نظرية المجال الحيوي للدول
This browser does not support the video element.
كانت نظرية المجال الحيوي السبب في التوسع الاستعماري للعديد من الدول بعد مرحلة الثورة الصناعية وازدياد الإنتاج، حيث برزت الحاجة إلى مصادر للمواد الخام وأسواق لتصدير المنتجات، بالتالي برزت هذه النظرية كتبرير لهذه الدول في احتلال الدول الأخرى والتوسع على حسابها، فما هي هذه النظرية؟ من هم روادها؟ كيف طبقت على أرض الواقع؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.
تعريف نظرية المجال الحيوي
نظرية المجال الحيوي هي النظرية التي ترى الدولة على أنها مثل الكائن الحي لديه حاجاته ومتطلباته للعيش، لذلك عليها إن كانت قدراتها أكبر من مساحتها الجغرافية أن تتوسع لتؤمن احتياجات سكانها.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
أول من استخدم مصطلح المجال الحيوي عالم الأحياء أوسكار بيسكال
استخدم عالم الأحياء الألماني أوسكار بيسكال مصطلح المجال الحيوي في القرن التاسع عشر في كتابه الذي حمل عنوان (مراجعة أصول الأنواع عند داروين) الصادر في عام 1860، وفي عام 1897 نقل العالم الألماني فردريك راتزل مصطلح المجال الحيوي من علم الأحياء إلى السياسة في كتابه (الجغرافية السياسية).
القوانين السبعة لنمو الدول عند راتزل
حيث وضع في عام 1901 مقالة بعنوان "القوانين السبعة للنمو الأرضي للدولة"، وهذه القوانين وفق ما ورد في كتاب (الأصول العامة في الجغرافية السياسية والجيوبوليتكيا) للكاتب محمد رياض:
- رقعة الدولة تنمو بنمو حضارتها، فإذا كان عدد السكان الذين لديهم حضارة خاصة بهم كبير، فإنهم كلما ازدادت مساحة الأراضي التي يحتلونها تزداد مساحة دولتهم (بمعنى: ينقلون حضارتهم ويوزعونها في كل الأراضي المحتلة؛ فتصبح هذه الأراضي المحتلة ملكاً للدولة من خلال تملك الأراضي ونشر الثقافة، كما فعل الأوروبيون حينما هاجروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قاموا بالقضاء على الهنود الحمر وتملكوا الأراضي فتشكلت مثلاً الولايات المتحدة الأمريكية التي تحمل طابعهم).
- نمو الدولة (أي توسعها من خلال احتلال أراضي جديدة) عملية تأتي بعد ونتيجة نمو السكان في هذه الدولة، كي يستطيعوا الانتشار في الأراضي الجديدة كذلك نشر ثقافتهم وحضارتهم فيها.
- عملية نمو الدولة تبقى مستمرة حتى تصل إلى مرحلة ضم الأجزاء والأراضي التي احتلتها هذه الدولة؛ فتصبح كلاً واحداً لا يتجزأ.
- حدود أي دولة هي العضو الحي المحيط بها والذي يحميها من اعتداء الدول الأخرى عليها، فهي كالجلد بالنسبة للأحياء، فالحدود لا توضع فقط لحماية الدولة من الغزو بل توضع لتوضح مراحل نمو الدولة وتمددها.
- تسعى الدولة في نموها إلى ضم الأقاليم المهمة سياسياً، بعبارة أخرى: يجب أن تكون الأقاليم التي تضمها الدولة ذات قيمة اقتصادية واستراتيجية وغذائية (كأن تكون غنية بالنفط على سبيل المثال كإقليم عربستان الذي ضمته إيران في القرن العشرين، تطل على مضيق هام (عدن احتلتها بريطانيا في القرن العشرين) لأنها تطل على مضيق باب المندب، عقدة مواصلات مثل: قناة السويس، أو ذات أرض خصبة مثل: (السودان الذي يعتبر سلة غذائية حيث احتلته بريطانيا لأنه غني بالأراضي الزراعية الخصبة إضافةً لغناه بالموارد النفطية).
- الدافع الأول لتوسع الدولة خارج حدودها الإقليمية هو حضارة الدولة التي يمتلكها سكانها، (بعبارة أخرى: تتوسع الدولة عندما يكون سكانها ذوو حضارة عريقة ولا تكفيهم الحدود للتعبير عنها فتتوسع الدولة كي ينشروا الحضارة في الأماكن المحتلة).
- ميل الدولة بالتوسع عندما يبدأ يزداد بشدة حتى يصل إلى مرحلة ضم الأراضي المحتلة، وفي هذه الحالة تصبح (كالشخص الجائع ذو الشهية المفتوحة لتناول كل ما أمامه من طعام).
فردريك راتزل.. الدولة كائن حي
يعتبر العالم الألماني فردريك راتزل أن الدولة كائن حي تدفعه الضرورة للتوسع لضم الأراضي التي يحتاجها حتى لو اضطر إلى استخدام القوة لتحقيق ذلك، فالدولة بنظره جزآن: جزء بيولوجي (السكان) الموجودون في حدود الدولة قبل التوسع، الجزء المعنوي مستمد من ارتباط الإنسان بالمكان الذي يعيش فيه ويعمل به.
القرن العشرين هو للدول الكبيرة
يرى العالم الألماني فردريك راتزل أن هناك علاقة قوية بين مساحة الدولة وقوتها السياسية، فكلما زادت مساحة الدولة زادت قوتها السياسية، وكلما قلت مساحة الدولة قلت قوتها السياسية، فكان يعتقد راتزل أن نمو الولايات المتحدة الأمريكية وظهورها كقوة كبيرة داخل مساحة واسعة، جعل أهمية أوروبا تتضاءل، بالتالي السيطرة العالمية ستنتقل في القرن العشرين من أوروبا إلى الدول العملاقة بالمساحة وهي الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، أستراليا.
نظرية راتزل ركزت كثيراً على عامل المكان وأغفلت عوامل أخرى
تعرضت نظرية راتزل كغيرها من النظريات للنقد من قبل علماء آخرين، ومن بينهم وفق ما ورد في كتاب (الأصول العامة في الجغرافية السياسية والجيوبوليتكيا) للكاتب محمد رياض:
- العالم الألماني هاسنجر، قال إن هدف الجغرافيا السياسية عند راتزل هو شرح وتصوير الدولة على أنها كائن حي مرتبط بالأرض، وحدودها متغيرة مع الزمن، وهكذا فإن المكان والموقع والتغيرات التي تطرأ على الشكل السياسي للمكان هي في نظر راتزل عوامل أساسية جوهرية، في حين أن العامل البشري المتمثل بصورة الشعوب يحتل خلفية الصورة، بالتالي كان المكان عند راتزل العامل الوحيد الذي يجب أن تركز عليه الجغرافية السياسية، لكن هاسنجر يعتقد أن هناك عوامل أخرى تؤثر على الأوضاع السياسية للدولة غير عامل المكان على أهميته، وهي العوامل البشرية، حيث أضاف هاسنجر مبدأ آخر لمبدأ راتزل وهو (كيان الدولة يمنح أقاليمها قوى معينة)، بالتالي هناك علاقة متبادلة بين الدولة والمكان الذي تشغره على الخارطة.
- العالم أوفربك، يقول إن راتزل أشار إلى دور العوامل المعنوية والإدارية للبشر إلى جانب عاملي المكان والموقع إشارة خفيفة في كتابه الجغرافية السياسية، ولكن دور العوامل الأخرى يبدو واضحاً وقويّاً في دراساته التفصيلية مثل دراساته وأبحاثه السياسية عن دول حوض البحر المتوسط والولايات المتحدة وكاليفورنيا، ففي كتاب راتزل الأساسي عن الجغرافيا السياسية ركز على أن الدولة كائن حي، وناقش مشكلات الدولة على أساس مناهج البحث في العلوم الطبيعية، لهذا فإن المكان الطبيعي كان يظهر عند راتزل على أنه العامل الأساسي وحجر الزاوية في الجغرافيا السياسية، فأوفربك يرى أن سقوط الكثير من الدول قديماً وفي القرن الماضي كان بسبب المكان؛ (الذي اعتبره راتزل الأساس في قوة الدولة)، فالدول نتيجة تعدي مجالها الجغرافي سقطت لأنها أصبحت غير قادرة على تحمل أعباء توسعها (الدولة العثمانية)، كما أن دولاً أخرى سقطت لأنها لم تكن قادرة على تنظيم الحيز الجغرافي الذي شغرته على الخارطة؛ الأمر الذي سبب انهيارها (الاتحاد السوفيتي).
في المقابل كان هناك علماء آخرون دافعوا عن فكرة راتزل في أن الدولة كائن حي، ومن هؤلاء:
- العالم جوستاف فوشلر هاوكه، الذي رأى أن فردريك راتزل حذَّر من المبالغة في فهم دور المكان والموقع في الجغرافيا السياسية، وأن صفات الشعوب تساهم بشكل كبير في إعطاء الدولة القيمة السياسية، ويؤكد هاوكه أن راتزل لم يتغاضَ عن قيمة العامل الاجتماعي وإن كان لم يصل إلى ما وصل إليه العلماء اليوم لاسيما مع تأسيس علم الاجتماع والأنتروبولوجيا والجغرافيا الاجتماعية، لكن الواضح أن راتزل كان على علم بأهمية المجتمع وتأثير المظاهر الحضارية والأيديولوجية على تكوين الدولة، كما كان واضحاً لديه فكرة أن الدولة تتأثر بوظيفة المكان على مر الزمن.
- العالم الفرنسي ديمانجيون (Demangeon)، قال: لقد كان فردريك راتزل أول من أدرك تعقيد حياة الدولة ووظائفها وأعطى لدراساتها الطابع العلمي، لاسيما أن فردريك راتزل حمل عبء القيام بأول دراسة أصولية في الجغرافيا السياسية.
ظهور نظرية المجال الحيوي
تسبب الحصار الذي فرضته بريطانيا على التجارة من وإلى ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى بنقص حاد في المواد الغذائية في ألمانيا، في حين أن الموارد من المستعمرات الألمانية في أفريقيا كانت تستطيع المساعدة لكنها بعيدة، لذلك ونتيجة معاناة ألمانيا من الجوع خلال الحرب العالمية الأولى ظهرت نظرية المجال الحيوي على اعتبار أن معاناة ألمانيا من الجوع كان من الممكن تفاديها لو توسعت ألمانيا نحو روسيا شرقاً لسد النقص في المواد الغذائية على اعتبار أن روسيا تحوي مناطقاً زراعية كثيرة، بالتالي لديها وفرة من المواد الغذائية.
ألمانيا تطبق نظرية المجال الحيوي
استخدم العالم الألماني كارل أرنست هاوسهوفر المجال الحيوي للانتقام من الهزيمة العسكرية التي لحقت بألمانيا في الحرب العالمية الأولى التي حصلت بين عامي 1914 و 1918، وما فرضته اتفاقية فيرساي من شروط مجحفة بحق ألمانيا بعد أن أخذت منها الكثير من الأراضي وضمتها إلى دول أخرى مثل: (ميناء دانزينغ أخذ من ألمانيا بموجب اتفاقية فيرساي وأعطي لبولونيا ..إلخ).
فكر أدولف هتلر
كتب المستشار الألماني أدولف هتلر في كتابه (كفاحي) الذي نشر قبل وصوله إلى السلطة بثمانية أعوام أي في عام 1925، في فصل عنونه باسم "التوجه الشرقية أو السياسة الشرقية"، التي تبين الحاجة إلى "المجال الحيوي الجديد لألمانيا، حيث ادعى أن تحقيق المجال الحيوي يحتاج إلى إرادة سياسية، وأن الحركة الاشتراكية الوطنية يجب أن تسعى جاهدة لتوسيع المجال الحيوي للشعب الألماني، وتوفير مصادر جديدة للغذاء".
ألمانيا سعت لتحقيق المجال الحيوي
حاولت ألمانيا في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية (أي بين عامي 1918 و 1939) إنشاء إمبراطورية استعمارية تشبه الإمبراطورية البريطانية، أو الإمبراطورية الفرنسية، بالاعتماد على فكرة أن الدولة كائن حي كما قال العالم الألماني فردريك راتزل، الذي أضاف أن الدولة التي تتكيف مع المكان الذي تشغره على الخارطة من الطبيعي أن تتوسع إلى أقاليم أخرى.
لكن في هذه الحالة يجب تشجيع زيادة عدد السكان من خلال تشجيع زيادة عدد الأولاد لدى الأسرة الألمانية، حتى يستطيع سكان ألمانيا شغل الأقاليم التي تتوسع إليها دولتهم، فعلى سبيل المثال.. اعتبر انخفاض عدد سكان البرتغال أمر حاسم في اندثار الإمبراطورية البرتغالية وانكفائها إلى حدودها نتيجة عدم توافر عدد سكان كبير، فلم تستطيع الدفاع عن مستعمراتها؛ بالتالي اضطرت للانسحاب والاكتفاء بحدودها الجغرافية الأصلية.
وبعد وصول أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا أصبحت نظرية المجال الحيوي المبدأ العقائدي للنازية، حيث قدمت النازية مبررات التوسع الإقليمي الألماني في أوروبا الشرقية والوسطى، وتضمن مبدأ النازية ضرورة القضاء على معظم السكان الأصليين من أوروبا الشرقية (بما في ذلك البولنديين، الأوكرانيين، الروس، الدول السلافية الأخرى)، إما عن طريق الترحيل الجماعي إلى سيبيريا، أو الموت، أو الاستعباد، على اعتبار أن هؤلاء السكان أقل شأناً من الآرية الجرمانية، ذلك كي يستطيع الألمان استعمار هذه الأراضي والاستقرار فيها، لأن هذه الدول (أوروبا الشرقية) تمتلك أراضِ زراعية تجعل ألمانيا تكتفي غذائياً منها.
وبذلك أصبح المجال الحيوي الهدف الرئيسي في السياسة الخارجية للحزب النازي والرايخ الثالث الذي امتد بين عامي 1933 و1945 (الرايخ الأول امتد منذ توحيد ألمانيا في عام 1870 حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918، الرايخ الثاني امتد منذ عام 1918 حتى وصول أدولف هتلر إلى منصب المستشارية في عام 1933)، حيث رفض المستشار الألماني أدولف هتلر استعادة حدود ما قبل الحرب العالمية الأولى في ألمانيا باعتبارها غير كافية على الاعتبار أن عدد سكان ألمانيا كبير، طبقاً لذلك رأى هتلر أن الحدود السياسية حدود لحظية مؤقتة وليست دائمة، مضيفاً أن إعادة رسم الحدود يجب أن تستمر كهدف سياسي في ألمانيا.
ألمانيا تبدأ بتطبيق نظرية المجال الحيوي على أرض الواقع
بدأت ألمانيا بتطبيق سياسة المجال الحيوي باحتلالها بولونية في الأول من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1939، متجاوزة بذلك التحذيرات الفرنسية البريطانية لها من مغبة الإقدام على هذه الخطوة، لاسيما أن البلدين (فرنسا وبريطانيا) كانتا وقعتا معاهدة دفاع مشترك مع بولونيا قبل أيام تقول: أن أي اعتداء على بولونيا هو اعتداء على فرنسا وبريطانيا معاً.
وبعد غزو هتلر لبولونيا كبوابة لاحتلال أوروبا الشرقية، حيث قام بقتل أعداد كبيرة من البولنديين، وفي خريف عام 1939 عين هاينريش هيملر لتوطيد بناء الدولة الألمانية المكلفة بتوطين الألمان في الأراضي التي احتلها هتلر، حيث قام بسجن البولنديين تمهيداً لنقلهم إلى سيبيريا بعد أن يغزو هتلر الاتحاد السوفيتي، وبعد غزو هتلر للاتحاد السوفيتي في عام 1941 وانسحاب القوات السوفيتية إلى ما وراء جبال الأورال، رفض هتلر التوقف عند هذا الحد معتبراً أن هذه الجبال متوسطة الحجم لا تستطيع الفصل بين "العوالم الأوروبية والآسيوية".
وفي عام 1941، قرر هتلر أنه في غضون عشرين عاماً أي بحلول عام 1961 (كانت ألمانيا تعتقد أنها ستكون منتصرة في الحرب العالمية الثانية)، ستكون بولندا قد أفرغت من البولنديين وأُعيد ملؤها مع المستعمرين الألمان، لكن ذلك لم يحصل لأن الألمان خسروا الحرب العالمية الثانية، وأصبحت بولونيا لسنوات جزءاً من الاتحاد السوفيتي، وتابعة له قبل أن تستعيد استقلالها مع انهياره في عام 1989.
اعتمدت العديد من الدول نظرية المجال الحيوي لتبرير توسعها
- مصر، التي سعت لضم السودان إلى أراضيها في عام 1954 باعتباره مجالاً حيوياً لها.
- إسرائيل، من خلال حروبها ضد الدول العربية المجاورة سواء في حرب عام 1948 (نكبة فلسطين)، حرب الخامس من حزيران/ يونيو عام 1967 (نكسة حزيران)، اجتياح لبنان (1978 وعام 1982)، حيث عبر الوزير الإسرائيلي السابق إفرايم إيتام عن نظرية المجال الحيوي بقوله: "إن جميع المواطنين العرب في إسرائيل (عرب إسرائيل) والفلسطينيين يجب أن يكونوا أخرجوا من الأراضي التي ضمتها إسرائيل إما بالإقناع أو بالقوة".
- الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال دعوتها لنشر العولمة الاقتصادية التي تقوم على الرأسمالية، حيث قال الخبير الأمريكي في الجغرافيا السياسية أشعيا بومان، في عام 1944 أمام لجنة الشؤون الخارجية: "إذا تمنى هتلر مجالاً حيوياً وحصل عليه، فإن للولايات المتحدة الأمريكية مجال حيوي اقتصادي عالمي ستسعى إليه".
الأب الروحي للنظرية
ولد فردريك راتزل (Friedrich Ratzel) في مدينة بادن في ألمانيا في الثلاثين من شهر آب/ أغسطس عام 1904، درس في المدرسة الثانوية كارلسروه لمدة ست سنوات، ثم التحق بالجامعة ودرس الكلاسيكيات في سويسرا في عام 1863 وتخرج منها في عام 1867، ثم درس علم الحيوان في جامعة هايدلبرغ في برلين في عام 1868.
فردريك راتزل يبدأ رحلاته العلمية
بعد تخرجه من الجامعة، بدأ فردريك راتزل رحلاته العلمية، حيث انتقل تركيزه من علم الحيوان إلى الجغرافيا، فقد زار منطقة البحر الأبيض المتوسط، ثم أمريكا الشمالية، ثم كوبا، فالمكسيك بين عامي 1874 و 1875، حيث درس تأثير الناس الذين يحملون الجنسية الألمانية أو من أصول ألمانية في أمريكا، فرأى راتزل من خلال رحلاته العلمية أن المدن هي أفضل مكان لدراسة الناس لأن الحياة فيها مختلطة، وظروف الحياة ضاغطة ومتسارعة، بالتالي تبرز كل الصفات السلبية والإيجابية لدى الناس الذين يعيشون في هذه البيئة، ومن بين المدن التي زارها فردريك راتزل (نيويورك، بوسطن، فيلادلفيا، واشنطن، ريتشموند، تشارلستون، نيو أورليانز، سان فرانسيسكو).
فردريك راتزل أستاذاً في الجامعة
بعد عودته من رحلاته العلمية في عام 1875، عُين راتزل أستاذاً محاضراً في الجغرافيا في الكلية التقنية العليا في ميونيخ الألمانية، وفي عام 1876 أصبح أستاذاً مساعداً، ثم أستاذاً في عام 1880 (في الجامعة يوجد ثلاثة مستويات للمدرسين، المستوى الأول يكون أستاذ محاضر عند التعيين، المستوى الثاني يصبح أستاذاً مساعداً بعد مرور فترة من الوقت وبشروط معينة تختلف من بلد إلى آخر، المرحلة الثالثة أستاذ)، وفي عام 1901 كتب عن المجال الحيوي، وبذلك اعتبر مؤسساً للجغرافية السياسية.
كتب ومؤلفات راتزل
لفردريك راتزل العديد من الكتب، منها:
- أيام من تيه طالب من الطبيعة (Days of wandering of a student of nature)، نشره في عام 1873.
- عصور ما قبل التاريخ من الأوروبيين (Prehistory of Europeans)، نشره في عام 1875.
- الولايات المتحدة الأمريكية الشمالية (The United States of North America)، نشره في عام 1878.
- الأرض في أربع وعشرين محاضرة (The Earth in 24 lectures)، نشره في عام 1881.
- الجغرافية البشرية (Anthropogeographie)، في عام 1882.
- معلومات عن الشعوب (Information on peoples)، نشره في عام 1895.
- الجغرافية السياسية (political geography)، في عام 1897.
- الأرض والحياة (The Earth and life)، نشره في عام 1902.
توفي فردريك راتزل إثر إصابته بنوبة قلبية في التاسع من شهر آب/ أغسطس عام 1904، عندما كان في عطلة مع زوجته وابنته أميرلاند بإقليم بافاريا.
في الختام.. ربما يصعب تخيل أن كل ما جرى في العالم كان بسبب نظرية المجال الحيوي التي نظّر لها العالم الألماني فردريك راتزل، لكن هذا التفسير يبدو منطقياً إذا ما أخذنا ممارسات هذه الدول التي توسعت على حساب غيرها، فألمانيا النازية ارتكبت العديد من المجازر للقضاء على الأعراق غير الآرية، كذلك الأمر بالنسبة للدول الأخرى، حيث كان التوسع هدفاً بحد ذاته، وهو ما قاد العالم إلى حروب بدون فائدة سوى إراقة الدماء وتدمير المجتمعات، ولكن في النهاية بقيت الدول تؤمن بهذه النظرية وإن اختلفت طريقة التعاطي معها، حيث برز موضوع النفوذ (التأثير في دول الجوار) هو السائد باعتباره أقل كلفة بالنسبة للدول الحاملة لهذا الشعار.