قصة السفاحتان ريا وسكينة
لا بد أنكم سمعتم عن ريا وسكينة؟، السفاحتان الأكثر شهرة في العالم العربي، أو ربما شاهدتم إحدى الأعمال الدرامية التي تم عرضها عن سيرة حياتهما، كما أن البعض لا يعلم أن شخصيات الحكاية حقيقية!، عاشت بين الناس وقامت بجريمة فظيعة أدت إلى الحكم عليهم بالإعدام، لكن هناك من يدَّعي براءة العصابة بعد أكثر من مائة عام.
نشأن في ظروف غامضة وعملن في تسهيل الدعارة
تاريخ ولادة كل من ريا وسكينة بنات علي همام غير معروف بشكل دقيق، حتى أن سنهما عند الوفاة مختلف عليه، حيث ذكر تقرير الاتهام بأن ريا تبلغ من العمر عند القبض عليها خمساً وأربعين سنة، بينما تبلغ سكينة أربعين سنة، إلا أن شهادة الوفاة ذكرت أعماراً مختلفةً تماماً، حيث ورد سن سكينة ثلاثين عاماً، وريا خمساً وثلاثين سنة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
انتقلتا من صعيد مصر إلى بني سويف، ثم كفر الزيات، إلى أن استقرتا في الإسكندرية، ثم عملتا في مهنة (الدلالة) في الظاهر، حيث كن يقمن بشراء الأقمشة والعطورات النسائية، وبيعها للسيدات في حيهما، وقد استغلتا هذه المهنة، لاستدراج الضحايا إلى المنزل، وقتلهن، كما حولت ريا وسكينة المنزل إلى دارٍ للدعارة، أيضاً اختلف المؤرخون حول ترخيص عملهن بالدعارة من عدمه، لكن القصد أن ريا وسكينة كانتا مروجتين للبغاء، كما استدرجن بعض النساء بعد إغرائهن بلقاء الرجال في المنزل.
عاشت الإسكندرية رعباً شديداً بسبب اختفاء النساء الغامض
سجل قسم شرطة اللبان في الإسكندرية عدة بلاغات عن فقدان نساء خلال سنة 1920، دون أن يتمكن التحقيق من تحديد مكانهن، أو أسباب الاختفاء، مما أثار الرعب في نفوس السكان، خاصة بعد العثور على جثة سيدة موضوعة في كيس كبير، ومرمية في الشارع بعد مرور شهرين على قتلها.
لكن أولى الإشارات إلى وجود عصابة تقوم باختطاف النساء وقتلهن، كانت في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1920، عندما تم تقديم بلاغ من أحد المواطنين بخصوص العثور على جثة لسيدة في أحد البيوت في شارع مكاريوس خلف قسم اللبان أثناء القيام بأعمال تمديد المياه في أرضية إحدى الغرف، فتوجهت الشرطة إلى المكان المذكور في البلاغ، وقامت بمعاينة الجثة، لكنهم اكتشفوا جثتين أخريين عندما قاموا بحفر أرضية الغرفة، وقد تبين في وقت لاحق أن سكينة كانت المستأجرة السابقة لتلك الغرفة، واعتبر هذا دليلاً على تجريمها في التهم الموجهة إليها، إلى جانب الأدلة الأخرى.
بدأت الشكوك تدور حول ريا وسكينة عندما قام أحد المخبرين بالدخول إلى غرفة ريا، بعد أن لاحظ تصاعداً كثيفاً لدخان البخور، ورائحة بخور قوية تنبعث من الغرفة، حيث لاحظ المخبر ارتباك ريا عند سؤالها، فقام بإبلاغ الضابط المسؤول عن شكوكه، الذي أمر بدوره بإخلاء الغرفة وتفتيشها، حيث وجدو بلاط الأرضية تحت السرير مكسراً، وعند الحفر اكتشفوا الكارثة.
تم العثور على اثنتي عشرة جثة لنساء، في الغرفة التي تسكنها ريا في شارع علي بك الكبير، ووجدت جثة أخرى في غرفة كانت تستأجرها سكينة في الحي نفسه، في حارة النجاة رقم (5)، كما عُثر على جثة واحدة في غرفة قريبة تقطنها أمينة بنت منصور، ليكون مجموع الجثث التي عُثر عليها سبعة عشرة جثة.
اعترفت ريا وسكينة بجرائمهما، كما تمت الاستعانة بابنة ريا الوحيدة واسمها بديعة، كشاهدة رئيسة في القضية، ثم تم تحويل المتهمين في القضية إلى النيابة العامة لتوجيه التهم إليهم، وتحويلهم إلى القضاء.
حكمت محكمة جنايات الإسكندرية بتجريم المتهمين بالقضية
بعد إلقاء القبض على ريا وسكينة وزوجهما، إضافة إلى المشاركين في الجريمة، أصدرت النيابة العامة تقرير اتهام كما يلي:
"اتهام كل من: ريا بنت علي همام، سكينة علي همام، حسب الله سعيد مرعي (زوج ريا)، محمد عبد العال (زوج سكينة)، عرابي حسان، عبد الرازق يوسف، سلام محمد الكبت، أمينة بنت منصور، وحسن علي محمد (الصائغ)، متهمون أنهم في المدة الواقعة بين تشرين الثاني/نوفمبر 1919، وتشرين الثاني/نوفمبر عام1920، قاموا بالقتل العمد لسبعة عشرة سيدة، بواسطة الخنق وكتم النفس."
بعد سماع الشهود، ومرافعات المدعي بالحق العام، إضافة إلى مرافعات الدفاع، حكمت محكمة جنايات الإسكندرية في جلستها العلنية يوم الاثنين السادس عشر من أيار/مايو سنة1921، في القضية جنايات/43، على كل من:
- ريا بنت علي همام، سكينة بنت علي همام، حسب الله سعيد مرعي، محمد عبد العال، عرابي حسان، عبد الرازق يوسف بعقوبة الإعدام.
- حسن علي محمد (الصائغ) بالسجن خمس سنوات مع الشغل لشرائه المصاغ المسروقة من العصابة.
- كما حكمت المحكمة ببراءة كل من محمد الكبت، وأمينة بنت منصور من التهم المنسوبة إليهم.
تم رفع القضية للنقض بالحكم أمام محكمة النقض، وتم رفض الطعن وإبرام الحكم في الثلاثين من تشرين الأول/أكتوبر من نفس العام، ليتم تنفيذ حكم الإعدام برية وسكينة وزوجيهما وشركائهم في 21 و 22 كانون الأول/ديسمبر عام1921.
بعد صدور الحكم تم إيداع بديعة ابنة ريا الوحيدة في ملجأ العباسية للأيتام، وماتت بعد سنتين من إعدام والدتها، إما بالسل الرئوي، أو نتيجة الحريق الذي اشتعل في الملجأ.
ريا وسكينة مناضلتان ضد الاحتلال الإنجليزي!
أعلن كاتب السيناريو المصري أحمد عاشور خلال عام 2015، أنه توصل لأدلة دامغة على براءة ريا وسكينة وزوجيهما من التهم المنسوبة إليهم، حيث أنه أثناء إعداده لفيلم وثائقي عن أسوء عشرة نساء في التاريخ، وجد بعض المعلومات التي جعلته يتوسع في بحثه حول قضية ريا وسكينة.
وقد استمر هذا البحث قرابة عشرة سنوات بحسب ما ذكر عاشور، حيث توصل إلى نتيجة مفادها، أن ريا وسكينة لم يقتلن أحد، بل كانتا مناضلتان ضد الإنجليز، فقام الاحتلال الإنجليزي بمساعدة أعوانه في الشرطة والقضاء المصريين، بتلفيق تلك التهمة واختلاق تلك القصة بهدف إلهاء الرأي العام، إضافة إلى التخلص من ريا وسكينة.
فيما بعد قام عاشور بكتابة سناريو فيلم بعنوان (براءة رية وسكينة)، وافقت عليه الرقابة بعد أن رفضته في البداية، حيث طعن بعض الباحثين بالمعلومات الواردة فيه، كما لم يتم إنجازه حتى تاريخه، ومن بين أبرز المعارضين لإنتاج الفيلم د. محمد عبد الوهاب، مؤلف كتاب (سراديب المومسات) عن قصة ريا وسكينة، حيث اعتبر أن الأدلة الواردة في محاضر التحقيق والمحاكمة قاطعة؛ فلا مجال للشك في تجريم ريا وسكينة وشركائهم.
الأعمال الفنية التي وثقت قصة ريا وسكينة
- فيلم ريا وسكينة، عام 1953، بطولة نجمة إبراهيم وزوزو حمدي، تأليف الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ، وإخراج صلاح أبو سيف.
- فيلم اسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة، عام1955، بطولة اسماعيل ياسين، ونجمة ابراهيم وزوزو حمدي، إخراج حمادة عبد الوهاب.
- مسرحية ريا وسكينة، عام1980، بطولة شادية وسهير البابلي، إضافة إلى أحمد بدير وعبد المنعم مدبولي، تأليف بهجت قمر، وإخراج حسن كمال.
- فيلم ريا وسكينة، عام1983، بطولة يونس شلبي وشريهان، تأليف وإخراج أحمد فؤاد، وهو كوميدي مستوى من القصة الأساسية.
- برنامج ريا وسكينة، تقديم هالة فاخر وغادة عبد الرازق، عام 2008، إضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى التي تم استيحاؤها من القصة.
أخيراً... أصبحت قصة ريا وسكينة من التراث المصري والعربي، حيث أنهن من الشخصيات التي يضرب بها المثل، كما أن السجل المدني في مصر أصبح خالياً تماماً من هذين الاسمين للمواليد الجدد؛ فلا أحد يرغب تسمية ابنته على اسم سفاحة قاتلة، لكن ادعاءات براءة ريا وسكينة فتحت الأبواب أمام إعادة النظر في القضية بعد مرور حوالي مئة عام على إقفالها، لكن إلى الآن ما تزال الإدانة أقرب إليهن من البراءة.