قصة حسن الصباح.. أسرار حياة مؤسس الحشاشين المثير للجدل
ترك بصمة في التاريخ الإسلامي وخلف إرثًا غامضًا لا يزال محل نقاش حتى يومنا هذا
حسن الصباح أو حسن بن الصباح، شخصية تاريخية مثيرة للجدل، ترك بصمة واضحة في التاريخ الإسلامي، وخلف إرثًا غامضًا لا يزال محل نقاش حتى يومنا هذا. إذ يعتبره البعض زعيمًا دينيًا وسياسيًا بارزًا، بينما يعتبره البعض الآخر إرهابيًا. لكنه في الوقت نفسه تميز بشغفه بالعلم والمعرفة منذ صغره، فدرس الفلسفة والفقه والعلوم الدينية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
أثارت قصة حسن الصباح كذلك فضول الكتاب والروائيين وصناع السينما والدراما، لتظهر العديد من الأعمال التي تتناول سيرته وسيرة جماعته المعروفة بالحشاشين، ومن بين هذه الأعمال، رواية سمرقند للكاتب أمين معلوف، ومسلسل سمرقند إنتاج عام 2016، ومسلسل الحشاشين، إنتاج عام 2023، والذي يعرض خلال شهر رمضان 2024 على القنوات المصرية والعربية.
وفي التقرير التالي، نستعرض معكم قصة حسن الصباح وأبرز المحطات في حياته وحكاية طائفة الحشاشين التي أسسها وعلاقته أيضا بعدد من الشخصيات التاريخية، أبرزهم عمر الخيام، وغيرها من التفاصيل المثيرة عنه.
من هو حسن الصباح؟
حسن بن علي بن محمد الصباح الحميري، أو المعروف أيضًا باسم حسن الصباح. اختلفت الأقوال حول سنة ميلاده بالتحديد، إلى أن الغالبية رجحت ولادته عام 1037 ميلادية، وأنه عاش حتى عام 1124 م.
كان ميلاد حسن الصباح في فارس، وتختلف المصادر حول مكان ولادته بالتحديد بين مدينة مرو ومدينة قم. لكنه نشأ في عائلة شيعية اثنا عشرية، وتلقى تعليمه الديني في مدينة الري، التي كانت مركزًا لنشاطات الطائفة الإسماعيلية.
وفي سن السابعة عشرة، تأثر حسن الصباح بتعاليم الدعاة الإسماعيليين في مدينة الري، وبدأ رحلته في دراسة مذهبهم. ثم سافر إلى مصر، مركز الدولة الفاطمية، ليكمل تعليمه ويتعمق في فلسفة الإسماعيلية.
بعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، حدث انشقاق في الطائفة الإسماعيلية بين من اعترفوا بخلافة ابنه الأصغر المستعلي، ومن أيدوا ابنه الأكبر نزار. وهنا قرر حسن الصباح الانضمام إلى مؤيدي نزار، وبدأ بنشر دعوتهم في بلاد فارس.
ويعتبر حسن الصباح شخصية تاريخية بارزة اشتهر بتأسيسه لحركة الدعوة الجديدة أو الطائفة الإسماعيلية النزارية في إيران.
قصة قلعة ألموت
في عام 1090م، تمكن حسن الصباح من الاستيلاء على قلعة ألموت، وهي قلعة حصينة تقع في شمال إيران، حيث اتخذها مركزًا لدعوته الجديدة، وبدأ ببناء دولة مستقلة للإسماعيلية النزارية.
وهناك، اتبع حسن الصباح نظامًا حكميًا دقيقًا، ونظم حياة أتباعه بشكل صارم. واعتمد على الفدائيين، وهم مجموعة من المقاتلين المهرة الذين نفذوا عمليات اغتيال ضد أعدائه، لفرض سلطته ونشر دعوته.
واشتهرت قلعة ألموت بحدائقها الجميلة وغرفها الفخمة، وقيل إن حسن الصباح كان يمتلك جنة سرية داخل القلعة، يدخلها أتباعه بعد موتهم مكافأة لهم على إخلاصهم.
ولا تزال أطلال قلعة ألموت قائمة حتى اليوم، وتعد وجهة سياحية تجذب الكثير من الزوار الذين يرغبون في التعرف على تاريخها الغامض.
حسن الصباح والحشاشين
عام 1090 ميلادي، سيطر حسن الصباح على قلعة ألموت، وجعلها مركزا لدولته، وبدأ بتنظيم جيشه المشهور باسم "الحشاشين"، وهم اتباع حسن الصباح.
وحول سؤال لماذا سميت فرقة الحشاشين بهذا الاسم؟ كان هناك خلاف بين الباحثين حول الأصل، فهو مصطلح يعتقد أنه مشتق من "الحشيش"، تلك المادة المخدرة. لكن دقة هذا اللقب محل شك، ويرجح بعض المؤرخين أنه كان دعاية سلبية من قبل أعدائهم. لكن المهم أن فرقة الحشاشين اشتهرت طوال فترتها بعمليات الاغتيال المنظمة ضد أعدائهم، حيث تميزوا بمهاراتهم القتالية العالية، وتكتيكاتهم السرية، وولائهم المطلق لزعيمهم.
ومن أشهر عمليات الاغتيال التي قاموا بها الوزير نظام الملك، الخليفة العباسي الراشد بالله، ريموند الثاني كونت طرابلس، وكونراد دي مونفيراتو، ملك بيت المقدس.
كذلك، لعبت دولة الحشاشين دورًا هامًا في التاريخ الإسلامي، حيث تحدت سلطة السلاجقة، ووفرت ملاذًا آمنًا للفلاسفة والمثقفين المُضطهدين. كما أثرت أفكارهم على العديد من الحركات الفكرية والسياسية في العصور اللاحقة.
لذلك، يمكن القول دولة الحشاشين لم تكن مجرد جماعة متطرفة، بل كانت دولة منظمة ذات نظام إداري واقتصادي واجتماعي، حيث اهتم حسن الصباح بالعلم والفلسفة، وأسس مكتبة ضخمة في ألموت.
حسن الصباح مع صلاح الدين
لم تكن هناك علاقة مباشرة بين حسن الصباح وصلاح الدين الأيوبي، لأن بحسب ما يشير إليه التاريخ، توفي الأول قبل ولادة الثاني بسنوات، لكن كانت هناك علاقة بين صلاح الدين والطائفة التي أسسها الصباح والمعروفة بالحشاشين.
تميزت العلاقة بالصراع والتنافس. كان "الحشاشين" يرون في صلاح الدين عدوًا لدودًا بسبب دعمه للخلافة العباسية، بينما كان صلاح الدين يرى في الحشاشين تهديدًا لأمن الدولة الأيوبية.
تطورت المناوشات بين صلاح الدين والحشاشين، حتى حاولوا اغتياله عدة مرات لكنهم فشلوا، ليتطور الأمر إلى ما يشبه الحرب الباردة بين الطرفين، سواء بالتجسس أو الدسائس أو الاغتيالات السياسية. لكن في مرحلة ما من معارك صلاح الدين ضد الصليبيين نشأ شبه تحالف بينه وبين الحشاشين، لمواجهة العدو. خاصة في حصار عكا عام 1189م.
مع ذلك، استمر الصراع بين الطرفين حتى ضعفت دولة الحشاشين تدريجيًا وتعرضت للقضاء على يد المغول عام 1256م. ومن قبلها، انتهت دولة الأيوبيين عام 1250 بعد مقتل توران شاه.
حسن الصباح وعمر الخيام
تثير علاقة حسن الصباح، مؤسس جماعة الحشاشين، وعمر الخيام، الشاعر وعالم الرياضيات والفلك، فضول وحيرة الكثيرين. فبينما تؤكد بعض الروايات صداقتهما، تشكك أخرى في طبيعة هذه العلاقة ومدى صحتها.
وعن روايات الصداقة المتداولة، تشير بعض القصص إلى أن حسن الصباح وعمر الخيام ونظام الملك، وزير السلاجقة، كانوا أصدقاء طفولة، وأنهم اتفقوا على تقسيم ما ينالهم من حظ فيما بينهم.
لكن على الجانب الآخر، تشكك بعض المصادرِ في صحة رواية الصداقة، وتعتبرها مجرد خيال شعبي، سواء بسبب اختلاف تاريخ الميلاد بينهما والفرق الكبير في العمر، والذي يجعل من المستحيل تكون صداقة منذ الطفولة بينهما، لأن بحسب الروايات التاريخية ولد حسن الصباح عام 1037، بينما ولد عمر الخيام 1048، مما يعني أن الأول يكبره بـ 11 عامًا.
كذلك، يشير بعض الباحثين إلى اختلاف توجهات حسنِ الصباح وعمر الخيام السياسية والدينية، وأن عمر الخيام لم يكن مشاركًا في أي من نشاطات حسنِ الصباح السياسية أو الدينية.
نهاية حسن الصباح تاريخيا
توفي حسن الصباح في عام 1124م. ولكن يتساءل كثيرون كيف مات حسن الصباح؟ وبحسب الروايات المتداولة، فإنه لم يقتل أو يغدر به كما يشاع في بعض القصص، بل توفي داخل قلعة ألموت، مقر الحشاشين، بسبب مرض معد، تاركًا خلفه دولة قوية ومستقرة.
واستمرت دولة الإسماعيلية النزارية بعد وفاته لأكثر من قرن، حتى تم القضاء عليها من قبل المغول في عام 1256م.
معلومات عن حسن الصباح
أثار حسن بن الصباح جدلاً واسعاً عبر التاريخ، وخلّف إرثا غامضا، حيث اعتبره البعض زعيمًا ثوريًا ناضل ضد الظلم، بينما اعتبره آخرون زعيمًا طائفيًا مارس العنف. ومن أهم المقتطفات حول حياته:
. كان حسن بن الصباح ذا ذكاء حاد وفطنة خارقة، مما ساعده على تأسيس دولة قوية في ظل ظروف صعبة.
. تميزت شخصيته بالصبر والمثابرة، ونجح في تحويل أفكاره إلى واقع ملموس.
. واجه حسن بن الصباح العديد من التحديات خلال حياته، لكنه تمكن من التغلب عليها بفضل حنكته السياسية ودهائه.
. نشر المذهب الإسماعيلي النزاري في بلاد فارس وسوريا.
. قام بتأسيس دولة مستقلة للإسماعيلية النزارية في قلعة ألموت.
. قام ببناء مكتبة ضخمة في قلعة ألموت تضمنت العديد من الكتب في مختلف العلوم.
في النهاية، يمكن القول إن حسن الصباح شخصية تاريخية معقدة، لا يمكن حصرها في إطار واحد. كان قائدًا سياسيًا محنكًا، وفيلسوفًا مفكرًا، ومؤسسًا لدولة فريدة من نوعها. كما ترك الحشاشون بصمة واضحة على التاريخ، ولا تزال أفكارهم وتكتيكاتهم تثير الجدل حتى يومنا هذا.