لماذا تأكل الثعابين بعضها؟.. علماء يفسرون الظاهرة الغريبة
يثير هذا السلوك اهتمام عدد كبير من الباحثين والعلماء، إذ يعتبرونه تصرفا مثيرا للقلق بعد ملاحظته في العديد من أنواع الثعابين
يثير سلوك أكل الثعابين لثعابين أخرى، والمعرف علميا باسم Ophiophagy اهتمام عدد كبير من الباحثين والعلماء لسنوات طويلة، إذ يعتبرونه تصرفا مثيرا للقلق بعد ملاحظته في العديد من أنواع الثعابين. وفي النهاية، توصلوا إلى إن هذه الظاهرة ليست عشوائية، بل استراتيجية بقاء موثقة ومعروفة في الأسر وفي البرية.
تعتبر الكوبرا الملكية (Ophiophagus hannah) أحد أشهر الثعابين المعروفة في العالم بأنها آكلة الأفاعي، حيث تعيش في أجزاء من الهند وجنوب الصين وجنوب شرق آسيا، وتتغذى بشكل أساسي على الثعابين الأخرى، بما في ذلك الأنواع السامة مثل الكرايت وكوبرا أخرى.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
درس الباحثون هذه الكوبرا الملكية، وتوصلوا إلى إن هذا التفضيل الغذائي يساعدها في تقليل المنافسة على الطعام، ويضمن لها إمدادًا ثابتًا من الفرائس. ويساعدها على ذلك طولها الذي يصل إلى 18 قدمًا، مما يجعلها أطول ثعبان سام في العالم، وسمها القوي الذي يؤهلها لاصطياد الفرائس الكبيرة.
يأتي في المرتبة الثانية، الثعبان الملكي، المعروف علميا باسم (Lampropeltis getula)، حيث يعيش في أمريكا الشمالية، ويشتهر بمناعته ضد سم الثعابين الأخرى، مثل الرعاشات، مما يسمح له بافتراسها ليمنح نفسه ميزات إضافية كبيرة في البرية، بعد أن يقوم بخنقها، لأنه يقتل فرائسه عن طريق لف نفسه حولها وخنقها. هذه الطريقة فعالة بشكل خاص ضد الثعابين الأخرى، التي غالبًا ما تكون غير قادرة على الهروب من قبضة الثعبان الملكي القوية.
التفسير العلمي للظاهرة
تستهلك الثعابين أفرادًا من نوعها، وهنا، يشير الباحثون إلى إن ذلك يمكن أن يحدث لعدة أسباب، بما في ذلك ندرة الطعام والنزاعات الإقليمية. على سبيل المثال، لوحظ أن أفعى صخرية أفريقية، المعروفة علميا باسم (Python sebae) تمارس افتراس الأصغر منها خلال أوقات نقص الغذاء. لذلك، يمكن اعتبار إن هذه الحالات مدفوعة بالحاجة إلى البقاء على قيد الحياة في الظروف القاسية حيث يكون الطعام نادرًا.
وتعد أفعى الصخر الأفريقية هي واحدة من أكبر وأخطر أنواع الثعابين في العالم، حيث يمكن أن يصل طولها إلى أكثر من 20 قدمًا. ويساعدها حجمها وقوتها الهائلة على التغلب على الثعابين الأخرى واستهلاكها.
كذلك، يؤكد الباحثون على إن الثعابين قد تلجأ إلى أكل بعضها البعض إذا كانت بيئتها مكتظة بنفس النوع، مع عدم توافر موائل بشكل كاف. تم تسليط الضوء على ذلك في دراسة نشرت في مجلة "Herpetological Review"، والتي أبلغت عن حالات بين الثعابين تأكل بعضها بسبب ظروف الموائل غير الكافية.
وجدت الدراسة التي أجريت عام 2021، أن الثعابين التي يتم الاحتفاظ بها في أقفاص صغيرة معًا كانت أكثر عرضة للسلوك الافتراسي. وهذا يؤكد أهمية توفير مساحة كافية للثعابين لتقليل النزاعات ومنع مثل هذه السلوكيات.
الآثار البيئية والتطورية
يوجد العديد من الآثار بيئية والتطورية التي يتسبب فيها هذا السلوك المريب للثعابين، أهمها إن من خلال افتراس الثعابين الأخرى، تساعد الأنواع نفسها على التحكم في عدد فرائسها، مما يحافظ على التوازن داخل النظام البيئي. كما أن هذا السلوك يقلل من المنافسة على الموارد، مما يسمح للثعبان المفترس على البقاء والازدهار في بيئته.
على سبيل المثال، يساعد غذاء الكوبرا الملكية من الثعابين الأخرى في إبقاء عدد الثعابين السامة تحت السيطرة، مما يقلل من خطر لدغات الثعبان على البشر والحيوانات الأخرى في المنطقة.
أما عن منظور تطور الكائنات الحية، فإن قدرة الأفاعي على التغذي على أفاعي أخرى، بما في ذلك السامة منها، تدل على مستوى عالٍ من التكيف الذي حدث على مدار ملايين السنين. الأمر الذي مكنها من تطوير مناعة لسم الأفاعي الأخرى.
الأفاعي في الثقافة والتاريخ
يبدو أن سلوك الثعابين ضد بعضها البعض، ترك أثره أيضا في التاريخ والثقافات عبر العصور والحضارات المختلفة، حيث نجد على سبيل المثال الأوربوروس، وهو رمز قديم استخدم في العديد من الثقافات، بما في ذلك الثقافة المصرية القديمة واليونانية، يصور أفعى تأكل ذيلها، ليمثل دورة الحياة والموت والبعث.
استخدم أيضا هذا التصوير في الخيمياء والفلسفة والفن لتمثيل الترابط بين كل الأشياء والطبيعة الدورية للوجود. وفي العصر الحديث، لا يزال سلوك الأفاعي يثير اهتمام العلماء والجمهور على حد سواء. كما تهتم الأفلام الوثائقية والدراسات البحثية بتسليط الضوء على هذه السلوكيات، مما يوفر رؤى حول حياة هذه الزواحف المعقدة.
على سبيل المثال، في سلسلة "كوكب الأرض الثانية" التابعة لـBBC، تم عرض مشهد درامي لثعبان ملكي يصطاد ويأكل أفعى رملية، ليعكس الواقع القاسي للطبيعة في كثير من الأحيان، في سبيل تحقيق التوازن البيئي. بالتالي، تساعد مثل هذه التصورات على رفع الوعي بأهمية الطبيعة، والدور الذي تلعبه النظم البيئية وضرورة حمايتها.
كذلك، يعزز الوعي بأهمية التعرف على الثعابين والأفاعي، وسلوكياتها، وأهمية دورها الذي تلعبه في النظم البيئية منذ ملايين السنين. وزيادة المعروفة لدى البعض بأن ما تقوم به الثعابين ضد بعضها البعض، ليس مجرد سلوك عدواني، بل يعكس قدرة الطبيعة والحياة البرية على تنظيم وضعها والتكيف مع ظروفها.
وفي النهاية، يمكننا التأكيد على إن فهم سبب أكل الأفاعي لبعضها البعض، يتطلب استكشاف مجموعة من العوامل، سواء كان الأمر يتعلق بالنظام الغذائي أو الافتراس الناجم عن الزحام والنزاعات من أجل تقليل المنافسة. وبالتالي، فإن هذه السلوكيات تسلط الضوء على قدرة الأفاعي على التكيف واستراتيجياتها من أجل البقاء.
ومع استمرار البحث، يمكننا أن نتوقع اكتشاف المزيد من المعلومات عن هذه المخلوقات وسلوكياتها الفريدة.
حقائق عن الأفاعي
. تمتلك الأفاعي تاريخًا تطورياً طويلًا، حيث يعود تاريخ سجلاتها الأحفورية إلى أكثر من 100 مليون عام.
. تطورت الأفاعي من أسلاف شبيهة بالوزغات، وتكيفت مع مختلف النظم البيئية حول العالم.
. وعلى الرغم من أن معظم الأفاعي تعيش بشكل فردي، وليس في مجتمعات، إلا أن بعض الأنواع، مثل الأفاعي الرباطية، يمكن أن تكون اجتماعية، خاصة خلال فترة البيات الشتوي، حيث تتجمع بأعداد كبيرة لمشاركة مواقع البيات الشتوي، خلال أشهر الشتاء.