قصائد وشعر محمود درويش مكتوبة
العديد من القصائد وأبيات الشعر التي قدمها الشاعر محمود درويش، وعبر السنين يبحث الكثير عن تلك الأشعار التي تطرقت للكثير من الأمور الحياتية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
شعر محمود درويش مكتوب
1
لا أسمعُ صوتي في الغابة , حتى لو
خَلَتِ الغابةُ من جوع الوحشِ...
وعاد الجيش المهزومُ أو الظافرُ , لا فرق ,
على أشلاء الموتى المجهولين إلى الثكَنات
أو العرشِ /
ولا أسمع صوتي في الغابة ، حتى لو
حملته الريحُ إليَّ ، وقال لي :
هذا صوتُكَ ... لا أَسمعُـهُ
لا أسمع صوتي في الغابة ، حتى لو
وقف الذئب على قدمين وصفَّق لي :
إني أسمع صوتك ، فلتَأْمُرْني! /
فأقول : الغابةُ ليست في الغابة
يا أَبتي الذئبَ ويا ابني ! /
لا أَسمع صوتي إلاّ إنْ
خَلَتِ الغابةُ مني
وخلوتُ أنا من صمت الغابة !
2
ماذا يدور في بال نيرون ، وهو يتفرّج على
حريق لبنان ؟ عيناه زائغتان من النشوة ،
ويمشي كالراقص في حفلة عُرْسٍ : هذا الجنون ،
جنوني ، سيِّدُ الحكمة . فلتُشْعلوا النار في
كل شيء خارج طاعتي . وعلى الأطفال أَن
يتأدَّبوا ويتهذَّبوا ويكُفُّوا عن الصراخ بحضرة
أنغامي !
وماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرَّج على
حريق العراق ؟ يُسْعِدُهُ أن يُوقِظَ في تاريخ
الغابات ذاكرة تحفظ اسمه عَدُوّاً لحمورابي
وجلجامش وأَبي نواس : شريعتي هي أُمُّ
الشرائع . وعشبة الخلود تنبت في مزرعتي .
والشعر؟.. ما معني هذه الكلمة؟
وماذا يدور في بال نيرون ، وهو يتفرَّج على
حريق فلسطين ؟ يُبهجة أن يدرج اسمه في قائمة
الأنبياء نبيّاً لم يؤمن به أَحد من قبل ... نبيّاً
للقتل كلَّفه الله بتصحيح الأخطاء التي لا حصر
لها في الكتب السماوية : أنا أَيضاً كليمُ الله !
وماذا يدور في بال نيرون وهو يتفرَّج على
حريق العالم ؟ أنا صاحب القيامة . ثم يطلب
من الكاميرا وقف التصوير، لأنه لا يريد
لأحد أن يري النار المشتعلة في أَصابعه ،
عند نهاية هذا الفيلم الأميركي الطويل !
3
كنتُ هناك قبل شهر . كنتُ هناك قبل
سنة . وكنت هناك دائماً كأني لم أَكن
إلاّ هناك . وفي عام 82 من القرن الماضي
حدث لنا شيء مما يحدث لنا الآن . حُوصرنا
وقُتِلْنا وقاومنا ما يُعْرَضُ علينا من جهنم .
القتلى/ الشهداء لا يتشابهون . لكلِّ واحد منهم
قوامٌ خاصْ، وملامح خاصة، وعينان واسمٌ
وعمر مختلف . لكن القتلة هم الذين يتشابهون .
فَهُم واحدٌ مُوزَّعٌ على أَجهزة معدنية. يضغط
على أزرار إلكترونية. يقتل ويختفي . يرانا ولا
نراه ، لا لأنه شبح ، بل لأنه قناع فولاذيّ
لفكرة ... لا ملامح له ولا عينان ولا عمر ولا
اسم . هو ... هو الذي اختار أن يكون له
اسم وحيد : العَدُوّ!
أجمل قصائد محمود درويش
4
رفٌّ من الحمام ينقشع فجأة من خلل الدخان .
يلمع كبارقة سِلْمٍ سماوية. يحلِّق بين الرماديّ
وفُتات الأزرق على مدينة من ركام . ويذكِّرنا
بأن الجمال ما زال موجوداً ، وبأن اللا موجود
لا يعبث بنا تماماً إذ يَعِدُنا ، أو نظنُّ أنه
يعدنا بتجلِّي اختلافه عن العدم . في الحرب
لا يشعر أَحد منا بأنه مات إذا أَحسَّ
بالألـم . الـموت يسبق الألـم . والألـم هـو
النعمة الوحيدة في الحرب. ينتقل من حيّ إلي
حيّ مع وقف التنفيذ . وإذا حالف الحظّ أحداً
نسيَ مشاريعه البعيدة ، وانتظر اللا موجود
وقد وُجِدَ مُـحَلِّقاً في رفِّ حمام . أرى في سماء
لبنان كثيراً من الحمام العابث بدخان يتصاعد
من جهة العدم !
5
أزهارٌ صفراء توسِّع ضوء الغرفة. تنظر
إليّ أكثر مما أنظر إليها. هي أولى رسائل
الربيع . أهْدَتنِيها سيِّدةٌ لا تشغلها الحرب
عن قراءة ما تبقَّى لنا من طبيعة
متقشفة. أغبطها على التركيز الذي يحملها
إلى ما هو أبعد من حياتنا المهلهلة...
أغبطها على تطريز الوقت بإبرة وخيط
أَصفر مقطوع من الشمس غير المحتلة.
أُحدِّق إلى الأزهار الصفراء ، وأُحسّ
بأنها تضيئني وتذيب عتمتي ، فأخفّ
وأشفّ وأجاريها في تبادل الشفافية .
ويُغويني مجاز التأويل : الأصفر هو
لونُ الصوت المبحوح الذي تسمعه الحاسة
السادسة. صوت مُحايدُ النَّبرِ ، صوت
عبّاد الشمس الذي لا يغيِّرُ دِينَه .
وإذا كان للغيرة – لونِهِ من فائدة ،
فهي أن ننظر إلى ما حولنا بفروسية
الخاسر، وأن نتعلم التركيز على تصحيح
أخطائنا في مسابقاتٍ شريفة !
6
أنا هنا منذ عشر سنوات . وفي هذا المساء ،
أجلس في الحديقة الصغيرة على كرسيّ من
البلاستيك ، وأنظر إلى المكان منتشياً بالحجر
الأحمر . أَعُدُّ الدرجات المؤدية إلى غرفتي
على الطابق الثاني . إحدى عشرة درجة. إلى
اليمين شجرةُ تين كبيرة تُظَلِّل شجيرات خوخ.
والى اليسار كنيسةٌ لثورية . وعلى جانب
الدرج الحجري بئر مهجورة ودلو صدئ وأزهار
غير مرويَّة تمتصّ حبيبات من حليب أوَّل الليل .
أنا هنا ، مع أربعين شخصاً ، لمشاهدة مسرحية قليلة
الكلام عن منع التجوُّل ، ينتشر أبطالها
المنسيّون في الحديقة وعلى الدرج والشرفة
الواسعة. مسرحية مرتجلة ، أو قيد التأليف ،
كحياتنا. أسترق النظر إلى نافذة غرفتي
المفتوحة وأتساءل : هل أنا هناك ؟
ويعجبني أن أدحرج السؤال على الدرج ،
وأدرجه في سليقة المسرحية : في الفصل
الأخير، سيبقى كل شيء على حاله ...
شجرةُ التين في الحديقة. الكنيسةُ اللوثرية
في الجهة المقابلة. يوم الأحد في مكانه
من الرُزنامة. والبئر المهجورة والدلو الصدئ.
أما أنا ، فلن أكون في غرفتي ولا في
الحديقة . هكذا يقتضي النص : لا بد من
غائب للتخفيف من حمولة المكان !