معركة القادسية وحرب المسلمين والفرس
في غار حراء شرق مكَّة عام 610 ميلادي نزل الوحي على النبي محمد ﷺ مبشراً بولادة الإسلام ونشوء دولة قوية مترامية الأطراف خلال فترة قياسية.
فالفاصل الزمني بين نزول الدعوة وبين معركة القادسية التي هي موضوعنا أقل من أربعة عقود.
حيث بدأ المسلمون بترتيب أمور دولتهم بعد وفاة النبي وهي المرحلة المعروفة بحروب الردَّة، ثم اتجهت الأنظار إلى التوسع في الأقطار والأمصار المجاورة من خلال سلسلة حروب عنيفة مع أقوى إمبراطوريات العالم القديم.
فكان بين الفرس والمسلمين معارك كثيرة أبرزها معركة القادسية.
بدأت المعارك بين المسلمين والفرس في عهد الخليفة الراشدي أبي بكر الصِّدِّيق
بدأت مرحلة الفتوحات الإسلامية فعلياً بعد انتهاء حروب الردَّة في عهد أول الخلفاء الراشدين، وكانت أرض الشَّام والعراق وبلاد فارس من أولويات المسلمين.
كما كان المثنَّى ابن حارثة الشيباني قد هوَّن أمر قتال الفرس عند الخليفة وطلب أن يسير لهم فبدأ بقتال الفرس عند جنوب العراق وأبلى في معاركه معهم بلاءً حسناً، ثم طلب المدد من المدينة المنوَّرة.
سيَّر الخليفة أبو بكر جيشين إلى العراق سنة 12 للهجرة، الأول بقيادة خالدٍ بن الوليد على أن يدخل العراق من أدناه، والثاني بقيادة عيَّاضٍ بن غَنْمٍ الفهري على أن يدخل العراق من أعلاه.
ليلتقي الجيشان في الحيرة أرض المناذرة، ومن يصل منهم أولاً تكون له الإمارة.
أبرز معارك المسلمين مع الفرس قبيل القادسية
بدأ خالد بن الوليد بإخضاع بعض القرى والضياع جنوب العراق، وكان هدفه أن يسيطر على الأُبلة المعروفة بثغر الهند.
فكانت معركة (ذات السلاسل) الشهيرة التي سميت بهذا الاسم لأنَّ جنود الفرس ربطوا أنفسهم بالسلاسل ليثبتوا ولاءهم وعدم نيتهم الفرار من المعركة أو ليمنعوا أنفسهم من الفرار.
وكان خالد قد كتب إلى هرمز قائد الأُبلة يدعوه إلى الإسلام أو دفع الجزية، وحذَّره قائلاً:
"وإلَّا لا تلومنَّ إلَّا نفسك، فقد جئتُ بقومٍ يحبُّون الموت كما تحبُّون الحياة"
وكان النَّصر حليفاً للمسلمين في هذه المعركة سنة 12 هجرية، ثم تلتها مباشرة معركة (المذار) مع فلول الفرس والإمداد الذي وصلهم متأخراً بعد انتهاء ذات السلاسل، وكان النصر حليف المسلمين في هذه أيضاً.
معركة نهر الدم وفتح الأنبار والحيرة
تحالف الفرس مع نصارى العرب لمواجهة جيش المسلمين فكانت معركة ولجة نسبة إلى موقعها، ثم معركة أليس التي عرفت باسم موقعة نهر الدم، وكان النصر فيها للمسلمين.
ثم سار المسلمون إلى الحيرة وتزامن مسيرهم إليها مع موت كسرى وانسحاب الفرس منها، فحاصروا أهلها حتَّى سلَّموا للمسلمين وقبلوا دفع الجزية، فساروا بعدها إلى الأنبار وكان فيها الأمر ذاته، ثم سيطروا على عين التمر.
لقاء خالد بن الوليد بعياض بن غَنْم وموقعة الفراض
كان جيش المسلمين بقيادة عياض بن غنم يحاصر دومة الجندل عندما فرغ خالد بن الوليد من الأنبار وعين التمر، فسار خالد والتقى مع عياضٍ في حصار دومة الجندل، حيث كانت معارك حامية مع المتحصِّنين فيها، لكن الأمر انتهى إلى المسلمين.
ثم عاد خالد لتثبيت أقدام المسلمين في الأماكن التي سيطروا عليها، وكانت معركة الفُراض التي تحالف فيها الروم والفرس بمواجهة المسلمين لكن الهزيمة لحقت بهذا التحالف أيضاً.
فسار خالدٌ بن الوليد إلى الشَّام، وترك خلفه المثنَّى بن حارثة الشيباني الذي استمر في التصدي لمحاولات الفرس استعادة ما خسروه من العراق.
تراجع المسلمين في العراق ووفاة أبو بكرٍ الصديق
تصدَّى المثنَّى بن حارثة لغزوات الفرس ما استطاع، وانتصر عليهم في مواقع كثيرة لكنَّه اضطر للانسحاب في مواقع أخرى وعزَّز وجوده في الحيرة، ثم سار إلى المدينة المنوَّرة ليطلب الإمداد.
عندما وصل المثنَّى إلى المدينة كان أبو بكرٍ في مرضه الأخير، لكنَّ أبا بكرٍ أوصى عمراً بن الخطَّاب أن يسرع بإرسال المدد إلى العراق دون أن يثنيه عن ذلك موته.
وبعد مبايعة عمر خليفة للمسلمين قام بإرسال جيشٍ إلى العراق على رأسه أبو عبيد بن مسعود الثقفي.
وكانت (موقعة الجسر) التي خاضها أبو عبيد أول هزيمة للمسلمين بمواجهة الفرس في العراق، حيث وقعت المعركة على جسرٍ فوق نهر الفرات في منطقة قس الناطق أو الناطف، ولعبت الفيلة التي استعان بها الفرس دوراً رئيسياً في هزيمة المسلمين.
كما قام المسلمون بقطع الجسر ما أدى إلى غرق عدد كبير منهم قبل أن يعيد المثنَّى وصل الجسر، وقد خسر المسلمون الكثير من جنودهم في هذه المعركة على رأسهم قائد الجيش أبو عبيد بن مسعود.
كان الخليفة الراشد عمر بن الخطَّاب ينوي قيادة الجيش بنفسه إلى العراق
عندما بلغ أمير المؤمنين خبر موقعة الجسر قرر أن يعدَّ جيشاً جديداً لإرساله إلى العراق، فعاد المثنَّى ومعه بعض المقاتلين أولاً والتقوا بالفرس بموقعة البويب؛ فانتصروا عليهم.
ثمَّ بلغ المثنَّى أن الفرس قد نصَّبوا آخر أبناء كسرى المدعو يزدجرد ملكاً عليهم، وهذا يعني أن النزاع بين قادة الفرس قد وجد طريقه إلى الحل.
وبدأ الفرس بإعداد أنفسهم لمواجهة المسلمين مجدداً كما تحالفوا مع العرب في العراق، فأرسل المثنَّى إلى عمرٍ يخبره بالأمر، فقال عمر بن الخطَّاب لما سمع الخبر:
"والله لأضربنَّ ملوك العجم بملوك العرب".
اختيار سعد بن أبي وقَّاص لقيادة جيش المسلمين إلى القادسية
عسكر الفاروق بنفسه خارج المدينة المنوَّرة ليجمع المقاتلين بعد أن استخلف عليًّ بن أبي طالب عليها، وفيما كان عمر عازماً على قيادة المعركة بنفسه أشار عليه أصحابه أن يرسل غيره على رأس الجيش.
فقال له الصحابي عبد الرحمن بن عوف:
"أقم، وابعث جنداً، فقد رأيت قضاء الله لك في جنودك قبلُ وبعد، فإنَّه إن يُهزَم جيشك ليس كهزيمتك، وإنَّك إن تُقتَل أو تُهزَم في آنف الأمر خشيتُ ألَّا يكبِّر المسلمون وألَّا يشهدوا أنَّ لا إله إلَّا الله".
وفق النصِّ الذي نقله محمد شبلي في كتابه (حياة سعد بن أبي وقَّاص بطل القادسية).
فاستشار الخليفة صحبه بخصوص الشخص المناسب لقيادة الجيش إلى العراق، فأشاروا عليه بقولهم: "الأسد في براثنه، سعدٌ بن مالك".
وصية عمر بن الخطَّاب لسعدٍ بن أبي وقَّاص قبل القادسية
وينقل الأستاذ السيد أحمد بن السيد ريني دحلان في الجزء الأول من كتابه (الفتوحات الإسلامية بعد مضي الفتوحات النبوية) وصية عمر بن الخطَّاب لسعد بن أبي وقَّاص بعد توليته على الجيش السائر إلى العراق، فقال أمير المؤمنين:
"يا سعد؛ لا يغرنَّك من الله إن قيل خال رسول الله وصاحبه، فإنَّ الله عزَّ وجل لا يمحو السيء بالسيء، ولكنه يمحو السيء بالحسن، وليس بين الله وبين أحد نسب إلَّا بطاعته، فالناس شريفهم ووضيعهم في دين الله سواء، يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عنده بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت النبي يلزمه فالزمه، وعليك بالصبر".
المفاوضات بين المسلمين والفرس
لمَّا بلغ سعد أنَّ رستم يسير مع 120 ألف فارس لملاقاته فأرسل إلى الخليفة يستشيره، فأجابه عمر أن يرسل إلى يزدجرد من يدعوه إلى الإسلام، فإن رفض فهي الحرب.
أرسل سعد وفداً من المناظرين إلى كسرى فاجتازوا معسكر رستم ووصلوا إلى المدائن عاصمة الفرس، فدخلوا على كسرى ودار بينهم حوار ملخصه دعوة الفرس إلى الإسلام أو الجزية أو الحرب.
لكن كسرى سخر من المناظرين وقال لهم "لولا أنَّ الرُّسل لا تُقتَل لقتلتكم، لا شيء لكم عندي (ثم طلب من خدمه كيساً من التراب وأكمل) حملوه على أشرف هؤلاء ثمَّ سوقوه حتَّى يخرج من باب المدائن".
المرحلة الثانية من مفاوضات القادسية
عاد وفد المسلمين إلى سعد وأبلغوه بما جرى، لكن رستم قائد جيش الفرس كان متخوفاً منذ البداية من مواجهة العرب، ولم يكن راضياً عمَّا جرى في مجلس كسرى، فأرسل إلى سعد يطلب منه التفاوض، فأرسل له ربعي بن عامر.
جهَّز رستم نفسه لاستقبال رسول سعدٍ في معسكره، فأعدَّ مجلساً فخماً مزيَّناً بالحرير والذَّهب وكان هو نفسه يجلس على سرير من ذهب، فدخل عليه ربعي بن عامر بثيابٍ رثَّة وحصانٍ صغير داس به على الديباج والبسط، وبعد نقاش بين الاثنين كان العرض نفسه، إمَّا الإسلام أو الجزية أو المناجزة.
طلب رستم مقابلة ثانية ذهب لها حذيفة بن المحصن، ثم مقابلة ثالثة بُعث لها المغيرة بن شعبة، وأخيراً أرسل سعدٌ وفداً من ثلاثة، لكن المفاوضات فشلت وانتهت بسؤال رستم: "أتعبرون لنا؟ أم نعبر لكم؟".
فأجابه الوفد: "بل اعبروا لنا".
جيش المسلمين المرابط في القادسية
يذكر الشبلي في المرجع المذكور سابقاً أنَّ عدد جيش سعدٍ بن أبي وقَّاص بلغ ستة وثلاثين ألفاً وكان أضخم جيش أعدَّه المسلمون لمواجهة الفرس وهو القول نفسه لدى السيد أحمد دحلان في المرجع المذكور سابقاً.
فيما يشير عبد العزيز إبراهيم العمري في كتابه (الفتوح الإسلامية عبر العصور) إلى قرابة ثلاثين ألف مقاتل من المسلمين.
حيث وصل سعدٌ إلى العراق على رأس أربعة آلاف مقاتل ثم انضم إليه عبد الله البجلي، فعسكر المسلمون في القادسية قرابة شهر حتَّى وصل عددهم إلى قرابة ثلاثين ألفاً.
فيما كان المثنَّى بن حارثة الشيباني قد مات في معسكره عند ذي قار قبل وصول سعدٍ إليه نتيجة جراحه في معركة الجسر، وترك لسعدٍ وصية أن يقاتل الفرس على حدودهم عند أدنى حجر من أرض العرب وألَّا يقاتلوهم في عقر دارهم.
جيش الفرس في معركة القادسية
كلَّف ملك الفرس يزدجرد قائده رستم بقيادة جيشٍ جرَّارٍ بلغ عدده حوالي 120 ألف مقاتل مجهزين بالأسلحة ومعهم 33 فيلاً، وكان الفرس يهتمون بشكل الجيش ليكون مرعباً بالنسبة لخصمهم، فسار رستم بجيشه لملاقاة المسلمين وسيَّر الفيلة أمامه.
زمان ومكان معركة القادسية
تقع القادسية شرقي نهر الفرات وجنوب الكوفة، وقد بنى الفرس عند هذا الموقع قصراً يعرف باسم قصر قادس أو قديس، وكان موقع المعركة بين خندق القادسية والنهر العتيق قرب بلدة المسيَّب.
حيث أتى الفرس من خلف النهر، فيما أتى المسلمون من خلف الخندق والتحم الجيشان في الوسط بين الخندق والعتيق.
تاريخ معركة القادسية
التاريخ يدور حوله خلاف ليس بالكبير، فإمَّا أنَّ معركة القادسية وقعت في الثاني من محرم سنة 14 هجرية المصادف ليوم الأحد السادس والعشرين من شباط/فبراير عام635 للميلاد كما يتفق العمري ودحلان في المراجع السابقة.
أو أنه كما تشير مراجع أخرى على غرار أطلس الحضارة الإسلامية لمؤلفيه د.اسماعيل الفاروقي و د.لوس الفاروقي إلى وقوع القادسية في ربيع عام 636/ سنة 15هجرية.
أحداث معركة القادسية بأيامها الأربع وليلة الهَرير
أحداث اليوم الأول من معركة القادسية (يوم أرماث)
تقدم الفرس في اليوم الأول وأمامهم الأفيال التي تدب الرعب في النفوس حيث كان للفيلة دور كبير في إرباك المسلمين، كما كان سعد بن أبي وقَّاص مصاباً بالدمامل وعرق النسا عندما بدأت معركة القادسية.
فلم يقوى على النزول إلى أرض المعركة، استلقى سعدٌ على بطنه فوق سطح أحد البيوت -وقيل فوق قصر قادس- وأدار المعركة من هناك عبر المراسلات مع قادة الجند كما عيَّن خالداً بن عرفطة نائباً له في أرض المعركة.
ثم أمر بحبس من عارض قراره هذا خشية الفتنة من بينهم أبو محجن الثقفي، ولهذا الأخير قصة نذكرها في نهاية هذه المقالة.
سارت معركة القادسية في يوم أرماث على النحو التالي:
- كان موعد بداية المعركة بعد صلاة الظهر، وكانت علامة الاستعداد أول تكبيرة يطلقها سعد بن أبي وقَّاص، والتكبيرة الثانية للبس العتاد، والثالثة لتجهيز الصفوف وحثِّ المقاتلين، أما الرابعة فكانت للزحف، لكن القتال بدأ فعلياً مع التكبيرة الثانية والثالثة.
- بدأت المعركة بالمبارزة الفردية، ومن أبرز المتبارزين غالب بن عبد الله الأسدي الذي قتل هرمز أحد ملوك الباب وكان يقاتل متوَّجاً فغنم تاجه.
- بعد هذه المناوشات تحركت الفيلة باتجاه المسلمين وتحديداً جماعة بجيلة، فخافت الخيول منها ونفرت وكادت أن ترمي الفرسان عن ظهرها، فكادت قبيلة بجيلة تفنى لولا تدخل كتائب المسلمين للدفاع عنها حيث قتلوا من الفيلة وراكبيها.
- عندما رأى الفرس ما صنع المسلمون مع الفيلة هجموا عليهم فكانت تكبيرة سعدٍ الرابعة، زحف عندها المسلمون إلى ساحة القتال والتحموا بالفرس، لكن الفيلة بقيت العائق الأكبر في هذه المعركة.
- أرسل سعدٌ إلى بني تميم أن يجدوا حيلة للتخلص من الفيلة، فاستهدف الرماة والراجلون تخليص الفيلة من راكبيها، فكان الرماة يصطادون قادة الفيلة والراجلون يقطعون الحبال التي تربط الصندوق بالفيل.
- استمر القتال حتَّى مغيب الشمس، وكانت قبائل أسد وتميم وبجيلة وكندة في طليعة المقاتلين، لكن اليوم الأول لم يبح بنتيجة تُرجى لهذه المعركة، فلا الفرس اطمأنوا إلى النصر ولا المسلمون، لكن خسائر المسلمين البشرية كانت كبيرة نسبياً فسقط منهم أكثر من 500 في ساحة المعركة.
أحداث اليوم الثاني من معركة القادسية (يوم أغواث)
- سميَّ اليوم الثاني من معركة القادسية بيوم أغواث بسبب وصول الإمدادات إلى المسلمين من الشَّام وعلى رأسها هاشم بن عتبة بن أبي وقَّاص والقعقاع بن عمرو التميمي.
- نظم القعقاع جيشه أعشاراً ليصلوا على مراحل فيبدو أن الإمداد أكبر مما هو، كما ترك فواصل زمنية طويلة بين وصول مجموعة ووصول أخرى لنفس الغرض، وفي هذا خدعة للفرس ورفعٌ لمعنويات المقاتلين في جيش المسلمين.
- اتبع المسلمون في يوم أغواث حيلة أخرى، فربطوا قِرَباً منفوخة على ظهور الإبل وغلَّفوها بقطع ملونة من القماش ثم أطلقوا الإبل بمواجهة خيول الفرس، فخافت الخيول ونفرت.
- كان يوم أغواث في صالح المسلمين، حيث تخلَّى الفرس عن الفيلة في هذا اليوم بعد أن قتل المسلمون قادتها ودمروا الصناديق التي تحملها في يوم أرماث، إلى جانب الحيلة التي اتبعها المسلمون في خداع الفرس سواء بتقسيم مجموعات الإمداد وما له من أثر نفسي أو باستخدام الجمال لإخافة الخيول.
- ومن أحداث يوم أغواث المهمة مبارزة بهمن جاذويه للقعقاع التي انتهت بمقتل بهمن أحد قادة معركة الجسر، كما بارز القعقاع الفيرزان وقتله، والفيرزان أيضاً من عظام قادة جيش الفرس، كما بارز الحارث بن ظبيان بن الحارث قائد الفرس البنذوان وقتله.
- استمر القتال بين المسلمين والفرس في يوم أغواث حتَّى المساء، وكان يوماً مبشراً بالنسبة للمسلمين ومشؤوماً بالنسبة للفرس.
أحداث اليوم الثالث من معركة القادسية وليلة الهَرير
- سمي اليوم الثالث يوم عَمَاس وتعني الحرب الشديدة، وقد عاود فيه القعقاع حيلة تقسيم جنده وإدخالهم إلى المعسكر بمجموعات بعد أن قضى ليلته يهرِّبهم دون أن يشعر بهم أحد ليظهروا وكأنهم مددٌ جديد، كما قام المسلمون بسحب جثث جنودهم فيما خلَّى الفرس قتلاهم في ساحة المعركة.
- عادت أفيال الفرس إلى الخدمة، لكنها لم تُرهِب الخيول كما حصل في يوم أرماث لأنَّ الفيلة كانت محاطة بالرَّاجِلين لحماية مرابط صناديقها، والرَّاجلون محاطون بالفرسان لحمايتهم، إلَّا أن الفيلة ألحقت بالمسلمين خسائر كبيرة فضلاً عن الارتباك الذي سببته باختراقها للصفوف.
- لكن سعداً بن أبي وقَّاص تحرَّى من مسلمي الفرس عن نقطة ضعف الفيل، فعلم أنَّ مقتل الفيلة في عيونها وخرطومها ومشفرها، فكان أن تمكن المسلمون من قتل الفيل الأبيض وإصابة فيلٍ آخر يسمَّى الأجرب، ولمَّا رمى الفيل الأجرب نفسه في نهر العتيق تبعته الفيلة وسارت بعيداً.
- اشتد القتال واستبسل الطرفان في ساحة المعركة وامتدت المعركة حتَّى ظلام الليل، وكان اليوم الأول الذي يستمر فيه القتال حتَّى الليل فسميت بليلة الهرير، والهرير هو صوت الرحى عند دورانها أو صوت الكلب إذا كشَّر دون نباح، وربما سميت بالهَرير لأن الكلام انعدم فيها وقارعت السُّيوفُ فيها السُّيوفَ دون أن تخاطب الألسن بعضها، وسمِّيت أيضاً بليلة القادسية.
- استمرت ليلة الهَرير حتَّى الصباح وانقطع فيها اتصال سعد بن أبي وقَّاص مع قادة الجند، وكذلك كان الأمر لجهة الفرس وقائدهم رستم.
أحداث اليوم الرابع من معركة القادسية (يوم القادسية)
- على الرغم من استمرار القتال طيلة الليل في ليلة الهَرير إلَّا أن المسلمين قرروا الاستمرار بالقتال صباح اليوم التالي الذي يعر�� بيوم القادسية، وكان هذا رأي القعقاع الذي قال للمسلمين: "اصبروا ساعة واحملوا، فإن النَّصر مع الصَّبر".
- فحمل المسلمون على الفرس واستهدفوا قلب جيشهم، حيث كان جيش فارس منهكاً من القتال وقد خسر أهم قادته في مبارزة يوم أغواث.
- استمر القتال حتَّى الظهيرة، وكانت استراتيجية المسلمين أن ينهكوا قلب الفرس ويشغلوا الميمنة والميسرة فلا يتمكن رستم من إعادة تنظيم الصفوف، وهذا ما كان إلى أن انفضَّ قلب الجيش الفارسي، وكان القعقاع ومن معه يبحثون عن رستم ليقتلوه ففي مماته نهاية المعركة وحسمها.
مقتل رستم قائد الفرس وانتصار المسلمين في يوم القادسية
يروي السيد أحمد بن السيد ريني دحلان في المرجع المذكور سابقاً حادثة اعتقال رستم وقتله في نهاية معركة القادسية، وملخصها أنَّ ريحاً هبَّت على خيمة رستم واقتلعتها فهرب واختبأ خلف بغالٍ تحمل أحمالها، ولمَّا وصل القعقاع وهلال بن علقمة إلى سرير رستم لم يجدوه.
ضرب هلال بن علقمة الحبل الذي يربط أحمال البغل دون أن يعرف أن رستم خلفه، فوقع الحِمل على رستم الذي أزاح عنه الكيس وفرَّ إلى نهر العتيق حيث رمى بنفسه في الماء.
فلحقه هلالٌ وجرَّه من قدميه حتَّى أخرجه من العتيق، ثم ضربه بالسَّيف على جبينه فقتله، ونادى بالناس: "قتلتُ رستم ورب الكعبة".
تراجع جيش فارس إلى العتيق محاولاً عبوره والانسحاب، وفي النهر قُتل أكثر من ثلاثين ألف فارسٍ من الفرس، وبدأ المسلمون يلاحقون فلول الهاربين، وبذلك كانت نهاية معركة القادسية.
نتائج معركة القادسية
- بموت رستم انتهت معركة القادسية لصالح المسلمين بانسحاب جيش الفرس مهزوماً باتجاه المدائن، وللمدائن حكاية أخرى مع جيش القادسية.
- سقط من المسلمين 2500 مقاتل قبل ليلة الهرير، و6000 مقاتل ليلة الهرير ويوم القادسية، ليكون مجموع الخسائر البشرية للمسلمين في معركة القادسية 8500 شهيد.
- تتفاوت المعلومات حول خسائر الفرس، لكنها فاقت الأربعين ألف سقط معظمهم في اليوم الأخير.
- مهدت معركة القادسية الطريق أمام المسلمين لفتح فارس والوصول إلى المدائن عاصمة الفرس، كما كفلت السيطرة على العراق.
- غنم المسلمون من الفرس غنائم كثيرة، كما انضمَّ إلى جيشهم بعض الجنود الفارين من جيش الفرس بعد أن أشهروا إسلامهم.
قصة أبو محجن الثقفي
أخيراً... نختتم قصة معركة القادسية بقصة أبو محجنٍ الثقفي، حيث أمر سعد بن أبي وقَّاص بسجنه إمَّا لأنه كان يعاقر الخمر قبل المعركة أو لأنَّه عارض تعيين خالد بن عرفطة لقيادة المعركة.
ولما اشتد القتال في يوم أغواث كان أبو محجن في محبسه يرجو سلمى بنت حفص أن تفك قيده وتعطيه فرسه البلقاء لكنها رفضت، فقال شِعراً:
كفى حَزَناً أنْ تردى الخيلُ بالقَنا وأُترَكَ مَشدوداً عليَّ وِثَاقيا
إذا قُمتَ عَنَّاني الحَديدُ وأُغلِقَتْ مَصارعُ دوني تُصِمُّ المُناديا
وقدْ كُنتُ ذا مَالٍ كَثيرٍ وإخوةٍ فأصبَحتُ مِنهم واحداً لا أخا ليا
فإنْ متُّ كانتْ حَاجةً قد قَضيتُها وخَلَّفتُ سَعداً وحدَه والأمانيا
وقد شَفَّ جسمي أنَّني كلَّ شَارقٍ أعالجُ كَبلاً مُصمَتاً قد بَرَانيا
هَلُمَّ سِلاحي لا أباً لكَ إنَّني أرى الحَربَ لا تزدادُ إِلا تماديا
فلما سمعت سلمى أبياته فكَّت قيده وأعطته سلاحه وخيله فنزل إلى المعركة، وأبلى فيها بلاءً لم يبله غيره فتساءل الناس عنه من يكون، وقال أحدهم: "واللهِ لو لم يكن أبو محجن في الحبس لقلت هذا هو وهذه البلقاء".
وبعد انتهاء اليوم عرف سعدٌ أنَّ الفارس الذي حيَّر النَّاس إنَّما هو أبو المحجن، فأخلى سبيله وأعاده إلى الجيش.