نواصب الفعل المضارع في اللغة العربية
This browser does not support the video element.
ربما يجيد البعض القراءةَ بشكلٍ صحيح بنسبة جيدة، دون أنْ يكونَ ضليعاً بقواعد اللغة العربية، فتجده ينصبُ المنصوب في مكانه ويرفعُ المرفوعَ في موقعه، لكن إذا سألناه عن أسباب نصبِ المضارعِ قد نجده يعلمُ بعضها ويجهلُ بعضها الآخر، ربما ستساعد هذه المادة بالتعرف أكثر على حالات نصب الفعل المضارع وأدوات نصبه.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
يكون الفعل المضارع مرفوعاً في حالته الطبيعية
الفعل المضارع هو ما يقترن بالزمن المضارع أو المستقبل، أيّ ما يدلُّ على وقوع الحدث أثناء الكلام أو بعده، كقولنا (يدخلُ اللاعبُ منطقةَ الجزاءِ) فالحدث يقعُ أثناء الكلام أو قولنا (سيدخلُ اللاعبُ منطقةَ الجزاءِ)، كما يتميز الفعل المضارع عن الماضي والأمر أنَّه الوحيد من أفعال اللغة العربية الذي يقبل دخول لم، حيث نقول (لم يدخلْ اللاعبُ منطقةَ الجزاءِ)، لكن لا يمكن أنْ نقولَ (لم دخلَ أو لم أدخلْ).
أمَّا من ناحية الضمائر يقبل الفعل المضارع الاتصال بجميع الضمائر الساكنة مثل تاء التأنيث وواو الجماعة، لكنه لا يقبل من الضمائر المتحركة إلَّا نون النسوة على غرار (يدخلن إلى البيت)، وتعرب الضمائر المتصلة بالمضارع في محل رفع فاعل، كما يكون الفعل المضارع مرفوعاً بثبوت الضمَّة على آخره (يذهبُ) ما لم يكن معتلَّ الآخر، أمَّا إذا كان معتلَّ الآخر تقدَّر الضمة على حروف العلَّة (الواو والألف والياء) على غرار (يخبو أو يدعو)، لكن متى يتم نصب الفعل المضارع؟ وما هي نواصب المضارع؟
متى ينصب الفعل المضارع وكيف يتم إعراب المضارع المنصوب؟
يبقى الفعل المضارع مرفوعاً حتَّى تدخلَ عليه النواصب، فكلمة (تدخل) التي ذكرناها في الجملة الأولى اتصلت بإحدى النواصب (حتَّى)، فالأصل أن نقول (يدخلُ الناصب على المضارع)، كما تختلف علامة النصب وفق حالة الفعل وسنوضح كلَّ حالةٍ على حدة مع الأمثلة، لكن قبل ذلك دعونا نتعرف على نواصب الفعل المضارع.
ما هي نواصب الفعل المضارع؟
يقول الدكتور محمد أسعد النادري في كتابه (نحو اللغة العربية) وسنقوم بشرح قوله بالتفصيل:
"ينصب المضارع بواحد من أربعة أحرف وهي (أنْ ولنْ وإذنْ وكي)، وينصب أيضاً بعد لام الجحود، وحتَّى، وكي التعليلية، و (أو) التي بمعنى إلى أو كي أو إلَّا، و (فاء السببية) و (واو المعية) بأن مضمرة وجوباً، وبعد (لام التعليل والفاء وثم وأو) العاطفات بأنْ مضمرةً جوازاً..." والآن سنتعرف على النواصب بشكل مفصل وعلى حالات النصب بقدر ما أمكن من التبسيط.
-
لن الناصبة
تفيد لنْ الفعل بالمستقبل، كقولنا لنْ يتوقفَ عن الحديث، أو لنْ يدخلَ العدو، أو قوله تعالى في سورة مريم الآية 29: "فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا".
-
كي الناصبة
كي؛ حرف مصدرية ونصب واستقبال، تنصب الفعل المضارع كقولنا (ادخل كي تتعلَّمَ)، ولا يجوز أن يفصل بينها وبين المضارع المنصوب إلَّا (ما الزائدة ولا النافية)، كقولنا ادخل كي لا يفوتَكَ الدرس، أو قولنا ادخل كيما تأخذَ الدرسَ.
-
إذنْ الناصبة
إذنْ؛ حرف جواب وجزاء ونصب واستقبال فهي تفيد الجواب والجزاء، كما أنَّ لها ثلاثة شروط لتكون ناصبةً:
- أن تتصدر إذنْ في جملتها، فإذا قيل لكَ (سأسافرُ يوم الأحد) وكانت (إذنْ) في صدر الجواب كانت ناصبةً (إذاً نشتاقَ إليكَ)، أما إذا جاءت (إذنْ) حشواً في الجملة بقي المضارع مرفوعاً (نشتاقُ إذاً إليكَ)، كذلك يبقى مرفوعاً إذا جاءت متطرفة في آخر الكلام (نشتاقُ إليكَ إذاً)، كما يجوز الرفع والنصب إذا سبقت إذن بالواو أو الفاء على أن تحافظ على صدارتها بعد الواو أو الفاء كقولنا (فإذاً نشتاقُ/نشتاقَ إليكَ).
- أن يخلص الفعل المضارع بعدها للاستقبال وألَّا يدلَّ على الحال، فإذا قيل لك (أحبُّكَ) قلتَ (إذاً أظنُّكَ صادقاً).
- أن تكون إذن متصلةً لا يفصل بينها وبين المضارع شيء، فإذا كان جوابكَ (إذاً إنَّا نشتاقُ إليكَ) بقي المضارع مرفوعاً، وقد جاز نصبه إذا فصلت (لا النافية أو القسم) بين الفعل و (إذنْ).
حالات أن الناصبة الخاصة
يقول الدكتور سعيد الأفغاني في كتابه (الموجز في قواعد اللغة العربية):
"أنْ؛ حرف مصدرية ونصب واستقبال، وهو مع الفعل بعده أبداً في تأويل مصدر، فقولك أريد أنْ أقرأ، مساوٍ لقولك: أريد القراءة"
كما أنَّ (أنْ) الناصبة هذه لا تكون فيما يدلُّ على اليقين، بل لا بد أن تقع بعد الظنِّ، فهي إنْ وقعت فيما يدلُّ على اليقين كانت مخففةً من (أنَّ) فيحافظ المضارع على نفسه، كما لا يجوز فصل أنْ الناصبة عن الفعل المضارع بـ (لا النافية) كقولنا أرجو ألاَّ يسافرَ يوم الأحد، أو بـ (لا الزائدة) كقولنا: جئتُ لئلا يسافرَ يوم الأحد.
أمثلة للتمييز بين أنْ الناصبة وأنْ المخففة من (أنَّ):
- في قولنا: أظن أنْ يسافرَ يوم الأحد، سنجد المضارع منصوباً بأنْ والفعل يدلُّ على الظن.
- في قوله تعالى: "عَلِمَ أنْ سيكونُ منكم مَرضَى"، سنجد المضارع مرفوعاً، حيث جاءت (أنْ) مخففة من (أنَّ) والأصل فيها (عَلِمَ أنَّه سيكون...).
- أمَّا إذا وقعت (لا) بين (أنْ) والفعل يستوي فيها النصب والرفع، كقولنا: ظننت ألّا يُحسنَ إليكَ/ ظننتُ أنْ لا يحسنُ إليكً، والقصد من الثانية (ظننت أنَّه لا يحسنُ...)، أما إذا وقع ما يفصل بين أنْ والفعل غير (لا)، على غرار (قد وسوف) فهي حكماً مخففة من (أنَّ) كقولنا (ظننتُ أنْ سوف يسافرُ يوم الأحد/ ظننت أنَّه سوف يسافرُ يوم الأحد).
أنْ المضمرة تنصب المضارع في ثلاثة مواضع
تقوم أنْ المضمرة بنصب الفعل المضارع جوازاً ووجوباً وسماعاً، وذلك وفق الحالات الآتية:
إضمار أنْ جوازاً في موضعين:
الأول بعد لام التعليل الحقيقي كقولنا: جئت لأدرسَ/ جئتُ لأنْ أدرسَ، أمَّا الموضع الثاني بعد حروف العطف (الواو، أو، ثم، الفاء)، كقولنا: ستخلع حذاءكَ ثمَّ تدخلَ إلى البيت، أو كقولنا يرضي خصمك نزوحُكَ أو تسجنَ، والمقصود أو أنْ تسجنَ.
إضمار أنْ وجوباً
تكون أنْ الناصبة مضمرة في خمسة مواضع، هي:
- بعد لام الجحود: وسميت لام الجحود لملازمتها النفي، حيث يشترط بلام الجحود أن يسبقها بكونٍ ماضٍ ناقص لتنصب المضارع بأنْ مضمرة وجوباً، وإلَّا كانت أنْ مضمرةً جوازاً مع لام التعليل التي ذكرناها سابقاً، أما لام الجحود هي كقولنا (لم تكن لتكذبَ) فاللام تعزيزاً لنفي الكذب.
- (حتَّى) للانتهاء أو التعليل أو الاستثناء: وهي حتَّى الدالَّة على انتهاء الغاية على غرار جلستُ حتَّى تعودَ، أو حتَّى الدالَّة على التعليل كقولنا: سأقرأ له حتَّى ينامَ، ومنه قول المقنع الكندي: ليس العطاءُ من الفضولِ سماحةً...حتَّى تجودَ وما لديكَ قليلُ.
- (أو) العاطفة بمعنى (إلى- كي- إلَّا الاستثنائية): وتأتي (أو) بمعنى (إلى) كما في قول الشاعر "لأستسهلنَّ الصعبَ أو أدركَ المنى" والمقصود إلى أنْ أدرك المنى، كما تأتي (أو) بمعنى (كي) كقولنا (سأطيع الله أو يغفرَ لي ذنبي) والمقصود بها كي يغفر لي ذنبي أو إلى أنْ يغفرَ لي ذنبي، أما الحالة الأخيرة لوجود نصب المضارع بأنْ المضمرة بعد (أو) العاطفة إن دلت على الاستثناء كقول الشاعر: "وكنتُ إذا غمزتُ قناة قومٍ كسرتُ كعوبها أو تستقيما" والمقصود إلَّا أن تستقيما، بعبارة أخرة إما كسر كعوب القناة أو استقامةٌ منها.
- فاء السببية: وتكون الفاء ناصبةً للمضارع وجوباً فقط إنْ كانت مسبوقةً بنفي أو طلبٍ محضين، ومنها قول المغيرة بن حبناء: "سأترك منزلي لبني تميمٍ وألحقُ بالحجازِ فأستريحا"، أو كقولنا (ليس الأستاذُ حاضراً فنسألَه)، أما إذا انعدم النفي أو الطلب بقي المضارع مرفوعاً، كقولنا (الأستاذُ حاضرٌ فنسألُه)، كذلك يجب الرفع بعد الفاء إذا سبقت بـ(إلَّا) كقولنا (ينشر موقع بابونج في كلِّ المجالات إلَّا المخلَّة بالآداب العامة فيترفعُ عن نشرها).
- واو المعية: وهي الواو التي تفيد حصول ما قبلها مع ما بعدها في زمنٍ واحد بمعنى (مع)، ولها نفس شروط فاء السببية أن تسبق بطلب أن أو نفي محضين، كقولنا لا تأكل السمك وتشربَ اللبن، أو قوله تعالى في سورة آل عمران الآية 142: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ".
إضمار أنْ الناصبة سماعاً
وهي الحالات التي تُحفظُ سماعاً ولا يجوز القياس عليها، مثل قول العرب (خذ اللص قبلَ يأخذَك) والقصد منها قبل أن يأخذك، لكن القياس على أنْ المضمرة في هذه الحالة لا يجوز، كما في قوله تعالى في سورة الزمر الآية 64: "قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ" بقي المضارع مرفوعاً على الرغم من وجود أنَّ المضمرة في القصد (أنْ أعبدَ).
هناك عدَّة علامات إعرابية للمضارع المنصوب
يتم نصب المضارع عندما تدخلُ عليه أحد الحروف الناصبة التي ذكرناها في حالاتها كلِّها، وتكون حركة إعرابه وفق الحالات الآتية:
- تكون علامة نصب المضارع الصحيح الفتحة الظاهرة (حتَّى تدخلَ).
- فيما تكون علامة نصب المضارع المعتل بالألف الحركة المقدرة على حرف العلَّة (أنْ يسعى)، فيما تكون الفتحة الظاهرة على الواو والياء في المعتل نحو (لنْ ينجوَ- لنْ يعطيَ).
- وتكون علامة نصبه حذف النون إذا كان من الأفعال الخمسة (حتى يرجعوا، كي ترجعي، حتَّى ترجعا...).
خلاصة:
- ينصب الفعل المضارع بدخول النواصب (أنْ، لنْ، كي، إذنْ) وفق الشروط التي ذكرناها.
- تكون أنْ مضمرة في ثلاثة أوجه، سماعاً لا يقاس عليها، وجوازاً يجوز معها الرفع والنصب، ووجوباً يكون النصب معها ضرورةً.
- تكون أنْ الناصبة مضمرةً جوازاً بعد لام التعليل وأحرف العطف (الواو، أو، ثم، الفاء).
- تكون أنْ المضمرة وجوباً ناصبةً في خمسة مواضع (لام الجحود، حتَّى، أو، فاء السببية، واو المعية).
- أن الناصبة المضمرة سماعاً تحفظ ولا يقاس عليها.
- يجب أن تتصدر إذنْ جملتها وتفيد الاستقبال وتتصل بالفعل حتى تكون ناصبةً.