نظام بيدو ـ أداة الصين لكسر الهيمنة الأمريكية في الفضاء؟
خدمة "بيدو" ـ مسار تكنولوجي بدأ قبل عشرين عاما
نهاية احتكار ـ استقلالية تجاه "جي.بي.إس" الأمريكي
أنظمة منافسة ـ "غاليليو" رمز قوة أوروبا الناعمة
برنامج الصين الفضائي ـ طموح بلا حدود
تكنولوجيا الفضاء ـ الصين تفاجئ العالم
خدمة بيدو ـ مسار تكنولوجي بدأ قبل عشرين عاما
بتكلفة قدرها نحو عشر مليارات دولار، أكملت الصين إنجاز نظام "بيدو" (BeiDou) ويسمى بالإنجليزية أيضا كومباس، للملاحة وتحديد المواقع بواسطة شبكة من خمسة وثلاثين قمراً صناعياً، ثم إطلاق آخرها يوم الـ23 من يونيو/ حزيران الماضي، ما يجعل الصين مستقلة تماما عن أنظمة مماثلة كـ"جي. بي. إس" الأمريكي أو "غاليليو" الأوروبي الذي هو قيد الإنجاز. وعلى غرار نظامي تحديد المواقع الأمريكي والروسي، فإن "بيدو" يُدار من قبل وزارة الدفاع الصينية. أما غاليليو الأوروبي فله طابع مدني وممول تقريبا بالكامل من قبل الاتحاد الأوروبي.
ووراء سباق ضبط تقنيات الملاحة الفضائية وتحديد المواقع، توجد رهانات اقتصادية وسياسية وعسكرية ذات أبعاد استراتيجية مختلفة، في تفوق لم يعد اليوم حكراً على الولايات المتحدة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
بدأ نشر النسخة الأولى من "بيدو" عام 2000 وكانت تتكون من ثلاثة أقمار صناعية فقط، دخلت الخدمة في عام 2003. النسخة الأولى كانت ذات تغطية إقليمية محدودة وتشمل الصين وجوارها. أما الجيل الثاني فتمّ الإعلان عنه عام 2006، ويغطي كامل الكرة الأرضية بدقة تقارب عشرة أمتار في نسخته المدنية.
ويعمل النظام بفضل ثلاثة أنواع من الأقمار الصناعية. الفئة الأولى تضم خمسة أقمار في مدار ثابت، والفئة الثانية ثلاثة في مدار مائل (55 درجة) متزامنٍ مع دوران الأرض، ثم 27 قمرا صناعيا تم تثبيتها في مدار متوسط. النسخة الثانية من "بيدو" دخلت الخدمة عام 2012 بتغطية شملت أيضا الصين ودول الجوار، بأداء وفعالية تقارن بنظام "جي.بي.إس" الأمريكي وغلوناس الروسي وغاليليو الأوروبي. علاوة على ذلك، هناك أيضا نظام "إ.إير.إن.س.س" الهندي بسبع أقمار صناعية والُمصمم للملاحة في الهند وجوارها في قُطر لا يتعدى أكثر من 1500 كيلومترا عن حدودها. وأخيرا نظام "كيو.زيد.إس.إس" الياباني، الذي هو قيد الإنجاز ويتكون من ستة أقمار صناعية يُتوقع دخولها الخدمة عام 2023.
الفيديو التالي يظهر إطلاق الصين للقمر 35 والأخير في نظام "بيدو" لتحديد المواقع.
نهاية احتكار ـ استقلالية تجاه جي.بي.إس الأمريكي
خلال القرن العشرين، تحول الفضاء إلى ساحة تنافس بين القوى العظمى وأداة لاستعراض قدراتها فيالتكنولوجيا المدنية والعسكرية. وتعتبر أنظمة الملاحة وتحديد المواقع رهاناً استراتيجياً في قطاع تقنيات الفضاء وضبط تكنولوجيا الساعات الذرية وآليات الاتصالات السلكية واللاسلكية ومعالجة بيانات الملاحة.
نظام "جي.بي.إس" من تصميم الجيش الأمريكي ويخضع لسيطرة مشتركة بين البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية، وهو متاح مجانًا منذ عام 2000. دقة نظام تحديد المواقع الأمريكي تتراوح بين ثلاثة وخمسة أمتار، غير أن الأمريكيين قادرون في أي لحظة على التشويش على هذه الدقة. ما يُخل بالتزامنية وتعطيل شبكات الهاتف المحمول. وهذا ما دفع بالصينيين والأوروبيين والروس والهنود واليابانيين إلى تطوير أنظمتهم الخاصة لتحديد المواقع.
يمنح نظام "بيدو" للصين استقلالية اتجاه النظام الأمريكي، بامتلاك أداة لتحديد المواقع في حال نشوب نزاع عسكري مع الجيش الأمريكي، خصوصا وأن الأخير له قدرة قطع خدمات "جي.بي.إس" على الصين أو على أي دولة أخرى. وإضافة إلى ذلك سيكون بإمكان "بيدو" دعم أنظمة تكنولوجية مستقبلية في الصين كالسيارات ذاتية القيادة، وقطاع الزراعة الدقيقة وما إلى ذلك.
أنظمة منافسة ـ غاليليو رمز قوة أوروبا الناعمة
تم إطلاق برنامج نظام غاليليو الأوروبي عام 1999، الاختبار الأول تحقق في عام 2005. البرنامج اعترضته سلسلة من العقبات المتعلقة بالتمويل ومعارضة بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الرفض التام من قبل الولايات المتحدة. المشروع تشرف عليه وكالة الفضاء الأوروبية، ومن المتوقع الانتهاء من انجازه خلال العام الجاري (2020). النظام الأوروبي يعمل بـ 22 قمرا صناعيا حاليا، وسيصل المجموع في النهاية إلى ثلاثين قمراً.
نظام سيكون بلا شك لبنة في خدمة مشاريع بلورة سياسة دفاعية أوروبية مشتركة التي ستتطلب امتلاك وسائل خاصة للمراقبة والاتصالات. وذلك بعدما أظهرت حرب الخليج وكوسوفو وأفغانستان تبعية الأوروبيين التكنولوجية للولايات المتحدة التي تفرض وبقرار من الكونغرس، إلزامية دمج نظام "جي.بي.إس" في جميع أنظمة الأسلحة الأمريكية.
برنامج الصين الفضائي ـ طموح بلا حدود
يتذكر العالم نجاح مهمة شنتشو المأهولة في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2003 والتي أبرزت للعالم الصين كقوة فضائية صاعدة، وإن كان البرنامج الفضائي الصيني متنوع وأقدم بكثير. غير أن نجاح المهمات المأهولة معقد ويتطلب درجة عالية من التراكم التكنولوجي. وكانت الصين حينها ثالت دولة في العالم تتمكن من إرسال إنسان إلى الفضاء بعد الولايات المتحدة وروسيا. ومنذ ذلك الحين والقوى العالمية الأخرى تراقب عن كثب تطور برنامج بكين الفضائي، خصوصا الولايات المتحدة التي تربطها علاقات معقدة مع العملاق الأسيوي. أول قمر صناعي أطلقته الصين، كان بواسطة صاروخ يعود لعام 1970. إلا أن البرنامج بدأ بشكل فعلي وواسع عام 1992، وتشارك في إدارته المؤسسة العسكرية. ولعل أهم إنجازات البرنامج الفضائي تحقق في يناير/ كانون الثاني 2020 حينما نجحت الصين في إرسال مسبار "تشانغ آه ـ4" إلى الوجه المظلم من القمر.
وتسعى الصين جاهدة لبناء محطة فضائية خاصة بها تنافس محطة الفضاء الدولية التي يشارك فيها الأوروبيون والأمريكيون والروس منذ فترة طويلة. وبهذا الصدد كتب بيتر شتورم محرر الشؤون العلمية في "فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ" (الرابع من يناير/ كانون الثاني 2019) أن السبب في ذلك "يرجع في المقام الأول إلى الأمريكيين الذين رفضوا مشاركة الصين قبل بضع سنوات (في المحطة الدولية)". وهذا ما جعل الصينيين يرفعون التحدي بالاعتماد على إمكانياتهم الذاتية.
في سياق متصل، خصصت "شبكة الإعلام الألمانية" RND على موقعها يوم (السادس من يونيو/ حزيران 2020) مقالاً مطولاً حول البرنامج الفضائي لبكين، تطرقت فيه إلى سلسلة التجارب الصاروخية والجيل الجديد من المركبات الفضائية الصينية. وذكرت بالخصوص نجاح تجربة نموذج أول من صاروخ طراز "5ب"، بعلو 53 مترا الذي سيحمل مركبات فضائية صينية قادرة على حمل ست رواد فضاء دفعة واحدة. "نجاح يعتبر شرطاً لنجاح متطلبات برنامج الفضاء الصيني الطموح الذي يخطط لرحلات إلى القمر والمريخ ولإنشاء محطة فضائية صينية دائمة"، يقول التقرير.
حسن زنيند