطرة على المشكلة من خلال القضاء على الجراد بعد أن تفقس بيوضه، حيث يكون غير قادر على الطيران ويتحرك من خلال القفز، لكن بعد مرور عدة أسابيع، تنمو الأجنحة وتتشكل الأسراب، لهذا فإن كل جهود المكافحة تتضمن تحديد مجموعات الجراد القافز ومحاولة قتله بالمبيدات قبل أن يصبح قادرًا على الطيران. هذه هي الطريقة الوحيدة لوقف الغزو.
هناك العديد من الأسباب التي تفسر صعوبة مكافحة الجراد، فالمساحة التي ينتشر فيها كبيرة للغاية، وفيها أماكن غالبًا ما تكون بعيدة ويصعب الوصول إليها. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض المناطق غير آمنة بسبب وجود الألغام المضادة للأفراد أو بسبب النزاعات المستمرة. وفي معظم البلدان المتضررة، غالبًا ما تكون موارد المراقبة محدودة والبنية التحتية الأساسية متخلفة، يضاف إلى هذه المشاكل العلاقات السياسية المتوترة بين البلدان.
الجراد كغذاء
قلة من الناس يعرفون أن غزو الجراد في أوغندا يعتبر نعمة، خاصة في المنطقة الجنوبية الشرقية من أوغندا. فمنذ زمن بعيد، يشكل الجراد مصدرًا غذائيًا غنيًا بالبروتين، وبينما يناقش البرلمان الأوغندي استخدام المبيدات لمواجهة أسرابه، تدعو جمعية صائدي الجراد إلى استخدام طرق أخرى لقتل الجراد بدون مبيدات كي يكون صالحًا للأكل.
ربما يأكل السكان الجراد انتقامًا لأنه يلتهم محاصيلهم. يمكن أن يؤكل الجراد نيئًا ومطبوخًا، مسلوقًا أو مقليًا، مشويًا في سيخ أو محمصًا. يتم تحضير أيضًا على شكل برجر أو مع الدجاج ولحم البقر والخضروات. كما يتم تحضيره كوجبة خفيفة مقرمشة لتناولها أثناء مشاهدة التلفاز أو أثناء المشي بدلًا من الفشار.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل شركة ناشئة مع المجتمعات التي تقطن مناطق متضررة بالجراد في كينيا على جمع هذه الحشرات وتحويلها إلى سماد أو طعام للماشية. يصطاد السكان الجراد، ثم يتم وزنها وشرائها من قبل الشركة. تقول الشركة أن الجراد يحتوي على نسبة عالية من البروتين، وهو مناسب بشكل خاص لتغذية الحيوانات.