قصائد ابن قيم الجوزية مكتوبة كاملة
أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكرِ بن أيوب بن سعْد بن حريز الزرعي الدمشقي الحنبلي وهو المعروف باسم "ابن قيم الجوزية" أو "ابنِ القيم". هو شاعر وفقيه ومفسر وعالم مسلم ومن أبرز أئمة المذهب الحنبلي في النصف الأول من القرن الثامن الهجري.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
في هذا المقال ننقل لك أجمل أشعار وقصائد ابن قيمة الجوزية مكتوبة كاملة.
القصيدة الميمية
إذا طَلَعَتْ شمسُ النهارِ فإنَّها أمَارَة تسْلِيمي عليكمْ فسَلّمُوا، سلامٌ مِن الرحمَنِ في كلِّ سَاعة
ورَوْحٌ ورَيْحانٌ وفضْلٌ وأنْعُمُ عَلى الصَّحْبِ والإخْوانِ والوِلْدِ والأُلىَ، دَعَوْهم بإحْسَانٍ فجَادُوا وأنْعَمُوا
وسائرِ مَن للسُّنَّةِ المَحْضةِ اقتَفى ومَا زاغ عنها فهو حَقٌّ مُقدَّمُ، أولئكَ أتباعُ النبيِّ وحِزْبُهُ
ولوْلاهُمُ ما كان في الأرضِ مُسْلِمُ ولوْلاهُمُ كادَتْ تَمِيدُ بأهْلِهَا ولكنْ رَوَاسِيها وأوْتادُها هُمُ
ولوْلاهُمُ كانتْ ظلامًا بِأهْلِها، وَلكنْ هُمُ فِيها بُدُورٌ وَأنْجُمُ، أولئكَ أصْحَابي فحَيَّ هَلًا بهِمْ
وحَيَّ هَلًا بالطيِّبينَ وأنعِمْ، لِكُلِّ امْرِئ ٍمنهم سَلامٌ يَخُصُّهُ، يُبَلغُه الأدنَى إليهِ وَينعَمُ
فيَا مُحْسِنًا بَلغْ سَلامِي وَقُلْ لهُمْ، مُحِبُّكُمُو يَدْعُو لكُم وَيُسَلمُ ويَا لائِمِي فِي حُبِّهُمْ وَوَلائِهمْ
تأمَّلْ هَدَاكَ اللهُ مَنْ هُوَ ألْوَمُ، بأيِّ دَلِيلٍ أمْ بأيَّةِ حُجةٍ، ترَى حُبَّهُمْ عَارًا عَليَّ وَتنقِمُ
ومَا العارُ إلا بُغْضُهُمْ وَاجْتِنابُهُمْ، وَحُبُّ عِدَاهُم ذاكَ عارٌ ومَأثمُ، أمَا وَالذِي شقَّ القلوبَ وأوْدَعَ
المَحَبَّة فيها حيثُ لا تَتصَرَّمُ، وحَمَّلها قلبَ المُحِبِّ وإنَّهُ ليَضْعُفُ عنْ حَمْلِ القميصِ وَيَألمُ
وَذللها حتى اسْتكانَتْ لِصَوْلةِ المَحَبَّةِ لا تلوي ولا تتلعْثمُ وذَلَّلَ فيها أنفُسًا دُونَ ذلِّها
حِياضُ المَنايا فوقها وَهْيَ حُوَّمُ، لأنْتُمْ عَلى قرْبِ الدِّيارِ وبُعْدِها، أحِبَّتُنا إنْ غِبْتُمُوا أو حَضَرْتُمُ
سَلُوا نَسَمَاتٍ الرِّيحِ كم قدْ تحمَّلتْ، مَحَبَّة صَبٍّ شوْقهُ ليْس يُكْتَمُ وشاهِدُ هذا أنَّها في هُبُوبِها
تكادُ تبُثُّ الوَجْدَ لوْ تتكَلمُ وَكُنتُ إذا ما اشْتدَّ بي الشوقُ والجَوَى وكادَتْ عُرَى الصَّبر الجَمِيلِ تَفَصَّمُ
أعَللُ نَفْسِي بالتَّلاقي وَقُرْبِهُ، وأُوهِمُها لَكِنَّهَا تَتوَهَّمُ، وأتْبعُ طرْفِي وِجْهَةً أنتُمُ بها، فلِي بحِمَاها مَرْبَعٌ ومُخَيَّمُ
وَأذْكُرُ بَيْتا قالهُ بعضُ مَن خَلا وَقدْ ضلَّ عَنْهُ صبُرُهُ فهُوَ مُغْرمُ، أسَائِلُ عَنكُمْ كلَّ غادٍ ورائحٍ
وأومِي إلى أوطانِكُم وأسَلمُ، وكمْ يَصْبِرُ المُشتاقُ عمَّن يُحِبُّهُ وفِي قلبِهِ نارُ الأسَى تتضَرَّمُ
أمَا وَالذِي حَجَّ الْمُحِبُّونَ بَيْتَهُ، وَلبُّوا لهُ عندَ المَهَلِّ وَأحْرَمُوا وقدْ كَشفُوا تِلكَ الرُّؤوسَ توَاضُعًا
لِعِزَّةِ مَن تعْنو الوُجوهُ وتُسلِمُ، يُهلُّونَ بالبيداءِ لبيك ربَّنا، لكَ المُلكُ والحَمْدُ الذي أنتَ تَعْلمُ
دعاهُمْ فلبَّوْهُ رِضًا ومَحَبَّةً، فلمَّا دَعَوهُ كان أقربَ منهمُ، ترَاهُمْ على الأنضاءِ شُعْثًا رؤوسُهُمْ
وغُبْرًا وهُمْ فيها أسَرُّ وأنْعَمُ، وَقدْ فارَقوا الأوطانَ والأهلَ رغبةً، ولم يُثنِهِمْ لذَّاتُهُمْ والتَّنَعُّمُ
يَسِيرونَ مِن أقطارِها وفِجاجِها، رِجالا ورُكْبانا ولله أسْلمُوا ولمَّا رأتْ أبصارُهُم بيتَهُ الذي
قلوبُ الوَرَى شوقًا إليهِ تَضَرَّمُ، كأنهمُ لمْ يَنْصَبُوا قطُّ قبْلهُ، لأنَّ شَقاهُمْ قد ترحَّلَ عنْهُمُ
فلِلَّهِ كمْ مِن عَبْرةٍ مُهْرَاقةٍ، وأخرى على آثارِها لا تَقَدَّمُ وَقدْ شَرِقتْ عينُ المُحِبِّ بدَمْعِها
فينظرُ مِن بينِ الدُّموعِ ويُسْجِمُ، إذا عَايَنَتْهُ العَيْنُ زالَ ظلامُها، وزالَ عن القلبِ الكئيبِ التألُّمُ
ولا يَعْرِفُ الطرْفُ المُعايِنُ حسْنَهُ، إلى أن يعودَ الطرْفُ والشوقُ أعْظمُ ولا عجبٌ مِن ذا فحِينَ أضافهُ
إلى نفسِهِ الرحمنُ ؛ فهو المعظَّمُ، كسَاهُ منَ الإجْلالِ أعظمَ حُلةٍ، عليها طِرازٌ بالمَلاحَةِ مُعْلَمُ
فمِنْ أجلِ ذا كلُّ القلوبِ تُحِبُّهُ، وتَخْضَعُ إجْلالا لهُ وتُعَظِّمُ ورَاحُوا إلى التَّعْريفِ يَرْجُونَ رحمةً
ومغفرة مِمَّن يجودُ ويُكرِمُ، فلِلهِ ذاكَ الموقفُ الأعظمُ الذي كموقفِ يومِ العَرْضِ بلْ ذاكَ أعظمُ
ويدْنُو بهِ الجبّارُ جَلَّ جلالُهُ، يُباهِي بهمْ أمْلاكَه فهو أكرَمُ، يقولُ عِبادِي قدْ أتونِي مَحَبَّةً
وَإنِّي بهمْ بَرٌّ أجُودُ وأرْحَمُ، فأشْهِدُكُمْ أنِّي غَفَرْتُ ذنُوبَهُمْ وأعْطيْتُهُمْ ما أمَّلوهُ وأنْعِمُ
فبُشراكُمُ يا أهلَ ذا المَوقفِ الذِي، به يَغفرُ اللهُ الذنوبَ ويَرحمُ، فكمْ مِن عتيقٍ فيه كَمَّلَ عِتقهُ
وآخرَ يَسْتسعَى وربُّكَ أرْحَمُ ومَا رُؤيَ الشيطانُ أغيظَ في الوَرَى وأحْقرَ منهُ عندها وهو ألئمُ
وَذاكَ لأمْرٍ قد رَآه فغاظهُ، فأقبلَ يَحْثُو التُّرْبَ غَيْظا وَيَلطِمُ وما عاينتْ عيناه مِن رحمةٍ أتتْ
ومغفرةٍ مِن عندِ ذي العرْشِ تُقْسَمُ، بَنَى ما بَنى حتى إذا ظنَّ أنه تمَكَّنَ مِن بُنيانِهِ فهو مُحْكَمُ
أتَى اللهُ بُنيَانًا له مِن أساسِهِ، فخرَّ عليه ساقطا يتهدَّمُ وَكمْ قدْرُ ما يعلو البناءُ ويَنْتهي
إذا كان يَبْنِيهِ وذو العرش يهدِمُ، وراحُوا إلى جَمْعٍ فباتُوا بمَشعَرِ الْحَرَامِ وصَلَّوْا الفجْرَ ثمَّ تقدَّموا
إلى الجَمْرةِ الكُبرَى يُريدون رَمْيَها، لوقتِ صلاةِ العيدِ ثمَّ تيَمَّمُوا، منازلَهمْ للنحْرِ يَبغونَ فضلَهُ
وإحياءَ نُسْكٍ مِن أبيهمْ يُعَظَّمُ، فلوْ كان يُرضِي اللهَ نَحْرُ نفوسِهمْ، لدانُوا بهِ طوْعًا وللأمرِ سلَّمُوا
كما بَذلُوا عندَ الجِهادِ نُحورَهُمْ، لأعدائِهِ حتَّى جرَى منهمُ الدَّمُ ولكنَّهمْ دانُوا بوضْعِ رؤوسِهمْ
وذلِكَ ذلٌّ للعبيدِ ومَيْسَمُ، ولمَّا تقضَّوْا ذلكَ التَّفَثَ الذِي عليهمْ وأوْفَوا نذرَهُمْ ثمَّ تَمَّمُوا
دعاهُم إلى البيتِ العتيقِ زيارةً، فيَا مرحَبًا بالزائِرين وأكرمُ، فلِلهِ ما أبْهَى زيارتَهُمْ لهُ
وقدْ حُصِّلتْ تلكَ الجَوائزِ تُقْسَمُ، وَللهِ أفضالٌ هناكَ ونِعْمَةٌ وبِرٌّ وإحْسَانٌ وجُودٌ ومَرْحَمُ
وعادُوا إلى تلكَ المنازلِ مِن مِنَى ونالُوا مناهُمْ عندَها وتَنَعَّمُوا، أقامُوا بها يومًا ويومًا وثالثًا
وأذِّنَ فِيهمْ بالرحيلِ وأعْلِمُوا، وراحُوا إلى رمْيِ الجمارِ عَشِيَّةً، شعارُهُمُ التكْبيرُ واللهُ معْهُمُ
فلو أبْصرَتْ عيناكَ موقفَهمْ بها وَقدْ بسَطوا تلكَ الأكفَّ لِيُرْحَمُوا، ينادونَهُ يا ربِّ يا ربِّ إننا
عبيدُكَ لا ندْعو سواكَ وتَعْلمُ وها نحنُ نرجو منكَ ما أنتَ أهلُهُ، فأنتَ الذي تُعْطِي الجزيلَ وتُنْعِمُ
ولمَّا تقضَّوْا مِن مِنًى كلَّ حاجةٍ، وسالتْ بهمْ تلكَ البِطاحُ تقدَّموا، إلى الكعبةِ البيتِ الحَرامِ عشيةً
وطافُوا بها سبْعًا وصَلوْا وسَلَّمُوا، آلام الوداع ولمَّا دَنا التوْدِيعُ منهمْ وأيْقنُوا، بأنَّ التدَانِي حبْلُهُ مُتَصَرِّمُ
ولمْ يبقَ إلا وقفةٌ لِمُوَدِّعٍ، فلِلهِ أجفانٌ هناكَ تُسَجَّمُ وللهِ أكبادٌ هنالِكَ أُودِعَ الغرامُ بها فالنارُ فيها تَضرَّمُ
وللهِ أنفاسٌ يكادُ بحَرِّها، يذوبُ المُحِبُّ المُسْتهَامُ المُتيَّمُ، فلمْ ترَ إلا باهِتًا مُتَحَيِّرًا وآخرَ يُبْدِي شجوَهُ يَترَنَّمُ
رَحَلتُ وأشْواقِي إليكمْ مُقِيمَةٌ ونارُ الأسَى مِنِّي تَشُبُّ وتَضْرمُ، أوَدِّعُكُمْ والشوقُ يُثنِي أعِنَّتِي
وقلبيَ أمْسَى فِي حِماكُمْ مُخَيِّمُ، هنالِكَ لا تَثْريبَ يومًا عَلىَ امرئٍ، إذا ما بَدا منهُ الذي كانَ يَكْتُمُ
فيَا سائقين العِيسَ باللهِ ربِّكمْ، قِفوا لِي على تلكَ الرُّبوعِ وسَلِّمُوا وقولوا مُحِبٌّ قادهُ الشوقُ نحوكُمْ
قضَى نحبَهُ فيكُمْ تعيشون وَتسْلمُوا، قضَى اللهُ ربُّ العرشِ فيمَا قضَى بهِ، بأنَّ الهوَى يُعمِي القلوبَ ويُبْكِمُ
وحُبُّكُمُ أصْلُ الهَوَى ومَدَارُهُ، عليهِ وفوزٌ للمُحِبِّ ومَغْنَمُ وتفنَى عِظامِ الصَّبِّ بعدَ مَماتِهِ
وأشواقُهُ وقْفٌ عليهِ مُحَرَّمُ، فيَا أيُّها القلبُ الذي مَلكَ الهَوَى، أزِمَّتَهُ حتى مَتى ذا التلوُّمُ
وحَتَّامَ لا تصْحُو وقدْ قرُبَ المَدَى، ودُنّتْ كُؤوسُ السَّيْرِ والناسُ نوَّمُ، بَلى سوفَ تصحُو حين ينكشفُ الغَطا
ويبدو لكَ الأمرُ الذي أنتَ تكتُمُ، ويا مُوقِدًا نارًا لغيركَ ضوؤُها وحرُّ لَظاها بينَ جنْبَيْك يَضرِمُ
أهذا جَنَى العلمِ الذي قد غرستَهُ، وهذا الذي قد كنتَ ترجوهُ يُطْعِمُ وهذا هو الحظُّ الذي قد رضيتَهُ
لِنفسكَ في الدارَيْنِ جاهٌ ودِرهمُ، وهذا هو الرِّبحُ الذي قد كسبتَهُ، لَعمرُكَ لا رِبحٌ ولا الأصلُ يَسْلَمُ
بَخِلتَ بشيءٍ لا يضرُّكَ بذلُهُ، وجُدْتَ بشيءٍ مثلُهُ لا يُقَوَّمُ، بَخِلتَ بذا الحظِّ الخسِيسِ دناءةً
وجُدْتَ بدارِ الخُلدِ لو كنتَ تَفهمُ وبِعْتَ نعيمًا لا انقضاءَ له ولا نظيرَ ببخْسٍ عن قليلٍ سيُعْدَمُ
فهلا عكستَ الأمرَ إنْ كنتَ حازمًا، ولكن أضعتَ الحزمَ لو كنتَ تعلَمُ وتهدِمُ ما تَبنِي بكفِّك جاهدًا
فأنتَ مَدى الأيامِ تبنِي وتَهْدِمُ، وعندَ مرادِ الله تفنَى كمَيِّتٍ وعندَ مرادِ النفسِ تُسْدِي وتُلْحِمُ
وعند خِلافِ الأمر تحتَجُّ بالقَضَا، ظهيرًا على الرحمن للجَبْرِ تزْعُمُ، تُنَزِّهُ منكَ النفسَ عن سوء فِعْلِها
وتعتِبُ أقدارَ الإلَهِ وتَظْلِمُ، تُحِلُّ أمورا أحكمَ الشرعُ عَقْدَها، وتقصِدُ ما قد حلَّه الشرْعُ تُبْرِمُ
وتَفهمُ من قولِ الرسولِ خلافَ ما أرادَ لأن القلبَ منك مُعجَّمُ، مطيعٌ لِداعِي الغَيِّ عاصٍ لِرُشْدِهِ
إلى ربِّه يومًا يُرَدُّ ويَعلَمُ، مُضِيعٌ لأمرِ اللهِ قد غشَّ نفسَهُ، مُهينٌ لها أنَّى يُحَبُّ ويُكرَمُ
بطيءٌ عن الطاعاتِ أسرعُ للخَنَا، مِنَ السيلِ في مَجْرَاهُ لا يَتَقَسَّمُ وتَزْعم معْ هذا بأنكَ عارفٌ
كذَبْتَ يقِينًا في الذي أنتَ تزعُمُ، وما أنتَ إلا جاهلٌ ثم ظالمٌ وأنكَ بين الجاهلِينَ مُقَدَّمُ
إذا كان هذا نصحُ عبدٍ لنفسِهِ، فمَنْ ذا الذي منه الهُدَى يُتَعَلَّمُ وفي مثلِ هذا الحالِ قد قال مَن مَضَى
وأحسنَ فيما قالَهُ المتَكلِّمُ، فإنْ كنْتَ لا تدرِي فتلكَ مُصيبةٌ وإنْ كنتَ تَدْرِي فالمصيبةُ أعْظَمُ
ولو تُبْصِرُ الدنيا وراءَ سُتُورِها، رأيتَ خيَالا في منامٍ سَيُصْرَمُ، كحُلمٍ بطيفٍ زار في النوم وانقضَى
المنامُ وراحَ الطيفُ والصبُّ مُغْرَمُ، وظِلٍّ أتتْهُ الشمسُ عند طلوعِها، سَيُقْلَصُ في وقتِ الزوالِ ويَفْصِمُ
ومُزْنَةِ صيفٍ طابَ منها مَقِيلُها، فولَّتْ سرِيعًا والحُرُورُ تَضَرَّمُ ومَطْعَمِ ضيفٍ لذَّ منه مَسَاغُهُ
وبعدَ قليلٍ حالُهُ تلكَ تُعْلَمُ، كَذا هذهِ الدُّنيا كأحلامِ نائمٍ ومِنْ بعدِها دارُ البقاءِ سَتُقْدِمُ
فجُزْها مَمَرًّا لا مقرًّا وكنْ بِها، غريبًا تَعِشْ فيها حمَيِدًا وتَسْلَمُ أو ابنَ سبيلٍ قالَ في ظِلِّ دَوْحَةٍ
وراحَ وخلَّى ظِلَّها يَتَقَسَّمُ، أخا سَفَرٍ لا يستقرُّ قَرارُهُ، إلى أنْ يَرى أوطانَهُ ويُسَلِّمُ
فيا عجبًا ! كمْ مَصْرَعٍ وَعَظَتْ بِهِ، بنِيها ولكنْ عن مَصارعِها عَمُوا، سقتْهمْ كؤوسَ الحُبِّ حَتى إذا نَشَوْا
سقتْهم كؤوسَ السُّمِّ والقومُ نُوَّمُ، و أعجبُ ما في العَبْدِ رؤيةُ هذه العَظائِمِ والمغمورُ فيها مُتَيَّمُ
وما ذاك إلا أنَّ خمرةَ حُبِّها، لَتَسْلِبُ عقلَ المرءِ منه وتَصْلِمُ وأعجبُ مِن ذا أن أحبَابَها الأُلى
تُهينُ ولِلأَعْدَا تُراعِي وتُكْرِمُ، وذلكَ بُرهانٌ على أنّ قدْرَها، جناحُ بعوضٍ أو أدقُّ وآلام
وحَسْبُكَ ما قال الرسولُ مُمَثِّلا، لها ولِدارِ الخُلدِ والحقُّ يُفهَمُ، كما يُدلِيَ الإنسانُ في اليمِّ أُصْبُعًا
ويَنْزِعهُا عنه فما ذاكَ يَغْنَمُ؟ ألا ليتَ شِعْري هلْ أبِيتَنَّ ليلةً، على حَذَرٍ مِنها وأمْريَ مُبْرَمُ
وهلْ أرِدَنْ ماءَ الحياةِ وأرْتَوِي، عَلى ظمأ مِن حوضِهِ وهوَ مُفْعَمُ وهلْ تَبْدُوَنْ أعلامُها بعدَما سَفَتْ
على رَبْعِها تِلكَ السَّوافِي فَتُعْلَمُ وهلْ أفرِشَنْ خدِّي ثَرَى عتَبَاتِهِمْ، خُضُوعًا لَهم كَيْما يَرِقُّوا ويَرْحَمُوا
وهلْ أرْمِيَنْ نفسِي طرِيحًا ببابِهم وطَيْرُ منايا الحبِّ فوقي تُحَوِّمُ، فيا أسفِي تفنَى الحياةُ وتنقضي
وذا العتْبُ باقٍ ما بَقِيتُمْ وعِشْتُمُ، فما منكمُ بُدٌّ ولا عنكم غِنًى ومالِيَ مِن صَبْرٍ فأسْلُوَ عنْكُمُ
ومَن شاءَ فلْيَغْضَبْ سواكُم فلا أذًى، إذا كنتمُ عن عبْدِكُمْ قدْ رَضِيتُمُ وعُقْبَى اصْطِباري فِي هَواكُم حميدةٌ
ولكنها عنكمْ عِقابٌ ومَأثَمُ، وما أنا بالشاكي لما ترتَضونَهُ ولكنَّنِي أرضَى به وأسلم
وحَسْبِي انْتِسابي مِن بُعَيْدٍ إلَيْكُمُ، ألا إنهُ حظٌّ عظيمٌ مُفْخَّمُ، إذا قيلَ هذا عبدُهُم ومُحِبُّهُم
تَهَلَّلَ بِشْرًا وجهُهُ يَتَبَسَّمُ، وها هو قد أبدَى الضراعةَ سائلا، لكمْ بِلِسانِ الحالِ والقالِ مُعْلِمُ
أحِبَّتَهُ عَطْفًا عليهِ فإنهُ، لَفِي ظمأٍ والموردُ العَذْبُ أنْتُمُ، فَيَا ساهِيا في غمْرَةِ الجهلِ والهَوَى
صريعَ الأماني عن قَريبٍ ستَنْدَمُ، أفِقْ قد دَنا الوقتُ الذي ليْس بَعدَهُ، سِوى جنةِ أو حرِّ نار تضرَّمُ
وبالسُّنَّة الغرَّاء كنْ متمسِّكًا، هي العُرْوةُ الوُثقى التي ليْس تُفْصَمُ، تمَسَّكْ بها مَسْكَ البخيلِ بِمالِهِ
وعَضَّ عليها بالنواجِذِ تسْلَمُ، وَدَعْ عنكَ ما قد أحدثَ الناسُ بَعدَها، فمَرْتعُ هاتيكَ الحوادثِ أوْخَمُ
وهَيِّئْ جوابًا عندما تسمعُ النِّدا، مِن اللهِ يومَ العرضِ ماذا أجبْتُمُ؟ بِهِ رُسُلي لَمّا أتوْكُمْ فمَنْ يَكُنْ
أجابَ سِواهمْ سوف يُخْزَى ويَنْدَمُ، وخُذ مِن تُقى الرحمنِ أعظمَ جُنَّةٍ، ليومٍ بِهِ تبدو عَيَانًا جهنمُ
ويُنْصَبُ ذاكَ الجسرُ من فوق مَتْنِها، فهاوٍ ومَخدوشٌ وناجٍ مُسَلَّمُ ويأتي إلَهُ العالمين لِوعْدِهِ
فيفْصِلُ ما بين العبادِ ويَحْكُمُ، ويأخذُ لِلمظلومِ ربُّكَ حَقَّهُ، فيا بُؤْسَ عَبْدٍ للخلائقِ يَظْلِمُ
ويُنْشَر دِيوانُ الحسابِ وتوضعُ الْموازينُ بالقِسط الذي ليس يَظلِمُ، فلا مُجرمٌ يَخشَى ظُلامةَ ذرَّةٍ
ولا مُحسِنٌ مِن أجرِهِ ذاكَ يُهْضَمُ وتشهَدُ أعضاءُ المسيءِ بما جَنَى، كذاكَ على فِيهِ المهيمنُ يَختِمُ
فيا ليت شِعري كيفَ حالكُ عندَما، تطايَرُ كُتبُ العالمينَ وتُقسَمُ، أتأخذُ باليُمنَى كتابَكَ أمْ تَكُنْ
بِأخْرَى وراءَ الظَّهْرِ منكَ تُسَلَّمُ، وتقرأُ فيه كلَّ شيءٍ عمِلْتَهُ، فيُشْرِقُ منكَ الوَجْهُ أو هُوَ يُظْلِمُ
تقولُ كتابِي فاقرؤُوهُ فإنهُ يُبَشِّرُ بالفوزِ العظيمِ ويُعْلِمُ وإنْ تكنِ الأخرى فإنكَ قائلٌ
ألَا ليتنِي لَمْ أوتَهْ فهو مُغْرَمُ، فبادِر إذا ما دام في العمر فُسْحَةٌ وعَدْلُكَ مقبولٌ وصرْفُكَ قيِّمُ
وَجِدَّ وسارِعْ واغتَنِمْ زمَنَ الصِّبا، ففي زمن الإمْكانِ تسْعَى وتَغْنَمُ وسِر مُسْرِعًا فالسَّيْرُ خلفَكَ مُسْرِعًا
وهيهاتَ ما منهُ مَفَرٌّ ومَهْزَمُ، فهُنَّ المنايا أيَّ وادٍ نَزَلْتَهُ، عليها القُدُومُ أو عليكَ ستَقْدمُ
وَمَا ذاكَ إلا غيْرةً أن ينالَها، سِوَى كُفئِها والربُّ بالخَلْقِ أعْلَمُ وإنْ حُجِبَتْ عنَّا بكلِّ كريهةٍ
وحُفَّتْ بما يؤذي النفوسَ ويُؤلِمُ، فَلِلهِ ما في حَشْوِها مِن مَسرَّةٍ وأصنافِ لذَّاتٍ بِها نَتَنَعَّمُ
ولله بَرْدُ العيشِ بينَ خِيامِها، ورَوضاتِها والثغرُ في الروضِ يَبْسُمُ، فَلِلَّهِ واديها الذي هوَ موعدُ
المَزيدِ لِوَفدِ الحُبِّ لو كنتَ مِنهمُ، بِذيَّالِكَ الوادي يَهيمُ صَبابَةً، مُحِبٌّ يرى أن الصَّبابَةَ مغنَمُ
وَلله أفراحُ المُحِبين عندما، يُخاطِبُهُم مِن فوقِهم ويُسَلِّمُ ولله أبصارٌ ترى اللهَ جَهرةً
فلا الضَّيْمُ يَغْشاها ولا هي تَسْأمُ، فيا نَظرةً أهْدَتْ إلى القلب نَضْرَةً، أمِنْ بَعْدِها يَسْلو المحُبُّ المتيَّمُ
ولله كمْ مِن خَيْرَةٍ لو تَبَسَّمَتْ، أضاءَ لَها نورٌ مِن الفَجْرِ أعظَمُ، فيَا لذةَ الأبْصارِ إنْ هِيَ أقبَلَتْ
ويا لذَّةَ الأسْماعِ حينَ تَكَلَّمُ، ويا خَجْلَةَ الغُصْنِ الرطيبِ إذا انْثَنَتْ ويا خَجْلَةَ البَحرَيْنِ حين تَبَسَّمُ
فإن كنتَ ذا قلبٍ عليلٍ بِحُبِّها، فلم يبقَ إلا وصْلُها لكَ مَرْهَمٌ ولا سِيَّما في لَثْمِها عندَ ضمِّها
وقد صارَ منها تحتَ جيدِكَ مِعْصَمُ، يَراها إذا أبْدَتْ لهُ حُسْنَ وجْهها، يلذُّ بِها قبلَ الوِصالِ ويَنْعَمُ
تفَكَّهُ منها العينُ عند اجتِلائِها، فواكهَ شتَّى طلعُها ليس يُعْدَمُ، عناقِدَ مِن كرْمٍ وتُفّاحَ جنَّةٍ
ورُمانَ أغْصانٍ بِها القلبُ مُغْرَمُ، ولِلوَرْدِ ما قدْ ألْبَسَتْهُ خُدودها ولِلخَمْرِ ما قد ضمَّهُ الرِّيقُ والفَمُ
تَقَسَّمَ منها الحُسْنُ في جَمْعِ واحِدٍ، فيَا عَجَبًا مِن واحِدٍ يَتَقَسَّمُ، تُذكِّرُ بالرحمنِ مَن هو ناظرٌ
بجملتِها أنَّ السُّلُوَّ مُحَرَّمُ، لَها فِرَقٌ شَتَّى مِنَ الحُسْنِ أُجْمِعَتْ، فينطِقُ بالتَّسبيحِ لا يَتَلَعْثَمُ
إذا قابلتْ جيشَ الهُمومِ بِوجْهها، تولىَّ على أعقابِه الجيشُ يُهْزَمُ ولَمّا جرَى ماءُ الشبابِ بِغُصْنِها
تَيَقَنّ حقًّا أنَّهُ ليسَ يُهْزَمُ، فيَا خاطبَ الحسْناءِ إنْ كُنْتَ راغِبًا، فهذا زمانُ المَهْرِ فهو المقدَّمُ
وكنْ مُبْغِضًا للخائناتِ لحبِّها، فتحظى بِها مِن دونِهنَّ وتنعمُ وكنْ أيّمًا مما سواها فإنها
لِمثلكَ في جناتِ عدن تأيّمُ، وصمْ يومَك الأدْنى لعلكَ في غدٍ، تفوزُ بِعِيدِ الفِطْرِ والناسُ صُوَّمُ
وأقدِمْ ولا تقْنَعْ بعَيْشٍ مُنَغَّصٍ، فما فازَ باللذاتِ مَن ليس يقدمُ وإن ضاقتِ الدنيا عليكَ بأسرِها
ولم يكُ فيها منزلٌ لكَ يُعلَمُ، فحيَّ على جناتِ عدْنٍ فإنَّها منازلكَ الأولى وفيها المخيَّمُ
ولكننا سَبْيُ العدوِّ فهل ترى، نعودُ إلى أوطانِنا ونسلَّمُ وقد زعموا أن الغريبَ إذا نأى
وشطَّتْ به أوطانُه فهو مؤلم، وأيُّ اغترابٍ فوق غربَتِنا التي لها أضحتِ الأعداءُ فينا تَحَكَّمُ
وحيَّ على روضاتِها وخيامِها، وحيَّ على عيشٍ بها ليسَ يُسْأمُ، وحيَّ على السوقِ الذي فيه يلتقِي
المُحِبُّون ذاكَ السوق للقومِ يُعلَمُ، فما شئتَ خذْ منه بلا ثمنٍ له، فقد أسلفَ التجار فيه وأسلمُوا
وحيَّ على يومِ المزيدِ الذي به، زيارةُ ربِّ العرشِ فاليوم موسِمُ وحيّ على وادٍ هنالكَ أفْيَح
وتُرْبَتُهُ مِن أذفرِ المِسكِ أعظَمُ، منابر مِن نورٍ هناك وفضةٍ ومن خالِصِ العِقْيانِ لا تتفصَّمُ
ومِنْ حوْلِها كثبانُ مِسْكٍ مقاعدٌ، لمِن دونهم هذا العطاءُ المفخَّمُ، يرونَ به الرحمنَ جلَّ جلالُه
كرؤيةِ بدرِ التَّمِّ لا يُتَوَهَّمُ، وكالشمسِ صحْوًا ليس مِن دون أفْقِها، سحابٌ ولا غيمٌ هناكَ يغيّمُ
فبينا همُ في عيشِهِم وسرورِهم، وأرزاقُهُم تجرى عليهِمْ وتُقْسَمُ، إذا همْ بنور ساطعٍ قد بدا لهمْ
سلامٌ عليكم طبْتُم ونَعِمْتُمُ، سلامٌ عليكمْ يَسمعونَ جميعُهُم، بآذانِهم تسليمُهُ إذْ يُسَلِّمُ
يقولُ : سلوني ما اشْتَهَيْتُمْ فكلُّ ما تُريدون عِندي إنني أنا أرْحَمُ، فقالوا جميعًا نحن نسألكَ الرِّضا
فأنتَ الذي تُولي الجميلَ وتَرْحَمُ، فيُعطيهمُ هذا ويُشهِدُ جَمْعَهمْ، عليهِ تعالى اللهُ فاللهُ أكرمُ
فَبِاللهِ ما عُذْرُ امرئٍ هو مؤمنٌ، بِهذا ولا يَسعى له ويقدّمُ ؟؟ ولكنما التوفيقُ بالله إنَّهُ
يَخصُّ به مَنْ شاءَ فضلا ويُنْعِمُ، فيا بائِعًا هذا بِبَخْسٍ مُعَجَّلٍ، كأنكَ لا تدري بل سوفَ تَعْلَمُ
نهاية المطاف، فقدِّمْ فدَتْكَ النفسُ نفسَكَ إنَّها، هي الثمنُ المَبْذولُ حين تُسَلّمُ
وخضْ غَمَراتِ الموتِ وأرق معارجَ الْمحبَّةِ في مرضاتِهم تتسَنَّمُ وسلِّمْ لَهُم ما عاقَدُوكَ عليهِ إنْ
تُرِدْ منهُمُ أن يَبْذُلُوا ويُسَلِّمُوا، فما ظفرتْ بالوصْلِ نفسٌ مَهِينَةٌ ولا فازَ عبْدٌ بالبَطالَةِ يَنْعَمُ
وإنْ تكُ قد عاقَتْكَ سُعْدَى فقَلْبُكَ الْمُعَنَّى رهينٌ في يَدَيْها مُسَلَّمُ وقد ساعدتْ بالوصل غيرَكَ فَالهوى
لها مِنْكَ والواشِي بِها يَتَنَعَّمُ، فدَعْها وسَلِّ النفسَ عنها بِجَنَّةٍ، من العِلم في روضاتِها الحقّ يَبسُمُ
وقد ذُلِّلَتْ منها القُطُوفُ فمَنْ يُرِدْ، جَناها يَنَلْهُ كيف شاءَ ويَطْعَمُ وقد فُتِحَتْ أبْوابُها وتَزَيَّنَتْ
لِخُطّابِها فالحسْنُ فيها مُقسّمُ وقدْ طابَ منها نُزْلُها ونَزيلُها، فطوبَى لِمَنْ حلُّوا بِها وتنَعَّمُوا
أقامَ على أبوابِها داعِي الهُدَى، هَلُمُّوا إلى دارِ السّعادةِ تَغْنَمُوا وقد غرسَ الرحمنُ فيها غِراسَهُ
مِن الناسِ والرحمنُ بالخَلْقِ أعْلَمُ، ومَن يَغْرِسِ الرحمنُ فيها فإنَّه سعيدٌ وإلا فالشَّقاءُ مُحَتَّمُ
قصيدة حكم المحبة ثابت الأركان
حُكمُ المَحَبَّةِ ثَابتُ الأركَانِ، مَا للصُّدُودِ بِفَسخِ ذَاكَ يَدَانِ، أنَّى وَقَاضِي الحُسنِ نفَّذ حُكمَها
فَلِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ الخَصمانِ وَأتَت شُهُودُ الوَصلِ تَشهَدُ أنه حَقًّا جَرَى في مَجلسِ الإِحسانِ
فتأكَّدَ الحُكمُ العزيزُ فَلَم تَجِد، فَسخُ الوُشَاةِ إلَيهِ مِن سُلطَانِ وَلأجلِ ذَا حُكمُ العَذُولِ تَدَاعت
الأركانُ مِنهُ فَخَرَّ للأذقَانِ، وأتى الوُشاةُ فَصَادَفُوا الحُكمَ الذِي حَكَمُوا به مُتَيَقَّنَ البُطلانِ
ما صَادَفَ الحُكمُ المَحَلَّ وَلا هُوَ استَوفَى الشُروطَ فَصَارَ ذا بُطلاَن، فَلِذَاكَ قَاضِي الحُسنِ أَثبَتَ مَحضَراً
بِفسَادِ حُكمِ الهَجرِ والسُّلوانِ، وَحكَى لَكَ الحُكمَ المُحالَ وَنَقضَهُ، فاسمع إذاً يا مَن لَهُ أُذُنَانِ
حُكمُ الوُشَاةِ بِغيرِ مَا بُرهَانِ، إنَّ المحبَّةَ والصُدُودَ لِدَانِ وَاللهِ ما هذَا بِحُكمٍ مُقسِطٍ، أينَ الغَرامُ وصَدُّ ذِي هِجرَان
شتَّان بين الحالتَينِ فَإِن تُرِد، جَمعاً فما الضِّدَّانِ يَجتَمعَانِ، يَا وَالِهاً هَانَت عَلَيهِ نَفسُهُ، إذ بَاعَهَا غَبناً بِكُلِّ هَوَان
أتَبِيعُ مَن تَهواهُ نَفسُك طِائِعاً، بالصَّدِّ والتَّعذيبِ والهِجرَانِ، أجَهِلتَ أوصَافَ المبِيعِ وقَدرَهُ
أم كُنتَ ذا جَهلٍ بِذِي الأثمَانِ، وَاهاً لِقَلبٍ لا يُفَارِقُ طَيرُه الأغصَانَ قَائِمةً عَلى الكُثبَان وَيَظَلُّ يَسجَعُ فوقَهَا وَلِغَيرِهِ
مِنهَا الثِّمَارُ وكُلُّ قِطفٍ دَانِ، ويبيتُ يَبكِي والمواصِل ضَاحِكٌ وَيَظَلُّ يشكُو وهو ذُو هجرانِ، هَذا وَلَو أنَّ الجَمَالَ مَعلَّقٌ
بالنَّجمِ هَمَّ إليهِ بالطَّيرانِ، لِلَّهِ زائِرَةٌ بِلَيلٍ لَم تَخَف، عَسَسَ الاميرِ وَمَرصَدَ السَّجَانِ، قَطَعَت بِلادَ الشَّامِ ثُمَّ تَيمَّمَت
مِن أرضِ طَيبَةَ مَطلعَ الإِيمان، وأتَت على وادي العَقيقِ فجاوزت، مِيقَاتَهُ حِلاًّ بِلا نُكرانِ
وَأتَت على وَادِي الأرَاكِ وَلَم يَكُن، قَصداً لَها فألاً بِأن سَتَرانِي، وأتَت عَلى عَرفَاتِ ثُمَّ مُحَسِّرٍ
وَمِنًى فَكَم نَحَرَته من قُربَانِ، وأتَت عَلى الجَمَراتِ ثُمَّ تَيمَّمَت، ذاتَ السُّتُورِ وَرَبةَ الأركَانِ
هَذَا وما طَافَت ولا استَلمت ولا رَمَتِ الجمارَ ولا سَعت لِقِرَانِ، وَرَقَت على أعلَى الصَّفَا فَتَيمَّمَت
دَاراً هنالِكَ لِلمُحِبِّ العَانِي، أتَرَى الدَّلِيلَ أعَارَهَا أثوَابَهُ والرِّيحَ أعطَتها مِنَ الخَفَقَانِ
واللهِ لَو أنَّ الدَّلِيلَ مَكَانَها، ما كانَ ذلِك مِنهُ في إمكان، هذا وَلو سَارَت مِسِيرَ الريحِ مَا
وصَلَت بِه لَيلاً إلى نُعمَانِ، سَارَت وَكان دَليلُها في سَيرِها، سَعدَ السُّعُودِ وَلَيسَ بِالدَّبَرَانِ
وَرَدَت جِفَارَ الدَّمعِ وَهي غَزِيرَةٌ، فَلِذَاك ما احتَاجَت وُرُودَ الضَّانِ وَعَلت عَلى مَتنِ الهَوَى وتزودَت
ذِكرَ الحبيبِ وَوَصلَهُ المَتدَانِ وَعَدَت بِزَورَتِها فَأوفَت بِالذي وعَدَت وَكَانَ بمُلتَقَى الأجفَانِ
لَم يَفجَأِ المُشتَاقَ إلا وَهي داخِلةُ السُّتُورِ بِغَيرِ مَا استئِذَانِ، قَالَت وَقَد كَشَفَت نِقابَ الحُسن ما
بالصَّبرِ لي عَن أن أرَاكَ يَدانِ، وَتَحدَّثَت عِندِي حَديثاً خِلتُه، صِدقاً وَقَد كَذَبَت بِه العينانِ
فَعجِبتُ مِنهُ وقُلتُ من فَرحِي بِه، طَمَعاً ولكنَّ المَنَامَ دَهَانِي، إن كًنتِ كَاذبَةَ الذي حَدَّثتِني
فَعلَيكَ إثمُ الكَاذِبِ الفَتَّانِ، جَهمِ بنِ صفوانٍ وشِيعَتِهِ الأُلَى، جَحَدُوا صِفاتِ الخالِقِ الديَّانِ
بل عَطَّلوا مِنهُ السَّمواتِ العُلَى، والعَرشَ أخلَوهُ مِنَ الرحمن ونَفَوا كَلامَ الرَّبِّ جَلَّ جَلاَلُهُ
وَقَضَوا لَهُ بالخَلقِ والحِدثَانِ، قالوا وليس لِرَبِّنَا سَمعٌ وَلاَ بَصَرٌ وَلاَ وَجهٌ فَكَيفَ يدان
وكذاك لَيسَ لربّنَا مِن قُدرةٍ، وَإرَادَةٍ أو رحمَةٍ وَحَنَانٍ، كلاَّ ولا وَصفٌ يقومُ به سِوَى
ذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ بِغَيرِ معانِ، وحياتهُ هي نفسُه وكَلاَمُه، هوَ غيرُه فاعجَب لِذَا البُهتَانِ
وكَذاكَ قَالُوا مَا لَهُ مِن خَلقِه، أحَدٌ يَكُونُ خَلِيلَهُ النَّفسَانِ وخَليلُهُ المُحتَاجُ عِندهُمُ وفي
ذَا الوصفِ يدخُلُ عابدُو الأوثانِ، فَالكُلُّ مفتقرٌ إليه لذاتِه، في أسرِ قَبضتِهِ ذَليلٌ عَانِ
وَلأجلِ ذَا ضَحَّى بجعدٍ خالدُ القَسرِيُّ يَومَ ذَبائِحِ القُربَانِ، إذ قَالَ إبرَاهِيمُ ليسَ خِليلَهُ
كلا ولا مُوسى الكليمَ الداني، شكَرَ الضَّحِيَّةَ كُلُّ صاحِبِ سُنَّةٍ، للهِ درُّكَ مِن أخِي قُربَانِ
وَالعبدُ عندهُمُ فَليسَ بِفَاعلٍ، بَل فعلُهُ كَتَحرُّكِ الرَّجفَانِ وهَبُوبِ ريحٍ أو تحرُّكِ نائمٍ
وتحرُّكِ الأشجَارِ للمَيَلاَنِ، واللهُ يُصليهِ على مَا لَيس مِن أفعالِهِ حَرَّ الحَمِيمِ الآنِ
لَكِن يُعاقِبُهُ على أفعَالِهِ، فيهِ تعالَى اللهُ ذُو الإِحسَانِ والظُّلمُ عِندَهُمُ المحالُ لذاتِهِ
أنيَّ ينزَّه عَنهُ ذُو السُّلَطانِ، ويكونُ مَدحاً ذَلِكَ التنزيهُ ما هَذا بِمَعقولٍ لِذِي الأذهَانِ
وَكَذاكَ قالُوا مَا لَهُ مِن حِكمَةٍ، هي غَايَةٌ للأمرِ والإتقَانِ، ما ثَمَّ غيرُ مَشِيئةٍ قد رَجَّحَت
مِثلاً على مِثلِ بِلاَ رُجحَانِ، هَذا وَمَا تِلكَ المَشِيئةُ وَصفَهُ، بَل ذَاتُه أو فِعلُهُ قَولاَنِ
وكلامُهُ مُذ كَانَ غَيراً كَانَ مَخ، لُوقاً لَهُ مِن جُملَةِ الأكوَانِ، قَالُوا وإقرَارُ العِبَادِ بِأنَّه
خلاَّقُهُم هُوَ مُنتهَى الإيمَانِ، والناسُ في الإِيمانِ شيءٌ واحدٌ، كالمِشطِ عِندَ تَماثُلِ الأسنَانِ
فاسأل أبا جَهلٍ وشيعتَهُ وَمَن وَالأهُمُ مِن عَابِدِي الأوثَانِ، وسَلِ اليهُودَ وكُلَّ أقلَفَ مُشرِكٍ
عَبدَ المَسيحَ مُقَبِّلَ الصُّلبَانِ، وَاسأل ثَمُودَ وعادَ بل سَل قَبلَهُم، أعدَاءَ نُوحٍ أُمَّةَ الطُّوفَانِ
واسأل أبَا الجنِّ اللعينَ أتعرفُ الخَلاَّقَ م أصبَحتَ ذَا نُكرَانِ وَاسأل شِرارَ الخلقِ أعني أُمَّةً
لُوطِيَّةً همُ ناكِحُو الذُّكرَانِ، وَاسأل كَذَاكَ إمَامَ كُلِّ مُعطَّلٍ، فِرعَونَ مَع قَارُونَ مَع هَامَانِ
هل كانَ فيهِم مُنكرٌ للخالِقِ الرَّبِّ العظيمِ مكوِّن الأكوانِ، فليَبشِرُوا ما فيهِمُ مِن كافِرٍ
هُم عندَ جَهمٍ كَامِل الإِيمانِ، وَقَضَى بِأنَّ اللهَ كَانَ مُعطَّلاً، والفِعلُ مُمتنِعٌ بلا إمكان
ثُمَّ استَحَالَ وَصَارَ مَقدُوراً لَهُ، مِن غَيرِ أمرٍ قَامَ بالدَّيَّانِ، بَل حَالُهُ سُبحَانَه في ذَاتِه
قَبلَ الحُدوثِ وَبَعدَهُ سِيَّانِ، وَقَضَى بِأنَّ النَّارَ لَم تُخلَق وَلاَ جَنَّاتُ عَدنٍ بَل هُمَا عَدَمَانِ
فَإذَا هُمَا خُلِقَا ليومِ مَعَادِنَا، فَهُمَا عَلى الأوقَاتِ فَانِيَتَانِ وَتلَطَّفَ العَلاّفُ مِن أتبَاعِه
فَأتى بِضِحكَةِ جَاهِلٍ مَجَّانِ، قالَ الفَنَاءُ يكونُ في الحركَاتِ لا، في الذَّاتِ وَاعجَباً لِذَا الهذَيانِ
أيَصيرُ أهلُ الخُلدِ في جَنَّاتهم، وجَحِيمِهِم كحِجَارَةِ البُنيَانِ، ما حَالُ مَن قَد كَانَ يَغشَى أهلَه
عِندَ انقضاءِ تحرُّكِ الحَيَوانِ، وكذاكَ مَا حَالُ الذي رَفَعَت يدَاهُ أكلَةً مِن صَفحَةِ وخِوَانِ
فَتَنَاهَتِ الحركَاتُ قَبلَ وصُولِها، لِلفَمِّ عِندَ تفتُّح الأسنَانِ وكذاكَ مَا حَالُ الذِي امتدَّت يَدٌ
مِنهُ إلى قِنوٍ مِن القِنوانِ، فَتنَاهَتِ الحَرَكاتُ قَبلَ الأخذِ هَل، يَبقَى كَذلِكَ سَائِرَ الأزمَانِ
تَبًّا لهَاتِيكَ العُقُولِ فَإنها واللهِ قَد مُسِخَت على الأبدَانِ تَبًّا لمِن أضحَى يُقَدِّمُهَا على
الآثارِ والأخبَارِ والقُرآنِ، وَقَضَى بِأنَّ اللهَ يَجعَلُ خَلقَهُ، عَدَماً ويقلِبُهُ وُجُوداً ثانِ
العَرشُ والكُرسِيُّ والأرواحُ والأملاكُ والأفلاكُ والقَمَرَانِ والأرضُ والبَحرُ المحيطُ وسائِر
الأكوَانِ مِن عَرَضٍ وَمِن جُثمَانِ، كُلٌّ سَيُفنِيهِ الفنَاءَ المَحضَ لا يَبقَى لَهُ أثَرٌ كَظِلٍّ فَانِ
ويُعِيدُ ذَا المَعدُومَ أيضاً ثانياً، مَحضَ الوجودِ إعَادَةً بِزَمَانِ، هذا المعادُ وَذلِكَ المبدأ لَدَى
جَهمٍ وقد نَسَبُوه للقرآنِ، هَذا الذِي قَأدَ ابنَ سينَا والألَى، قَالُوا مَقَالَتَه إلى الكُفرَانِ
لَم تَقبَلِ الأذهانُ ذَا وتَوهَّمُوا، أنَّ الرَّسُولَ عَنَاهُ بِالإِيمانِ، هَذا كِتابُ اللهِ أنَّى قَالَ ذَا
أو عَبدُهُ المبعُوث بالبُرهَان، أو صَحبُه مِن بعدِهِ أو تَابِعٌ، لَهمُ عَلى الإِيمانِ والإِحسَانِ
بَل صَرَّحَ الوحيُ المبينُ بأنهُ حقًّا عَلى الإِيمانِ والإحسَانِ، بَل صَحبُه من بعدِه أو تَابشعٌ
لَهُم عَلى الإِيمانِ والإحسَانِ، بَل صَرَّحَ الوحيُ المبينُ بأنهُ حقًّا مُغَيِّرُ هَذه الأكوَانِ
فَيَبَدِّلُ اللهُ السَّمواتِ العُلَى، والأرضَ أيضاً ذَاتَ تَبديلانِ وهمَا كَتَبديلِ الجُلودِ لِسَاكِني النِّ
يرانِ عِندَ النُّضجِ مِن نِيرَانِ، وَكَذَاكَ يَقبِضُ أرضَهُ وَسَمَاءَهُ، بِيدَيهِ مَا العَدَمَانِ مقبُوضَانِ
وتُحدِّثُ الأرضُ التي كُنَّا بِهَا، أخبَارَها في الحَشرِ للرَّحمنِ وتَظَلُّ تَشهَدُ وَهيَ عَدلٌ بِالذِي
مِن فَوقِهَا قَد أحدَثَ الثَّقَلاَنِ، أفيِشهَدُ العَدَمُ الذِي هُوَ كاسمِهِ، لا شيءَ هذا لَيسَ في الإِمكَانِ
لَكِن تُسَوَّى ثُمَّ تُبسَطُ ثُمَّ تَشهَدُ ثم تُبدَل وَهِي ذَاتُ كِيانِ وتُمدُّ أيضا مِثلَ مَدِّأدِيمِنَا
مِن غيرِ أودِيَةٍ ولا كُثبَانِ، وَتقيءُ يَومَ العَرضِ مِن أكبَادِهَا، كَالأُسطُوَانِ نَفائِسَ الأثمَانِ
كُلُّ يَرَاهُ بِعَينِهِ وعِيَانِهِ، مَا لامرئ بِالأخذِ مِنه يَدَانِ وَكَذا الجبالُ تُفَتُّ فَتًّا مُحكَماً
فَتَعُودُ مِثلَ الرَّملِ ذِي الكُثبَانِ، وتَكُونُ كالعِهنِ الَّذِي ألوَانُه وصِبَاغُهُ مِن سائِرِ الألوَانِ
وَتُبَسُّ بَسًّا مِثلَ ذَاكَ فَتنثَنِي، مِثلَ الهَبَاءِ لِنَاظِر الإنسَانِ وَكَذا البِحَارُ فَإِنَّهَا مسجورَةٌ
قَد فُجِّرَت تَفجِيرَ ذِي سُلطَانِ، وكذَلِك القَمَرَانِ يَأذَنُ رَبُّنَا، لَهُمَا فيجتَمِعَانِ يَلتَقِيَانِ
هَذِي مُكوَّرَةٌ وَهَذا خَاسِفٌ، وكِلاَهُمَا في النَّارِ مَطروحَانِ وَكَوَاكِبُ الأفلاَكِ تُنثَرُ كُلَّهَا
كلآلِىءٍ نُثِرَت عَلَى مَيدَانِ، وَكَذا السَّمَاءُ تُشَقُّ شَقًّا ظَاهِراً وَتَمورُ أيضاً أيَّمَا مَوَرَانِ
وتصيرُ بَعدَ الانشِقَاقِ كَمِثلِ هَذَا المُهلِ أو تَكُ وردةً كَدِهَانِ والعَرشُ وَالكُرسيُّ لا يُفنِيهمَا
أيضاً وَإنَّهُمَا لَمخلُوقَانِ، والحورُ لا تَفنَى كَذلِكَ جَنَّةُ المأوَى وَمَا فِيهَا مِنَ الوِلدَانِ
ولأجلِ هَذَا قالَ جَهمٌ إنَّهَا عدَمٌ وَلَم تُخلَق إلَى ذَا الآنِ والأنبِياءُ فَإنَّهُم تَحتَ الثَّرَى
أجسَامُهُم حُفِظَت مِن الدِّيدَانِ، ما للبَلى بِلُحُومِهِم وجُسومِهِم، أبَداً وَهُم تَحتَ التُّرَابِ يَدَانِ
وَكذاكَ عَجبُ الظَّهرِ لاَ يبلَى بَلَى، مِنهُ تُرَكَّبُ خِلقَةُ الإنسَانِ وَكَذلِكَ الأروَاحُ لاَ تَبلَى كَمَا
تَبلَى الجُسُومُ وَلاَ بِلَى اللَّحمَانِ، وَلأجلِ ذَلِكَ لم يُقِرَّ الجَهمُ بالأروَاحِ خَارِجَةً عَنِ الأبدَانِ
لَكِنَّهَا مِن بَعضِ أعرَاضٍ بِهَا، قَامَت وَذَا في غَايَةِ البُطلاَنِ، فالشَّأنُ للأرواحِ بَعدَ فراقِهَا
أبدَانَها وَاللهِ أعظَمُ شأن، إمَّا عذَابٌ أو نَعِيمٌ دَائِمٌ، قَد نُعِّمت بِالرَّوحِ والرَّيحَانِ
وتصيرُ طيراً سَارِحاً مَع شكلِهَا، تجني الثِّمارَ بِجَنَّةِ الحَيَوانِ وَتَظَلُّ وَاردَةً لأنهَارٍ بِها
حَتَّى تَعُودَ لِذَلِكَ الجثمَانِ، لَكِنَّ أرواحَ الذينَ استُشهِدُوا، فِي جَوفِ طَيرٍ أخضَرٍ رَيَّانِ
فلهُم بذَاكَ مزيَّةٌ في عَيشِهِم، ونَعِيمِهِم لِلرُّوحِ والأبدَانِ، بَذَلُوا الجُسُومَ لربِّهِم فأعَاضَهُم
أجسَامَ تلكَ الطَّيرِ بالإحسَانِ، وَلَهَا قَنَادِيلٌ إليهَا تَنتَهِي، مَأوَى لَهَا كَمَسَاكِنِ الإِنسَانِ
فالرُّوحُ بَعدَ الموتِ أكمَلُ حَالَةٍ، منهَا بِهَذِي الدَّارِ في جُثمَانِ وَعذَابُ أشقَاهَا أشدُّ مِنَ الذِي
قد عَاينَت أبصَارُهَا بِعِيَانِ، والقَائِلُونَ بِأنَّهَا عَرَضٌ أبَو اذَا كُلَّهُ تَبًّا لِذِي نُكرانِ
وإذَا أرَادَ اللهُ إخرَاجَ الوَرَى، بَعدَ المَمَاتِ إِلى المَعَادِ الثَّانِي، ألقَى عَلَى الأرضِ التي هُم تحتها
واللهُ مُقتَدِرٌ وذُو سُلطَانِ، مَطَراً غَليظاً أبيضاً مُتَتَابِعاً، عَشراً وَعَشراً بَعدَهَا عَشرَانِ
فَتَظَلُّ تَنبُتُ منهُ أجسَامُ الوَرَى، وَلُحُومُهُم كَمَنَابِتِ الرَّيحَانِ، حَتَّى إذَا ما الأمُّ حَانَ وِلاَدُهَا
وتمخَّضَت فَنِفَاسُهَا مُتَدَانِ، أوحَى لَهَا ربُّ السَّما فتَشقَّقَت، فَبَدَا الجَنِينُ كَأكمَلِ الشُّبَّانِ
وتخلَّتِ الأمُّ الوَلُودُ وأخرَجَت، أثقَالَها أنثَى ومِن ذُكرَانِ واللهُ ينشئ خَلقَهُ في نَشأةٍ
أُخرَى كَمَا قَد قَالَ في القرآنِ، هَذا الَّذِي جَاءَ الكتابُ وسنةُ الهَادِي بهِ فاحرِص عَلَى الإِيمَانِ
ما قَالَ إنَّ اللهَ يُعدِمُ خَلقَهُ، طُرّاً كقولِ الجاهلِ الحَيرَانِ، وَقَضَى بِأنَّ الله لَيسَ بفاعِلٍ
فِعلاً يَقومُ بِه بِلاَ بُرهَانِ، بَل فِعلُه المَفعُولُ خَارِجُ ذَاتِهِ، كَالوَصفِ غَير الذَّاتِ في الحُسبانِ
والجبرُ مَذهبُهُ الذِي قرَّت بهِ، عَينُ العُصَاةِ وشِيعةُ الشَّيطانِ، كانُوا عَلَى وَجَلٍ مِنَ العِصيانِ إذ
هُوَ فِعلهُم والذَّنبُ للإِنسَانِ، واللَّومُ لا يعدُوه إذ هُوَ فَاعِلٌ، بإرَادةٍ وَبِقَدرَةِ الحَيوَانِ
فَأراحَهُم جَهمٌ وَشِيعتُهُ مِنَ اللومِ العَنِيفِ وَما قَضوا بِأمَانِ، لكنَّهم حَمَلوا ذُنُوبَهُمُ عَلَى
ربِّ العِبَادِ بِعِزَّةٍ وأمَانِ، وتبرَّؤوا مِنهَا وقالُوا إنَّهَا أفعالُهُ مَا حِيلَةُ الإنسَانِ
مَا كَلَّفَ الجبَّارُ نَفساً وُسعَها، أنَّى وقَد جُبِرَت عَلَى العِصيَانِ وَكَذا عَلَى الطَّاعَاتِ أيضاً قَد غَدَت
مَجبُورةً فَلَهَا إذاً جَبرَانِ، وَالعَبدُ في التَّحقيقِ شِبهُ نَعَامَةٍ، قَد كُلِّفَت بِالحَملِ وَالطَّيرانِ
إذ كَانَ صُورَتَها تَدُلُّ عَلَيهِمَا، هَذَا ولَيسَ لَهَا بِذَاكَ يَدَان، فلِذَاكَ قَالَ بِأنَّ طَاعَاتِ الوَرَى
وكذَاكَ ما فَعلُوهُ مِن عِصيَانِ، هِيَ عَينُ فِعلِ الرَّبِّ لا أفعَالُهُم، فَيَصِحُّ عَنهُم عِندَ ذَا نَفيَانِ
نَفيٌ لِقُدرتِهِم عَلَيهَا أوَّلاً، وصُدورِهَا مِنهُم بِنَفيٍ ثَانِ، فَيُقَالُ ما صَامُوا ولاَ صَلَّوا وَلاَ
زَكَّوا ولا ذَبَحُوا مِنَ القُربَانِ، وكَذاكَ مَا شَرِبُوا وما قَتَلُوا ومَا سَرَقُوا ولا فِيهِم غَوِيٌّ زانِ
وَكذاكَ لَم يأتُوا اختيَاراً مِنهُمُ، بالكُفر والإِسلاَم والإِيمَانِ، إلاَّ عَلَى وَجهِ المَجَازِ لأنَّهَا
قَامَت بِهِم كالطَّعمِ والألوَانِ، جُبِرُوا عَلَى ما شَاءَهُ خَلاَّقُهم، مَا ثَمَّ ذُو عَونٍ وَغَيرُ مُعانِ
والكُلُّ مَجبُورٌ وغَيرُ مُيَسَّرٍ، كَالمَيتش أُدرِجَ دَاخِلَ الأكفَانِ، وكذَاكَ أفعالُ المُهَيمنِ لَم تَقُم
أيضاً بِهِ خَوفاً مِنَ الحَدَثَانِ، فَإِذا جَمَعتَ مَقَالَتَيهِ أنتَجَا، كَذِباً وزُوراً واضِحَ البُهتَانِ
إذ لَيسَتِ الأفعَالُ فِعلَ إلَهِنَا، والرَّبُّ لَيسَ بِفَاعِلِ العِصيَانِ، فَإذَا انتَفَت صِفَةُ الإِلهِ وَفِعلُهُ
وَكَلاَمُهُ وَفَعائِل الإِنسَانِ، فهُنَاكَ لا خَلقٌ وَلا أمرٌ وَلاَ وَحيٌ ولاَ تَكلِيفُ عَبدٍ فَانِ
وَقَضَى عَلى أسمائِهِ بِحُدُوثِهَا، وبِخَلقهَا مِن جُملَةِ الأكوانِ، فانظُر إلى تَعطيلِهِ الأوصَافَ
والأفعَالَ والأسمَاءَ للرَّحمنِ، مَاذَا الذِي في ضِمن ذَا التعطِيلِ مِن نَفيٍ وَمِن جَحدٍ وَمِن كُفرَانِ
لَكِنَّه أبدَى المَقَالَةَ هَكَذَا، في قَالَبِ التنزيهِ للرَّحمَنِ وأتى إلى الكُفرِ العَظِيمِ فَصَاغَهُ
عِجلاً لِيَفتِنَ أمَّةَ الثِّيرَانِ، وَكَسَاهُ أنوَاعَ الجواهِرِ والحُلَى، مِن لُؤلُؤٍ صَافٍ وَمِن عِقيَانِ
فَرَآه ثيرانُ الوَرَى فَأصَابَهُم، كَمُصَابِ إخوَتِهِم قَدِيمَ زَمَانِ، عِجلاَنِ قَد فَتَنا العِبَادَ بصوتِهِ
إحدَاهُمَا وَبِحَرفِهِ ذَا الثَّانِي، وَالنَّاسُ أكثرُهُم فَأهلُ ظَوَاهِرٍ، تَبدُو لَهُم ليسُوا بِأهلِ مَعَانِ
فَهُمُ القشُورُ وَبالقُشُورِ قِوَامُهُم، وَاللُّبُّ حَظُّ خُلاَصَةِ الإِنسَانِ وَلِذَا تَقَسَّمَتِ الطَوائِفُ قَولَهُ
وتوارَثُوه إرثَ ذِي السُّهمَانِ، لَم يَنجُ مِن أقوَالِه طُرًّا سِوَى، أهلِ الحَدِيثِ وَشِيعَةِ القرآنِ
فَتَبَرؤوا منهَا بَراءةَ حَيدَرٍ، وَبراءَةَ المولُودِ مِن عِمرَانِ، مِن كُلِّ شِيعِيٍّ خَبِيثٍ وَصفُهُ
وَصفُ اليهُودِ مُحَلِّلِي الحِيتَانِ، يا أيُّهَا الرَّجُلُ المرِيدُ نَجَاتَهُ، اسمَع مَقَالَةَ نَاصِحٍ مِعوَانِ
كُن في أمُورِكَ كُلِّها مُتمسِّكاً، بالوحيِ لا بزخارِفِ الهذَيَانِ ٍوانصُر كتَابَ اللهِ والسُّنَن الَّتي
جَاءَت عَنِ المبعُوثِ بالفُرقَانِ، واضرِب بِسَيفِ الوحي كُلَّ مُعَطِّلٍ، ضَربَ المجاهِدِ فَوقَ كُلِّ بَنَانِ
واحمِل بعزمِ الصِّدق حَملَةَ مُخُلِصٍ، مُتَجَرِّدٍ للَّهِ غَيرِ جَبَانِ واثبُت بِصَبرِكَ تَحتَ ألوِيةِ الهُدَى
فَإذَا أصِبتَ فَفِي رِضَا الرَّحمنِ، واجعَل كِتَابَ اللهِ والسُّنَنَ الَّتِي ثَبَتَت سِلاَحَكَ ثُمَّ صِح بِجَنَانِ
مَن ذَا يُبَارِز فليقدِّم نَفسَهُ، أو مَن يسَابِق يَبدُ في الميدَانِ وَاصدَع بِمَا قَالَ الرَّسُولُ ولا تَخَف
مِن قِلَّةِ الأنصَارِ والأعوَانِ، فَاللهُ نَاصِرُ دِينِهِ وكتَابِهِ وَاللهُ كَافٍ عَبدَهُ بأمَانِ
لا تَخشَ مِن كَيدِ العدُوِّ وَمكرِهِم، فَقتَالُهُم بالكِذبِ والبُهتَانِ، فجُنودُ أتبَاعِ الرَّسُولِ مَلاَئِكٌ
وَجُنُودُهُم فَعَسَاكِرُ الشَّيطانِ، شَتَّانَ بينَ العَسكَرين فَمَن يَكن مُتَحَيِّزاً فلينظُر الفئَتانِ
واثبُت وقاتِل تَحتَ راياتِ الهُدى، وَاصبِر فَنَصرُ اللهِ رَبِّكَ دَانِ واذكُر مَقَاتلَهُم لفُرسَانِ الهُدَى
لِلَّهِ درُّ مَقَاتِلِ الفُرسَانِ، وادرَأ بِلَفظِ النَّصِّ في نَحرِ العِدى وَارجُمهُم بِثَواقِبِ الشُّهبَانِ
لا تَخشَ كثرتَهُم فَهُم هَمَجُ الوَرَى، وَذُبَابُهُ أتَخَافُ مِن ذِبَّانِ وأشغلهم عِندَ الجِدَالِ بِبَعضِهِم
بَعضاً فَذَاكَ الحَزمُ للفُرسَانِ، وَإذا هُمُ حَمَلُوا عَلَيكَ فلا تَكُن، فَزِعاً لِحَملَتِهِم ولا بِجَبَانِ
وأثبت ولا تَحمِل بِلا جُندٍ فَمَا هَذا بِمَحمودٍ لَدَى الشُّجعَانِ، فإذَا رَأيتَ عِصَابَةَ الإِسلاَمِ قَد
وَافَت عَسَاكِرُهَا مَعَ السُّلطَانِ، فَهُنَاكَ فَاختَرِقِ الصُّفُوفَ ولا تَكُن بِالعَاجِزِ الوَانِي وَلاَ الفَزعَانِ
وَتَعَرَّ مِن ثوبَينِ مَن يَلبَسهما، يَلقَ الرَّدَى بِمَذَمَّةٍ وَهَوانِ، ثوبٌ مِنَ الجَهلِ المُرَكَّبِ فَوقَهُ
ثَوبُ التّعَصُّبِ بِئسَتِ الثَّوبَانِ وتَحلَّ بالإنصَافِ أفخَرَ حُلَّةٍ، زِينَت بهَا الأعطافُ والكَتِفَانِ
واجعَل شِعَارَك خَشيَةَ الرّحمَنِ مَع نُصح الرّسُولِ فَحَبَّذَا الأمرانِ وَتَمسَّكَنَّ بحبلِهِ وَبوَحيِهِ
وَتَوَكَّلَنَّ حَقيقَةَ التُّكلاَنِ، فالحَقُّ وَصفُ الرّبِّ وَهوَ صِراطُهُ الهَادِي إليهِ لصَاحِبِ الإيمَانِ
وهُو الصِّراطُ عَلَيهِ رَبُّ العَرشِ أيضاً وَذَا قَد جَاءَ في القرآنِ، والحَقُّ مَنصُورٌ ومُمتَحَنٌ فَلاَ
تَعجَب فَهَذِي سُنَّةُ الرَّحمَنِ، وبِذَاكَ يَظهَرُ حِزبُه مِن حَربِهِ ولأجلِ ذَاكَ النَّاسُ طَائِفَتَانِ
ولأجلِ ذَاكَ الحَربُ بَينَ الرُّسلِ والكُفَّارِ مُذ قَامَ الوَرَى سِجلاَنِ، لَكِنَّمَا العُقبَى لأهلِ الحَقِّ إن
فَاتَت هُنَا كانَت لَدَى الدَّيَّانِ واجعَل لقلبِكَ هِجرتَينِ وَلاَ تَنَم، فهُمَا عَلَى كُلِّ امرئ فَرضَانِ
فالهِجرةُ الأولَى إِلى الرَّحَمنِ بالإخلاصِ في سٍِّوفي إعلانِ، فالقصدُ وَجهُ الله بالأقوَالِ
والأعمالِ والطَّاعَاتِ والشُّكرَانِ، فَبِذَاكَ يَنجُو العبدُ مِن إشراكِهِ وَيَصِيرُ حَقًّا عَابِدَ الرَّحمنِ