مفهوم حقوق الطفل
This browser does not support the video element.
شكلت حقوق الطفل الشغل الشاغل للدول بالتزامن مع طرح قضية حقوق الإنسان، فما المقصود بحقوق الطفل؟ وكيف يتم تطبيقها على أرض الواقع؟
ما هو مفهوم مصطلح حقوق الطفل
تعود كلمة طفل إلى الكلمة اللاتينية (Infans) وتعني "الشخص الذي لا يتكلم"، وحدد الرومان سنوات الطفولة من الولادة وحتى سن 7 سنوات، وتطور هذا المفهوم على مر العصور والثقافات لتعني أخيراً أن سن الطفولة يبدأ منذ ولادة الإنسان وحتى سن البلوغ.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
حقوق الطفل هي الحقوق التي تنطبق على كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، كالحق في الحماية والرعاية للحفاظ على وجود صلة مع آبائهم البيولوجيين، كذلك الحق في إشباع الحاجات الأساسية من الغذاء، بالإضافة إلى تطبيق القوانين الجنائية المناسبة لسنهم، وتأخذ هذه الحقوق في الاعتبار حالة الضعف والحاجة لتنمية الطفل بدنياً ونفسياً وعاطفياً.
لمحة تاريخية عن حقوق الطفل عبر التاريخ
- لم تنظر التيارات الفلسفية في العصور القديمة للطفل كفرد بحد ذاته، بل كمواطن في طور التكوين، حيث كانت النظرة السائدة لدى الفيلسوف اليوناني أفلاطون وتلميذه اليوناني أرسطو ، أن الوالد لديه سلطة حاكمة على ولده، والطفولة هي فترة انتقالية إلى مرحلة البلوغ. فبقي الوضع على ما هو عليه في العصور الوسطى بسبب هيمنة أفكار أفلاطون وأرسطو .
- وفي العصور الحديثة تغيرت النظرة للطفل، حيث نشر الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (Jean-Jacques Rousseau) (1712-1778) كتاباً بعنوان (إميل) أو التربية، المنشور في عام 1755، خفف روسو من خلاله المفهوم الأرسطي للطفولة، واعتبر المفكر البريطاني جون لوك (John Locke) (1632-1704) أن "الناس متساوون ولديهم حقوق منذ الولادة".
- فرنسا هي أول دولة حققت تطوراً في مجال حقوق الطفل، حيث قام الفيلسوف الفرنسي لويس رينيه بدراسات استقصائية، كانت ملهمة للتصويت على قانون ينظم عمالة الأطفال في عام 1841، وينص القانون الأول المتعلق بحقوق الطفل، على منع تشغيل أي طفل دون سن الثماني سنوات ، كما حدد ساعات عمل الأطفال بثماني ساعات يومياً كحد أقصى، وحظر القانون أيضاً العمل الليلي للأطفال تحت سن الثلاثة عشرة سنة، وعُدّل هذا القانون في القرن التاسع عشر في عام 1892، حيث حظر عمل الأطفال تحت سن الثلاثة عشرة سنة، ويقتصر يوم العمل على عشر ساعات.
- وفي عام 1898 صدر في فرنسا قانون حظر بموجبه اغتصاب الأطفال، وشهدت هذه المرحلة انتقاد الليبراليين للسلطة الأبوية، حيث ترجم بصدور القانون 24 لعام 1889، والذي اعتبر نقلة نوعية على صعيد تعزيز حقوق الطفل، وبناءاً على هذا القانون يجوز للمحكمة أن تحرم الوالدين من سلطتهما على ولدهما إذا أساءا استخدامها (كالضرب وإجباره على العمل في سن صغير)، وبموجب هذه القوانين صار للطفل بعض الحقوق.
- وفي فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، أصبحت فكرة حقوق الطفل عابرة للحدود، حيث تم إنشاء العديد من المنظمات منها، الاتحاد الدولي لإنقاذ الأطفال -(المجلس الدولي للعلوم SCIU) الذي تأسس عام 1920 في مدينة جنيف السويسرية، وجمعية حماية الطفل الدولية التي أنشأها الفرنسيون والبلجيكيون عام 1921، وسعت هذه المنظمات للعمل في جميع أنحاء العالم، وفي 1 سبتمبر/أيلول من عام 1924 اعتمدت عصبة الأمم إعلان حقوق الطفل، وهو أول قانون دولي معتمد يعترف بحقوق الطفل، لكن تأثير هذا القانون بقي مقتصراً على بعض الدول كفرنسا وكندا.
- وبعد الحرب العالمية الثانية، أنشأت الأمم المتحدة في عام 1946 منظمة الأمم المتحدة للطفولة، والتي كُرست للمرة الأولى للأطفال، وفي عام 1948، تبنت الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يعترف بأن "للأمومة والطفولة الحق في مساعدة خاصة." تتمثل ب"حماية الطفل من دون أي اعتبار للجنس أو جنسية والعقيدة، ومساعدته من خلال الحفاظ على سلامة الأسرة ".
- وفي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1959 تبنت منظمة الأمم المتحدة إعلاناً لحقوق الطفل، تضمن دعوة "الآباء والأمهات والمنظمات الطوعية والسلطات المحلية والحكومات القومية إلى الاعتراف بحقوق الطفل".
- وفي عام 1966 تبنت الأمم المتحدة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتضمن (حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي، والحق في التعليم والصحة)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتضمن (حق الطفل في الحصول على اسم وجنسية)، كذلك تبنت المنظمة إعلاناً بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة، وفي مسعىً منها لتكريس حقوق الطفل أطلقت الأمم المتحدة على عام 1979 اسم "العام العالمي للطفل"، وأعلنت تشكيل فريق عمل ضمن لجنة حقوق الإنسان لصياغة اتفاقية خاصة لحقوق الطفل، تم الانتهاء منها في عام 1989.
اتفاقية حقوق الطفل الدولية والحقوق التي اعترفت بها
تبنت الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل في 20 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1989، لتدخل حيز التنفيذ في 7 سبتمبر/أيلول من عام 1990 وذلك بعد تصديق عشرين دولة عضو في الأمم المتحدة على هذه الاتفاقية، التي أصبحت مرجعاً رئيساً للقانون الدولي، وفي عام 2014 صادقت 197 دولة عضو في الأمم المتحدة على اتفاقية حقوق الطفل، باستثناء جنوب السودان وفلسطين التي وقعت على الاتفاقية ولم تصادق عليها لأسباب لم تفصح عنها، والولايات المتحدة الأمريكية والصومال لم توقعان على هذه الاتفاقية دون ذكر أسباب ذلك، وفي عام 1991 أنشأت الأمم المتحدة لجنة حقوق الطفل لتطبيق بنود الاتفاقية، وكانت إحدى مهامها، مكافحة فيروس نقص المناعة المكتسبة لدى الأطفال، وتنفيذ حقوق الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة، أي هل طبقت الاتفاقية أم لم تطبق.
ومن أبرز الحقوق التي اعترفت بها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل:
- حق الحياة، حيث اعترفت المادة السادسة من هذه الاتفاقية بحق الحياة، وعلى الدول الأطراف بذل كل جهدها لضمان بقاء الطفل على قيد الحياة واستمرار نموه.
- حق الحصول على اسم واكتساب الجنسية، فبموجب المادة السابعة من الاتفاقية يسجل الطفل بعد ولادته فوراً، ومن حق الطفل اكتساب الجنسية، وبقدر الإمكان، أن يهتم الحق في معرفة والديه وأقاربهم.
- حق العيش مع الوالدين ولم الشمل، فبموجب المادة التاسعة من هذه الاتفاقية تكفل الدول الأطراف للطفل ألا ينفصل عن آبائه رغماً عنه، إلا عندما تقرر السلطات المختصة، وفقاً للقوانين والإجراءات المعمول بها، وأن يكون هذا الفصل ضروري لمصلحة الطفل، على سبيل المثال عندما إساءة الوالدين أو إهمال الطفل أو عندما يعيش الوالدان منفصلين، ويتعين اتخاذ قرار حول مكان إقامة الطفل، ونصت المادة العاشرة من الاتفاقية على ضرورة الاستجابة لطلبات لم الشمل التي يقدمها الأطفال أو والديهم، إذا كانا منفصلين لأي سبب من الأسباب بما فيها الحرب، والمقصود بلم الشمل هو جمع أفراد العائلة بعضهم ببعض أي جمع الأبناء والوالدين معاً في مكان واحد، كي يتمكنوا من العيش سوياً.
- حرية التعبير وتكوين الجمعيات، حيث كفلت المادتين الثانية عشرة والثالثة عشرة من الاتفاقية حرية الطفل في مناقشة القضايا التي تتعلق به وتتناسب مع عمره، وحقه في الحصول على المعلومات، كما كفلت المادة الخامسة عشرة من هذه الاتفاقية حق الطفل في تشكيل الجمعيات والتجمع السلمي.
المواثيق الدولية الأخيرة المتعلقة بحقوق الطفل
اعتمدت مواثيق دولية عديدة تتعلق بالطفل، حيث اعتمدت منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي) المنعقدة في مونروفيا – ليبيريا الميثاق الإفريقي لحقوق ورفاه الطفل في الحادي عشر من يوليو/تموز من عام 1990، واعتمدت الأمم المتحدة اتفاقية جنيف المتعلقة بحظر عمل الأطفال في 17 يونيو/حزيران من عام 1999، وتبنت البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلقة بحظر اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة في مايو/أيار من عام 2000 لتدخل حيز التنفيذ في عام 2002، والمقصود بالبروتوكول الاختياري أي أن الدول غير مجبرة على الموافقة على البروتوكول، لكن إذا وافقت فعليها الالتزام به، كذلك تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بروتوكول عام 2011، الذي يمكن لأي طفل من أي مكان كان من خلال الطلب من لجنة حقوق الطفل حمايته، ويطلب العدالة القانونية.
خلاصة
ساهمت اتفاقية حقوق الطفل بشكل أساسي والاتفاقيات الأخرى التي ذكرناها في هذه المقالة في صيانة حقوق الطفل وتحديدها بنصوص قانونية، لم تتضمن الحديث عن واجبات الطفل باعتبارها مطبقة ومعترف بها للوالدين، لتبقى هذه النصوص ذاكرة لتذكير الوالدين بواجباتهم تجاه أطفالهم، والتعامل معهم باعتبارهم أشخاص لديهم شخصية مستقلة، فالأطفال ليسوا ملكاً لوالديهم بل هم أبناء الحياة.