;

ما هو الفرق بين اللهجة واللغة واللكنة؟

  • تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: منذ 4 أيام

قد يعتبر البعض أنَّ التمييز بين اللغة واللهجة أمر بسيط، هذا سيكون صحيحاً بالنسبة لأهل اللغة أنفسهم بحكم المعرفة والممارسة، فالعرب يعرفون أنَّ لغتهم الوحيدة هي العربية والباقي لهجات إقليمية، لكن اللغات الهندية والباكستانية الأردو متشابهة إلى حدٍّ بعيد حتى تظن أنَّها لهجات، تعالوا نتعرف معاً على الفرق بين اللغة واللهجة، والمميزات التي تجعل اللهجة تتحول إلى لغة.

ماهية اللغة وتعريفها

ربما يمكن تعريف اللغة من خلال سطرين أو ثلاثة، لكن هناك معارك علمية كبيرة ما تزال قائمة لإيجاد المعنى الحقيقي للغة، كما يعتبر الوصول إلى نظرية تطور اللغات عموماً أو كلَّ لغة على وجه الخصوص أمراً أكثر تعقيداً، لكننا سنحاول أن نورد تعريفاً مختصراً للغة، هو تعريف عالم اللغويات والصوتيات الإنجليزي هنري سويت (Henry Sweet1845-1912)، حيث اعتبر سويت أنَّ اللغة "تعبير عن الأفكار من خلال الحديث والأصوات إلى جانب الكلمات، وعملية الجمع بين الكلمات في جمل هي التعبير (أو الإجابة) عن تلك الأفكار".

كما أن اللغة هي استخدام الأصوات والكلمات بطريقة منهجية للوصول إلى المعاني والتعبير عنها، سواء من خلال الكتابة أو النطق، كما تتميز اللغة بكونها مجموعة من الرموز والمعاني المحكومة بسلسلة من القواعد والضوابط النحوية، فاللغة إذاً هي نظام اتصال مشترك بين فئة من الناس، يتمكنون بواسطته من التفاهم والتعبير عن أفكارهم عن طريق الكتابة والنطق.

ماهية ومفهوم اللهجة

اللهجة تؤدي نفس الوظيفة من حيث التعبير عن الأفكار بواسطة الكلمات والجمل، لكن اللهجة تعتبر جزءاً من اللغة أو نسخة محكية عن اللغة القياسية، حيث تجتمع عدَّة لهجات في لغة واحدة تكون أقل انصياعاً إلى القواعد اللغوية والنحوية، كما أنَّ اللهجة لا تكون مكتوبة ولا تدخل في نظم التعليم لأنها خالية من القواعد.

واللهجة أكثر خصوصية من اللغة كونها تميز فئة أضيق من الناطقين بلغة واحدة، حيث يتمكن الناطقون بالعربية من فهم بعضهم البعض لكنهم إن لم يتلقوا تعليماً خاصاً لن يتمكنوا من فهم الناطقين باللغة الألمانية، حيث تأتي اللهجة كتبسيط لقواعد اللغة والتخلص من قيودها واستغلال مرونتها في ادخال مصطلحات جديدة بشكل مستمر.

من جهة أخرى تكون اللهجة أكثر قابلية للتأثر بلغاتٍ أصلية أخرى، كتأثر اللهجة الجزائرية باللغة الفرنسية نتيجة الاستعمار الفرنسي الذي دام مائة وثلاثين عاماً تقريباً، لكنَّ الجزائريين ما زالوا على معرفة باللغة العربية الأم على الرغم من صعوبة تواصلهم مع المشرق العربي لاختلاف اللهجة، فلكلِّ لغات العالم لهجات متعددة مع اتساع رقعة استخدام هذه اللغة، فاللغة الإنجليزية على سبيل المثال تختلف في كندا عنها في بريطانيا.

لكن هذا الاختلاف هو اختلاف بين لهجتين تنتميان لنفس اللغة، علماً أنَّ اللهجة لا تكتفي بتغيير نطق بعض الحروف أو الكلمات، وإنَّما تتعدى ذلك إلى خلق مصطلحات جديدة بالكامل غير موجودة في اللغة الأصلية، فضلاً عن تبديل بعض المفاهيم لكلمات اللغة الأصلية نتيجة الاستعمال في غير الموضع الأصلي للكلمة؛ فكلمة (شاطر) في اللغة العربية الفصحى تعني المكَّار والخبيث، لكنَّها في أغلب لهجات بلاد الشام تطلق على الأطفال المجتهدين في الدراسة، كذلك كلمة (فوت) المشتقة من الفصحى (فات الشيء أي تركه وفات الأمر أي انقضى) لكنَّها تعني في بلاد الشام (ادخل) وهو المعنى المعاكس لاستخدام الكلمة السوداني والمصري، حيث تستخدم في اللهجة السودانية بمعناها الفصيح.

ما الفرق بين اللهجة واللكنة؟

اللكنة تتعلق بطريقة اللفظ وليس بتركيب الكلمة أو معناها، وغالباً ما تبرز اللكنة كانعكاس لطريقة لفظ اللغة الأمِّ على لغةٍ جديدة، أو تأثير اللهجة الأم على لهجة جديدة، فإذا حاول المصريون أن يتكلموا بلهجة أهل الشام ستكون اللكنة المصرية واضحة في طريقة لفظهم للكلمات الشامية، كذلك الروس الذين يتكلمون الإنجليزية يجدون صعوبة في التخلي عن النطق الفخم للغة الروسية، لكن اللكنة لا تغير من معاني الكلمات ولا علاقة لها بخلق معانٍ ومصطلحات جديدة.

الفرق بين اللهجة واللغة

نظرياً هناك فروق واضحة بين اللغة واللهجة لا يمكن إخطاؤها، أبرزها أنَّ اللغة قياسية أو معيارية، بينما تكون اللهجة خاصة بفئة معينة بغض النظر عن عدد أفرادها، بمعنى أنَّ اللغة هي المتفق عليها بين الناطقين بها وهي ما يتم تعليمها في المدارس ويفهمها الناطقون بلهجاتها بشكل جيد، فحرف القاف مثلاً من الأحرف التي تختلف كثيراً بين لهجات اللغة العربية، فالقاف في دمشق والقاهرة (آف) أما في الخليج العربي وفي صعيد مصر تلفظ القاف كما تلفظ الجيم المصرية.

كما تتميز اللهجة الكويتية بحذف حرف الجيم (فتقول عن الرجال.. ريَّال)، لكنَّ هذه الاختلافات تختفي في المدارس والخطابات الرسمية، كما أنَّ جميع العرب يفهمون معنى الكلمة العربية الفصحى، فكلمة (دولاب) في سوريا تعني عجلة بينما تعني في مصر خزانة، لكن إذا قال السوري خزانة سيعرف المصري قصده، وإذا قال المصري عجلة سيعرف السوري قصده أيضاً، لذلك تعتبر اللغة قياسية ومفهومة من قبل جميع الناطقين بها بينما تعتبر اللهجة أكثر خصوصيةً.

من جهةٍ أخرى فاللغة أكثر استقراراً من اللهجة، على الرغم أنَّ اللغة تتأثر بتيارات معينة وتتطور بإضافة ألفاظٍ جديدة، لكن اللهجة سهلة الاختراق أكثر من اللغة، لأنَّ اللغة تبقى محكومة بمجموعة من القواعد والضوابط التي تفتقر إليها اللهجة، كما هو الحال مع أغلب اللهجات العربية التي تأثرت بالاستعمار الفرنسي والإنجليزي بينما كانت اللغة أقلَّ تأثراً.

أخيراً يقول عالم اللغويات ماكس فاينرايش (Max Weinreich) إنَّ "اللغة هي لهجة مع جيشٍ وبحرية"، إشارة منه إلى أنَّ استقلال بلادٍ ما مع قوة سياسية وعسكرية يمكن أن يحول اللهجة إلى لغة من خلال استخدامها بشكلٍ رسمي من قبل الدولة.

لكن عملياً ما يزال التفريق بين اللهجة واللغة غير ممكن بشكل قاطع، والسائد أن يكون فهم الرموز بين من يتحدثون عدّة لهجات هو ما يحدد اللغة الأصلية لهذه اللهجات، وما تعتمده الدولة في دستورها هو ما يحدد لغتها، فإذا ذكر الدستور أن اللغة الرسمية لدولة النرويج هي النروجية أصبحت النروجية لغةً مستقلةً عن السويدية، لكن إذا ذكر الدستور أنَّ اللغة الرسمية في الأرجنتين هي اللغة الإسبانية؛ فالأرجنتينية هي لهجة إسبانية وليست لغة منفصلة.

استخدام العامية كلغة بديلة عن اللغة العربية

يطلق المتعصبون للعروبة وللغة العربية على التيارات التي تدعو إلى استخدام اللهجات (الانعزالية أو الشعبوية)، وقد برزت هذه الدعوات في عدَّة أقطار عربية دعت صراحةً إلى استخدام اللهجة المحكية في الكتابة والتدريس كلغةٍ مستقلةٍ عن اللغة العربية، فكانت أبرز هذه الدعوات دعوة تيار اللهجة اللبنانية الذي بدأ مع مارون غصن عام 1929، ثم أخذ صداه مع دعوة الشاعر اللبناني الراحل سعيد عقل إلى استخدام العامية اللبنانية كلغة بديلة عن اللغة العربية، واستخدام الحرف اللاتيني بدلاً عن الحرف العربي، لكن هذه الدعوَّة لم تتمكن من تحقيق أهدافها، كذلك شهدت مصر تياراً يدعو إلى استخدام العامية المصرية في الكتابة بديلاً عن العربية الفصحى، وربما كان أبرز انعكاسات هذا التيار حتى الآن هو افتتاح ويكيبيديا اللهجة المصرية.

ولم يكن المغرب العربي في معزل عن هذه الدعوة، فنشأ جدل كبير في المملكة المغربية حول الدعوة إلى استخدام اللهجة الدارجة في التعليم بدلاً من العربية الفصحى، حيث قاد هذا التيار عام 2013 نور الدين عيوش عضو المجلس الأعلى للتعليم المغربي ورئيس مؤسسة زاكورة للتربية.

لكنَّ هذه الدعوة واجهت احتجاجاً كبيراً من المثقفين في المغرب، ولم تؤتِ ثمارها حتى الآن، علماً أن أغلب الداعين إلى استخدام اللهجات الدارجة بدل اللغة العربية الفصحى يبررون دعوتهم هذه بجمود الفصحى وخروجها من دائرة الاستعمال اليومي بشكل كامل، لكنهم أيضاً متهمون بمحاولة عزل دولهم عن المحيط العربي وتغذية الانعزالية القومية.

ختاماً.... ما تزال اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد العربية على الرغم من خروجها من الاستعمال اليومي بشكل كبير، لكن بالتوازي مع سيطرة اللغة العربية ظهرت التيارات التي تنادي باللهجة العامية كلغة رسمية، كذلك محاولات إحلال الحرف اللاتيني مكان الحرف العربي التي أنتجت لغة الشات في الكتابة، وهي كتابة الألفاظ العربية الدارجة باستخدام الأحرف اللاتينية مع الاستعانة بالأرقام لتعويض الأحرف العربية التي لا مقابل لها في اللاتينية مثل القاف والصاد.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه