;

DW تتحقق: كيف يشوه الذكاء الاصطناعي الحملات الانتخابية؟

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: الجمعة، 04 أكتوبر 2024
DW تتحقق: كيف يشوه الذكاء الاصطناعي الحملات الانتخابية؟

شاب يرتدي قميصًا أبيض، بشعر أشقر وعينين زرقاوين وعظام وجنتيه بارزة يحدد اختياره على ورقة الاقتراع بالحبر الأزرق. مشهد آخر من نفس الفيديو يظهر العديد من النساء المحجبات في الشارع بوسط المدينة. ظهر هذا الفيديو الإعلاني الانتخابي على حساب حزب البديل من أجل ألمانيا في براندنبورغ على موقع إكس في إطار انتخابات الولاية. وقد حقق الفيديو منذ ذلك الحين 147 ألف مشاهدة. وحقق مثال آخر بأسلوب مشابه أكثر من 870 ألف مشاهدة.

مقاطع الفيديو هذه تتلاعب بالعواطف، وتصور سيناريوهات مستقبلية مهددة وتقدم حلولاً بسيطة. ومع ذلك فهي ليست حقيقية، ولكن تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. وغالباً ما يكون الإنتاج سريعاً وسهلاً ورخيصاً. وعلى النقيض من بعض مقاطع الفيديو الأخرى التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يمكن التعرف بوضوح هنا أيضاً على أن المحتوى تم إنشاؤه على جهاز كمبيوتر.

وعلى عكس التزييف العميق الذي يحاكي الأصوات والإيماءات والحركات بطريقة حقيقية خادعة للمستخدم بحيث يظن أنها لأشخاص حقيقيين، يمكن التعرف بوضوح على مقاطع الفيديو مثل المشار إليه أعلاه على أنها من إنتاج الحاسوب.

ويتزايد استخدام مثل هذه "التزييفات البسيطة" في الحملات الانتخابية السياسية، وهي طريقة شائعة على ما يبدو تستخدمها الأحزاب والسياسيون لجعل أنفسهم أكثر وداً أو جعل خصومهم أكثر تهديدًا.

"التزييف" في الحملات الانتخابية السياسية

يكتسب هذا الأمر أهمية خاصة في عام الانتخابات 2024، حيث أُجريت الانتخابات أو ستُجرى في العديد من أنحاء العالم. وعلى سبيل المثال استخدم مرشح حزب البديل من أجل ألمانيا البارز آنذاك ماكسيميليان كراه العديد من صور الذكاء الاصطناعي في حسابه على تيك توك في حملته للانتخابات الأوروبية هذا العام.

ويمكن التعرف على ذلك بسهولة من خلال الوجوه غير الطبيعية والمفرطة في النعومة للشخصيات التي تم تصويرها، حيث شاب ودود مبتسم في إحدى الصور المصغرة، ورجل عجوز يفتش في حاوية قمامة في صورة أخرى - لا شيء من هذه الصور حقيقي.

وحتى في فرنسا استخدمت الأحزاب أدوات بسيطة لتوليد الصور في الفترة التي تسبق الانتخابات الأوروبية والبرلمانية، التي يبدو أنها كانت تهدف إلى إحداث تأثير عاطفي بشكل خاص.

وقد توصلت دراسة حللت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لجميع الأحزاب في الحملة الانتخابية الفرنسية إلى استنتاج مفاده أن الأحزاب اليمينية الشعبوية على وجه الخصوص تستخدم "التزييف البسيط". لم يتم تصنيف أي منشور على أنه من إنتاج الذكاء الاصطناعي. وهذا على الرغم من حقيقة أن جميع الأحزاب قد التزمت بمدونة سلوك كجزء من انتخابات البرلمان الأوروبي.

وحسب هذه المدونة لا ينبغي إنتاج أو استخدام أو نشر أي محتوى مضلل. ويشمل ذلك صراحةً الصور ومقاطع الفيديو التي تم توليدها بالذكاء الاصطناعي. ومع ذلك في فرنسا، استخدمت أحزاب مثل الوطنيون والتجمع الوطني وريكونكيت هذا المحتوى على نطاق واسع دون وضع علامات واضحة تبين أنه من انتاج الذكاء الاصطناعي.

وحتى في الحملة الانتخابية الأمريكية يتم استخدام هذه الصور التي تم انتاجها بالذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال نشر دونالد ترامب صورة لامرأة من الخلف يُزعم أنها تمثل كامالا هاريس أمام حشد من الناس يرتدون لباسا موحدا. القاعة في الصورة التي تم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي مليئة بالرموز الشيوعية: المطرقة والمنجل والأعلام الحمراء. تُستخدم هذه الصور في المقام الأول لاتهام منافِسة ترامب بأنها ذات أيديولوجية شيوعية، وهي حجة قاتلة بالنسبة للكثيرين في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتتجاوز مشكلة هذا المحتوى مجرد التضليل ونشر الأخبار الكاذبة: فهي تخلق حقائق بديلة؛ تخلق عالمًا تبدو فيه النسخ المصطنعة من الواقع أكثر واقعية من الواقع نفسه. وحسب شعار الفنان بابلو بيكاسو: كل ما يمكنك تخيله هو حقيقي.

كيف يؤثر ذلك على إدراكنا؟

لكن هل ندرك مقاطع الفيديو والصور التي من الواضح أنها من صنع الذكاء الاصطناعي لواقع بديل، على أنها حقيقة بسبب كميتها الهائلة؟

كان الباحثين يبحثون في التأثيرات المحتملة للشخصيات المصطنعة الشبيهة بالبشر، على المشاهدين منذ سبعينيات القرن الماضي. وقد صاغ مهندس الروبوتات الياباني ماساهيرو موري مصطلح "الوادي الخارق". وينص هذا المصطلح على أنه كلما بدا الروبوت بشرياً أكثر، كلما وجده المشاهد أكثر غرابة.

"هناك انفصال بين ما نفكر فيه وما نراه أمامنا"، يقول نيكولاس ديفيد بومان، رئيس تحرير مجلة علم النفس الإعلامي والأستاذ المشارك في كلية نيوهاوس للاتصالات العامة في جامعة سيراكيوز بالولايات المتحدة الأمريكية. ويضيف في حوار مع DW "نحن نشعر بهذا الانزعاج لأننا نعلم أنه أمر خاطئ، وهذا يجعل الأمر غير مريح بالنسبة لنا لأننا لا نستطيع التوافق معه".

وعليه يقل القبول كلما بدت الشخصيات الاصطناعية أكثر شبهاً بالبشر. ولكن ماذا يحصل عندما تتخطى الصور التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تأثير "Uncanny Valley" والذي يعني كلما كانت الشخصية المصطنعة مشابهة للإنسان كلما كانت أكثر قبولا، ولا نعود نشعر بالفزع منها؟ يقول بومان: "بمجرد أن نتجاوز تأثير وادي الخارقين، لن نلاحظ حتى الفرق بين الحقيقي والمزيف".

نحن لم نصل بعد إلى هذه المرحلة: "لدى الناس هذا الشعور الغريزي عندما يشاهدون مقطع فيديو. هذا هو أفضل كاشف لدينا لتحديد ما إذا كان شيء ما من صنع الذكاء الاصطناعي أو حقيقي".

وحسب بومان يصبح الأمر إشكاليًا عندما يتجاهل الناس هذا الشعور الغريزي، لأنهم يريدون تصديق المزيف: "يمكن للناس إيقاف تشغيله. إذا كانوا منحازين، أقصى اليسار أو أقصى اليمين، ورأوا محتوى غير حقيقي، فإنهم لا يهتمون لأنهم يتفقون مع المحتوى". لذلك لن يحاول الناس في كثير من الأحيان حتى التعرف عليه لأنه يتوافق بالفعل مع معتقداتهم ويؤكد ما يريدون رؤيته.

وهذا تأثير نفسي يرتبط بشكل غير مباشر فقط بالتقدم التكنولوجي. فالناس يقررون كيفية تفاعلهم مع هذه الصور والتعامل معها.

وهذا القرار ليس ثابتًا بأي حال من الأحوال، فالنقاط المرجعية تتغير باستمرار. ويقول بومان: "في حين كان يُنظر إلى فيلم "بولار إكسبريس القطبي" الذي تم إنتاجه عام 2004 على أنه مخيف، لأن الشخصيات التي تم توليدها كانت من صنع البشر، إلا أنه اليوم أصبح تقليدًا عاديًا في عيد الميلاد".

تأثير الذكاء الاصطناعي: تهديد للمشهد المعلوماتي

في العديد من الانتخابات العام الماضي تزايد استخدام المحتوى المزيف مثل التزييف العميق أو التزييف البسيط. وقد لاحظ فيليب هوارد ذلك أيضًا. وهو رئيس ومؤسس مشارك في الفريق الدولي المعني ببيئة المعلومات، وهي منظمة تعمل مع العلماء في جميع أنحاء العالم لإجراء دراسات حول تطور المشهد المعلوماتي.

وقد شمل الاستطلاع أكثر من 400 خبير من أكثر من 60 بلداً في أحدث دراسة لهم. ويشعر أكثر من ثلثي الخبراء (67 في المائة) بالقلق من التأثير المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي على مدى السنوات الخمس المقبلة. وهم يرون أن أصحاب منصات التواصل الاجتماعي والحكومات والسياسيين يشكلون تهديداً كبيراً للمشهد المعلوماتي.

ويقول هاودر في حوار مع DW "أعتقد أننا تجاوزنا مرحلة التنظيم الذاتي للصناعة. نعم تقوم شركات الذكاء الاصطناعي بمراجعة نفسها. إنها تقيّم واجباتها بنفسها". ومع ذلك فإن هذا ليس فحصا كافياً، لأنه ليس مستقلاً. "لذلك إذا تمكنا من جعل المنظمين يضغطون من أجل إجراء عمليات فحص مستقلة، بحيث يمكن للمحققين المستقلين والصحفيين والأكاديميين النظر تحت غطاء المحرك (خلف الكواليس)، فأعتقد أنه يمكننا تغيير الأمور".

لقد شهد هذا العام طفرة حقيقية في استخدام المحتوى الذي يتم توليده بواسطة الذكاء الاصطناعي في الانتخابات. ويعتقد الخبراء أنه سيكون هناك المزيد من هذا المحتوى في المستقبل. ولا يقتصر الأمر على مسألة ما إذا كان هذا المحتوى مزيفًا أم لا فحسب، بل أيضًا كيف سيكون رد فعل السلطات التنظيمية عليه؟ وربما الأهم من ذلك، كيف يريد المستخدمون التعامل معه؟

أعده للعربية: م.أ.م

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه